زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 13:21
المحور:
كتابات ساخرة
حاتم الطائي
كان الفصل شتاءا والدنيا في الخارج، كعروس ليلة زفافها، بيضاء ناصعة لا يعكر جمالها سوى درجة الحرارة التي فاقت العشرين تحت الصفر. وقف عند النافذة يرتشف من حين لآخر فنجان الشاي الأحمر الساخن مستمتعا بطعم الليمون الذي أضافه فيه متأملا في الشارع الشبه فارغ إلاّ من أشباح تقاوم البرد الشديد بخطوات سريعة سرعان ما تختفي في مداخل العمارات المجاورة. استسلم للدفئ ومنظر الشتاء الرائع وعلى محياه ابتسامة سعادة لا يُعرف دافعها.. رنّ جوّاله..
- آلو..من..؟
- مساء الخير.. أنا شكري..
- مساء النور.. كيف أحوالك..؟
- بخير..
استمرا فترة في تبادل المجاملات، كما هي العادة عند أهل الشرق قبل الإفصاح عن الغرض المستهدف، ثم دعاه شكري تناول العشاء عنده في البيت. حاول في البداية الاعتذار بحجة البرد الشديد بالخارج وأن غدا يوم عمل وأنه يحتاج إلى النوم مبكرا حتى يستيقظ الصبح باكرا، لكن شكري تشبث بدعوته وألح عليه فيها.
لبس حذاء الفرو ومعطفه وحطّ قبعة الفرو على رأسه بعناية، كما هي عادته، ثم خرج بعد أن اقتحمت أصابع يديه القفاز متوجها إلى محطة الترام.. ركب الترام الذي سار ببطء وتكاسل من شدة تعب يوم عمل طويل أرهقه.. ألقى بقامته على أول مقعد فارغ واستسلم للتعب..
رنّ الجوال مرة أخرى..
- آلو..
- اسمع.. نسيت أقول لك أني نسيت أن أشتري الخبز، مر من فضلك على المحل واشتري خبزا..
- حاضر..
بعد محطتين نزل من الترام ودخل إلى سوبر ماركت. ما إن وطأت قدماه عتبة المحل حتى رنّ الجوال مرة ثالثة، ثم رابعة وخامسة فسادسة.. في النهاية خرج من المحل محملا بكيسين ثقيلين..
فتح له شكري الباب مرحبا به، ثم اختفى في المطبخ بعدما استلم منه الكيسين..
- ما رأيك لو نبدأ العشاء بما أحضرته في انتظار الطبيخ الذي أحضّره..؟
- افعل ما شئت..
أكلا الجبنة والسمك المعلب وشربا الشاي، فظهر التعب على جفونه التي استرخت وأبت أن تنفرج..
- أعتقد أنه كافي ما أكلناه ولا حاجة لطبيخي..
- أعتقد.. تصبح على خير..
غادر بيت شكري وهو لا يفكر إلا في الوصول إلى بيته في أقرب وقت ليعانق وسادته ويغيب في سبات شبيه بذلك الذي تسبح فيه بلادنا..
#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟