أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - على أجنحة الموسيقى














المزيد.....


على أجنحة الموسيقى


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 3049 - 2010 / 6 / 30 - 14:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا أرى أي فرق بين الاستماع إلى الموسيقى وإمكانية الصعود إلى السماء؛ إنها فن روحي بامتياز. عندما أكون في الاستماع إلى سيمفونية رائعة، أحس وكأن كل القيود التي تربطني بهذا العالم تتلاشى؛ فيتحول جسدي من تركيبة ذرية إلى كيان من الموجات الضوئية والصوتية التي تصعد، في كحركة لولبية هادئة، نحو أبعاد سماوية تعجز اللغة عن وصفها. من هذا الذي لم يشعر، في أقصى لحظات النشوة الموسيقية، بأن جسده يفقد كل ثقله المادي وبأن كل رغباته تسير نحو الانطفاء، عدا الرغبة في الاتحاد بالكون؟ ومن هذا الذي لم يتبدَّى له العالم، في لحظات الإشراق الموسيقي، كقيد أونطولوجي يشد حركة الكائن ويمنعه من إمكانية التحليق نحو أي عالم ما فوق- أرضي؟ من يستمع إلى الموسيقى ولا تنتابه مشاعر كهذه، يؤكد، على نحو لا يقبل الشك، بأنه لا يزال حبيس تصور الموسيقى كفن في ترتيب الأصوات والترانيم؛ إنه إنسان يجهل ما هو جوهري في الموسيقى: طبيعتها الغنوصية.
لا يمكن لأية ميتافيزيقا، دينية كانت أم فلسفية، إلا أن تقدم لنا معرفة غير مباشرة بالبنية العميقة للوجود. فتوسلها بالمنطق الجاف والاعتقادات الدوغمائية المتحجرة لا يمكن إلا أن تتولد عنه تمثلات أونطولوجية تتسم بضيق المعنى ومحدودية الأفق؛ وحدها الموسيقى تمكننا من اختبار الكينونة على نحو حميمي وعميق. إنها تدعونا إلى الغوص عميقا في روح الإنسان للبحث عن قوى شعورية دفينة تستطيع أن توصلنا بالعوالم اللامرئية للوجود.
الاحتكاك الطويل بالفلسفة يولّد لدى المرء الافتخار بكونه إنسانا ذكيا؛ أما بمعاشرة الموسيقى فإننا نتعلم بأن الإنسان مجرد مرحلة، وبأن الذكاء ليس بأكثر من غريزة عليا. كل نقرة على وتر قيثارة كلاسيكية تهزني من الداخل، وكل متوالية من النوتات توقظ في جميع أشواقي السعيدة وتفسح المجال أمام كل دمعة لم أذرفها وكل زفرة لم أطلقها. وهكذا تتوالى الألحان وتنزاح الإيقاعات، فتتوتر الروح ويبدأ الارتفاع نحو السماء. والنتيجة النهائية هي أنه بعد لحظات من هذا الدوار الموسيقي أجد نفسي على أبواب الجنة.
شوبنهاور على حق: الموسيقى أعلى مرتبة من الفلسفة. لكن سيوران ذهب إلى أبعد من ذلك: الموسيقى فن من أصل إلهي. والدليل على ذلك هو أنه لا وجود لموسيقى أيدلولوجية؛ وليس هناك فن أو فكر يحثني على ترك كل ميولي التعصبية والاصطفائية مثلما تفعل الموسيقى. إنها الفن الوحيد الذي يجعلني أخجل من كوني إنسانا ويدفعني إلى التعالي عن كل ما هو بشري في. أحيانا أتساءل مع نفسي عما إذا كانت الموسيقى، بما تثيره من مشاعر الحزن، الترجمة الأمينة لجرح داخلي فينا؛ ذلك أنه ما من موسيقى مؤثرة إلا وتكون موسيقى حزينة. والحق أنه يمكن لهذا الحزن أن يكون انعكاسا للشروط التراجيدية التي تخترق الكائن؛ كما يمكن أن يكون أيضا حنينا إلى أصولنا الكونية.
مند أن وقعت في حب الموسيقى قررت ترك الفلسفة؛ فعندما أمل عالم الظلال، هذا، وتحدوني الرغبة في الصعود إلى سماء المثل، لا أكون في حاجة إلى قراءة أية فلسفة أفلاطونية : آلة البيانو تكفي حاجتي تلك وتزيد. الإنصات إليها يمنحني أجنحة ملاك ويحررني من كل قوانين الجاذبية الأرضية. ماذا أقول، كل من لا يحب الموسيقى هو إنسان مصاب بلعنة لا توصف؛ إنه لا يعرف شيئا عن تلك السعادة التي يمنحك إياها التحليق الموسيقى، حيث يأخذك إلى فضاءات كلها صفاء وسكينة. في أقصى لحظات الوجد الموسيقي كل شيء يصبح جميلا؛ حتى الموت يتألق بشكل غير عادي. بل إنني لطالما فضَّلت أن أموت في تلك اللحظات على أن أعود إلى تفاهات الحياة اليومية. ولا عجب في الأمر، فالوجد الموسيقي يرفع الحجاب عن أنوار كونية تبدو الحياة، بالمقارنة معها، خطأ لا يغتفر.



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان الأخير
- فكر و وجود
- مدح الصمت
- سيميولوجيا الحجاب
- الإتجاه المعاكس
- بعيداً عن القطيع
- السيف و اليقين
- لماذا الله؟
- داء النبوة
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- تحليل لـCNN: روسيا الرابح الوحيد من هجوم ترامب على زيلينسكي ...
- دراسة تكشف أثر الماء والقهوة والشاي على صحة القلب
- أنشطة يومية بسيطة تعزز نمو طفلك وتطور مهاراته
- ظاهرة لن تتكرر قبل 2040.. محاذاة نادرة لسبعة كواكب!
- هل تحدد الجينات متوسط العمر؟
- موسكو رفعت سوية التواصل مع دمشق
- الدول العربية تُخرج إيران من تحت الضربة
- النمسا: السلطات توقف فتى في الرابعة عشرة من عمره للاشتباه با ...
- رفع عقوبات مرتقب عن سوريا ولافروف يحذرها من -تهديد-
- تركيا تساعد أميركا لحل -أزمة البيض-


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم هيبة - على أجنحة الموسيقى