|
حديث الحيوان في السيرة والقرآن
رياض الحبيّب
الحوار المتمدن-العدد: 3063 - 2010 / 7 / 14 - 18:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حدّثنا الشيخ الزغبي، عبر إحدى الفضائيات، مُنتقِداً جانباً ممّا ورد في كتاب "أصول الكافي" 1- 237 ما يأتي: {كان النبي راكباً حماره فالتفت الحمار إلى النبي- وهذا عجيب- قائلاً: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبيه، السند هنا [أي سند الحديث] في أربعة حمير؛ أنّ نوحاً ركب عليّ فمسح على كنفي- وفي رواية: كفلي- ثم قال [أي قال نوح] يخرج من صُلب هذا الحمار حمارٌ يركبه سيّد الأوّلِين والآخِرين، أي محمّد ص، فالحمد لله الذي جعلني هذا الحمار حتى تركبني يا رسول الله... إلخ} انتهى. لم يعترض الشيخ المذكور على أنّ الحمار يتكلّم ولم يتساءل عن ماهية لغته إمّا كانت العربيّة أو لغة غيرها ولم يعترض على كيفية فهْم رسول الإسلام لغة الحمير إمّا كانت غير العربيّة؛ لكنه اعترض على تجاهل المصنّف عاملَ الزمن بالمقارنة بين مجموع أعمار أربعة حمير متتالية النسل أباً عن جدّ [علماً أنّ متوسط عمر الحمار 40 سنة- بحسب ويكيپـيديا- وليس الذي ذكر فضيلة الشيخ] وبين الفترة الزمنية الممتدة من زمن نوح إلى زمن محمّد. كما استنكر الشيخ قول الحمار لمحّمد (فداك أبي وأمّي يا رسول الله) على أنّ {الذين يفدون النبي هم المسلمون، المؤمنون، الربّانيّون... وليس الحمار ليفدي الرسول المذكور بحمار وحمارة- قول الزغبي} وفي الرابط التالي حديث الزغبي مُدّته حوالي خمس دقائق: http://www.dailymotion.com/video/xb8w8y__people
والحديث ذاته مسجّل في يوتيوب: http://www.youtube.com/watch?v=yVDt-UEkOJQ
ولا أدري ما مشكلة فضيلة الشيخ مع سند الحمار، إنما الجدير ذكره هو أنّ الحمار مذكور في مواضع عدّة في القرآن؛ منها الوارد في سورة الجمعة: ٥ «مَثَلُ الَّذِين حُمِّلُوا التَّوْرَاة ثُمَّ لمْ يَحْمِلُوهَا كمَثَلِ {الحِمَارِ} يَحْمِلُ أسْفارًا بئسَ مَثَلُ القوْمِ الَّذِين كذَّبُوا بآَيَاتِ اللَّهِ...» هذا مع تحفظي على ذكر معنى ما تقدّم لأنه يقع خارج إطار هذه المقالة. ومنها الوارد في سورة لقمان: ١٩ «وٱقْصِدْ فِي مَشْيكَ وٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنّ أنكرَ ٱلأصواتِ لصَوْتُ الحَمِير» ولقد ورد في تفسير الطبري: {واختلف أهل التأويل في تأويل قوله «إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير» فقال بعضهم معناه: إنّ أقبح الأصوات. وقال آخرون بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات...} انتهى.
كما قرأت في التراث الإسلامي أنّ المقوقس- عظيم القبط- قد أهدى محمّداً حماراً معروفاً في كتب السّيرة باٌسم “يعفور” ذُكِرَ أنّه مات في الطريق أثناء حجّة الوداع.
إذاً هُوذا رسول الإسلام قد رضِيَ بالتعامل مع بعض خصائص الحمار من جهة القرآن ورضيَ به شخصيّاً كهديّة من جهة أخرى، على رغم موقفه مختلفاً سواء إزاء الوارد في القرآن بأنّ صوت الحمار هو الأقبح والأشرّ وإزاء الوارد في الحديث بأنّ الحمار يقطع الصلاة على المسلمين، بحسب صحيح البخاري- كتاب الصلاة، باب: من قال لا يقطع الصلاة شيء. فما سرّ زعل الشيخ الزغبي؟
وتالياً ما رأي الشيخ الزغبي بحديث الذئب وما رأيه بحديث السِّبَاع؛ عن أبي سعيد الخدري قال: {بينما راعٍ يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه، فجاءه الراعي يسعى فانتزعها منه فقال للراعي: ألا تتقي الله تحُول بيني وبين رزق ساقه إليّ، قال الراعي: العجب لذئب يتكلّم. والذئب مُقعٍ على ذنبِهِ يكلّمني بكلام الإنس. فقال الذئب للراعي: ألا أحدثك بأعجب من هذا؟ هذا رسُول الله -ص- بين الحرتين يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاءه إلى المدينة فزواها من زواياها، ثم دخل على رسُول الله- ص- فقال له ما قاله الذئب، فخرج رسُول الله- ص- فقال للراعي: أخبر الناس ما قاله الذئب، فقال رسُول اللهِ- ص: "صدق الراعي ألا إن من أشراط الساعة كلام السّباع الإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حَتَّى تكلّم السباع الإنس، ويكلّم الرجل نعله وعذبة سوطه، ويخبره فخذه بحدث أهله بعده"} – أخرجه أحمد والحاكم: 4/467 والبيهقيّ وأخرجه ابنُ حِبَّان في صحيحِهِ– زوائد ابن حبّان– برقم 2109 وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة– برقم 122
وما رأيه أخيراً بحديث عن شكوى جَمَل لرسول الإسلام؛ عن عبد الله بن جعفر قال: {أردفني رسُولُ اللهِ- ص- ذات يوم خلفه فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً، وكانَ رسُولُ اللهِ- ص- أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائط من حيطان الأنصار، فإذا جملٌ قد أتاه يجرجر وذرفت عيناه. فلما رأى النَّبيَّ- ص- حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رَسُولُ اللهِ- ص- سراته وذِفْراهُ فسكن. فقال: "مَنْ صَاحِبُ الجملِ؟" فجاء فتى من الأنصار فقال: هُو لي يا رسُولَ الله. فقال: "أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله؟ إنه شكى لي أنك تُجيعُه وتُدئِبُه} – أخرجه أحمد 1/204 وصحّحه الحاكم2/109 ووافقه الذهبيّ. [تُدئِبُه: تُتعِبُه بكثرة العمل]
أمّا بعد فإنّ طائفة من المسلمين قد اعترضوا على سلسلة الحديث قائلين أنها موضوعة، مرفوعة، ضعيفة، من الإسرائيليات... إلخ على أساس أنّ القرآن هو الذي يجب أن يؤخذ به. قلتُ: حسناً فخذوا إذاً ما قالت النملة وما قال الهدهد، بالإضافة إلى حديث الجنّ؛ هنا أوّلاً مقاطع من سورة النمل: ووَرِثَ سُليْمَانُ دَاوُودَ وقال يا أيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إنَّ هذا لَهُوَ الفضْلُ المُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَان جُنُودُهُ مِن الجنِّ والإنسِ والطَّيْرِ فهُمْ يُوزَعُون (١٧) حَتَّى إذا أتَوْا عَلى وَادِ النَّمْلِ {قالتْ نَمْلةٌ} يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُون (١٨) فتبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قوْلِهَا وقالَ رَبِّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتك التي أنعَمْتَ عَليَّ وعَلى والِدَيَّ وأنْ أعْمَلَ صَالِحًا ترْضَاهُ وأدْخِلْنِي برَحْمَتِكَ فِي عِبَادِك الصَّالِحِين (١٩)
فنقرأ في تفسير القرطبي 1 نقلاً عن تفسير الزَّمَخْشَرِيّ: {سمِعَ سليمان كلامَها من ثلاثة أميال، وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس؛ وقيل: كان اٌسمُها طاخِيَة} 2 نقلاً عن السُّهَيْليّ: ذكروا اسم النملة المكلِّمة لسليمان عليه السلام، وقالوا اٌسمها حَرْمِيَا، ولا أدري كيف يتصور للنملة اسم علم والنمل لا يسمّي بعضهم بعضاً...} ذلك إلى قوله {فإن صحّ ما قالوه فله وجه، وهو أنْ تكون هذه النملة الناطقة قد سُمّيت بهذا الاسم في التوراة أو في الزبور أو في بعض الصحف سماها الله تعالى بهذا الاسم، وعرفها به الأنبياء قبل سليمان أو بعضهم. وخصّت بالتسمية لنطقها وإيمانها فهذا وجه. ومعنى قولنا بإيمانها أنها قالت للنمل: "لا يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان وجنوده وهم لا يشعرون"} انتهى
أمّا تعليقي على ما ورد في تفسير القرطبي (أن تكون هذه النملة الناطقة قد سُمّيت بهذا الاسم في التوراة أو في الزبور أو في بعض الصحف سماها الله تعالى بهذا الاسم) فالواقع أنّ النملة المقصودة لا وجود لها في التوراة ولا الزبور (أي سِفر المزامير في الكتاب المقدّس) إنما قام مؤلّف القرآن بتحوير القصّة بأكملها نقلاً من أحد كتب اليهود الخرافية منها وتحديداً "الترجوم الثاني لإستير" والذي نقل مؤلفه هذه الخرافة بدوره من أحد كتب الديانة الزرادشتية التي في بلاد فارس- والمزيد في رابط حديث د. رأفت عمّاري الأستاذ في التاريخ مدته حوالي ثلاثين دقيقة: http://islamexplained.com/ReligionandHistoryEpisode18/tabid/1181/Default.aspx أمّا حديث الهدهد في سورة النمل عينها: وتفقَّدَ الطَّيْرَ فقالَ مَا لِيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كَان مِن الغائِبين (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أوْ لَأَذبَحَنَّهُ أوْ لَيَأتِيَنِّي بسُلطَانٍ مُبِينٍ (٢١) فمَكَثَ غيْرَ بَعيدٍ فقالَ أحَطتُ بمَا لمْ تُحِطْ بهِ وجئتُكَ مِنْ سَبَإ بنبَإ يَقِين (٢٢) إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَة تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء ولهَا عَرْشٌ عَظِيم (٢٣) فنقرأ في تفسير الطبري: {وقوْله «فقال أحَطْت بمَا لمْ تُحِطْ به» يقول: فقال الهُدْهُد حِين سَألهُ سُليْمَان عَنْ تخلُّفه وغيْبَته: أحَطْتُ بعِلْمِ مَا لمْ تُحِطْ بهِ أنْتَ يا سُليْمَان} انتهى
ذلك إلى قوله: قالَ عِفْريتٌ مِن الجنِّ أنا آَتِيكَ بهِ قبْلَ أنْ تقومَ مِنْ مَقامِكَ وإنِّي عَليْهِ لقوِيٌّ أمِين النمل: ٣٩ وفي تفسير الطبري: {وقوله: «قال عفريت من الجن» يقول تعالى ذكره: قال رئيسٌ من الجن ماردٌ قويّ} انتهى. وتعليقاً على تفسير الإمام الطبري قلت ببساطة: لقد اعترف الطبري بأنّ رئيساً من الجنّ مارداً قويّاً قد تكلّم. وقلتُ أيضاً: لكنّ ذلك ليس بحسب قوله تعالى ذكره بل بحسب مؤلّف القرآن، إذ لا دليل- مُفْرَدَاً- على أنّ القولَ المذكور هو قولُهُ تعالى ذكره!
إنما هي ليست المرّة الوحيدة التي يتكلّم بها الجنّ، بل نقرأ بالمناسبة ما ورد في سورة الجنّ عينها أنّ الجنّ {قالوا} وأنّ منهم المسلمين والقاسطين. والقاسطون- في تفسير الطبري- الجائرون عن الإسلام -- الظالمون: قُلْ أُوحِيَ إليَّ أنَّهُ اسْتمَعَ نفرٌ مِن الجنِّ {فقالُوا} إنَّا سَمِعْنا قُرْآَنًا عَجَبًا – الجنّ: ١ إلى قولهم في القرآن- كما أوحِيَ إلى مؤلّفه: وأَنَّا مِنَّا {الْمُسْلِمُون} ومِنَّا {القاسِطُون} فمَنْ أسْلمَ فأُولئِكَ تحَرَّوْا رَشَدًا – الجنّ: ١٤
ولا يُنسى أنّ في المملكة العربية السعودية {مسجد الجن} رُبّما سُمّي كذلك أسوة بسورة الجنّ. قلتُ أخيراً وليس آخراً؛ إنهُ حقّاً كان قرآناً عَجَباً- باعتراف مؤلّف القرآن نفسه!
#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة عبادلة
-
إنْ تتُوبا إلى اللهِ فقدْ صَغتْ قلوبُكُما...- التحريم: £
...
-
هل المقصود بالنكاح: الزواج؟
-
المرأة أوّل شاهد على قيامة المسيح
-
أصبح عندي الآن مزهريّة
-
فن الكتابة وعار السرقة
-
سابعاً: شطرنج السيدات
-
الشطرنج تاريخاً وعِلماً... سادساً
-
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً... خامساً
-
جامعة الدول المتوسطية
-
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً... رابعاً
-
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً وفنّاً وأخلاقاً- ثالثاً
-
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً وفنّاً وأخلاقاً- ثانياً
-
هل «تعلّق قلبي» لاٌمرئ القيس؟- ثانياً
-
هل «تعلّق قلبي» لاٌمرئ القيس؟- ثالثاً
-
هل -تعلّق قلبي- لاٌمرئ القيس؟
-
الشطرنج تاريخاً وعِلْماً وفنّاً وأخلاقاً- أوّلاً
-
مع سيداو والجرأة على إنصاف المرأة
-
تجَسُّدُ الإله لو يُفهَمُ مَعناه
-
هكذا قرأتُ القرآن ١٠ سورة الفجْر- ثانياً
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|