|
في مديح المراة الطفلة
زياد خداش
الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 09:50
المحور:
الادب والفن
في الصباح الباكر جدا ، تنهض المراة الطفلة ، مبتسمة دائما ، لا تحتاج هذه المراة الى منبه ليوقظها ، يكفيها نبض زهرة في مزهريتها ، او خفقة جنين في بطن ام جارة لها ،، او شهقة شمس صغيرة تبزغ رويدا رويدا من عتمة افق او مواء مبحوح لقطة صغيرة جدا ولدت لتوها في بيت الدرج ، او صياح رقيق لعصفور عاشق و ضئيل ينادي مستاء على عصفورته التي تأخرت في المجيء ، او انين فراشة قديمة محبوسة ، ومهروسة ، منذ اشهر طويلة في صفحات كتاب ، المراة الطفلة ، تفيض بالبراءة ، والثقة الهائلة بالعالم ، ولو حدث و ان تعثرت بشيء ما، ملاءتها او كتبها، مثلا ، تنحني بوداعة غزيرة ، وترسم قبلة اعتذار حميمة على الشيء الذي تعثرت به ، فيندلع فجأة في هذا الشيء ، مطر حب لا ينقطع ، العالم نائم ، خشنا ومعاديا يغط في مؤامراته وجرائمه ، وحساباته ، تتكىء المراة الطفلة على حافة شرفتها ، المطلة بهدوء ،و اصرار على شارع صامت ، هذا هو اجمل اوقاتها ، هي سيدة العالم الان ، اميرة اشيائه : الشوارع والنجوم والحدائق ، صمت عميق ، هدوء غريب ، الان يهطل داخلها حنين غامض الى مدن بعيدة تناديها ، كائنات مختلفة ، عاشت معها ذات قرون بعيدة ،لا تتذكر ملامحهم الان ، لكنها تتذكر انهم مصنوعون من نور وموج وليل ، وشجر وشواطىء، وما ان تشرق الشمس ، وينهض البشر يفركون عيونهم بأيدهم الفظة ، يستعدون ليوم صاخب بالركض ، وحافل بالسباب والصياح والقلق ، وتتحرك العربات زاعقة ومستعجلة الى مصالحها ، وغبارها ودخانها المسموم ، يموت انين الفراشة ، وتختفي العصافير ويندثر نبض الزهور وتصمت الاجنة في بطون الامهات خوفا او احتجاجا ،، وتترك المراة الطفلة الشرفة ، تستعد ليوم عمل ، في الشارع تمشي المراة الطفلة وكأنها تسير في حقل الغام فأينما تتحرك يلاحقها الناس بالعيون والاشارات ، لاتفهم المراة الطفلة مالذي يريده الناس في الشارع منها ، هي تبتسم لهم فيزادون ا بتسامات ويلتهبون كلمات ، وحركات ، المراة الطفلة لا تعرف كيف تتصرف ، هي لا تحس بازعاج ، لكن شيئا ما يقلقها لا تعرفه ، بودها ان تجمع كل هؤلاء الرجال الغريبين في الشارع ، وتقول لهم انها تحبهم تماما كأبيها كصديقاتها ، كقطتها ، كمزهريتها ، وشرفتها وفراشتها الميتة ، كما تحب فيروز والسفر والهدوء الفجري ، الشفاف والندي ، لا تعرف المراة الطفلة المعاني السيئة للاشياء ، والتصرفات ، لا تعرف ان ابتساماتها البريئة ، ستحسب عند بعض الرجال سقوطا و استجابة لغريزتهم الجاهزة دائما والمتحفزة لانقضاض ، ،لا تعرف ان وقوفها مع صديقة او صديق تضحك ،او تحرك بعفوية ، سيحسب عند الرجال وقاحة وعيبا ، المراة الطفلة ، لا تستطيع ان تفهم قلق اخيها او صديقتها او ابيها من براءتها الزائدة عن اللزوم ، ، صح انت بريئة ، بس الناس راح يفهموك غلط لو كنا في بلد اخر متحرر ، ولا ملاحقات او حسابات فيه ، والناس شبعانة جنس ، لما قلقنا عليك ، الرجال هنا وحوش ، وبسبب براءتك ستفقدين مستقبلك ولن تتزوجي ، تستغرب المراة الطفلة هذه الكلمات ، اذ كيف تغير طبيعتها ، انهم بذلك ، كأنهم يقولون للفراشة كوني يا فراشة ذئبا ، ، انا لا افهمكم ، لا افهمكم ، وتلوذ المراة الطفلة ، بغرفتها حزينة ، تنتظر هبوب مملكتها ، الفجر القادم ، لتتكيء على شرفتها ، تصغي برهافة وحب وبراءة لانين الفراشة المهروسة في الكتاب ، فتتألم ، وتبكي بصمت ، تتمنى لو يعيد التاريخ نفسه ، لتمنع اخيها من هرس الفراش بين الصفحات ، فيأتي الفجر ، بكائناته واجنته وعصافيره وزهوره ، وعذبوبته البضة ، ينام العالم ، يحل السلام ، يموت الغبار ، اه لو يتجمد الوقت ،: اه لو تغفو الشمس ا لسنوات ، تهمس المراة الطفلة ، وتتحرك باتجاه الكتاب تفتح على الصفحة التي تنحشر فيها الفراشة الميتة بجسدها المهروس ، تمسك المراة الطفلة بالجسد الميت والرقيق ، الذي يكاد يذوب بين اصابعها تقربه من عينيها العميقتين ، الخرافيتين ، العينان مبتسمتان كما هما دائما ، جسد الفراشة يتحرك ، الرأس النائم الصغير ينهض من اغماءة طويلة ، والاجنحة الهشة تخفق خفق ، مولود جديد ، يا الهي ، تهمس الطفلة ، او يهمس الليل ، او يهمس العصفور : مالذي يجري؟؟ االفراشة تعود الى طبيعتها ، زرقاء ومحبة للحياة وبريئة تعود الطفلة الى االشرفة ، ممسكة الفراشة من جناحها الايمن ، تمد يدها وتطلق سراحها ، تطير الفراشة الى ، حياتها ، حقولها ، اخوة اخرين ، ، الى الخطر ، النور ، الموت ، الى كتب اخرى تهرس في صفحاتها ،
#زياد_خداش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|