فاطمة الحواج
الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 09:44
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
سؤال يطرح من بعض الرجال: ماذا تريد هؤلاء النساء بعد من حقوق؟! لقد نلن الكثير منها وأصبحت حقوقنا نحن المهدورة، ويقول هؤلاء: ان الرجال هم الذين أصبحوا بحاجة الى جمعيات للدفاع عن حقوقهم التي أنقصتها النساء، فالبعض يسعى لعمل جمعية للمطلقين من الرجال كما هو حال الجمعية النسائية للمطلقات. ان هذا الحديث الذي يدور في اوساط بعض الرجال هو الذي دفعني لكتابة هذا المقال «لتقييم« الحركات النسائية ولتوضيح ابعاد هذا التفكير.
كثيرا ما يقال: ان الرجل يمثل العقل والمرأة تمثل العاطفة، ان هذه النظرة تجزم بحتمية عدم المساواة لأسباب غيبية وطبيعية لا لأسباب تكاملية لذلك ينظر غالبا للمرأة على انها وجدت لخدمة الرجل وعلى حساب تطورها وكرامتها وقد استعمل الدين بالتعاون مع بعض رجال الدين والمؤسسة الدينية كأداة في تسويغ تسلط الرجل على المرأة واستغلال طبقة لطبقة، فكثير من المؤسسات الدينية تسكت عن التفاسير المحافظة اليمينية حتى ولو كانت خاطئة وتثور ضد أي محاولة لتفسير الدين تفسيرا تحرريا ولو كان صائبا، ان هذه الأيديولوجيا التي تستغل الدين في استعباد المرأة هي مشكلة حقيقية لتطور المرأة النوعي لا الكمي حيث يرى البعض ان تبدلا حقيقيا قد حصل للمرأة خلال القرن الأخير مستشهدين بالانجازات العديدة التي تمت مثل السفور وعدم لبس الحجاب وارتداء الملابس الحديثة والاختلاط بين الجنسين والنسبة المتزايدة لاقبال النساء على العلم والمشاركة الفعلية في الحياة خارج البيت.
ان كل هذه الأمثلة تحولات كمية لا نوعية والتحول النوعي يعني ان تتحول المرأة من وظيفة ودور الموضوع الجنسي والانجابي الى إنسان، فيكون لها حقوق وعليها واجبات ومسئوليات لغرض ذاتها التي للرجل دون تمييز، والبعض يرى ان نزع حجاب ولبس الميني جوب أو العكس في مستوى واحد لاعتبار الحالتين لبس الحجاب أو لبس الميني جوب اقرارا بأن المرأة أولا وأخيرا جسد يمتلك ويصان ويخبأ أو يعرض.
إذاً التحول النوعي هو ان تكون المرأة أولا وآخرا انسانا لا جسدا وان تشترك في جميع الميادين العامة وان تتساوى مع الرجل في الحقوق وبخاصة في اطار الأحوال الشخصية وأن تكون بذاتها لا بغيرها لذلك فان الاصلاح في وضع المرأة لا يتم من فراغ أو عزلة بل يكون بالكفاح والمشاركة لهذا تكون حركات تحرر المرأة ضمن حركات تحرر المجتمع. ان المشكلة لا تكمن في انتهاك حق الرجل أو حق المرأة بل في انتهاكات حقوق الانسان كانسان سواء كان رجلا أم امرأة وبما أن المرأة هي الأكثر اضطهادا من الرجل وهذا ثابت في صفحات التاريخ البشري على مر العصور مما جعل النساء يطالبن بحقوقهم على مدار العهدين السالفين حتى يومنا هذا.
الواقع يؤكد ان الانسان في المجتمعات النامية مضطهد أكثر من المجتمعات المتقدمة، والاضطهاد يدور في حلقة دائرية تكون القوة معيارها فعلى سبيل المثال نجد ان الرجل المضطهد في العمل يضطهد زوجته وأولاده في المنزل والمرأة المضطهدة من قبل زوجها تضطهد ابناءها والابن الأكبر يضطهد اخاه الأصغر منه أو اخوته وهم جميعا يضطهدون الخادمة.
ان القهر المجتمعي باستغلال اصحاب النفوذ والقوة والجاه لغالبية الشعب يحوله الى جماعات تعسة في صلب حياتها تعاني فقدان الكرامة ويتعذر عليها في هذه المناخات تحقيق التنمية ويتحول الاستغلال الاقتصادي الى استغلال سياسي واجتماعي وعملية افقار روحي وفكري في سبيل ان تشبع القلة جشعها الذي لا يشبع، فتعيش على حساب المجتمع في ساد وفراغ يجتازان حدود السقم الى الموت الداخلي مما يحول الشعب وخصوصا الكادحين والنساء الصغار والخدم والموظفين الى جماعات عاجزة تعسة في صلب حياتها فتترتب على ذلك العدائية في نفوسهم التي تقوم على الحسد والنفاق والتفاخر وغيرها، والتاريخ يشهد على ان الفقر يولد عنفا مضادا وهو الناتج عن الاذلال الذي يقود الى مزيد من الاذلال فلا يكون للمضطهدين مخرج سوى الانتظام في حركة ثورية تحررهم من العبودية.
لذلك لا يمكن حل مشكلة المرأة الا ضمن حركات تحرر المجتمع، كما لا يتم تحرير المجتمع دون تحرير المرأة تحررا تاما يبدأ ذلك بالاصلاح في التربية وتغيير بعض العادات والقيم المجتمعية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة، وبهذا يتضح لكم أيها الرجال أن النساء مازلن لم ينلن حقوقهن الانسانية كما هو حال الرجال. لذلك يجب على الحركات النسائية ان تتبع استراتيجيات وطرق عمل جديدة في ضوء خبرات الحركات النسائية السابقة وانطلاقا من هذا المنظور في طبيعة التحديات والمهام الجديدة في حركة الدفاع عن حقوق المرأة التي تربط أساس الحركات النسائية بحركات تطور المجتمع باتجاه تحقيق غايات متكاملة فيما يحقق مصلحة المجتمع وبالتالي ينعكس ايجابا على أهداف المرأة وما تحققه المرأة من أهداف يصب في مصلحة المجتمع بحيث لا يحدث أي تغيير يؤدي الى وجود تناقض بين أهداف الحريات النسائية من ناحية وأهداف تقدم المجتمع من ناحية أخرى، اذ يصبح الهدفان متكاملين وفي ضوء ذلك تستطيع الحركات النسائية ان تحظى بدعم وتأييد قطاعات أكبر في المجتمع لأنه في مثل هذه الحالة سوف ينظر الى الأهداف التي تسعى اليها الحركات النسائية على انها ليست أهدافا نخبوية أو خاصة بمجموعة طليعية من النساء تبحث عن أهداف ذاتية تتعلق بالنفوذ أو الشهرة ولكن باعتبارها أهدافا تخدم المجتمع ككل ويمكن في هذه الحالة ان تحقق حركات الدفاع عن حقوق المرأة تقدما استراتيجيا نوعيا يدفع القطاعات الكبرى من المجتمعات لتؤيدها وتتحالف معها وتعززها حتى لا يتهمنا بعض الرجال بأننا نحن النساء سلبنا حقوقهم.
#فاطمة_الحواج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟