أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - الأب الضّال والفرد المؤسّس للجماعة الحرّه















المزيد.....

الأب الضّال والفرد المؤسّس للجماعة الحرّه


ياسر اسكيف

الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


ما من منظر للحداثة الشعرية العربية إلا واستعار الكثير من الأسباب الأوربية للحداثة , معتبرا أن دفاع الذات الفردية عن وجودها واستقلالها ومقاومة عوامل تشيؤها أو محوها كان أهم تلك الأسباب . غير أن أحدا منهم لم تعن له الفردية سوى أل التي امتد ت وتضخمت حتى غدت اختصارا للكون أو بد بلا عنه .
وانتظرنا تصحيحا لهذه العلّة الخلقية,التي ورّثهاالحداثيون الأوائل , من الأجيال الشعرية التي تلت , غير أن الفرد الذي انتظرناه كان شديد البطء في التخفف من أثمال الجماعة التي أعطت لظله ضخامة ولذاته تقزّما .
وجاءت بعض التجارب,على قلتها , لتؤكد أن الانتظار كان طبيعيا . وأنه بمعزل عن بدء الإحساس بالتشكّل الفردي على المستوى الحياتي فلن نلحظ هذا التشكّل على المستوى الشعري .


في هذا الإطار يأتي الكتاب الشعري الأخير للشاعر < لقمان ديركي > الصادر عن دار ألف للثقافة والنشر – دمشق 2003 مانحا المشهد الشعري السوري نكهة شديدة الخصوصية , ومتّخذا لنفسه موضعا سبقيا في النواة التي تتخلق للمختلف الحقيقي .
إن <لقمان دير كي > يؤكد , ومن خلال كتابه هذا , حضورا خاصا ومؤسّسا لتجربة شعرية يقدمها النص وليس مرجعياته . وهو بهذا يقدّم نصيّا ما يظهر بؤس التنظير وما يدفع إلى التوقّف والنظر بجديّة ومسؤولية إلى ما سطّر ,
وما أنتج فعلا .
وفي حضرة < الأب الضّال > لابدّ من التفكير بحجم الخراب والكبح الذي أحدثه ومارسه < دونكيشوتات >
الحداثة الشعرية العربية وما زال بعضهم يحدثه ويمارسه .
فالذين نادوا بالجنون ظلوا عقلاء أكثر من العقل ذاته .
والذين نادوا بالقطيعة اتصلوا بتواريخ أخرى وانتموا إلى أبوّات جديدة .
وأما الذين نادوا بالإعلاء من شأن الذات الفردية فقد أضحت دواتهم جماعات .
وحصد أولئك, عمّا ادعوه جنونا وقطيعة , جوائز استثمروها بعقلانية لا تدع هامشا , مهما بلغت ضآلته , للجنون
وشيدوا باسم القطيعة معابد الحقيقة والصواب . الصواب الذي يؤبدهم نجوما , والحقيقة التي تصون تألقهم وتحفظ ذواتهم كرموز أزلية .
ويأتي الأب الضال ليفتح ثغرة في الهيكل الذي شيّده السدنة الحداثيون , وليؤكد خروج < لقمان ديركي > من < فورة البياض > و < غبار الضيوف > قصائده التي تخبط فيها طويلا وهو يعيد إنتاج الآباء الصالحين أمثال
< سليم بركات > و < عباس بيضون > وغيرهم ..... وخروجه أيضا من البهلوانية التجريبية المتكلّفة التي رسمت < وحوش العاطفة > إلى عالم الذات التي لا تتأكد بالانتماء بقدر ما تتأكد بالتجاور , محققا , عبر التجربة والعيش ,مايمايز ويفصل بين ألأنا الأنوية والأنا الفردية :

* أنا الابن الضال الذي بلا صورة معلقة له في البيت ولا مفتاح خاص به ---- ص 36

فهذه الأنا غيرها فيما استقر من تعريف للأنا عبر تاريخنا الثقافي والاجتماعي . إنها دلالة على الطرد المزدوج من حظيرة التشابه والانصياع إلى فضاء التعدد والحرية .
إن الابن الضال لم ينشد بضلاله تميزا , ولم يعتذر عن هذا الضلال بالكون أبا صالحا , شأنه في ذلك شأن الأبناء الذين انتحلوا الضلال في ثقافتنا العربية , إنما يستمرّ في أبوّته اختلافا يهدّد طمأنينة الإجماع :

* -- منذ أن هربت صورتي من إطار العائلة وابنتي التي تعلّمت أن تكتب اسمي واسم أمها وأختها واسمها ....... وعندما كانت تلتفت كنت أشطب اسمي ....... ص16

هي محاولة لتأكيد الفردية بالتعدد , ليس عبر المفردات واشتقاقاتها بل عبر التحول الذي يفترض بإنسان يعيش في آن مرتبك , إنسان يتعرّف إلى كينونته ويعرّفها في مواضعاتها التي لا تستند إلى مرجع ولا تأتمر بقبل .

* ---- في صورة بالأبيض والأسود كنت أمشي إلى خارج الإطار بألواني الطبيعية ....... ص17

ليس التفاؤل هو من تمكن قراءته في الصورة السابقة . بل أبواب الاحتمالات اللامتناهية خارج الثنائيات الضدّية التي أتخمت ارثنا الحداثي . والتي مارست إرهابا أفقر حياتنا وأقفرها , لدرجة أصبح معها الطبيعي والتلقائي علامة فارقة وعنصر شذوذ :

* --- وما حمل ساعة في معصمه وما علّق في عنقه زردا وما نقش على جسده وشما
ولكنه مشى في الشوارع المزدحمة كعلامة فارقة ....... ص9

غير أنّ الذات المتنبّهة , الذات التي تقاوم أسباب ابتلاعها ومحوها , الذات الباحثة عن التجاور والاتحاد اللذين لاترى تأكدها إلا بالاستقلال , الاستقلال وحسب , تجد نفسها على الدوام , وخاصّة في المجتمعات الماقبل مدنية , عرضة للعذاب والقهر والأ لم , ذات لاتعرض ألمها لتستجدي , أو تقول قهرها سعيا للتعويض بل تعرض وتقول لتؤكد أن ذلك جزء منها وجانب من تعريفها :

*.---- إذا تعب الشعراء قالوا : تعبت يا صاحبي أو يا أبي ...... أو يا أخي .... أما أنا .. فتعبت
وما عادت بي طاقة للعيش ولم أقدر على الدنيا ويأسي أكبر من رغبتي بالحياة ولكن
دون أية كلمة تستطيع أن تسند هذه الجمل المرهقة ........ ص8

هي ذات تخترق بالفعل لا بالقول , وتؤسس لفردية هي الفاعل في مساحة الحداثة دون ادعاء أو إطناب :
* -- في علبة الثقاب المبللة أنا العود الجاف ...... أنا عود الثقاب المحترق في علبة الثقاب المبللة
التي جفّت الآن ....... ص34 – ص39

وفي العودة إلى الأبوّة والضلال لن نقع على أثر للنشاز أو للتناقض في انكتاب التجربة الشعرية . والذي نجده هو اجتراح معنى جديدا للأبوّّة باعتبارها خصيضة بشرية لا سرا مقد سا . وكما الكثير من الخصائص المدركة كوعي شخصي , وليس كتمثيل للإجماع , فان الأبوّة التي تقدمها تجربة <لقمان ديركي > هي أبوّة جارحة , معذّبة ومخزية , غير أنها ما من سبيل إلى نكرانها . وهي لا تتنازل , كما في البنوّة , عن وعيها بالمجموع كاتحاد لأفراد يعون ويدركون استقلالهم :

*---- في الزحام سيرتطم بكتفك وستأخذين معك رائحة الخمر وعينيه المليئتين بالدمع وتعبرين
................ وبإصبع ثابتة ستشيرين هذا هو أبي . ص50 – ص57


أخيرا يمكنني القول إن الأب الضال يختصر الكثير من البيانات , ومثلها من الاجتماعات التي تتشدق بالحديث عن مجتمع مدني وأفراد أحرار . فهذه وتلك إذ تحدّثت فإنما عن مجتمع متخيل وفرد يخجلون من السير قربه في شارع عا م , ذلك أن القليل مستعد للخروج من الإطار الذي خطّه الفقهاء قبل مغادرتهم المزعومة .



#ياسر_اسكيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة والتحديث


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - الأب الضّال والفرد المؤسّس للجماعة الحرّه