|
السلف وبلاهة الفكر
محمد البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 13:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
جلس بلهاء العصر العباسي من المسلمين واخترعووا قصة كانت مزحة في بدايتها ثم انقلبت الي كوميديا ثم الي تراجيديا لم يعد من الممكن السيطرة علي تداعياتها ونتائجها. إنها محنه خلق القرآن. ولن نتطرق اليها كمشكلة لاننا لسنا بصدد تكرار البلاهة بل الي فهم العقل الابله الذي اخترع تلك المحنة ليصبح هو ذاته في محنة. ولان الفكر العربي ميت بكونه مكدس بالاجابات الجاهزة والحلول الناجزة المستقرة التي وفرها له الاسلام كمحطة نهائية وكحتمية تماثل حتمية اخوانهم المراكسة فان جميع اشكاليات الحياه القديمة والجديدة والمستجده لا نجد لها حلا واحدا يخرجها من الظلمات الي النور ضمن كل تلك الحلول الجاهزة والمستقرة في كتاب لا ياتيه الباطل من اي جهه.
فتراكم المشاكل طوال تاريخ الاسلام هو إذن ناتج من ناتج العقل العربي بالانغلاق علي ذاته في دائرة محكمة يحصنها بنص مقدس لكنه غير فاعل فاصبح التدهور العام في حياة شعوب المنطقة امرا حتمي. فقضية خلق القرآن هو اول ما طرق باب العقل عند المسلمون العرب، فتعاملوا معها كما يتعامل السفهاء من الناس، لكن ان يشترك فيها المأمون وابن حنبل والمعتزلة فان الحكم بالسفاهة هنا والبلاهة يطول راس الدولة وفقهاء الشريعة وفلاسفة المجتمع.
أخذ المأمون الامر في بدايته علي انه عرض من عروض القيان او الغلمان بالدفوف رقصا وطربا لامتاعه كما يحدثنا تاريخ الخلافة الاسلامية من مجون ومفاسد داخل القصور وخارجها. فكانت تعقد حلقات النقاش امامه ويتباري الفريقين ويقدم كل منهم الادلة علي مسالة الخلق من عدمه. وطبيعي ان تكون الذات الالهية موضع نقاش وجدل فهي صاحبة النص كما يعتقد اهل ذلك الزمان، او في قول آخر حسب ما تواضعوا عليه طالما حقق مصلحة لهم. لم تكن تلك العروض بعيدة أو مختلفة عن عروض المبارزات الشعرية في اسواق قريش حيث يتباري الشعراء ويتراهن الناس وتمضي الامور قتلا للاوقات وتبديدا للهموم. كان الشعر قبل الاسلام مناط الحوار والحامل للتراث والموثق للاحداث. اما في مجلس الخليفة فاصبح ما يحتكم اليه الناس باعتباره الحامل للاجابات الجاهزة والحلول الناجعة موضع تساؤل مع كل اخفاق او فشل. وهو ما اضطر الناس الي البحث لاول مرة وبشكل مستتر عن صدقيه هذا النص ومدي صلاحيته وبالتالي بدأ الشك بايمانهم في ذواتهم المسلمة. لم يكن سهلا التجرؤ لاعلان الشك بعد الايمان لهذا هرب العقل المتسائل الي مشكلة جانبية تحوم حول النص فهو المتهم الاول ولا سبيل لتفاديه الا بوضع السؤال بشكل لا خطر منه. وانطلي الامر علي الخليفة ووجدها فرصة لتغيير مشاهد الرقص من الغواني والقيان الي الرقص الاقرب الي صراع ديوك بين الفقهاء والمشايخ. كان السؤال: هل القرآن أزلي ام مخلوق؟
فلو انه كلام الله كما يعتقد الناس لاصبح جزءا منه وبالتالي فازليته لا شك فيهان فالله ازلي وخالق كل شئ قبل ان يخلق اي شئ. اما الفريق الاخر فلم يكن دوجمائيا الي هذا الحد المتصلب فاقام براهين من داخل النص علي انه مخلوق وحاججوا ابن حنبل بان آيات تبرءة عائشة من مواقعة صفوان ابن المعطل لم تكن لتاتي لولا حديث الافك الذي اذاعه عبد الله ابن ابي سلول واكده بعض من الناس في طريق العودة من غزوة بني المصطلق. فالخلق في الاحداث والمواقف يستلزم الخلق في النصوص. ثم استشهدوا بما جاء في سورة التحريم في واقعة استعادة الجارية بعد ان طلق النبي كل نسائه دفعة واحده. فلولا تحريمها ولولا طلاقهن لما كان هناك حاجة لان تكون سورة التحريم ازلية وجزءا من الذات الالهية. يعود ابن حنبل ويرد الكرة عليهم بانه لولا علم الله لما هو مقدر سلفا وخلقه مسبقا لما هو حادث لاصبح النص مخلوقا، فهل ينكر المهتزلة علم الله؟ هكذا دارت سجالات وحوارات الاطراف والخليفة يقهقه ويشرب مع ندمائه وتسعد اساريره سرا، فكيف اصبح خليفة بفعل نص لا يعلم احد هل هو محدث ام ازلي وهل ما فيه من مستجدات قد توقفت بينما مستجات الامويين والعباسيين بل والراشدين ايضا لم تكن لها من نهاية. فاين النصوص التي لولاها لما قتل عمر وعثمان وعلي والحسين وبنو امية؟
وعندما وصل خبر المجادلات والسجالات الي العامة من الناس ادلوا هم ايضا بدلوهم، اليسوا مسلمين ولهم الحق في القول بحقيقة القرآن وخاصة ان علماء الامة وندماء الخليفة في حيرة من امرهم. فكيف هم مطالبون بسؤال اهل الذكر إذا غم عليهم امر او فتوي، بينما اهل الذكر واقعون في مازق الاصول وليس الفروع. فيما بعد سميت تلك الواقعة محنة لا لسبب الا بان ابن حنبل – الذي ساد فكره المنغلق الازلي - تم حبسة ثم تعذيبه لان الخليفة كان مع الرائ بخلق القرآن مما يدفع بالشك في توجهات الخليفة بعقده مثل تلك المناظرات. فما الذي يضيره من ازليته إذا كانت الامور كلها تجري بين يديه ويحكم بما يراه هو ضاربا بالنصوص المخلوقة أو الازلية عرض الحائط. فلا النص قال بالحبس او بالجلد لابن حنبل لو انه مخلوق او ازلي اللهم الا مزاج ليالي الانس والفرفشة العباسية علي ايقاع الغلمان والقيان.
#محمد_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكنيسة إحدي مؤسسات القمع التاريخية
-
المشترك بين لينين وستالين والاسلام
-
إما الليبرالية وإما مالاخوليا العروبة
-
صديقي العزيز
-
العرب بين الاساطير والعقلانية
-
حوار مع د. طارق حجي
-
أهل السنة أهل المشاكل
-
جاء بمجلة الايكونومست
-
ويسألونك عن الروح
-
البديهيات التي لم تكن كذلك
-
عَمَّ يَتَسَاءلُونَ
-
الكفيل من سوءات العرب
-
تشريح المجتمع هو فضح لنصوصه
-
في ذكري عيد عمال مصر
-
هل الصدق من قيم الاسلام؟
-
نجاسة الطائفية في الجامعة
-
رد علي عبد المنعم سعيد
-
القطيعة مع اهل الهولوكوست
-
مكاسبنا الانترنتية
-
نظامنا في القرن الجديد
المزيد.....
-
فيديو جديد يظهر لحظة الكارثة الجوية في واشنطن.. شاهد ما لاحظ
...
-
عملية سرقة مجوهرات -متفجّرة- في متحف.. كيف نفّذها لصوص الفن؟
...
-
-قلق من جيش مصر-.. سفير إسرائيل يثير تفاعلا بحديث عن القوة ا
...
-
حماس وإسرائيل.. إطلاق سراح الرهينتين عوفر كالديرون وياردين ب
...
-
-واشنطن بوست-: ترامب يطهر FBI.. إنذارات بالاستقالة أو الفصل
...
-
الرئيس الصومالي يعارض اعتراف واشنطن بأرض الصومال
-
رسوم جمركية جديدة يفرضها ترامب على الصين، فما تأثيرها؟
-
جدل في ألمانيا - هل سقط -جدار الحماية- من اليمين الشعبوي؟
-
تقرير: أكثر من 50 ألف مهاجر قاصر مفقود في أوروبا
-
مظاهرة في ساحة الأمويين بدمشق تطالب بإنهاء سيطرة -قسد- على ش
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|