|
آليات العمل الحزبي في الحياة البرلمانية
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 17:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسعى الحركات والأحزاب السياسية لأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في محاولة للانتقال إلى وضع برامجها موضع التطبيق العملي. ولربما تشكلت ائتلافات انتخابية توحيدا لجهود القوى المتقاربة في رؤاها وبرامجها.. ومن الطبيعي بشأن آليات العمل أن تمارس القوى الحزبية حق المنافسة السلمية في سعيها لكسب جمهور الناخبين وإقناعهم بما رسمته من أساليب للبناء ولتقديم الخدمات الأفضل للمواطنين ومطالبهم وحقوقهم.
لكن هذه القوى ذاتها التي تدخل حلبة الانتخابات متنافسة عبر آليات العمل الديمقراطي سلميا، هي ذاتها القوى التي تدخل البرلمان بوصفه الهيأة التشريعية التي ستؤدي مهامها الرقابية على أداء الهيأة التنفيذية (الحكومة) وأجهزتها العاملة.. ومن ثمَّ فإنّ آليات عملها في البرلمان ستتحول بالضرورة من حال (التنافس) وربما الصراع كما تشهده الحملات الانتخابية إلى وضع جديد مختلف..
إذ أن المهام التشريعية من جهة والرقابية الإجرائية من جهة أخرى تتطلب أساليب مختلفة، تلتزم بمنهج عمل يخضع لنصوص الدستور والقوانين النافذة.. كما تلتزم بالانتقال من حال التنافس الساخن إلى حال التعاضد والعمل المشترك المنصبّ على بحث موضوعي لكل مشروع أو مفردة من مفردات عمل الحكومة...
بمعنى أن المعارضة البرلمانية لا تعني حربا (راديكالية) الآليات والفلسفة بل تعني مشاركة واعية وتعاونا أكيدا مع الأطراف الحكومية لتنفيذ البرامج وتسهيل الإجراءات البنائية؛ فالأساس في العمل البرلماني هو أساس تعاوني تعاضدي والجميع مسؤول عن تنفيذ خطط البناء والتقدم...
صحيح أن الجدل والحوار البرلماني يمكن أن يكون نقديا ومن الطبيعي أن يكون متابعا مراقبا، إلا أنه من الصحيح بل من المُلزِم للقوى جميعا بضمنها (المعارضة) أن تلتزم بواجبها في العمل المشترك وبمعاضدة جهود البناء بعد أن يتم حسم النقاشات البرلمانية وإقرار مشروع أو آخر..
إنَّ أي أسلوب للعمل الراديكالي خارج مؤسسة البرلمان بما يتقاطع ومسيرة البناء هو في الحقيقة من الأعمال التي تتحمل مسؤولية عرقلة البناء وإيقاف مسيرة تطوير الخدمات والتعارض مع إمكانات تلبية مطالب الجمهور.. وهو أسلوب عمل حزبي سياسي يتعارض ومبدأ العمل البرلماني والخضوع لآليات الديمقراطية ومفردات منهجها الإجرائي..
من هنا ينبغي للقوى والحركات السياسية اليوم، أن تعيد التثقيف والإعداد لجهازها الحزبي وأن تتبنى آليات العمل الديمقراطي البرلماني على وفق معطياته وقوانينه ومنهج آلياته الإجرائية وألا تدخل في انتقائية تأخذ ما تريد وتطبقه وترفض ما لا يأتي وأهواءها ولا تلتزم به.. وإلا فإن من أولى متطلبات العمل عند إجازة حزب أن يتعهد في ظل أجواء الديمقراطية بالالتزام بآليات العمل الرسمي السليم كاملة تامة..
وعلى سبيل المثال، سيكون لقوى المعارضة أن تناقش وتحاور وتنتقد تحت قبة البرلمان ملتزمة بالآليات المنظَّمة بقوانين ولوائح معتمدة ومتفق عليها.. ولكن ينبغي في هذا الإطار أن تنظر إلى واجباتها في الانتقال للتنفيذ المشترك للبرامج التي تم إقرارها..
ربما سيكون عليها في إطار الحريات العامة أن تدعو جماهيرها للتعبير عن رؤيتها ومطالبها وبحدود منظمة هي الأخرى بوسائل التعبير السلمي الذي لا يتعارض مع التزامها الواجب والمسؤول بمهمة المشاركة في تسيير العمل الحكومي على وفق البرامج المقرّة وبهذا لا يوجد هنا ما يسمح باعتراض تنفيذ المشروعات الحكومية وعرقلة مسيرتها لأي سبب كان...
إن فكرة المعارضة البرلمانية لا تقبل التقاطعات الحادة أو الراديكالية المعرقلة لمسيرة أنشطة أجهزة الحكومة ومؤسساتها.. ولا تجيز آليات العمل البرلماني - الديمقراطي وقوف طرف (برلماني معارض) ضد الجهد المؤسسي الرسمي.. وهذا أمر طبيعي وصحيح منتظر.
إذ المحك أن نسمح للبرامج أن توضع موضع التطبيق والجمهور هو من يحدد قبوله بالنتائج من عدمه عبر آليات التصويت والانتخاب الدورية.. ومهمة المعارضة لا تبتعد عن فكرة توفير قناعة أوسع جمهور برأيها النقدي تجاه مجريات الأمور والبديل الذي تعتقد بأنه الأفضل لهذا الجمهور ومجددا فإن الصوت الانتخابي هو الحكم والفيصل الأخير في الاختيار..
وعمليا ومن دراسة الحال العامة لقوى حزبية معارضة في كوردستان نجد أن وعيا جديدا بدأ يولد ويتعزز ولكن من السابق لأوانه الحديث عن نضج تلك القوى وقبولها بالنتائج من جهة وقناعتها بالعمل على وفق ما تفرضه آليات الأداء البرلماني من جهة أخرى..
ومن مثل مواضع الخلل التي نشير إليها هنا، ما أدى بالمحصلة لممارسات انفعالية واحتدامات واحتقانات يتمثيلها من حيث جوهرها حال الطفولة أو المراهقة السياسية وهي حال أفضت في بعض الأحيان لعرقلة الأداء أو لإرباك في ذهن المتلقي الذي ينتظر دروسه من النخب السياسية الواعية..
إن عددا من القرارات والأداءات الحزبية بقيت حبيسة الأساليب الكلاسية العتيقة التي تعبر عن حال التناقض بين القيادات النضالية والسلطة القمعية. فيما نحن في عهد يختلف نوعيا ويطالبنا في وقت قبلنا بآلياته أن نستكمل ذلك بقناعة تامة كيما نطبق ما ينتظرنا من أساليب جديدة مسؤولة عن إنضاج التجربة والانتقال بجمهورنا إلى أوضاع نوعية جديدة تختلف في سياقاتها ومن ثم في نتائجها..
إنّ دور الحاجات والمطالب الشعبية ووعي الجمهور بآليات الوصول إليها بخاصة في ظل خياره التوجه لتعزيز نظام ديموقراطي برلماني، إن ذلكم لكفيل في توكيد الناخب لخياره من بين القوى التي تلبي برامجها حقوقه الأساس. ولكن في ذات الوقت سيكون من أسباب العرقلة وإثارة التعقيدات والمشكلات غير محسوبة العواقب استمرار قوى بعينها بأساليب العمل بعيدا عن آليات الديمقراطية ووسائل عملها وإنجازها..
ويبقى السؤال الرئيس اليوم يكمن في: هل فكرت تلك القوى بمراجعة أساليبها؟ وهل تتبنى منهجا جديا مسؤولا في التفاعل مع الوضع الجديد؟ وهل تقرأ الأمور على وفق العمل المؤسسي القانوني الدستوري؟ وهل تقرأ طبيعتها وقراراتها ووسائل تعاطيها مع الوضع الجديد من فهم ناضج لمعنى المعارضة في إطار العمل البرلماني الدستوري؟ والجواب المؤمل من قوى المعارضة ذاتها ينبغي أن يكون إيجابيا كيما تمضي السفينة آمنة في الاتجاه الأكثر صوابا.
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور المعارضة في ضبط تطبيق الدستور .. ما العمل في مطب أزمة تش
...
-
موقع ألكتروني توثيقي للمنجز الأدبي الفني العراقي
-
حملات تنتظر مساهمات كل صوت وطني إنساني نبيل
-
مجلة الصوت الآخر... ترنيمة كوردستانية ملأى بالجمال، غنية بال
...
-
لمن ستذهب أصوات الهولنديين من أصول أجنبية؟
-
انسحاب القوات الأمريكية بين الأجندتين الأجنبية والمحلية.. في
...
-
بعض برامج الأنشطة الثقافية لمنظمات المجتمع المدني العربية في
...
-
مشروع جائزة الجواهري للشعر العربي
-
قراءات في ضوء مجريات الأوضاع العراقية العامة اليوم
-
عقدة تأليف حكومة الشراكة الوطنية
-
استراتيجية السلام العربية ومستلزمات التفعيل
-
دلالات توديع كوكبة أخرى من الأطفال ضحايا جريمة جينوسايد الأن
...
-
رسالة المسرحيين العراقيين بيوم المسرح العالمي2010
-
حول فكرة حصر المناصب السيادية بتوزيع عرقي طائفي؟
-
تقرير البرلمان الثقافي العراقي في المهجر بشأن الانتخابات الب
...
-
رسالة مفتوحة: من أجل حل مشكلات الطلبة الجزائريين حلا عاجلا و
...
-
لننتخب البديل الديموقراطي القادر على التغيير
-
يوم لاحتفالية سنوية تكريمية للمسرح العراقي
-
استراتيجية إدارة الحملة الانتخابية.. إثارة غبار وتجيير واستغ
...
-
صوت كوردستاني الهوية بالعربية.. فضائية كوردستان ببرنامج ثان
...
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|