|
لسنا ملك يمينكم ولا يساركم
زينب رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 11:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لعلني أبدو في غاية التفاؤل، وربما في غاية السذاجة، وأنا أكتب عنوانا يتحدث بصيغة الجمع، رغم ان صورة العمل النسائي على امتداد العالم العربي والإسلامي يشوبها انقسامات كثيرة، وتشوهات أكثر، سببها نساءٌ لم يروق لهن أن يتخلصن من نير الإستعباد الذكوري الغاشم، و لا رغبة لديهن في الحصول على حقوقهن في حدودها الدنيا، وان كنت أتحدث في سياق المطالبة بحقوقنا، فمن باب أولى أن أتحدث بداية عن الثغرات التي سببها كثير من النساء في معركة المرأة من اجل نيل حقوقها. لايمكن لنا أن نتناسى نحن النساء ما فعلته وما تزال شقيقات لنا من أفعال تؤخر عملية التحرر المجتمعي في شقه الأنثوي ربما لأجيال قادمة.
منذ بضعة سنوات جابت مظاهرات نسائية مدن جنوب العراق ضد مشروع قانون يمنح المرأة بعضا من حقوقها المهضومة، ونقرأ يوميا كتابات لأسماء نسائية لامعة ومرموقة ما زالت تُجمل قبيح النص الديني وتحاول لي عنقه، لاثبات ما هو بريء منه، من حفظ حق المرأة وصونها وصون حقوقها، وكتابات أخرى لسيدات لم يستوعبن بعد الخروج من دائرة الوصاية الذكورية، ولا عجب حينها ان نرى جمعيات نسائية ترى القائمات عليها بأن أولياء أمورهن أدرى وأولى بأمورهن، وولي الأمر هنا قد يكون صبيا لمَا يتجاوز الخامسة عشر من عمره بعد في حين تكون هي قد تجاوزت الخمسين والستين وربما الثمانين.
في الحالة العراقية، فان رجال الدين من أتباع وقادة الأحزاب الدينية التي وصلت الى الحكم عقب عملية الخلاص من النظام البائد، هي التي دفعت كثيرا من النساء للخروج بتلك المظاهرات دون أن أنكر أن نسبة لا بأس بها منهن خرجن بملئ ارادتهن، حيث استجابت المرأة وعبر مئات السنين لتراكمات رسخها النص الديني ملخصها قصور المرأة وقلة حيلتها وحاجتها الدائمة للرجل، وفي الحالة الثانية نجد حالة الرعب من المساس بالنص الديني تؤدي الى الاستقواء به ولكن للأسف الشديد بعد لي عنق النص وتحميله ما لايحتمل، والصاق تهمة صون المرأة وحقوقها به وهو براء منها كبراءة الذئب من دم يوسف، وفي الحالة الثالثة فان المفردات التي تستخدمها جمعيات "ولي أمري أدرى بأمري" هي مفردات النص الديني ذاتها. في الحالات الثلاث يبدو بشكل واضح، وان اختلفت زوايا الصورة، بأن النص الديني ورجالاته هم العائق الوحيد أمام خلاص المرأة من عبوديتها، حيث أحال الذكور الذين أسسوا الأديان مجموعة من العادات الرديئة الى عادات مقدسة لا يأتيها الباطل أبدا.
شخصيا أستطيع أن أجزم واستنادا لكل نصوص الأديان، وخاصة تلك التي يقول عنها أصحابها بأنها سماوية، أن الدين شكل انقلابا واضحا وصريحا وجليا ضد المرأة وماكانت تستحوذ عليه من مكانة قبل ظهور الأديان، ومهما حاول البعض تجميل بعضا من تلكم النصوص فان بعضها الآخر، وهو الغالب والمسيطر والمهيمن والناسخ لما قبله، قد استحقر المرأة أيمَا استحقار، وأهانها بالمطلق، وحشرها في الأرض والسماء في مكانة دونية لا تليق بجنس البشر، فهي في الأرض ناقصة عقل ودين، ومفسدة لايمان الرجل، والشيطان ان اراد التمكن من رجل مؤمن يأتيه بصورة امرأة، وهي ماكينة تفريخ حتى يتباهى أحدهم بعديد أمته أمام الأمم الأخرى، ولو ان السجود يجوز لغير الاله لكان الأن من الواجب شرعا أن تسجد المرأة للرجل، وفي كل الأحوال فان مايحصل للمرأة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم هو أسوأ من سجودها للرجل بكثير، أما في السماء فهي إما حورية ذات عذرية دائمة لإمتاع رغبات الرجل، وإما هي في النار لأن أغلب أهل النار من النساء.
من تحاول تجميل قبائح النص الديني، تستحق الشفقة قبل أي شيئ آخر، فهل كان للرجل أن يجمع أربع من النساء لولا النص الديني؟ وهنا أتحدث عن مجتمع كان سيتطور بشكل طبيعي نحو الأفضل بعيدا عن قسريات النص الديني، وأي رجل سيتعامل مع المرأة ككائن نجس طوال ربع عمرها تقريبا لو لم يُنجسها أصلا النص الديني؟ وأي رجل سيُجبر زوجته على المعاشرة وهو راض عن ذلك تماما لولا النص الديني الذي أجبر المرأة أن تفعل ذلك معه حتى وان لم تكن على استعداد نفسي لذلك؟ لانها اذا لم تفعل فقد هددها النص الديني بأنها ستنام ملعونة من الملائكة حتى الصباح، وأي رجل هذا الذي سيتعامل مع المرأة كسلعة ذات ثمن معين حسب مواصفات معينة لولا النص الديني الذي تحدث بوضوح عن منطق الأجور في تعامل الرجل مع المرأة؟ من منكن تستطيع أن تنكر أيا من تلك النصوص؟ ومن تستطيع منكن أن تنكر أن تلك الترهات صالحة لكل زمان ومكان.
حتى يكون لنضال المرأة نكهة وطعم وبالتالي نتيجة، لا بد أن تصوب بوصلتها باتجاه الهدف الحقيقي الذي أهانها وقلل من شأنها، وهو النص الديني بفروعه المختلفة، لا أن تلجأ الى الضبابية من خلال توجيه اللوم الى رجال الدين وغيرهم، الذين وان كانوا استفادوا بكثرة مما منحهم اياه ذلك النص من مزايا، فانهم قبل ذلك يبتغون مرضاة الله ورسوله من خلال تطبيق ماجاء بتلك النصوص والسير على هدى آخر المرسلين.
لن يسمع أحد المرأة اذا ما جلست تحاول لي عنق النص الذي يبيح التعدد، ولن يفيدها ابدا اعادة انتاج ضوابط ذلك النص، وكلما وجدت مخرجا وجد لها الرجل ألف مدخل، وان بدت المرأة كاملة من حيث الانجاب والطاعة والخلو من الأمراض الخ، فان الرجل سينكح ما "يطيب له" مثنى وثلاث ورباع وما ملكت يمينه. الحالة الوحيدة التي سيسمع بها الرجل المرأة حين تقول لا للتعدد اطلاقا، ولن أكون ملك يمينك أيها الرجل، وان النص الذي تستقوي به يكون صالحا لتلك الحقبة في أحسن أحواله وليس لكل زمان ومكان كما يحلو لك ولغيرك من الرجال.
يبقى الحديث في الشق الثاني من العنوان، وهو أن جيشا عرمرما من الرجال مدعي الليبرالية من العرب والمسلمين ما انفكوا يتحدثون أو يكتبون عن حرية المرأة وحقوقها في حين ان نسائهم تتعرض لأبشع أنواع الاضطهاد من قبلهم في المنزل، وهذا النوع ربما كان أخطر من الأول وهو يتغطى برداء الليبرالية الجميل خارج المنزل فيما يكتب وفيما يقول، وينفذ عمليا في منزله تنفيذا حرفيا وعمليا لأبشع ما أورده النص الديني تجاه المرأة. يبدو هنا ان بونا شاسعا يفرق عند الكثيرين ما بين النظرية والممارسة وهي تأكيد لما قاله يوما المفكر الكبير جلال صادق العظم من أن التناقض بين النظرية والممارسة اصبحت شيمة من شيم الأصالة العربية في رده على اتهام أحدهم له ولغيره من المثقفين العرب بالازدواجية.
ماتحتاجه المرأة العربية والمسلمة حقيقة هو الليبرالي العضوي على غرار مثقف غرامشي العضوي، الليبرالي الذي يربط أقواله وكتاباته بأفعاله التي لابد أن تكون انعكاسا حقيقيا لم يكتبه وما يقوله بخصوص حرية المرأة وحقوقها واحترام كيانها، وذلك يجب أن يبدأ من منزل الليبرالي وعلاقته مع زوجته أولا قبل أن ينتقل بأفكاره الى الأخرين.
وحدها الدولة المدنية هي القادرة على ضمان حرية وحقوق مواطنيها أناثا وذكورا دون تمييز، وتحت مظلة قوانين الدولة المدنية تستطيع المرأة أن تطلق طاقاتها الابداعية التي لا تختلف أبدا عن طاقات شريكها الرجل، وربما تزيد عليها، وهذه الدولة لا يمكن بناءها في بلدان ما تزال تُسيرها فتاوي رجال مهووسون بما منحهم النص الديني من امتيازات، وهذا يعني ان الطريق باتجاه بناء الدولة المدنية يمر فقط عبر أنقاض النص الديني وترهاته.
للحديث بقية
#زينب_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن سوريا وحاجتها الملحَة لأساطيل الحرية
-
أردوغان..لعله يكون آخر الأنبياء
-
حماس..نكبة النكبات
-
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام
-
أَيُّهُمَا العصر الجاهلي؟
-
ماذا يعلمونهم في المساجد؟
-
الى متى تبقى المملكة أسيرة للمافيا المقدسة؟؟
-
في اسلام أسامة بن لادن
-
عبدالله بن سبأ
-
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟
-
ببساطة..قبر راحيل أثر يهودي وليس إسلامي
-
مرارة السيد الرئيس!!
-
ارفع رأسك عاليا يا ابن العراق الجديد
-
خطر التزمت الديني على أطفالنا
-
الفلسطينيون والاعلام الاسرائيلي و-طناجر- جحا
-
المبحوح...مجرم قُتل بأيدي مجرمين
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|