أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - محمد عفيفي مطر.. عبقريَّةُ التنوُّع














المزيد.....

محمد عفيفي مطر.. عبقريَّةُ التنوُّع


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 12:18
المحور: الادب والفن
    



أوَّلُ معرفتي بالشاعر المصري الكبير محمد عفيفي مطر ترجعُ ربَّما إلى أكثر من عشر سنواتٍ.. كانت صورتهُ في مجلَّةٍ أدبيَّةٍ أظنُّها " الشرق " خُصِّصت لتكريمِ شاعرٍ فلسطينيِّ من عربِ الداخلِ هو الشاعر فاروق مواسي... فيما بعد سألتُ صديقاً شاعراً عنهُ فعرفتُ حينها أن هذا الشاعر المصريَّ الأسمرَ الذي تنتمي ملامحهُ إلى ملامحِ أجدادهِ الفراعنة أحد أهمِّ الرموز الشعريَّة في مصر والعالمِ العربيِّ بأسرهِ وأحدُ الذينَ شكَّلوا ظاهرةَ الشعرِ الستينيِّ وأغنوا تجاربها وجوانبها.
ولكنَّهُ مغيَّبٌ في طبيعةِ الحالِ لعدمِ إتقانهِ الغناءَ في جوقةِ ببغاواتِ وطواويسِ القصرِ.. حزنتُ حينها ولم أفهم كيفَ يكونُ أحمد عبد المعطي حجازي في مقامٍ ومحمَّد عفيفي مطر في مقامٍ آخرٍ وشتَّانَ شتَّانَ بينَ المقامين.

الحقُّ يقالُ بأنني لم أتوَّفر على تجربةِ الشاعرِ حتى ذلك الحين ولم أقرأ له إلاَّ قصائدَ متفرقَّة هنا وهناك. قراءةً لم تلقِ الضوءَ الكامل على تجربتهِ الشعرية بَيْدَ أنني قرأت أعمالَ مجايليهِ أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي.

أتذكَّرُ الآن أنني عثرتُ في مطبعةِ صديقٍ حيفاويِّ على ديوانهِ الفذِّ الجميل والذي شدَّني من أوَّل وهلةٍ " إحتفالياتُ المومياءِ المتوَّحشة " ولكنني لم أقم باستعارتهِ لقراءتهِ.. قمتُ فقط بتصفُّحهِ تصفُّحاً عابراً ولاحظتُ أنَّهُ يحملُ في طيَّاتهِ نفسَاً متمرِّداً جديداً وتحوُّلاً خطيراً.. لا يشبهُ شعرَ أمل دنقل إلاَّ في جموحهِ وكبريائهِ وسخطهِ على بلاطِ السلطانِ الظالمِ.. هناكَ بعدٌ مميَّزٌ ينأى بغنائيَّتهِ عن قصائدِ عبد الصبور وحجازي أيضاً.. شعرٌ يحملُ النارَ المقدَّسة الطاهرةَ والخصوبة والتنوُّعَ العبقريَّ والموسيقا الوليدة التي تدغدغُ الأحاسيسَ قبلَ أن تصلها كإعصارٍ جامحٍ..
ندمتُ فيما بعد على عدمِ استعارتي هذا الديوان من الصديق ولكنني قرأتُ عنهُ كثيراً من خلالِ دراساتٍ عن الشاعرِ وتجربتهِ. ديوانُ "احتفالياتُ المومياء المتوَّحشة " كُتبَ داخلَ السجن في أوائل التسعينيَّات عندما عارضَ الشاعرُ وقوفَ بلادهِ بجانبَ القوَّات المتحالفة ضدَّ العراقِ... فزُّجَ بهِ في السجنِ وعُذِّبَ بأن عُلِّقَ من يدهِ في دهليزِ السجنِ فكانَ لا يرى إلاَّ الظلامَ ويظنُّ من شدَّةِ ألمهِ أنَّ أولادهُ معهُ في السجنِ فكانَ ينادي عليهم بأسمائهم.. وتجربةُ السجن التسعينيَّةُ هذهِ طالما حملتهُ إلى مشارف الجنون والهذيان.
يقولُ الشاعرُ واصفاً ليلَهُ في سجنِ طرة في قصيدةٍ بعنوان" هذا الليل" :
هذا الليل يبدأ
دهر من الظلمات أم هي ليلة جمعت سواد
الكحل والقطران من رهج الفواجع في الدهور!
عيناك تحت عصابة عقدت وساخت في
عظام الرأس عقدتها،
وأنت مجندل – يا آخر الأسرى...
ولست بمفتدى..
فبلادك انعصفت وسيق هواؤها وترابها سبياً –
وهذا الليل يبدأ،
تحت جفنيك البلاد تكومت كرتين من ملح الصديد
الليل يبدأ
والشموس شظية البرق الذي يهوي إلى
عينيك من ملكوته العالي،
فتصرخ، لا تغاث بغير أن ينحل وجهك جيفة
تعلو روائحها فتعرف أن هذا الليل يبدأ،
لست تحصي من دقائقه سوى عشر استغاثات
لفجر ضائع تعلو بهن الريح جلجلة
لدمع الله في الآفاق..
هذا الليل يبدأ
فابتدئ موتا لحلمك وابتدع حلما لموتك
أيها الجسد الصبور
الخوف أقسى ما تخاف.. ألم تقل؟!
فابدأ مقام الكشف للرهبوت
وانخل من رمادك، وانكشف عنك،
اصطف الآفاق مما يبدع الرخ الجسور..
--------------
27/3/1991 معتقل طرة





وهو ربَّما في نظري الشاعرَ الأبرز في عصرنا الحاضر الذي دفعَ من دمهِ وألمهِ ثمنَ
معارضتهِ واحتجاجهِ ورفضهِ. ولا أقيسُ بهِ إلاَّ الحلاَّجَ أو بشَّار بن برد في صدرِ الدولةِ العبَّاسيَّة.

يقولُ عنهُ الكاتبُ أحمد الفيتوري ما يلي: وانبثق محمد عفيفي مطر في الشعرية المصرية مفردا ، تميز بشعرية ضد السائد أيا كان السائد وأنه خارج السرب ، وامتزجت هذه الشعرية بعجين الثقافة العربية المصرية ، فكانت شعرية خصوصية حتى التماهي في جوهر كل ما هو إنسان ، متخلقة وخالقة لغة الوجود الإنساني المتعين في الزمان باعتبار الزمان صيرورة الإنسان في عين مكان ، وفي المكان حيث المكان من إبداع إنسان يخلق زمانه ويحقق وجوده .
وامتزج الشاعر في الشعر فكانت حياته شعره ؛ ” سنابل ” الجهد والمثابرة والبحث والدرس وفلسفة المعنى ، ولهذا كانت مجلة ” سنابل ” التي أصدرها في نهاية الستينات حيث لم يكن من السهل الكتابة فما بالك بإصدار مجلة في كفر الشيخ بلدة الشاعر ؛ هذه المجلة التي قدمت المتميز والأصوات الجديدة والمعروفة حاليا في راهن الثقافة العربية ".

سمعتهُ بعدَ رحيلهِ يتكلَّمُ على فضائيَّةِ النيلِ الثقافيَّةِ بفيضٍ عظيمٍ من النوستالجيا عن الناسِ والحبِّ والشعرِ والأرضِ والموتِ والمرأةِ كلاماً أقلُّ ما يُقالُ فيهِ أنَّهُ فوقَ أجملِ شعرٍ في الدنيا.. كأنَّما يمتحُ كلامهُ من هوَّةٍ ومناخاتٍ صوفيَّةٍ لا توجدُ في عالمنا بل تسكنُ كيانَ الشاعرِ الطائرِ في مجرَّةٍ قاصيَّة. حتَّى أنَّ بعض المثقَّفين العرب أطلقوا عليهِ لقب نفرِّي الشعر المصريِّ الحديث ولا نغفلُ ما قالهُ الشاعر العراقيُّ الكبير عبد الوهاب البيَّاتي عن عفيفي مطر بأنَّهُ أحدُ أصفى الأصوات الشعريَّةِ العربيَّةِ في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين.. وأنَّهُ شاعرٌ استطاعَ أن يجدَ المعادلة الصحيحة التي توازنُ بينَ اللغةِ واللونِ والحسِّ الصوفيِّ والعشقِ القتَّالِ الذي تسلَّحُ بهِ الصوفيُّونَ أبداً.. شاعرٌ استطاعَ أن يصلَ أبعدَ ممَّا وصلَ سواه.

اليومَ بعدَ رحيلهِ يوم الأثنين الفائت الثامن والعشرين من يونيو عام ألفين وعشرة أخفضُ رأسي لشاعر فارسٍ أصيل عشقَ الأرضَ كما لم يعشقها شاعرٌ آخرَ وأُقدِّمُ زهرةً بيضاءَ مخمليَّةً لطيرٍ ملوَّنِ الريشِ طالما غرَّدَ خارجَ سربهِ وكانَ نسيجَ ذاتهِ أبداً.



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد نابضة
- كعبُ آخيل
- سميح القاسم.. المخلصُ للقصيدة
- كيفَ التقيتُ بربعي المدهون؟
- مجموعة قصائد / 6
- قصائد /1
- مجموعة قصائد 5
- مجموعة قصائد 4
- مجموعة قصائد 3
- مجموعة قصائد 2
- مجموعة قصائد1
- مقالات مختارة
- أشعار من الجليل
- رائحةُ القرفة اللاذعةُ جدَّاً لسمر يزبك
- صورةُ الشاعر بينَ الذئبِ والمرأةْ
- قلقُ الحياةْ
- ساهراً في النهارْ
- جدليَّة العشقِ والتمرُّدِ في شعرِ يوسف أبو لوز
- الكلامُ الذي لم أقُلْهُ
- موسيقى مرئية / المجموعة الشعرية كاملةً


المزيد.....




- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...
- الإعلان عن سبب وفاة الفنان المصري سليمان عيد
- الموت يغيب النجم المصري الشهير سليمان عيد
- افتتاح الدورة السابعة والأربعين لمهرجان موسكو السينمائي الدو ...
- السوق الأسبوعي في المغرب.. ملتقى الثقافة والذاكرة والإنسان
- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - محمد عفيفي مطر.. عبقريَّةُ التنوُّع