رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3063 - 2010 / 7 / 14 - 18:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دعوتي هذهِ إنسانية صرفة , فهي ليست ضد دين الإسلام ولا حتى مشايخهِ الكرام .
فقد تبادرت الفكرة , الى ذهني بسبب الأرتفاع الشديد لدرجة الحرارة هذا العام .
فمن خلال القنوات الفضائية والهاتف مع الأقارب والأصدقاء , أسمع أنّ شعبي وأهلي في العراق يعانون من الأرتفاع الرهيب للحرارة ,
حتى أن بعضهم أوصلها الى 57 درجة مئوية في الظّل .
ويوم أمس كانت أعلى درجة قد سُجلت في محافظة ذي قار التي مررتُ بها يوماً في حياتي دون التوقف فيها .
قال أحد المواطنين من قناة الفيحاء بنبرة وعيون حزينة ..
ماذا نفعل وكيف نعيش ؟ الحرارة مرتفعة جداً .. ولا ماء ولا كهرباء !
والسياسيون لم يتفقوا بعد على حكومة جديدة لأنّهم لا يشعرون بحالنا !
بينما مواطن بصري بشوش( بضحكة حزينة ), رغم محاولتهِ إخفاء قهرهِ وحزنهِ وكآبتهِ
قال : فلتوفر الحكومة لنا , الكهرباء فقط , وليقطعوا عنّا بدلها الحصة التموينية , لانُريد منهم حصّة ولا أكل ولا وظائف ولا خدمات .. نُريد كهرباء وماء فقط .
في الواقع أبكاني كلامهُ , قلتُ في نفسي .. ما أظلم البشر على بعضهم .
تذكرتُ لقطة مرّت بي عام 1995 في ماليزيا .
وصلتُ كولالامبور , للبحث عن عمل .. جلستُ في مقهى أنيق يتجمع فيهِ العراقيين الوافدين , فسألني الكثير منهم أولاً , كيف حال البلد وأهلنا فيه ؟ وكان الزمن وقتها / الحصار الصدامي الذي يسميهِ الناس خطأً / الحصار الدولي .. ماعلينا
قلتُ لهم : نسمع في الشوارع والأسواق , عبارة .. أنّ الصيف حبيب الفقراء .
أنا نفسي لا أفهم لماذا ؟ ربّما لرخص الفواكه والخضراوات عموماً فيه ؟
وفعلاً نسمع باعة الخضراوات يصيحون بأعلى أصواتهم , تفضلوا.. تعالوا إشتروا الباذنجان الرخيص , إشبعوا منهُ فلن يكلفكم شيئاً . أكملتُ شرحي للشباب الذي تجمع حولي بالقول : إنّ الباذنجان قد وقفَ سنداً, للشعب العراقي هذا الصيف .. الله كريم للصيف القادم
فوجئتُ ببكاء الجميع وبعضهم ضربَ المنضدة بيديهِ وبدء يشتم كلّ شيء .
لم أكن أقصد بعبارتي تلك ترويعهم بهموم الناس في بلدنا .لكنّ الظاهر أنّي فعلت !
بالمناسبة ( الباذنجان ) في السويد مرتفع السعر وهو أربع أضعاف سعر الموز مثلاً .
....
كيف وصل ساسة العراق الى تلك القساوة , ليجعلوا المواطن يتمنى ويحلم بنسمة هواء باردة ؟
عشرون عاماً مضت على معاناة العراقيين من إنقطاع الكهرباء , ولا من أمل يلوحُ في الأفق لإنتهاء تلك المعاناة الرهيبة .
أمس سألتُ إبن أختى وهو يعمل مهندس في دائرة حكومية , هل تتمتع بالكهرباء خلال الدوام .. أقلّه ؟
قال : لا يا خالي العزيز , في الدائرة حتى لو وجد الكهرباء فنكتفي بالمراوح فقط فتصور فائدتها مع حرارة جونّا الرهيب ؟
ثم راح تفكيري الى رحمة الإله بدل الحاكم والسياسي الفاسد , فتمنيتُ أن يُسقط الربّ رذاذاً ثلجياً ومطراً خفيفاً على عموم العراق طيلة الصيف القاتل .
ثم توقفتُ لأنّي وجدتُ نفسي أحلم , وأنا صاحي ولستُ بنائم , بدليل تركيزي على الأخبار من إذاعة ال بي بي سي , حتى سمعتُ مواطن سوداني يجيب مراسل الإذاعة عن إرتفاع الحرارة عندهم أيضاً .
قررتُ أن أنهض مسرعاً لأكتب مقالي هذا وأوجهه الى المشايخ المحترمين ممن يرون في أنفسهم الكفاءة والإيمان معاً للتدخل في هذهِ القضية المهمة لدى الناس , كلّ الناس المُسلمين , خصوصاً الأطفال والنساء والكبار والمرضى وفاقدي الماء والكهرباء .
وسؤالي لهؤلاء المشايخ واضح ومباشر :
هل يمكن تخفيف الصوم خلال أشهر الحرّ والقيض الشديد ؟
أنا متأكد أن الله لا يُضيرهُ نقص أو زيادة ساعة , في صوم عبدٍ ضعيف .
ومتأكد أن الله يفرح بفرح عبدهِ حسب الحديث النبوي القدسي .
ومتأكد أنّ شربة ماء خلال النهار الحار الطويل لعبدٍ محتاج لها , سوف لن تُغضب الربّ الرؤوف الرحيم بعبادهِ .
نعم .. هكذا أتخيّل رحمةُ الله .
وأتذكر وفاة خالتي العزيزة لإصرارها على الصوم مع مرض قلبها الذي كان يستدعي شربها للماء بإنتظام .
فلماذا لا يساعد المشايخ .. الناس في التوصل الى فتوى تُجيز تخفيف الصوم حسب ظروف الصائم والجو ؟
كأن يُسمح له بشرب قليلٍ من الماء خلال الوضوء ( التمضمض ), بضع قطرات فقط ستطفي نار الحنجرة والجوف المحترق خلال جو تصل حرارتهِ الى ما فوق الخمسين مئوية في الظلّ .
.....
في لقطة أخرى من قناة الفيحاء , صاحب العمل أو المقاول , يجيب المراسل عن سير العمل خلال هذهِ الأيام شديدة الحرارة , فيقول , العمّال يتململون ويشتكون كثيراً , كأنّه غير موافق ويُعيب عليهم شكواهم , وينسى أنّ هؤلاء بعد عملهم القاسي يذهبون لبيوتهم للراحة فلا يجدون الكهرباء اللازم لراحتهم , فماذا سيفعلون ,عندما يكونون صائمين ؟
رمضان على الأبواب والحرارة عالية جداً والماء والكهرباء يصعب الحصول عليهم
والعمل مطلوب لإستمرارية الحياة والعيشة , والساسة فاسدون لا يساعدون شعبهم .
فهل تفعلوها أنتم يا مشايخنا وتساعدوا الناس بفتوى معقولة ومقبولة وإنسانية بتخفيف الصوم ؟ أفضل من إضطرار الناس الى تركهِ نهائياً ؟
خصوصاً وأنّ النيّة هي أساس العمل في الإسلام , ولا يقبل العمل بغير إخلاص النيّة .
ولتسهيل المهمة على المشايخ سأذكر لهم مثال لحديث نبوي يقول :
علمّوا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل .
أكيد لم يكن القصد منها للمتعة .. صح ؟ ربّما السباحة فقط , (هذا إذا لم تكن تلك الكلمة مضافة بعد قرنين من الزمان) ؟
لكن الرماية وركوب الخيل أكيد لغرض قتال المشركين وأعداء الله ورسوله , أليس كذلك ؟
اليوم المؤمنين في تورا بورا يعلمون أبنائهم ركوب الماطورات الكافرة بدل الخيل .
وربّما قريباً سيعلمونهم ركوب الدبابة لو إستحوذوا على بعضها بدل الخيل والماطور .
كذلك توقفت رماية الأسهم وأستعيض عنها بالهاونات والرمانات اليدوية كأضعف الإيمان .
إذن تطوير تفسير الحديث ممكن , وأعتقد يوجد من المشايخ من غيّر تفسير الآيات أيضاً
ألا يقول ( العلاّمة ) زغلول النجار بتوافق العلم والدين ؟
طيّب تفضل يا سيدي وساعد البشر في تجاوز محنة الصوم خلال القيظ الشديد .
ألم يفعلها الأخوة المسيحيون ؟ فسمحوا في بعض الكنائس بالطلاق والزواج الثاني وهو ضدّ عقيدتهم ؟
ألم يصدر حكم محكمة مدنية في مصر يُجبر الكنيسة على ذلك ؟
أنا عن نفسي , لو كنتُ أعمل في دار الإفتاء شيخاً مفتياً لأجزتُ للناس تخفيف الصوم كأن يكون الى العصر أو يُسمح للماء فقط أو ماشابه .
وأنا متأكد أنّ فتواي تلك ستكون أنفع للعامة من فتوى تحريم كرة القدم (مشاهدةً ولعباً ) ,وأنّ الشطرنج من الكبائر , لأنّهُ من اللهو الباطل ( أخو اللهو الخفي ) ,
ناهيك عن فتاوي غريبة لا أوّد ذكرها منعاً لتحويل الموضوع الى إصطياد لمساؤيء المشايخ .
أكرر دعوتي العقلانية بتخفيف الصوم في أشهر الحرّ والقيظ الشديد , وسوف لن أجيب أي تعليق يسيء الأدب ويتهمني بالكفر والإلحاد والعياذ بالله .
.....
جزء مستنسخ , من موقع إسلامي / لمساعدة المشايخ على الإفتاء في القضية :
1 / قال تعالى (( يُريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العُسر ))
2 / قال تعالى (( وما جعلَ عليكم في الدين من حرج ))
3 / قال تعالى (( لا يُكلفُ الله نفساً إلاّ وسعها ))
من السنّة المُشرفّة :
1 / بُعثتُ بالحنيفية السمحة !
2 / يَسرّوا ... ولا تعسّروا !
3 / إنّما بعثتم مُيّسرين ولم تبعثوا منفّرين !
4 / عليكم من الدين .. ماتطيقون !
أعتقد هذا الحديث الأخير لوحدهِ يكفي لو ثبتت صحتهِ أن يُخفف الصيام عن المسلمين في أشهر الحرّ الشديد وما شابه .
ولم يتبق حرج أو صعوبة على المشايخ .. إلاّ البحث عن مصدر وصحة هذا الحديث والعمل بهِ .
أنا شخصياً نقلتهُ من الموقع الإسلامي التالي :
دارة أهل الظاهر / الإسلام كما أنزلهُ الله تعالى .. وهذا رابطهِ
http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=4985
وهناك قاعدة شرعية يتداولها المشايخ وقد سمعتها من العديد منهم (يذكرونها عندما يلزم الأمر ) , تقول :
{ إنّ المشقة التي يجدها المُكلّف في تنفيذ الحكم الشرعي , هي سبب شرعي صحيح لتخفيف ذلك الحكم على وجهٍ ما , والله أعلم } .
ملاحظة 1 / إذا لم تناسب دعوتي كل الطوائف الإسلامية ( بضعٌ وسبعون فرقة ) فسوف أكتفي بتوجيهها لشعبي في العراق ( السنّة والشيعة ) , راجياً من علماؤهم الأعلام , مساعدة الناس في البحث عن فتوى بعيداً عن تزمت الوهابية والخمينية وأمثالهم .
ملاحظة 2 / في مدينتي تغيب الشمس ساعة 11 ليلاً وتبقى الدنيا مضيئة بعدها , ثم تشرق الشمس ساعة 3 فجراً , فكيف سيصوم الناس في تلكَ الأحوال ؟
رعد الحافظ
14 يوليو 2010
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟