أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامية نوري كربيت - الجذور المسيحية للحضارة العربية الاسلامية - 3















المزيد.....

الجذور المسيحية للحضارة العربية الاسلامية - 3


سامية نوري كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 3058 - 2010 / 7 / 9 - 22:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إن التاريخ الحضاري لكل امة هو صرحها الفكري الذي تبنيه منذ نشأتها , والشعوب الناهضة تأخذ ما يناسبها من التركة الثقافية للشعوب التي سبقتها ثم تنميها وتضيف إليها من خصائصها ومبتكراتها وإبداعاتها , فالحضارة هي عملية تراكمية متجددة لها بداية ولكن ليس نهاية , فكما أن الشعوب تتجدد وتنمو وتستمر في العطاء كذلك الحضارة الإنسانية , فلا يجوز لأي امة أن تنسب لنفسها جميع المظاهر الحضارية الإنسانية وتنفي دور الشعوب الأخرى التي أخذت الحضارة منها , وهذه طبيعة المجتمعات المتطورة حضاريا والأمينة والتي ترفض أن تنسب مجمل الحضارة العالمية لنفسها لكونها لا تعاني من أمراض اجتماعية في تكوينها الأخلاقي ونظرة استعلائية فارغة قائمة على أوهام ليس لها على ارض الواقع من وجود .
إن الحضارة العربية الإسلامية حقيقة واقعة لها الفضل الكبير على الحضارة الأوربية والعالمية بما أضافه العلماء العرب المسلمون على الحضارة السريانية التي كانت الأساس أو كما ذكرت سابقا الأعمدة التي بنيت عليها الحضارة الإسلامية , يقول الدكتور احمد محمد علي الجمل الأستاذ في جامعة الأزهر كلية اللغات والترجمة في بحثه الموسوم " اثر جهود السريان على الحضارة العربية الإسلامية " ( إن العربي لم يحمل معه من الصحراء فنا ولا علما ولا فلسفة , ولقد سنح للعربي في الهلال الخصيب أن يصبح الوريث الفكري لعلوم اليونان ومعالم حضارتهم , فما أن مضى على تأسيس مدينة بغداد عام( 145 )عقود قليلة حتى وجد الجمهور الناطق بالعربية في متناوله أهم مؤلفات أرسطو وشروح أفلاطون وأعظم مؤلفات ابقراط الطبية وابرز كتب إقليدس الرياضية وأروع أثار بطليموس الجغرافية , وكان السريان هم القنطرة التي عبرت عليها هذه العلوم لتصل إلى العرب ) .
إن المؤرخين المسلمون القدامى والمحدثين لم ينكروا فضل السريان في قيام الحضارة العربية الإسلامية ولكن هذه المعلومات لا يطلع عليها على الأغلب غير المختصين أو الأكاديميين ولهذا بقيت بعيدة عن عموم أبناء المجتمعات العربية , ولم تعمل الدول العربية على تضمين كتب التاريخ أي من هذه المعلومات عن قصد بغية طمس جزء كبير من التاريخ مدفوعين بنزعات عدائية على كل ما هو غير مسلم ولإذكاء روح التعصب والعنصرية بعد أن وقعت اغلب الدول العربية تحت سيطرة بعض رجال الدين الذين أصبحت تحريضاتهم ضد المسيحيين تجارة رابحة تدر عليهم الكثير من الأموال التي تدفع لهم من القنوات الفضائية المؤدلجة أو نشر كتب الكراهية التي يقبل عليها الشباب المسلم المسلوب الإرادة والذين هم ضحايا الإسلام السياسي .
لقد احتوت كتب عدد كبير من المؤرخين القدامى كابن النديم في كتابه الفهرست , والبيهقي في تاريخ حكماء الإسلام , وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة , وابن خلكان في وفيات الأعيان , والقفطي في أخبار الحكماء , والطبري في تاريخ الطبري , وابن جلجل في طبقات الأطباء والحكماء , وابن أبي اصيبعة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء , وأبو فرج الأصفهاني في كتابه الأغاني , وابن العبري في تاريخ مختصر الدول , والشابشتي في الديارات وغيرهم الكثير , وكذلك المؤرخين المحدثين ومنهم احمد أمين في فجر الإسلام , وجواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام , وجرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية , وسمير عبده في صناعة تزييف التاريخ وغيرهم , الكثير من الحقائق والمعلومات والتي لا تنكر فضل من عمل على نقل تراث الأقدمين كما يطلق عليه المؤرخين المسلمين أنفسهم إلى اللغة السريانية ثم الإضافة عليه من علومهم وآدابهم وفنونهم وبعد ذلك ترجمته إلى اللغة العربية .
يقول الدكتور جواد علي في كتابه " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " الجزء السادس - ( كان للنصرانية اثر مهم في نشر الكتابة العربية المأخوذة عن الآرامية - أي السريانية - بين الجاهليين , الكتابة التي تولد منها قلمنا الذي نكتب به في الوقت الحاضر , فقد وجد المسلمون عند فتحهم للعراق مدارس عديدة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة , كما إن تجار مكة ويثرب الذين كانوا يقصدون الشام والعراق وجدوا أن الضرورة تحتم عليهم تعلم هذا الخط فتعلموه ولما نزل الوحي كتب كتابه به فصار قلم المسلمين ) .
وكانت في بلاد الشام والعراق قبل الفتح الإسلامي مدارس سريانية تدرس فيها الكتب العلمية والفلسفية ولقد أبقى عليها الأمويون والعباسيون , فأصبحت تدرس فيها العربية وآدابها إلى جانب السريانية واليونانية والفارسية كما كانت توجد في الكنائس والأديرة مدارس تدرس العلوم العقلية واللغوية والطب والمنطق والفلسفة واللاهوت وفيها خزائن الكتب والمكتبات التي تحوي كتب الأقدمين , وبقيت هذه المدارس تؤدي عملها في العصور الإسلامية وزاد اتصالها بالمسلمين خاصة في العصر العباسي , يقول الأستاذ احمد أمين في كتابه " فجر الإسلام " ( كان فيما بين النهرين خمسين مدرسة تعلم العلوم السريانية واليونانية وكانت هذه المدارس تتبعها مكتبات ومن أشهر هذه المدارس نصيبين الأولى والثانية والرها وقنسرين وجنديسابور , وكانت هذه المدارس بمثابة جسور عبرت فوقها علوم الأوائل كالفرس واليونان والتي كانت في مجموعها ذات اثر فعال ومباشر على النهضة العلمية التي شهدها العالم العربي الإسلامي .
بعد أن فتح المسلمون بلاد الشام والعراق اقبل السريان (المسيحيين) على تعلم اللغة العربية ودراسة آدابها فاستطاعوا أن يضيفوا علومهم وأفكارهم إلى ما عند العرب فتكونت مزيج من الحضارة أصبحت تختلف عن غيرها من الحضارات مصبوغة بالطابع العربي والأسلوب السرياني , وهكذا بدأت الترجمة إلى اللغة العربية على يد السريان المسيحيين منذ القرن الأول الهجري أي في بداية العهد الأموي , ولقد كان انتقال الخلافة من الحجاز إلى سوريا من العوامل التي فتحت الباب أمام السريان ليسهموا بجهودهم في بناء الدولة الإسلامية , ولقد وضع حجر الأساس لحركة الترجمة في هذا العصر حيث اهتم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بترجمة كتب الطب والكيمياء وأعقبه الأمير الأموي خالد بن يزيد الذي سلب الخلافة منه مروان بن الحكم بعد وفاة أخيه معاوية الثاني ابن يزيد فانصرف إلى طلب العلم ولقب بحكيم العرب حيث كان عالما محبا لعلوم اليونان ومولعا بعلم الكيمياء فأمر بترجمة كثير من كتب اليونان إلى العربية وذكر احمد أمين في كتابه فجر الإسلام إن من أشهر المترجمين في العصر الأموي كان رجلا سريانيا اسمه يعقوب الرهاوي .
ونشطت حركة الترجمة في العصر العباسي منذ خلافة أبو جعفر المنصور حيث كان شغوفا بالطب والهندسة والفلك والنجوم( ويذكر المؤرخ حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون الجزء الأول ) أن المنصور هو أول من راسل ملك الروم وطلب منه كتب الحكمة فبعث له كتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات فجمع حوله صفوة مختارة من العلماء اغلبهم من السريان وشجع على ترجمة العلوم , فترجم حنين بن إسحاق للمنصور بعض كتب ابقراط وجالينوس في الطب , وترجم يحيى بن بطريق كتاب المجسطي في الفلك وترجم جورجيوس بن جبرائيل كتب المنطق لأرسطوطاليس , أما هارون الرشيد فأمر بترجمة جميع ما حصل عليه من الكتب اليونانية والسريانية ووسع ديوان الترجمة الذي كان المنصور قد أنشاه لنقل العلوم إلى العربية وعين الطبيب يوحنا بن ماسويه رئيسا لتلك الدار التي كانت تحوي أعدادا كبيرة من الكتاب والمترجمين , أما الخليفة المأمون فقد انشأ بيت الحكمة وهو مجمع علمي يحوي مرصدا فلكيا ومكتبة عامة وأقام فيه طائفة من المترجمين السريان على رأسهم الطبيب النسطوري حنين بن إسحاق, كما انه استطاع أن يحصل على مكتبة من القسطنطينية تحوي كتبا ثمينة في الفلك والفلسفة والمنطق والموسيقى , فعمل كل من حنين وابنه إسحاق على ترجمة أمهات الكتب اليونانية والسريانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية , ويذكر كل من ابن النديم في الفهرست والقفطي في أخبار الحكماء وابن أبي اصيبعة في عيون الأنباء أن حنين ابن اسحق ترجم للمأمون تسع وثلاثين رسالة من رسائل جالينوس وكتب المقولات الطبيعية والأخلاق الكبرى لأرسطو , وكتاب الجمهورية وكتاب القوانين وكتاب السياسة لأفلاطون فكان المأمون يعطيه ذهبا زنة ما ينقله من الكتب , وكذلك فعل اسحق ابن حنين وكان يعمل في دار الحكمة نقلة سريان متميزين منهم موسى بن خالد , ويحيى بن هارون , وحبيش بن الاعسم , وعيسى بن يحيى بن إبراهيم , وكان قسطا بن لوقا يشرف على الترجمة من اللغات اليونانية والسريانية إلى العربية , ويوحنا بن البطريق أمينا على ترجمة الكتب الفلسفية من اليونانية والسريانية إلى العربية .
ومن المؤلفين والمترجمين المسيحيين السريان الذين برزوا في علم الطب والفلسفة آل بختيشوع من مدرسة جنديسابور وتناقلوا العلم من جيل إلى جيل مدة ثلاثة قرون من حكم العباسيين ومؤسسها هو جورجيوس ابن جبرائيل ومن ثم ابنه وأحفاده وأحفاد أحفاده , ومن انسبائهم أيضا وهم جبرائيل بن عبد الله وابنه أبو سعيد حيث أن جميعهم خدموا الطب والفلسفة والمنطق بما عربوا وألفوا , كما أنهم انشاوا مدرسة طبية في الرها (أورفا) وكلية طبية في جنديسابور وأخبارهم موجودة في كتب ابن العبري , والقفطي , وسليمان صائغ , ويوسف غنيمة وبروكلمان , ودائرة المعارف الإسلامية .
أعود مرة أخرى وأقول إن هذا الذي ذكرته هو غيض من فيض وان دل على شئ فإنما يدل على مقدار مساهمة المسيحيين في الشرق في دعم العرب المسلمين في بداية إقامة صرح دولتهم واقل ما يجب على المسلمين عمله ردا على ما قدموه لهم السريان من خدمات أن تذكر مساهماتهم في كتب التاريخ في المدارس ليطلع عليها الطلاب في جميع المراحل الدراسية وتعريف الأجيال بكل الخدمات التي قدمها المسيحيون في اغناء الحضارة العربية الإسلامية لكي نوفر على المسيحيين شتمهم من على المنابر والتحريض على قتلهم والدعاء عليهم في مساجد من ليس لهم القدرة على الاعتراف بفضل الآخرين عليهم .



#سامية_نوري_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور المسيحية للحضارة العربية الاسلامية - 2
- الجذور المسيحية للحضارة العربية الاسلامية - 1
- قادة العرب لا يتعلمون من التاريخ
- اسهامات مسيحي الشرق في اغناء الحضارة الاسلامية
- ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في حياة المرأة العربية
- اقتل مسيحيا وتمتع بالجنة
- الفساد الاداري والمالي للسلطة الحاكمة واثره في تخلف المجتمع
- حرية الرأي وثقافة الخوف في العراق
- لماذا تهدر حقوق الأقلية المسيحية في العراق
- الصراع بين العلمانية ورجال الدين في العراق
- حقوق الإنسان في العراق المؤمن و حقوق الكلاب في دول الغرب الك ...
- العلمانية بداية الطريق لتحرير المرأة العربية
- حداثة الديمقراطية في دول العالم الثالث
- تعقيب على مقالي عن ختان الفكر والجسد للمراة العربية
- ضياع المرأة العربية بين ختان الجسد وختان العقل
- الحرية الدينية في المجتمعات الديمقراطية
- الأيديولوجيات الدينية وأثرها في تخلف المجتمع
- دور المرأة العربية في الحياة السياسية
- الانتخابات والمصالح الشخصية والفئوية للأحزاب السياسية
- الانتخابات وصراع السلطة !!


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامية نوري كربيت - الجذور المسيحية للحضارة العربية الاسلامية - 3