طه اسماعيل محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 11:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من سلة المهملات......
طوفان نوح
يكتبها طه اسماعيل محمد
لم يبدأ اعجابي بالأب د.يوسف توما من قرائتي لكتاب طوفان نوح، وإنما يمتد إلى أكثر من عقد من السنين قبل ذلك، وتحديداً في السنوات الأخيرة من القرن الماضي عندما كنت أواظب على حضور محاضراته الشيقة ظهر كل يوم جمعة في كاتدرائية القديس يوسف (كنيسة السنتر) في بغداد، الا أن اعجابي به إقترن هذه المرة بإنبهار بشجاعة هذا الرجل وعلميته.
لقد كان الأب يوسف في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية –كما يورد في مقدمة الطبعة العربية- عندما سمع بصدور كتاب طوفان نوح، الإكتشافات العلمية الحديثة بخصوص الحدث الذي غير التأريخ لمؤلفيه وليام ريان و والتر بتمان الصادرة عن دار سايمون و شيستر، نيويورك، 1999. وبمجرد أن أنهى قراءة بضعة صفحات من الكتاب –كما يشير-حتى تبينت له أهميته لبلدنا ولمنطقتنا، فما كان منه الا أن تولى أمر الإشراف على ترجمته ومن ثم مراجعته ونشره باللغة العربية.
إلى هنا ويبدوا الأمر طبيعياَ ولا يدل على أكثر من سعة ثقافة الأب ورغبته في نشر الثقافة المعتمدة على العلم على مواطني بلده. ولكن الأمر ليس كذلك –فقط-، فأن يقوم رجل دين مسيحي معتبر مثل الأب يوسف توما بهذا العمل لكتاب يثير الكثير من الشكوك حول أصل ومكان حادثة من أهم الحوادث التي وردت في العهد القديم، فهو ما يثير الإعجاب والإنبهار معاً.
والكتاب موضوع البحث نتاج جهود بحثية علمية إمتدت منذ عام 1961 شارك المؤلفين فيها عدد من الباحثين من مختلف دول العالم منهم أمريكان وروس (الإتحاد السوفييتي سابقاً) وأتراك وآخرين في إختصاصات التأريخ والجغرافيا والجيولوجيا والفيزياء والبحار والأحياء والكيمياء، إضافة الى اعادة دراسة جهود العلماء العاملين في آثار مناطق بين النهرين وشمال العراق وإيران وجنوب تركيا وغرب سوريا خلال القرنين الماضيين.
وما توصل الكتاب إليه –وهذه نظرية علمية قابلة للنقاش والمعارضة- تجيب على عدد كبير من الأسئلة اتي ما زالت غامضة لحد يومنا هذا حول حقيقة طوفان نوح من جهة وأصل السومريين من جهة أخرى. ومع أن هذين السؤالين كانا منفصلين ولم يسبق لأي من الباحثين أن ربط بينهما من قبل (على حد علمي) إلا أن النظرية التي يخرج بها الكتاب تربط بينهما وتجيب عليهما معا.
وخلاصة ما توصل اليه البحث هو أنه قبل ما يزيد على المائة قرن من السنين كان ما يدعى الآن بالبحر الأسود بحيرة ضخمة ينخفض مستواها عن مستوى سطح البحر آنذاك بمئات الأقدام، ذات مياه رقراقة صافية تصب فيها جملة من الأنهار التي تورد اليها المياه العذبة الأمر الذي أدى الى تكون حضارة يشرية حولها هي الأرقى على سائر مناطق الأرض في ذلك الزمان الذي سبق بداية تكون الحضارة الإنسانية الموثقة. حضارة شملت الزراعة والرعي وصيد وتدجين الحيوانات وصناعة العدد والسفن. وبانتهاء الفترة الجليدية الأخيرة -وهي الوحيدة التي شهدها الجنس البشري بشكله الحالي- إرتفعت مياه البحر الأبيض المتوسط مما تسبب في انهيار التربة التي كانت تغطي ما يدعى الآن بمضيق البسفور الأمر الذي سبب تدفق المياه الى منخفض البحر الأسود بسرعة تعادل 200 ضعف سرعة تدفق مياه شلالات نياغارا واستمر التدفق لمدة تزيد عن العام لحين امتلاء المنخفض، ولابد أن الأخبار قد وصلت الى سكان البحيرة –ولا بد أنهم لاحظوا ارتفاع مستويات الماء واختلاف طعمها أيضاً- فمنهم من لجأ الى المعابد يدعوا ربه المغفرة، ومنهم من هرب الى المناطق المرتفعة ضمن رقعة المنخفض فأحاطتهم المياه بعد حين، ومنهم من سعى لبناء الفلك فوضع فيها عائلته وما تيسر له من حيواناته وحبوبه كغذاء للطريق، واتجه جنوب البحرة أو شمالها حسب موقعه، فأما الجنوبيون منهم فقد انحدرو جنوبا الى أن استقرو عند وصول ارتفاع الماء الى حده النهائي ولابد أنهم لاحظو أن ماء البحيرة أصبح ملحا أجاجا لايصلح للزراعة أو الشرب فاستمروا على أجيال في التقدم جنوباً إلى أن وصلو الى جنوب العراق في الألف الرابع قبل الميلاد حيث تم تسميتهم بعد ذلك التأريخ بستة آلاف سنة بالسومريون الذين أذهلو العالم -وما زالوا- بالمستوى الحضاري المتقدم الذي كانوا عليه. وتناقلت الأجيال منهم قصة الطوفان الذي حصل لهم وتغير شكل القصة وإن أحتفظ بشكله الرمزي على مر السنون وأضيفت له مسوغات من خارج الطبيعة (كما هو ديدن الإنسان في كل زمان ومكان) مصحوبة بالتشوش الطبيعي في تناقل المعلومات كما تفرضه نظرية المعلومات الى أن بدأ توثيقه على شكل أساطير كان ما وصل الينا منها هو النسخة المحفوظة في خزائن مكتبة أشور بانيبال في القرن السابع ق. م. من خلال ملحمة جلجامش، ومثلها ما تحولت الى اساطير في الجزء الغربي من البحر الأسود كمحاولة الإسكندر البحث عن الخلود في نبع ماء عذب في أعماق بحر الظلمات، بل أن الكثير مما ورد في الأوديسة يبدوا متأثرا بشكل أو بآخر بأحداث الملحمة العراقية.
إنها نظرية علمية مرت بكل مراحل المنهج العلمي الرصين، وهي كغيرها قابلة أن تكون صحيحة تقبل الخطأ أو خاطئة تقبل الصحة، ولكن فكرة المبادرة الى ترجمتها ومن ثم نشرها بالعربية من رجل دين مسيحي تستحق –بحق- كل الإعجاب والشكر والتمني في أن ينتهج علماء ديننا الاسلامي الحنيف الاسلوب ذاته في التقدم الى أمام في طرح ومناقشة الأفكار العلمية الجديدة ومحاولة الإجابة العلمية عليها بدلا من الكفر المسبق بها.....
ولنقرأ معاً.......
"يا كوخ القصب!.. يا كوخ القصب، يا جدار..يا جدار
إسمع يا كوخ القصب وأفهم يا حائط.....
يا رجل –شروباك- يا إبن –أوبارا توتو-
قوض البيت وأبن لك فلكاً
تخل عن مالك وأنج بنفسك
إنبذ الملك وخلص حياتك
وأحمل في السفينة بذرة كل ذي حياة" .
#طه_اسماعيل_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟