|
حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 23:52
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
* لا يتردد أحمد باي في سلب منازل مواطنيه لخطف نسائهم وبناتهم ، نساؤة الأربعة الحرائر ، وما أفاء الله عليه من سبايا المشرق المجلوبة التي اشتراها بالغالي والنفيس من أسواق الأسكندرية وتونس لم تلبي أنانيته وغروره ، فكلما تناهى إلى سمعه جمال أمرأة أو بنت في محيطه إلا وسلبها وأدخلها ضمن جواريه وحريمه في جناح قصره. . *كان الحاج أحمد باي ( قبل حصار قسنطينة ) يصطحب نساؤه الأربعة الحرائر في حالات سفره - وتبقى الجواري والسراري في الحريم - محملات بما خف وزنه من المتاع الضروري للإستعمال من أقمشة ووسائل للإستعمال الفردي والجماعي ، وتبقى مخازن القصر ملأى بكل الوسائل المتاحة من بسيطها إلى أعقدها ، وقد قدمت الأغطية الصوفية الفاخرة ، والأسرة الخشبية المستولى عليها خدمة جليلة لجيش الحملة الفرنسية المصابين بالكدمات والحروق والجروح . * يقول أحد الضباط بأن القصر( السراي) الذي دخلناه بعد يومين أو ثلاثة من احتلالنا للمدينة ، هو عبارة عن دار كبيرة بهندسة موريسكية منفتحة نحو الداخل ، غرفها في الغالب معتمة ، متداخلة فيما بينها ، بأثاث بسيط مكون عادة من الأسرة والأغطية والوسائد المختلفة الأنواع.. * يتكون الحريم من 385 إمرأة ، من كل الأعمار والألوان ، بدا من الزنجية وصولا إلى الجورجية والشركسية ، وبالرغم من هذا التلون والتنوع ، فإن مظاهر الإنجذاب غائبة ، فالوجوه عابسة مكفهرة ، قد يكون للأحداث الجارية[1] وقعها في تفسير هذا التوتر الذي لا يفسره سوى غموض مستقبل ومصير هؤلاء جميعهم كبارا وصغارا ، فلم تشفع البخور المنبعثة من جنبات الحريم من تناقص اليأس الملاحظ على الوجوه . * تم إيواء كل النسوة على حذا ، وبطريقة لا يمكن التواصل معهن ، وفي المساء يدلج الحاج أحمد الحريم ، وتقام حفلة في حديقة قصره بمزاح غير مستقر ، يراوح بين الضحك والمداعبة أحيانا، والقسوة والقرع والعنف أخرى ، فحالة الحفل متقلبة بتقلب حالة مزاج الحاج ، وقد يتخلل الحفل الرقص والغناء وتوزيع الهدايا لكسر رتابة المكان . *في كل شهر تنظم دورة مراقبة تحت إشرافه وبحضور كل أفراد الحريم ، يمر الباي بين صفين من النساء يراقب صحة كل واحدة من محضياته رفقة ( قائد النساء) صاحب الحضوة داخل الحريم ، فهو الموزع الفعلي للألبسة والأبخرة ومسلزمات النظافة والجمال والعطور والحناء التي يدافع عنها النسوة بشراهة. * تتواجد ضمن الحريم إمراة شابة باسم ( عائشة) ذات العشرين ربيعا ، بقامة ممشوقة وجمال آخاذ ، بشعر سواده ليل يتساقط على وجنتين بلون الورد ، وعينان كعيون المها ، وبشرة ناعمة تخفيها جزئيا قطع الحرير الشفاف ، وهي صفات زادت من أنوثتها الصارخة وجعلتها محل تقدير وإعجاب نزيلات الحريم. * انتبه الحاج أحمد لمكانة عائشة ، ولاحظ إعجاب الحريم بها ، وهو ما تترجمه الطاعة التي يبديها الجميع لأوامرها، فهي تبدوا كملكة وسط جمعهم ، إنها مسيحية سبق لها وأن تزوجت بفرنسي بالجزائر تحت رعاية أسقفها، غير أنها تجهل مصدر سبيها ، وأصلها وفصلها، لأنها كانت صغيرة عندما خطفت من قبل قراصنة البربريسك من سواحل إيطاليا، وهي التي ستروي جميع الأحداث التي تعرضت لها فيما بعد . * بالرغم من أن عائشة كانت الأفضل عند الباي ، إلا أنه كان يضمر لها عداء خفيا ، فهو لم يكتف بتقريعها وردعها ، بل كان سببا في مقتل أخيها الذي خُطف معها من طرف القراصنة ، بعد إبادة أسرتهما ، فباعوهما في سوق النخاسة اشتراها مندوب الباي من الأسكندرية ، في حين أن أخاها أقتيد نحو العاصمة ( الجزائر) حيث أنخرط في صفوف الحامية التركية المكلفة بالدفاع أثناء الغزو الفرنسي ، ثم كان من جملة الجيش المرافق لأحمد باي بعد تراجعه عن العاصمة والتحاقه ببايلك الشرق ( قسنطينة) ، وبوصوله عاصر تمردا لعبيد إيطالياأمثاله ، وعلم أن أخته ( عائشة) بقصر الباي ، فسارع للقاء الباي لعله سيجد منفذا لرؤية شقيقته ، وهو في غبطة وسرور كبيرين لهذا الخبر السار ، دون أن يدري العواقب المنجرة عن أمنيته ، وسأل الباي قائلا : هل توجد ضمن حريمكم شابة إيطالية خطفت من قبل القراصنة منذ بضع سنوات ؟، وعين له بعضا من صفاتها وملامحها ، غير أن غيضا دفينا تأجج في نفس الباي ، وهو الرجل الحريص على أسرار حريمه وسترَهُن بالجلابيب داخل أسوار الحريم من شدة غيرته ، كيف أصبح هذا الوغد يعرفُ حتى أسماء من بالحريم ، واشتط الباي غيظا وكمدا ، فسأل الشاب بغضب : من أنت ؟ أجاب : أنا شقيق عائشة ، وأريد أن أراها . ما أسمك ؟ أسمي حاليا أحمد ، غير ان إسمي الأصلي ( أوغستينو؟ ). من أين اختطفوك ؟ من جزيرة ( جيوش ) أجاب شقيق عائشة . ودون سماع المزيد من الإجابه دار الباي حول نفسه متجها نحو القصر ودخل الحريم والشرر يتطاير من عينيه ، استحضر عائشة ، وسألها قائلا : هل صحيح لك أخ ؟ أجابت بلهفة وشوق ...آه أخي (أوغستينو )، كيف أهو هُنا؟،(أوغستينو) تقول ؟.. رد الحاج أحمد : نعم .. شاب بهذا الإسم قابلته هذا الصباح يدعي بأنك أخته .أجابت : كم أنا مسرورة ، هل بمقدوري أن أراه قالت عائشة ، أجابها الباي بحزم : غير ممكن... ، وإذا أردت أن يبقى أخوك حيا يرزق، أكتبي له بعدم تكرار طلبه برؤيتك كما فعل دون لباقة تذكر هذا الصباح ، عبثا توسلت عائشة ،وألحت ، وقبلت الأيدي وشفعته في أن يكون حليما معها ليسمح لها بلقاء أخيها بعد فراق طويل ، ومعاناة قاسية ، .. ولو لمرة واحدة .... فشلت كل التوسلات أمام قسوة الرجل وعناده وشدة غيرته . بيد أن الشاب لم يفقد الأمل في لقاء أخته، ولم يتوقف في مطالبة الباي بتحقيق أمنيته ولقاء أخته عائشة ، حتى وصل حد رفع الصوت في الرجاء والطلب بحضور صهر الباي ، ويُعد ذلك انتقاصا من قيمته في عرف بروتوكولات القصر ، وردا على الطلب ، دعى الحاج أحمد ( الشاوش ) وأمره بضرب رأس ( أوغستينو) ونفذت العملية بقسوة في حينها . * لم تكن عائشة الوحيدة من نسائه المعرضات لعنف الباي ، فلكل واحدة منهن ذكريات عن تهوره وتعسفه في حقهن ، حتى أمهُ التي ولدته لم تشفع لها أمومتها عندما حاولت التشفع لأحد المدانين ، فأشبعها ابنها ( الباي) العاق ضربا مبرحا ، وطردها شر طرد من المكان ، ويروى أن ثلاث زنجيات من نساء الحريم إتهمن زورا بأنهن تمنين موت الباي ، باعتبار أن موته سيحررهن ، هذه التهمة المعنوية الملعونة كانت كافية لقطع رؤوسهن بسيف الباي نفسه، وقطعهن تقطيعا ، إنه على دراية بعنفه وقسوته ، فقد شاهد أثنتين من نسائه يتحدثن خلسة ، أمرهما بالإنعزال مسرعا قائلا لهما (( ماذا تقولان عني بسرية ؟؟ ربما تقولان عنى سوءا بلا شك ؟ أعرف بإنكما تكرهاني ، ولكن تأكدا من أن سوء الظن بي قولا ، سيجبرني على قطع أفعى ألسنتكما بلا رحمة .
زيارة لقصر قسنطينة شارل فيرو المترجم الرئيسي لجيش إفريقيا . مقتبس من "دورة حول العالم" 1877 ترجمة المعاني / الطيب آيت حمودة
VISITE AU PALAIS DE CONSTANTINE, PAR M. CHARLES FÉRAUD, INTERPRÈTE PRINCIPAL DE L ARMÉE D AFRIQUE. Extrait de l ouvrage "LE TOUR DU MONDE", 1877
ملاحظات /----------------------------------------------------------------------------------------- **هذه شهادة ل(شارل فيرو)، ضابط فرنسي ، رافق الحملة الفرنسية لاحتلال مدينة قسنطينة عام 1837 وفيها وصف دقيق لقصر الباي ، وجناحه الخاص ( الحريم) الذي يعد محط أسراره، وجواريه من كل حدب وصوب . ** أحمد باي كرغلي (أب تركي ، أم جزائرية) كان حاكما لبايلك الشرق ( قسنطينة)، بعد سقوط العاصمة 1830، حافظ على تبعيته لباي تونس والخلافة العثمانية بأسطمبول ، أملا في الحصول على مساعدات تمكنه من طرد الإستعمار الفرنسي ، غير أن منافسة الأمير عبد القادر له ، وتلكك الدولة العثمانية التي أصبحت غير قادرة على الوقوف في وجه الغرب المتعاظم، أفشل خطته ، كل ما في الأمر أن قسنطينة أدت مقاومة بطولية في وجه الغزاة الذين فقدوا الكثير من جيشهم وعلى رأسهم الماريشال دامريمون. ** يبدو أن الضابط (فيرو) تحامل قليلا على أحمد باي بإبراز مُشيناته وسلبياته ، ولا غرو أن كُتاب الحملة كان هدفهم تشويه الوضع القائم لتبرير غزوهم للبلاد ، وما ذُكر فيه الغلو مع الكثير من الصواب ، لأن العبودية في منتصف القرن التاسع عشر كانت مستفحلة خاصة التسري وملكات اليمين ،وهي ظاهرة رافقت التواجد التركي العثماني في بلادنا ، وما حريم أحمد باي ، سوى صورة مصغرة لما هو واقع فعليا في الجزائر والأسكندرية ودار الخلافة العثمانية .
** ظاهرة العبوس القمطرير التي أشير إليها هي سمة الحكام ، أما دمويته فهي مكتسبة في الحروب المروعة التي شارك فيها بلا شك ، فالحاكم مهما كان حليما ، فحلمه لا يتساوى مع العوام ، فالمرء يعرف عن حقيقته في حالتي الغنى والسلطة . ** نساء الحريم في الغالب هن سبايا وغنائم حرب البحر ، بين الأساطيل الإسلامية العثمانية الجزائرية وأساطيل أوروبا ، عرفت خلالها الجزائر إزدهارا مزيفا بتدفق الأسلاب والمحجوزات والعبيد على موانيء البلاد، ظاهره نعمة ، وخفيه نقمة ، مثل اعتماد بلداننا حاليا على ثروة البترول دون سواها . ** سقوط الأنظمة يفرز كثيرا من التناقضات ، ويبرزكثيرا من الإختلالات والتجاوزات، وهو ما شُوهد عند سقوط دولة الفاطميين في يد صلاح الدين الأيوبي ، أو سقوط الخلافة الأموية بدمشق . **الحكام مهما كانت صدقيتهم ، فلهم تجاوزات خفية ، لا تعلمها العامة ، وكم اتفاقية جرت في الخفاء والسر ؟؟، لم يكتشف أمرها إلا بعد أفولها، صدق من قال : لو علمت العامة بما يفعله الحكام وما يخططون له في أجندتهم ، لكفروا بهم سبعا ولشنوا عليهم ثورات بلا نهاية . ** لاذ الحاج أحمد بأصهاره في واحات الزيبان ، فلم يجد عونا يكفل له الدفاع عن شرق الجزائر ورفض كل المساومات التي سعت لتدجينه في عهد الجنرالات كلوزيل ، ودوبورمون، وروفيقو ، بإبقائه على بايلك الشرق ، استسلم في الأخير كالأمير عبد القادر ، توفي تحت الإقامة الجبرية بالعاصمة سنة 1850.
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
و بنوأمية ..هم عرابوا الفكر الشعوبي .
-
من الخصي البيولوجي ، إلى الخصي المعنوي .
-
الأمازيغي آكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد وطن ؟ أم جهاد دين ؟ ( 2
...
-
الأمازيغي إكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد لوطن ؟ أم جهاد لدين ؟ (
...
-
الأمة الأمازيغية ... بين الاستحواذ والإستقلال ؟!
-
كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!
-
من أفعال بني أمية في الأندلس ( عصر الإمارة).
-
الفركوفونية والعروبية ، صراع افتراضي لوأد الأمازيغية .
-
أحمد عصيد و العلوي ، أو صراع العقل والعاطفة
-
فرنسا....و( الخارجون عن القانون )
-
حول شعوبية الأمس واليوم .
-
الآثار بين كارثتي النهب والإهمال .
-
محنة الأمازيغ في الأندلس ( عصر الولاة ).
-
هوية الأمازيغ بين الأصالة والإغتراب .
-
الأمازيغ والجبروت الأموي .
-
التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.
-
الأمازيغ الذين تربعوا على عرش الفراعنة ؟، وقهروا اليهود ؟.
-
الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.
-
جدل حول تسمية / المغرب العر بي؟ أم بلاد تمازغا ؟
-
يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد، صراع عقيدة أم صراع منفعة ؟
المزيد.....
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|