|
دلالات فعل وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم، المسكوت عنهما، في الاستماع لغناء أو نشيد كعب بن زهير ابن ابي سلمى لبردته -بانت سعاد-. ( الجزء الثالث والأخير)
اسماعيل محمود الفقعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 15:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
1. لا تعتدوا على سلطة الله في التكفير والتأمين: بالمناسبة، هناك أمر هام وحساس وجوهري يجب قوله بكامل الصدق والوضوح، وهو ان التكفير والتأمين هي سلطة الله، والله وحده فقط زليس غيره من البشر. تذكروا قضية عكرمة بن أبي سفيان وشدته على المسلمين في كفره، وكيف كان من أشد المدافعين عن الاسلام بعد اسلامه لدرجة أن أحد دوافع شدة ذبه عن الإسلام كان الرغبة في التعريض عن شدته ضد الإسلام في الكفر. وتذكروا مصطفى محمود الذي كان صريحاً في إلحاده في أول كتاب له "الله والإنسان"، وهو الكتاب الوحيد الذي منع المرحوم جمال عبد الناصر نشرة بقرار جمهوري، الله أعلم أنه من الصالحين عند الله بعد إيمانه، وتذكروا اسماعيل مظهر الذي ترجم كتاب أصل الأنواع لداروين الضخم السميك صعب اللغة، ثم هداه الله وإن شاء الله من المؤمنين. أقول أن التكفير والتأمين هي سلطة الله، فلا يجوز لي ولا لغيري أن يتألهو على الله ويعتدوا على سلطته فيروحوا يكفرون هذا الذي لا يسير على هواهم الذي يعتبرونه الحق، ويؤمنون ذاك الذي يسير منوال ما يظنونه سواء السبيل. والحمد لله أننا مسلمون ليس بين الفرد المؤمن وربه واسطة بشرية تتلقى الأعمال لتحجب ما تشاء وترسل إلى السماء ما تشاء. إن علاقة المسلم مع الله علاقة مباشرة يدركها ويحسها راحة وسكينة في الروح والنفس وصفاء في الفكر إذا ما أتم الله عليه نعمة رضاه ورضوانه. لذا فأنا العبد الفقير إلى الله، لا يمكنني أن انعت مخلوق بالكفر مهما كان، لسبب بسيط أنه قد يؤمن غداً فيكون عند الله ربما أصلح وأفلح مني، فما بالكم برجل مثل معاوية وعمر بن العاص على الأقل انهما نطقا بالشهادتين، إذن فهما أولى بعدم الحكم عليهما في قضية الإيمان. وتذكرون عندما نطق المهزوم بالشهادتين أمام سيف المسلم، فقال له المسلم بانه لولا الخوف من الموت ما نطقهما، وحز رأسه. فوصل الخبر إلى رسول الله فقال لائماً للمسلم، إن لم يكن موبخاً، هل شققت عليه قلبه. نعم إيمان القلب لله الحكم فيه وهو سلطته لا يجوز ولا يحق بحال لكائن من كان أن يعتدي عليها ولا يجوز أن نزكي انفسنا على الله. فللمرة المليون أنا لا أكفر بالمطلق لا معاوية ولا عمر بن العاص ولا المغيرة ولا زياد، ليس فقط طالما نطقا بالشهادتين بل لأن حتى الحكم عليهما قبل النطق بالشهادتين ليس لي وليس من حقي مطلقاً. والذي اتحدث عنه في شأن معاوية ومن لف لفه هو سلوكهما السياسي ومكانهما في الصراع السياسي والطبقي الذي وقع في المجتمع الإسلامي زمانهم. تماماً مثلما أنا لا اتحدث عن إيمان الفتحاويين أو الحمساويين أو الجبهاويين أو ابناء الجهاد، لي الحق في نقد سلوكهم وبرامجهم ومواقفهم السياسية. فما تحدثت به في الفقرات السابقة، هو حديث في سياسة الرجال وعقائدها السياسية وليس الدينية الإيمانية. ويكفي معاوية أن يكون بأفضل منى إيمانيا عند الله أنه ابن عمومة الرسول، وهو شاهد الرسول بعينية وتكلم معه وهو من كتاب الوحي، وإن شاء الله يكون كل ذلك عند الله في ميزان حسناته. وليس له عندي في مجال الإيمان والعقيدة إلا التقدير والاحترام والدعاء له بالقبول من الله فهو احكم الحاكمين. ولنعد إلى دلالات استماع الرسول صلى الله عليه وسلم لاعتذارية كعب بن زهير في بردته، بعد هذا الاستطراد الطويل، ولكن الذي قادت إليه ضرورة توضيح جزء من منهاج بحث نتبعه وهو النظر في وقائع التاريخ أو أي شيء آخر بالإقرار بأن الله بإرادته وبالكيفية التي لا يعلمها إلا هو ركب في المادة شروط تطورها وهذا ما اسميه إرادة الله في التاريخ، وكان هيجل وليس ماركس قد قال عنه الروح في التاريخ وكذلك توضيح نفسي في ما اعتقده إن شاء الله إيماناً اسلامياً يرضى الله عنه كما أحسه في نفسي راحة ضمير وعقل وروح وشفاء جسدي من الآسقام التي ألمت بي، وصبرت لها بحول الله، فجاءت رحمته بشفاء من ناحية وهبات وعطاء من الله أكثر مما استحق.
2. قصيدة كعب النموذج في النسيب للشعر الجاهلي ونموذج لقصائد مدح الرسول الإسلامية: لقد كانت قصيدة كعب ‘البردة‘ نموذجاً رفيعاً لكل قصائد الجاهليين، في نوع مقاطعها ولغتها وموسيقاها ومعانيها. ولو عدت إلى إلى قصيدة جاهلية ستجد تكرر مبنى قصيدة كعب، ربما بحسية أكثر في النسيب وربما بشفافية وعفة أكثر. فالأستاذ حسنين أبو عمرو يقول، "قصيدة "بانت سعاد" تكتسب أهميتها من ملابساتها التاريخية بما يفوق قيمتها الفنية التي لا نشكك فيها بالطبع، ولكنها تندرج في إطار القوالب العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث حملت من أغراضه الغزل والنسيب والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، ومن ملامحه فخامة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح الحياة الصحراوية فترى فيها الرياح والرمال والجمال والسيوف." أما غياب النسيب في قصائد الهذليين ربما كان بسبب عدم اهتمام الرواة بحفظ اشعارهم لأسباب تحتاج تحقيقاً ودراسة أخرى. وسأسرد أمثلة على صدق ما أقول من كون قصيدة كعب ممثل صادق لما كانت عليه القصيدة الجاهلية خاصة في مبناها وخاصة مطلع النسيب فيها. 1. نسيب طرفة بن العبد: سما لكَ من سلمى خيالٌ ودونَها *** سوادُ كثيبٍ عرضُهُ فأمايلُهْ فذو النيرِ فالأعلامُ من جانب الحمى *** وَقَفٌّ كظهر الترسِ تجري أساجلُهْ وأنّى اهتدت سلمى وسائلَ بيننا *** بشاشة حب باشرَ القلبَ داخلُهْ وكم دون سلمى من عدوٍّ وبلدةٍ *** يحارُ بها الهادي الخفيفُ ذلاذلُهْ يظلُّ بها عيرُ الفلاةِ كأنهُ *** رقيبٌ يخافي شخصَهُ ويضائلُهْ وما خِلتُ سلمى قبلَها ذات رجلةٍ *** إذا قسْوريُّ الليلِ جيبت سرابلُهْ وقد ذهبتْ سلمى بعقلِك كلِّهِ *** فهل غيرُ صيدٍ أحرزتهُ حبائلُهْ
2. نسيب امرئ القيس، قفا نبكى من ذِكرى حبيب ومنزل بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ فتوض فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها وقيعانها كأنه حبَّ فلفــــل كأني غَداة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ وُقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل وإنَّ شفائي عبرة ٌ مهراقة فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ كدأبكَ من أمِّ الحويَرثِ قبلها وجارتها أمَّ الربابِ بمأسل ففاضتْ دُموعُ العين مني صبابة نزُولَ اليماني ذي العيابِ المحمَّلِ ألا ربَّ يومٍ لك مِنْهُنَّ صالح ولا سيّما يومٍ بدارَة ِ جُلْجُلِ ويوم عقرتُ للعذارى مطيتي فيا عَجَباً من كورِها المُتَحَمَّلِ فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها وشحمٍ كهداب الدمقس المفتل ويوم دخلتُ الخدرِ خدر عنيزة فقالت لك الويلات إنكَ مُرجلي تقولُ وقدة مالَ الغَبيطُ بنا معاً عقرت بعيري يامرأ القيس فانزلِ فقُلتُ لها سيري وأرْخي زِمامَهُ ولا تُبعديني من جناك المعللِ فمِثلِكِ حُبْلى قد طَرَقْتُ ومُرْضعٍ فألهيتُها عن ذي تمائمَ محول إذا ما بكى من خلفها انْصَرَفَتْ لهُ بشِقٍّ وَتحتي شِقُّها لم يُحَوَّلِ ويوماً على ظهر الكثيبِ تعذَّرت عَليّ وَآلَتْ حَلْفَة ً لم تَحَلَّلِ أفاطِمُ مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنتِ قد أزمعت صرمي فأجملي وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَة ٌ فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي وأنكِ مهما تأمري القلب يفعل ومَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إلا لتَضْرِبي بسَهمَيكِ في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ و بيضة ِ خدر لا يرامُ خباؤها تَمَتّعتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ تجاوزْتُ أحْراساً إلَيها ومَعْشَراً عليّ حِراساً لو يُسروّن مقتلي إذا ما الثريا في السماء تعرضت تعرضَ أثناء الوشاح المفصَّلِ فجِئْتُ وقد نَضَّتْ لنَوْمٍ ثيابَها لدى السِّترِ إلاَّ لِبْسَة َ المُتَفَضِّلِ فقالت يمين الله ما لكَ حيلة ٌ وما إن أرى عنك الغواية َ تنجلي خَرَجْتُ بها أمشي تَجُرّ وَراءَنا على أثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ فلما أجزْنا ساحة الحيِّ وانتحى بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ هصرتُ بِفودي رأسها فتمايلت عليَّ هضيمَ الكَشحِ رِيّا المُخَلخَلِ
3. راجع اشعار زهير أبن أبي سلمى، 4. عنترة ابن شداد وولهه بعبلة وغزله حتى التشبيب بها، 5. لبيد.
وللاستزادة فليرجع القارئ الكريم إلى الشعر الجاهلي. ولكن ما يُلفت الانتباه ويؤيد استدلالاتي أدناه، أن تقريباً كل من عارضوا قصيدة البردة لكعب، من الكتاب الإسلاميين في شتى العصور التالية للبعثة المحمدية، في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأوا قصائدهم بالنسيب. ولا يمكن أن نصف هؤلاء الشعراء أمثال البوصير وغيره كما سنرى كانوا كاذبين في عواطفهم ووجدانياتهم التي بثوها في قصائدهم المادحة للرسول. فهم لا بد وقد مروا في شبابهم بالتجربة الأنسانية الغريزية، وهي عاطفة تجربة حب المرأة، لتنفيذ أوامر إعمار الكون، وتأكيداً على أنهن لباس لنا ونحن لباس لهن، راحوا ربما يتذكرون تلك التجارب وصويحباتها ويصوغون من الذاكرة نسيبهم نسيباً ينضح بالصدق، فهم في معرض الحديث عن حبيبهم الأول محمد صلى الله عليه وسلم. ومن الصعب على أن أتوقع أن يختلق أحدهم احاسيس عاطفة هي خلقة غريزية فينا وهم لابد قد عاشوها. بدون شك ربما تأثروا بصور سابقيهم في صوغ بعض صور ورموز نسيبهم ولكن لتكون لبوساً لتجربة حقيقية غالباً في زمن شبابهم. وأنا اقتبس من أجل السهولة في الرجوع إلى المراجع من الموقع 030104_emM7_prv: هذين الشاهدين:
"وقد استمر الشعراء يبدءون مدحهم للرسول بالغزل على مر العصور. فهذا البوصيري وهو من شعراء العصر العثماني يبدأ( البردة ) وبالغزل فيقول : أمِن تذكر جيرانٍ بدى سلم سفكتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدم ؟
وهذا أمير الشعراء في العصر الحديث (أحمد شوقي) يبدأ (نهج البردة) بقوله: ريمٌ على القاعِ بين البانِ والعَلِم أحلّ سفك دمي بالأشهر الحرُم
ويضيف الكاتب: "ويرى النقاد أنه تقليد لا عيب فيه ولا يمس شرف الموضوع وهو مدح الرسول عليه السلام بدليل أن الرسول نفسه استمع إلى قصيدة (كعب) وما فيها من الغزل وأعجب بها وخلع عليه بردته وعفا عنه. "
1. دلالات استماع الرسول لبردة كعب: وأخيراً إذن ما هي بعض الاستدلالات التي نخلص إليها من موقف الرسول حينما استسمع بشغف لبردة كعب وإقرار الرسول لما جاء فيها إذ لم يعترض على كعب أو يوقفه ليمنعه من قول ما قال في محبوبته في مقطع النسيب من قصيدته: 1. اقرار الرسول لقرض الشعر والاستماع له، وعلى مفسري القرآن الكريم البحث عن تفسير لآية "الشعراء يتبعهم الغاوون" بالرجوع إلى أسباب النزول ليتثبتوا بأن الآية الكريمة مقصورة على موقف معين مشخص محدد وليست حكماً على الشعر مطلق، بل مقصور، مقيد على على موقف وسبب محدد ومعين. اما بالنسبة للتفاسير السابقة أو القديمة التي في بعضها تحريم للشعر وسماعه، فتغييرها للتوافق مع توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ديدن ما يلي من تفاسير بتغيير ما سبق من تفسير لنفس الآية، وليس في ذلك أي حرج بل هو مطلوب لإلغاء ما ثبت خطأه من التفاسير السابقة بجديد يتواءم مع مستجدات الواقع المتغير والمتطور، أخذين في الحسبان الحقيقتين التاليتين، أ. أن التفسير ليس حجة على النص، بل النص هو الحجة على التفسير، ب. أن الآيات المحكمة، من رحمة الله بنا هي محدودة العدد قليلته، بينما المتشابه الذي يميل أغلب الفقهاء إلى أنه من حق الإنسان تأويله على اعتبار قوله تعالي في سورة أل عمران الآية السابعة "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب."بأن الراسخون في العلم معطوفة بالواو على الله في فعل تأويل الآيات المتشابهات. مع أنه من الأمانة العملية القول بأن فقهاء ومفسرين أخرون لم يقولوا بذلك، بل قالوا بأن الواو واو استدراك لجملة جديدة لها مبتدأها وخبرها، والمبتدأ هم الراسخون في العلم وخبرهم أنهم لا يؤلون وإنما يقولون كل نوعي الآيات، المحكم والمتشابه، من عند الله ونحن نؤمن بكليهما بلا تأويل. ولكن إذا فهمنا القضية على هذا الوجه سنقع في مشكلة كيفية تفسير المتغير بشكل مطلق لا نهائي وهو الوقع الحياتي بكامله، بالنص القرآن المنتهي بعدد سوره وآياته وحروفه ونقاطه وحتى بمعانية المرتبطة في أحد ضرورات تفسيرها بأسباب النزول، إن لم نلجأ إلى التفسير والتأويل الذي تتجاوز فيه الآية قصرها على أسباب النزول؟ كيف سنجعل هذه التغيرات الحياتية اللانهائية منضبطة للشرع إن لم نجد لها تفسيراً وتأويلاً إسلامياً شرعياً يزيل ازمة الانقسام والشوزوفرينيا والاغترابية الواقعة بين مسلم هذا العصر المطالب بالتمسك بتفسير القرن الثاني للهجرة مثلاً عن حضارة وحداثة وعصرنة القرن الحادي والعشرين. فترانا نعاني آلام هذا الاغتراب وهذا الانقسام في أنفسنا ونخشى الحديث عنه وعن الحاجة إلى حله خوفاً من الالتهام بالخروج عن الملة ..... إلخ. لقد قال الشيخ العلامة ابراهيم النجار في كتابه قصص الأنبياء في مقدمته، وهذا الكتاب متوفر في أعلب بيوتاتنا ومساجدنا ومكتباتنا وشبه متأكد على صفحات النت أيضاً، يقول بأنه إذا ثبتت صحة نظرية علمية أو اختراع علمي أو تجربة علمية أو نتاجات علمية ثبوتاً تجريبياً مائة في المائة وكانت تخالف تفسيراً سابقاُ، إذن علينا تغيير التفسير بما يتلاءم مع الحقيقة العلمية الثابتة الصحة مائة بالمائة. 2. لنا شرعاً الحق في التعبير عن تجاربنا ومشاعرنا الخاصة بحب المرأة، وربما يجوز أيضاً ذلك للمرأة بالقياس فهي شريكنا الذي لا يمكن أن يتم لبوسنا إلا به قياساً طبعاً وذلك لآنني لم أبحث فيما إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استمع واقر قصائد لشاعرات تحدثن عن عواطفهن نحو الرجل، حسياً ومعنوياً، وأنا أضيف شريطة عدم التهتك والهبوط الأخلاقي والنزول إلى حد الفساد والإفساد وعدم هتك الأعراض ومخالفة أي حكم شرعي قائم على القرآن والسنة الصحيحة يمنع نوع ما التشبب. 3. كان الغناء في كل الأزمنة العربية قديمها وحاضرها قائم على غناء الكلام الموزون والمقفى، واليوم لا غناء إلا للكلام الذي على الاقل فيه موسيقى التفعلية ووزنها. كانت ولا تزال العرب تغني الشعر وأذكر هنا زرياب كمثال والأمثلة لا حصر لها على ذلك. بل أقول أن روي الشعر هو في حد ذاته الانتقال من الكلام المرسل إلى كلام له صوت وجرس موسيقي هو نوع من الغناء، بأي شكل من الأشكال. وقد اختلف رواة في طرائق تلحين مروياتهم من القصيد، حتى وصلنا إلى المحنين الكبار الملهمين أمثال رياض السنباطي وعبد الوهاب ومحمد الموجي والشيخ امام عيسى وزياد الرحباني وفريد الاطرش ومحمد سلطان وبليغ حمدي مرسيل خليفة وأحمد قعبور ولبيب شقير وغيرهم المئات والمئات في اتساع العالم الإسلامي. ماذا نقول ليوسف اسلام البريطاني الذي وجد ضالته في الراحة النفسية والروحية في الإيمان بالإسلام، وهو اليوم يدعو إلى الله مستخدماً جيتاره وفرقته الموسيقية، وكذلك ماذا نقول للشاب الأدربيجاني لا يحضرني اسمه الان وأطفالنا في مدارسنا تغني وجده للرسول صلى الله عليه وسلم حينما يغني "يا حبيبي يا رسول الله" على عوده أو جيتاره ومع الأرغن. ماذا نقول لهم ولغيرهم من المغنيين المسلمين غير العرب، هل نقول لهم، مرتكبين خطيئة تأليه انفسنا على الله، لا لن يقبل منكم اسلامكم وإيمانكم إلا بعدما تلقوا بآلاتكم الموسيقية إلى النار!!!! 4. إن الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو محبو به من وحي ومن فطنته البشرية الخارقة، بإقراره هذا مع كعب، يريح الإنسانية جمعاء وليس الامة الإسلامية وحدها، عندما يقر لها بصحة استمرارها في انتاج أشكال الفن الإنساني جميعة وعلى راسه الشعر وغنائه وبضمن ذلك كما اسلفت صحة حق التعبير عن ما ركبه الله فينا من غريزة الحب. إن الفنون الإنسانية تشكل ما لا يقل عن 50% من الانتاج المعنوي الإنساني فهل يعقل أن يطلب من أمة تود الدخول في الإسلام محو ودفن وطمس غريزتها وفطرتها في الحب والتي ريما تشكل اكثر من 70% من الـ 50% لمجمل الفن؟!!! إن الرسول صلى الله عليه وسلم، كأني به يقول، الانسانية المؤمنة هي الإسلام والإسلام هو الإنسانية المؤمنة. وهذا بالضبط ما عبر عنه صديقي العزيز الدكتور يحى العبادسة – الاستاذ الجامعي وعضو المجلس التشريعي ممثلاً عن حماس وهو أحد زعمائها ذربي الفكر واللسان - عندما حدثني عن الانطلاق من الإسلام إلى الإنسانية ومن الإنسانية إلى الإسلام، وعندما حدثني عن تطوره الفكري وعن تجربته على ما اتذكر في الدانمارك أو إحدى الدول الاسكندنافيه في زيارة برلمانية، عندما أبكي الحضور وهو يتحدث عن إنسانية الإسلام وكيف أننا نحن الفلسطيتيين إنسانيون في الأصل ثم قوميون نطالب بحقوقنا المغتصبة، والإنسانية لا تزال تنكرنا وتتجاهلنا، وأن بريطانيا مثلا، التي يشتكي مواطنوها إلى البوليس ضد مسلم باكتساني يذبح أضحيته على قارعة الطريق تنسكاً لله، لا يزال الكثير منهم لا تهتز له قصبة عندما يذبح 320 فلسطيني بطائرات الأباتشي الإسرائيلية في أقل من دقيقتين، استهلالاً لحرب الرصاص المسكوب في ديسمبر 2008، وليتلو هذا الذبح مقتل 1500 فلسطيني اعزلاً من السلاح في مدة لا تتجاوز الثمانية عشر يوماً من قبل اعتى ترسانة اسلحة معقدة تكنلوجياً، مسنودة بالقوة النووية، في حال أن سارت الأمور بغير ما يشتهي الإسرائيليون. 2. الخاتمة (مناشدة) ها قد وصلنا إلى نهاية بحثنا، وأنا على يقين بأنه سيقابل من قبل الكثيرين من المسلمين المتنورين الحضاريين بالاستحسان والقبول. وسيقوم البعض منهم بتطوير ما وصلت إليه من نتائج لحل أزمة الاغتراب بين المسلم المعاصر وزمنه زمن القرن العشرين. كما وأنني متأكد بأن آخرين لأسباب كثيرة منها قلة العلم او الانطلاق من أحاديث موضوعة أو قياسات فقهية صيغت لوقف تدهور أخلاقي في عقد من حكم الملوك وليس الخلفاء المسلمين، أو لأسباب حزبية ضيقة صغيرة أو لأسباب قفر البيئة الصحراوية مما ينتج أهلوها إلا ما هو جامد قاحل أجرد كصحرائهم، ولأسباب غيرها كثير يصعب على حصرها، سيقومون بالرد على. وهذا، مهما كان مضمون نقدهم وردهم على، حق مكفول بالشريعة قبل مبادئ حقوق الإنسان، ولكن أملي في هؤلاء التحلي بأخلاق وتعاليم الإسلام في كيف يكون المرء باحثاً وعالماً وفقيهاً، فتكون حجتهم بعيدة عن التكفير والتخوين والشتم والتحريض والتحشيد الظالم بغير علم. ولنتذكر الموقف الإسلامي الذي يراعي حرمة حياة الإنسان وحقه في التفكير الحر حتى تقوم الحجة بعكس ما يدعي. فقد حصل، ليس في صدر الإسلام بل في عهود الملوك الرسميين، أن ضبط بعض المفكرين بتهمة الألحاد. فكان يؤتى بهم، ولنأخذ ابن الراوندي كمثال، إلى المحتجز وتشكل لهم لجنة من أفضل العلماء المسلمين يناقشونهم بتأدة وأناة والمحتجز إن كان شجاعاً كان يدافع عن رأيه المخالف بكامل حريته. فإذا غلب اللجنة بحجته وقوة منطقه في دعم دعواه، أُتي بلجنة أخرى ذات علماء أفضل، ليناقشوه من جديد وفي الوقت الذي يحتاجه النقاش ولو لشهر، فإن غلبوه وأقر بخطأ ماهو عليه وأعلن إيمانه بالله، سرحوه داعين له بأن يثبته الله في الإيمان إلى مزيد. وإن أصر على موقفه الملحد، رغم إقامة الحجة ببطلان ما يدعي، أوتي بالنطع وضربت عنقه بالسيف ليتدحرج رأسه بدمه الذي ينشخب من نجديه.
واخيراً فإنني اناشد العلماء العدول من كل عالمنا الإسلامي، وأخص علامة عصرنا الشيخ الإمام يوسف القرضاوي، أن يقرأوني بأناة وروية حتى يتبينوا ما أدعي ويقرروا فيما إذا كانت ادعاءاتي واستنتاجاتي الدلالالية صحيحة، أم أني قد جانبني الصواب والحق لسبب وجود أخطاء في فهم أو تفسير أي أو حديث أو حدث ما إو خطأ في منهج الدراسة، فبنيت على الخطاً فما كان إلا مزيد من الخطأ. وحينها فليسرعوا لإرشادي إلى جادة الحق والصواب. وأخيراً، فقد اجتهدت، فإن اصبت فلي أجران، أجر الجهد وأجر الصواب. وإن أخطأت فلي أجر الجهد، بإذن الله. وإن أصبت فهو توفيق من الله وإن أخطأت فمن نفسي وكل ابن آدم خطاء. والله أسأل الثواب والرضى وحسن الخاتمة وأن ينيلني أنا وزوجي نعمة الحج لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ونتمتع بمرآى الأماكن التي شرفت بدوس قدمه على ترابها.
انتهى
#اسماعيل_محمود_الفقعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دلالات فعل وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم، المسكوت عنهما،
...
-
وتريات النواب: مراجعة جديدة - الجزء الثالث
-
وتريات النواب: مراجعة جديدة - الجزء الثاني
-
القضية الفلسطينية بحاجة ملحة لمنهج بحيث ودراسة جديد فوري
-
وتريات النواب: مراجعة جديدة
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|