أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شجاع الصفدي - خمسٌ على هامش الوطن(3)














المزيد.....


خمسٌ على هامش الوطن(3)


شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)


الحوار المتمدن-العدد: 3068 - 2010 / 7 / 19 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


(1)

كان يعتني بشاربه كثيرا ويحمل حقيبة صغيرة بها عدة أدوات لتهذيب الشارب، وهيئته توحي بأنه أحد الباشاوات قبل إلغاء الألقاب ، يتكلم بنبرة آمرة فقد اعتاد أن يكون رجًلا عسكريا صارما على مدار عقود ، فهو من عائلة جعلوها بشكل أو بآخر من ملّاك البلاد ، تملك من الأرض ما لا يملكه سواها دون أن تشتري مترا واحدا ، وكنت أحيانا أردد مازحا : على هذه العائلة أن تصنع تمثالا للحاج فهمي الحسيني رحمه الله والذي له أفضال لا تحصي على بعض عائلات غزة .
المهم أن الباشا لم يكن بحاجة للوظيفة العسكرية ولا للمنصب الرسمي إلا من باب الوجاهة والنفوذ ، فلديه من المال ما لا يجعله يومًا صاحب حاجةٍ أو عوز .
تقاعد رجلنا المبجل من الوظيفة فزاد اعتناؤه بشاربه وذلك لزيادة وقت الفراغ لديه ، أتى بحرّاسٍ للبيت ، ألبسهم زيًا رسميا ، وزّعهم بشكل تكتيكي داخل أسوار العزبة التي يملكها في حيٍ راقٍ في المدينة ، ولا يمكن أن تجلس مع الباشا إلا بعد استئذان وفحص وتدقيق ، وتسليم سلاحك للحرّاس ، وعليك أن تقرأ "قل أعوذ برب الفلق" و " قل أعوذ برب الناس " وتتحوقل ، ذلك أن مولانا متطيّر يخشى الحسد ويجعل الناس يرقونه بأنفسهم خشية أعينهم الحاسدة ! .
في زيارة اضطرارية للباشا رأيت العجب ، حراس يحومون ويأتون ليبلغونه بالتفاصيل التي تدور حول أسوار البيت من الخارج وحركة كثيفة جعلتني أشعر أني في بيت الرئيس ، ولم أعد أعرف الجمعة من الخميس ، وحين خرجت مع رفقتي من حضرته ، قلت : سبحانك ربي إذ بَلَوْتَ الباشا بهوس الحرّاس والوسواس ، وهو المنسي من ذاكرة الناس ! .

*****

(2)


قرض القصيدة والزجل ، صاغ المقالة والمقامة ، كتب الرواية والدجل ! ، وفي غفلةٍ من الأدباء صار صاحبنا شهبندر الأدب ، في بلادٍ غاب عنها الأدب .
ومع نفاد المخزون لدى صاحبنا المجنون ، بات يغرق في التكرار ، حتى نفر منه الزوّار ، فسافر على عجل ، يبتاع بعضا من أمل ، لكنه عرف المفيد ، واكتشف بطلان الرصيد ، أفلس ، صار على الحديد .
عاد إلى البلاد لا يملك فكرا بدينار ، ولا حضورا بدرهم ، لكنه الشاطر ، على التدبير بقادر ، عمل في ترويج الكلام ، حتى جمع ثمنا لعِمامة ، ارتداها واحترف الإمامة ، صار يخطب في الناس ، يهجو المهاجرين تارة ، وأخرى يذم الأنصار ، حتى عاد نجمه يلمع في انتصار ، وأصبح شهبندر التجار !.
إن كتب قصيدةً في مدح مسيلمة هتف الجمهور : الله أكبر، سيزول الحصار ! ، وإن ذمّ أبا جهلٍ صرخوا نشوةً : عشت يا شيخ التجار ، عشت يا هادي الكفار ! .
وعلى هذا الحال جلس الأدباء على أطلال الأدب ، يبكون ما حلّ بالديار .

*****

(3)

نشأ في عائلة ضعيفة ، ليس لديها المال أو العزوة ، اضطُهِد واستقوى عليه أبناء الجيران ، استضعفوه وأهانوه .
إذ جاء زمانٌ على بلادنا استبدت فيه سطوة العشائر ، وافترى القوي على الضعيف ، وانتهكت العائلات الأقوى حرمة عائلات أضعف وأقل عددا وقوة ، فنال صاحبنا ما ناله من أذى ومهانة ، وكان يبلع الكلام كالحصى والأذية كالعلقم .
حدث الطوفان ، وغرقت البلاد في دمها ، فوقع في يده إكسير القوة ، وأمسك بمجداف السلطة، فاستولى على قوارب الآخرين وأغرقها ، ركب موجته العاتية التي انتظرها طويلا ، وانتقم من كل من أذوه ، فبدا كحملٍ أضحى ذئبًا.
التقيته في عزاء أخيه الذي راح ضحية الطوفان ، وجدته يصول ويجول مزهوًا في خيلاء ، والتف حوله بعض الفتيان يلقي إليهم بأوامره متعمدا أن يسمعني ذلك ، ثم تقدم نحوي وعانقني وهمس : الأيام دول يا رجل .
قلت : بلى ، فلكل زمان دولةٌ ورجال ، وسبحان مغيّر الأحوال ، من حالٍ إلى حال .
قمت بواجب العزاء ومضيت خارجا إلى عزاء الدنيا الكبير ! .


*****
(4)


عُرِفَت عنه الشدة والجرأة ، كُلِّف بمهامٍ عدّة ، تحتاج لرجال زنودهم من حديد ، وكان أهلا لها ، حتى عندما اختاروه في أمرٍ خطير عبر البحار أغلق فمه وأجاد كتم السر .
بعد أن أصبحت البحار لا حاجة لها ، والبحارة لا عمل لهم ، انقطع عنه المال وساء لديه الحال ، فأصبح تاجرًا ، يقنع هذا ويحاجج ذاك ، حتى أصبح مشهورا بالجدارة ، معروفا بين أهل التجارة ، سمسارا يملك الشطارة ! .
لجأ إليه أحد التجار الكبار ليشتري قطعة أرضٍ كبيرة من صاحبها الممتنع عن البيع ، فكان له ما أراد ، أخذ المال ووعد بأن يقضي الأمر في الصباح .
ليلا أخذ زوجته والعيال في نزهة كما زعم وقال ، وصل الحدود المصرية ، ناولهم بعض العصير مخلوطا بشيء خطير ، فاستيقظوا في العريش ، من حولهم ثيابٌ من ريش .
واختفت آثار ثائرنا المغوار ، الذي أضحى مليونيرا بغلطةِ حمار ! .

*****

(5)


منذ صباه ، حمل مكبرات الصوت في كافة التظاهرات الشعبية العارمة ضد الاحتلال ،تعرض للضرب والاعتقال ، ضحى بكل شيء من أجل مبادئه الثورية ، مؤمنا بعدالة القضية ، مطالبا لشعبه بحق العيش والحرية.
كبر وكبرت أحلامه ، أصبح قائدا وطنيا يتقدم الجموع بعزم وقوة ، خطيبا مفوّها في كل منبر ، مناديا للتحرير بخيار البندقية .
ساوموه ، هدّدوه ، لم يهتز ولم يتراجع ، وأصبح مرفوضا من تجار الوطنية ، مطلوبا للاحتلال في كل زاوية ، فوشى به الجبناء ووقع في الأسر ، وما زال يردد : " يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل ، لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل ".
والآخرون قابعون خلف مكاتبهم الوثيرة يستعرضون على الشاشات كروشهم المنتفخة ، وبزّاتهم الباريسية الأنيقة ، يقولون ما يؤمرون ، ويتشدقون بالحرية ! .



#شجاع_الصفدي (هاشتاغ)       Shojaa_Alsafadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شوكة الغرباء -نص نثري
- حرية لأجل غزة
- خمسٌ على هامش الوطن(2)
- شركة جوال وخدماتها الخاصة جدا !!
- في مرجل الذكرى
- خمسٌ على هامش الوطن
- وعاد لينتظر
- جامعة فلسطين الدولية وسنوات الضياع
- تغطية للجلسة الثانية من ملف القصة القصيرة جدا بغزة
- اسمي - أريدُ-
- ندوة عن القصة القصيرة جدا في غزة برعاية ملتقى الصداقة الثقاف ...
- كقمحٍ يفرُّ نحو الرحى
- غزة بين مصر والجزائر
- بعدك كسرنا سلّم الأحلام
- بين مطرقة التنحي وسندان المرحلة
- عاشقٌ يرثي ظلّه
- صرخة من سجن هشارون
- عتب حول مفاهيم الأدب
- على صفحة الطريق
- ذلك الإرث الثقيل-لروح درويش في مرور عام على غيابه


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شجاع الصفدي - خمسٌ على هامش الوطن(3)