حياة الرايس
الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 11:56
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد رحل القرن الماضي ليترك لنا تباشير ظاهرة ارتقاء المرأة ووعيها بذاتها و عندما اصبحت تدرك نفسها , وتعي كرامتها كشخص انساني , وبدأت تسقط مع مطلع القرن صورها الأسطورية وتتلاشى وتنسحب شيئاً فشيئاً لتحل محلها صور اخرى لكيانها الفعلي , لتحتل مكانها في الحياة العامة كأمراة الواقع لا كأمرأة الأسطورة .
لكن هل محيت هذه الصورة الاسطورية بالفعل من وعي ولا وعي الرجل ؟ وهل أصبح بنظر اليها كما تنظر هي لنفسها ؟ ام هناك تباين وتباعد في النظر وفي الاعتبار ينعكس مداهما على الواقع وعلى التعامل لتصطبغ بكل أوجه الصراع الذي يفرضه ناموس الحياة وقانون الطبيعة ليأخذ هذا الصراع خصوصية مرحلة تاريخية انتقالية تتحول فيها العقليات سريعة في بعض البلدان , بطيئة متثائبة في نقاط اخرى ومتقهقرة متراجعة في بلدان تشهد ردة مأساوية تلوي أعناقها الى الوراء .
وذلك ما يجعلنا نستنتج ان محور التطور في بلدان العالم الثالث ما يزال يشهد هزان عنيفة وصراعاً اعنف ..
كما يجعلنا نعترف ان تطور الوعي النسائي ما زال يكبو ويتعثر ويصطدم بمصاعب متنوعة وبكثير من الاوضاع المتنافرة المتناقضة , أهم هذه المصاعب ان المرأة وان كانت قد أرتقت في المجتمع , وأرتقت في عين نفسها , وادركت قيمتها ومكانتها كأنسانة , فأن صورتها لم تتغير الا طفيفاً في نظر المجتمع . فالصورة التقليدية القديمة ما زالت راسخة في عقلية المجتمع الذي لا يستطيع ان يتصور المرأة خارج أدوارها التقليدية , ولا يرى فيها الا الأم , او الزوجة خاضعة مطيعة وخادمة وغير ذلك من الصور التي لم يأت عليها الزمن وكأنها خارج قانون التطور وناموس الحياة .
ومن المحبط للمرأة انها كانت قد ظنت في كثير من الاحيان ان المثقف العربي قد تجاوز الصورة التقليدية , كما تجاوزتها هي أمام نفسها , ولكنه يردها كل مرة مائة سنة الى الوراء مصغرة محتقرة , يردها الى حدودها الاولى كأنثى مسلوبة الارادة والفعل لينصب نفسه وصيا عليها ... بأسم الاب او الزوج او الأخ , مستغلا عقلية وقوانين المجتمع الباترياركية الذكورية ليمارس صلاحياته كأبشع ما يكون ويتفوق " بامتيازاته " معتقدا انها امتيازات فطرية .
ولا يخفى علينا ما يمكن ان يسببه هذا التعالي المزيف من شعور بالاستياء لدى المرأة ,وشعور بالاحباط العميق والتمزق بين الحياة الفعلية المحكومة بقانون التطور وبين الصور النمطية القديمة التي تصطدم بها في كل خطوة تخطوها مع الرجل . واكثر من ذلك فان مجال الثقافة والفنون والاداب الذي يدعي الحداثة كثيرا ما يقدم المأة باعتبارها شيئا ومظاهر التشيؤ كثيرة ان اردنا احصاءها سواءا كانت في الصحافة او في الافلام او المجلات الى غير ذلك .. والجدير بالملاحظة ان هذا التصور غير معلن بوضوح , وهو كثيراً ما يأخذ أقنعة مختلفة , خاصة - لدى المثقفين , ولكنه كامن في أعماق النفوس ويتحكم في السلوك .
من أجل هذا من واجب المرأة الكاتبة والرجل الكاتب ايضاً , المؤمن بقضية المرأة التي هي قضية مجتمع لانها تتعلق بالحريات والديموقراطيو وحقوق الانسان , من واجبهما ان يكشفا هذا السلوك ويفضحا تستره لأنه يمثل أكبر عائق في سبيل تقدم المرأة وترقيها ولأن هذه الصورة العتيقة بأنساقها القيمية الاخلاقيو والدينية هي التي تتحكم الان في مسيرة المجتمعات وتكبل خطى المرأة على وجه الخصوص .
كما لا يغين عنا ان سيطرة هذا الانسان عندنا في عالمنا الاسلامي أعظم وأقوى بكثير من سيطرتها في العالم الغربي , ولذلك فأن دور المرأة الكاتبة الاساسي هو في تغيير هذه الانساق بما يتماشى وتطور هذا المخلوق الذي يخضع لقانون التطور مثله مثل بقية كائنات الطبيعة .
ان من أوكد مهام المرأة الكاتبة تغيير هذه الصورة العتيقة الكامنة والقابعة في أعماق لاوعي المجتمع عامة وفي لاوعي المثقف الرجل خاصة ؟
واستئصال هذه الرواسب التي تنغص عليها علاقتها بالرجل والتي لا يمكن الوصول اليها الا بأزاحة الستائر وكشف الاقنعة , والسؤال المطروح هنا هو :
الى أي مدى ساهمت كاتباتنا في كشف وتعرية هذه الصورة ؟
الى اي مدى أستجاب أدب المرأة الى التجربة الفردية والمعاناة الشخصية ؟
والى اي مدى ساهم هذا الأدب من قصة ورواية وشعر في فضخ النفاق الاخلاقي الذي يسود مجتمعات تتناقض حاجاتها الطبيعية مع قيمها الاخلاقية ومحظوراتها التقليدية وما يخلقه هذا التناقض من أزدواجية .
واذا أردنا التحديد يكون موضوعنا :
كيف تقتفي المرأة الكاتبة الواعية اثر صورتها في لاوعي الرجل المثقف , وقد أخترنا نموذج المثقف المأزوم او المثقف المزيف او المثقف المزدوج الخطاب المنفصم الشخصية .
غادة السمان :
ولعل أبرع من جسم فنيا وأدبيا أزدواجية المثقف العربي بشتى تناقضاته الى جانب الجيل الاول من الكاتبات العربيات مثل ليلى بعلبكي في " أنا أحيا " وعائدة أدريس في " واقع الأوهام " في مجموعتها " الذين لا يبكون " وديزي الامير هي " غادة السمان " التي اسهمت فيرسم صورة المثقف الممزق بين الفكر والممارسة بين الوعي والواقع . القيم القديمة وظروف الحياة الجديدة , المثقف الانتقائي المنفصم الضائع بين أخلاقيتين , حضارتين وطبقتين مثقف الطبقة الوسطى الانتقائي , الممزق بين تراثين , ثقافتين وانسانين . ذلك ان الفكر الليبرالي الفردي لم يكن سوى غرس ثقافي على سطح وجدان شبه زراعي او اقطاعي
#حياة_الرايس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟