|
المبدعة العربية.. بين الواقع والطموح
ظبية خميس
الحوار المتمدن-العدد: 931 - 2004 / 8 / 20 - 12:03
المحور:
الادب والفن
بقدر عمومية الموضوع المطروح تكون عمومية الرؤية «ابداع المرأة العربية بين الواقع والطموح» ولان اشكال الابداع الفني متنوعة فإنني سوف اقتصر حديثي حول الادب الحديث عموما، والشعر بشكل خاص، وخصوصا ان تجربة المرأة العربية الابداعية الشعرية كانت تمثل منظورا هاما لكتاباتي النقدية في مرحلة السبعينيات حيث عملت على كتابين يتمحوران حول هذه التجربة: الاول بعنوان «صنم المرأة الشعري» وهو دراسة حول جذور الكتابة الشعرية الحديثة للشاعرة العربية المعاصرة، والثاني بعنوان «الذات الانثوية» من خلال شاعرات حداثيات في الخليج العربي.
وكما قالت فدوى طوقان انها «رحلة جبلية صعبة» تلك التي اجتازتها الشاعرة العربية المعاصرة في بداياتها وكان من نماذجها عائشة التيمورية في اول القرن العشرين ونازك الملائكة في النصف الاول ثم فدوى طوقان مع بدايات النصف الثاني للقرن العشرين وما هي الا علامات مضيئة وواضحة تختصر رمزيا تجارب مئات النساء الكاتبات المبدعات في اوانهن.
غير ان تلك الرحلة الجبلية الصعبة قد مهدت الطريق لاجيال تالية من الشاعرات منذ الستينيات وحتى نهاية القرن العشرين على مدار الوطن العربي استطعن ان يجدن طريقا ممهدا واكثر سلاسة للمضي بالقصيدة من وعورة الماضي الى قصيدة الحياة التي تكتب اليوم بمسميات مختلفة كان اخرها «قصيدة اليومي والمعاش» وكان بين هذه الاجيال المتفاوته نسبيا في درجة حريتها الابداعية اسماء مهمة مثل: حمدة خميس وسعاد الصباح وفوزية السندي وايمان مرسال ونجوم الغانم ونجمة ادريس وميسون صقر وفاطمة قنديل ولينا الطيبي وآمال موسى وايتيل عدنان وسنية صالح والكثيرات في مختلف دول العالم العربي والمهجر وصولا الى جيل اكثر حداثة في عهد التابعات من الشاعرات الاصغر جيلا اللواتي يطرحن كتاباتهن حاليا مثل هدى حسين، وصالحة غابش، وسوزان عليوان وغيرهن.
ـ اذن من ناحية الكم: مبدعات ونصوص فإنه من الواضح ان ذلك يتزايد مع تراكم التجربة الابداعية للشاعرة العربية المعاصرة، يتبقى ان توصف بعض النقط حول هذا الواقع وذلك الطموح خارج اطار الاجابات الجاهزة لهذه الحال: ربما يكون التساؤل الاول حول النص النوعي في اللحظة الراهنة ومدى تعبيره على المستوى الادبي، والانساني المضموني والفني عن الشاعرة العربية حاليا ضمن مستويين مستوى الادب العربي الحديث بكامل انجازاته، ومستوى الشعر والادب على صعيد العالم لاجيال اخرى مواكبة لجيل كاتبات اللحظة الراهنة، وخصوصا ان اللعبة الاعلامية سواء على مستوى بعض المؤسسات الرسمية او المؤسسات الصحفية قد استغلت الى حد ما صورة المرأة المبدعة او الشاعرة لتكريس نماذج معينة او فتح الابواب المجانية لكثيرات من ناقصات الموهبة والاجتهاد مما سطح الى درجة تتجاوز كل المعايير الفنية الادبية الكثير من ذلك النتاج وسعى الى صنع الاطار ـ الصورة للمرأة الاديبة بإسم الكتابة الادبية النسائية.
ان عدد المبدعين عموما في الوطن العربي يتجاوز عدد النقاد الى حد مرضي، والحال نفسه ينطبق على وضع المبدعات. ان التساؤل الثاني هو حول وجود حركة نقدية فعالة وقادرة على مواكبة تلك التجارب لتغذية تلك التجارب وتوجيهها نحو المسار الابداعي الافضل وخصوصا ان النقد العربي الحديث في عمومه اكثر انشغالا بالتجربة الريادية والذكورية على شكل الخصوص للادب العربي الحديث واذا كان بعض النقاد العرب قد اتخذ صفة الوصاية سواء عبر الهدم العشوائي لبعض التجارب الابداعية النسائية العربية او المدح المفرط والتدليل للبعض الآخر الا اننا نادرا ما وجدنا ذلك النقد الملتفت للتجربة النسائية العربية الابداعية بشكل حي.
ويقظ وابن لحظته الموازية للحظة الابداعية، فعلى سبيل المثال نجد غالي شكري وهو يصنع صنماً لغادة السمان حين كتب حول تجربتها الروائية في الوقت الذي نجد فيه جورج طرابشي يحطم بشراسة وضراوة تجربة نوال السعداوي الادبية ولايبتعد الناقد رجا سمرين عن ذلك كثيرا في كتابه «شعر المرأة المعاصر» حيث يتم التقييم بفوقية تتجاوز الاعتراف بكينونة الشاعرة العربية المعاصرة.
اما اذا نظرنا الى الصفحات النقدية والثقافية في الصحافة العربية اليوم فإن الحال ليس افضل كثيرا، وان زاد عليه مسألة «الفرق» الصغيرة التي تجمعها بعض المصالح المادية والمؤسساتية، والاجتماعية حيث تتم «التغطية» او «التعتيم» بناء على علاقة المشرف الثقافي او المؤسسة بهذا الاسم الادبي او ذلك، وخصوصا مع تزايد عدد المهرجانات، والملتقيات والندوات، والترجمات وما يتبعها من حسابات خاصة، وصغيرة.
نأتي الى الموضوع الاكثر خطورة، والاكثر شمولية وهو موضوع الحريات بكل ابعادها في وطننا العربي: حرية التجربة والتجريب، حرية الابداع والتعبير، حرية النشر والوجود، والحرية الفكرية ومن الواضح ان هذا بعد كان العالم العربي يدفع اثمانه الفادحة طوال الوقت وعلى كل المستويات، بما فيها الفكرية والابداعية غير ان الوضع قد تفاقم في هذه اللحظة الراهنة ومع بدايات القرن الجديد.
والمبدعة العربية لم تكن بمعزل ابدا عن دائرة «الثواب والعقاب» و «العقاب» خصوصا في تجربتها الحديثة والتي دفعت بعض المبدعات الى احراق اشعارهن مثل عائشة التيمورية، او التخلي الفكري الكلي من تجربتهن مثل نازك الملائكة، او الاتجاه من الشخصي والخاص الى المقبول اجتماعيا ودينيا كما قد حدث مع فدوى طوقان، وان كانت بعض الكاتبات قد تعرضن للمحاكمة بسبب كتاباتهن مثل ليلى بعلبكي في الستينيات، او الاضطرار للهجرة مثل غادة السمان، او الضغوط المادية والفصل من العمل مثل الشاعرات خديجة العمري وفوزية ابو خالد في التسعينيات فإن الامر مازال مستمرا ولعل النماذج الاوضح لمصادرة الحرية، تتبدى ويا للمفارقة في دولة عربية كانت الى وقت قريب نموذجا للثقافة العربية الحرة وهي الكويت فقد شهدت الاعوام الاخيرة مصادرة كتابات ادبية لكل من ليلى العثمان وعالية شعيب وكانت المصادرة مصحوبة بالتكفير والاساءة الاجتماعية والمحاكمات والتهديدات بالقتل.
واذا كان هذا القتل قد اتخذ شكله الحرفي منذ ايام مع الكاتبة الكويتية المرحومة هداية السالم فإنه قد اتخذ شكلا اشد قسوة مع الكاتبة عالية شعيب والتي قد اشتهرت بجرأتها الادبية والاجتماعية وكانت نموذجا متحررا ومتطورا للاديبة العربية، فقد قامت منذ شهور قليلة بارتداء الحجاب ـ وهذا ليس مثارا اعتراضيا ـ غير انها أضافت اليه الحجاب العقلي حين قالت انها خرجت من الظلام الى النور واعلنت توبتها عن الكتابة الابداعية واتهمت الاديبات الاخريات بالبقاء في الظلام لاصرارهن على الكتابة الابداعية.
اخيرا ان الابداع الادبي ليس اعادة انتاج لماضٍ محنط او قواعد لغوية او موازين شعرية، انه تقاطع الخاص مع العام وآفاق من التجريب في الحياة والنص وابعاد جمالية وحرية بلا كوابح، الابداع هو حالة فردية متفردة لايمكن المطالبة به، كما لايمكن تقنينه، او وضع السدود امامه لتغيير مساره لذلك فأنا ارى ان التجارب الابداعية الناجحة في العالم العربي والمهجر هي تجارب اولئك الذين اصروا على انتمائهم للابداع ايا كان الثمن لادراكهم انها مسألة وجود وكينونة وليست مسألة عقاب وثواب او برواز اجتماعي، سياسي، او ثقافي ورغم ان هؤلاء هم القلة من المبدعين والمبدعات غيرانني ارى انهم وانهن من يحافظون على تدفق الدم الحي في الجسد العربي المنهك والذي كاد يصير جثة بلاروح.
#ظبية_خميس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|