|
استقلالية العقل ام استقالته
خليل المياح
الحوار المتمدن-العدد: 3046 - 2010 / 6 / 27 - 20:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يقول بعض المسلمين من السلفيين سنة وشيعة من الارثذوكسيين القدامى والجدد ان ليس ثمة ضرورة تدفعنا الى قراءة الفلسفة طالما كانت تعبر عن ابستيمولوجيا غربية،وان قراءتنا لها تشبة من يروم الصعود الى راس جبل عال،فهو لن يكتشف هناك سوى لحم جمل غثٍ ! والمناقضة المنطقية مفضوحة هنا،والغالبية تلهج ...باننا نملك فلسفتنا الخاصة التي نطق بها- الفارابي- وبن سينا-و-الكندي و-ابن رشد- ومتناسيين ان هؤولاء الافذاذ من العرب والمسلميين كلهم قد ثاثروا بشكل او اخر بافلاطون الذي سموه بالاله وبارسطو،حتى ان مفردة المشائيين كانت سائدة بينهم عدا-الكندي-الذي كانت له منطلقاته العربية الخالصة. والحجة التي تمترس خلفها ذلك البعض، ان ارضنا هي ارض الرسالات، وعلينا العزوف عن التطلع الى المعرفة الاجنبية سواء ان كانت كلامية لاهوتية او معرفة علوم دقيقة تتعلق بالكون والانسان والطبيعة ! وحري بنا ان نتطلع الى جرأة رجل معتزلي " كالنظام " مثلا حين يقول- - ان ليس في وسع الله التدخل في كل شيء-. وحيث يرى السلفيون ان الدين هو الطاعة والانقياد والتسليم ، يرى-ابن رشد- ان الغالبية قد تأولت ضربا من التأول وزعمت بانها " على الشريعة الاولى " ثم جأرت بانها الفرقة الناجية ! وفضح الحلاج المصلوب ، ظلما وطغيانا اذ صرخ بوجه اللاهوت والخلافة والايمان الكاذب :- " سافضحك بدمي المراق وان تجلببت بجلباب القرابة من الانبياء "! وغير نابه من لا يرى،ان الجفوة اتت وتاتي من القوى المحافظة التي التأمت على صنع خطاباتها الدينية انطلاقا من ارض الحجاز ووصولا الى الباكستان ورافعة راية ابن حنبل وابن تيمية مجسدة العداء القديم للروح الهلنستية والاعتزال والتشيع المعارض والوطنية والاشتراكية في الزمن الحالي ! انهم مثلوا روح الانحطاط في الفكر الانساني النزعة الذي ساد في القرن الثالث الهجري وغير خاف انهم السفسطائيون الذين مهدوا طريق الاستبداد بأطروحة الارجاء ( المرجئة ) . اذ نراهم يغضون الطرف عن هشام ابن عبد الملك اذ يأمر بقتل-الجعد بن درهم- سنة 120 هـ في ايام العيد ويقوم-خالد القسري- بذبحه كما تذبح النعاج اسفل المنبر ! وامثال-خالد القسري-هم السلف الصالح الذي يراد لنا ان نقتدي بهم وان ننسى في الوقت نفسه الصوت المدوي في الصحراء الكربلائية الذي اطلقه الامام الحسين ! وجرت محاولة اخرى لرفع همم المسلمين من الكبوة الاموية على يد الفيلسوف-الفارابي- لكنه لم يستطع عبور نهر ( الرودس ) بحسب العبير الفلسفي،فالرجل ناضل وكافح لبناء مدينة فاضلة بهدف بناء مدينة بشرية لها مقتربات من ملكوت الله والعدل الالهي ... لكنه ضل سجين تصور ازدواجي بفعل صيرورة هذا الانسان مقسما بين مدينة الله والمدينة الزمنية حسب رؤية-عبد السلام بن عبد العالي- التحليلية ! ولقد عاب ابن خلدون ايضا على اصحاب العلوم النقلية وعند الفلاسفة عاب عليهم اغراقهم في التجريد وبعدهم عن الحس لكن قد يرى معترض ان لا غبار على الامر كله سيما والنقاد المحدثون قد راوا الشيخ ماركس مغتبطا بعدالة البروليتاريا التي نادى بها وما هي الا رؤيا تلمودية تورانية قديمة الروتين ! وبالمقارنة العصرية لو اخذنا رجلا مؤمنا كـ( كيركيجارد ) فسنراه ينقد ديالكتيك-هيجل-ناعتا اياه بالشبح، ومن طرف اخر نجده نافرا من العالم البرجوازي المنافق، وايضا تحمسه للاناجيل لا يمنعه من التشهير بالكنيسة ورفضه ادعائها بانها الوارث الفعلي للمسيحية الرسوليه ! ان التراث الذي يقدسه السلفيون ليس قيمه بذاته الا بقدر ما يعطي من نظرية علمية في تفسير الواقع كما يرى الباحث القدير- د.حسن حنفي- فالثورة تعثرت في عملها السياسي في البلدان النائية،لانها لم تكن مسبوقة بالنهضة،وتاسيساً على ذلك يكون دعاة العودة الى الاصل والتاصيل السلفيين كالحمار يحمل اسفارا ! والارثوذكسيون المتصلبون في افكارهم ما انفكوا يغذون الافكار التي تؤكد على الرئيس وحده الملهم والمعلم الاول وبالتالي المقدس المعبود ! ولقد ابتلينا بخطب ونصوص تقرع اسماعنا في ايام الجمع المليونية عن الفضيلة والرذيلة وعن ادم القديم الذي علمه ربه الاسماء كلها ويحللون الكوارث الزلزالية التي تحصل في ايرانهم بانها امتحان رباني وقبلهم قالت اليهود بان- اشعيا- امر الشمس ان تتوقف فتوقفت،وقبل ذلك قد ساد في الطرف السني الاختيار الاشعري لاكثر من عشرة قرون ،فنادوا باولوية الغيب والامتثال للسلطان الجائر (سلطان غشوم خير من فتنة تدوم) . لكن الملموس تاريخيا ان الاختيار- الاعتزالي- عندما ساد لقرن او اكثر بلغت الحضارة الاسلامية الذروة الكونية ! ان الانحراف في الموقف الحضاري يؤدي بنا الى تفسيرات وابنية فكرية تخضع للاهواء والامزجة ولا تخضع للعلم وتحليل الواقع . لذا ترانا نبحث عن هوية فرعونية او عربية او اسلامية في هذه الايام الجوفاء ... واصبح فضاؤنا الفكري يردد نغمات عتيقة .." لا يصلح هذه الامة الا ما صلح به اولها " .." وخير القرون قرني ثم الذي تلاني" .. وآية عجز هذه المعزوفات السقيمة انها شرعنت للقديم واقامت معركتها مع الهواء ! والسؤال الان ،والكرة اصبحت في ملعبهم،اين موقفكم ايها الارثوذكسيون من معارك عصرنا بصدد الراسمالية المتوحشة والعولمة التي تريد المساواة بين الذئاب وبين فرائسها ؟ انتم لا تقولون شيئا سوى ترديد مقولات عتيقة مفادها ولحمتها وسداها ان التاريخ بظنكم يسير في تدهور مستمر وان قمة التاريخ كانت في عصر ذهبي قبع في الماضي وجمد هناك في بوليس المدينة المصاقبة لمكة والمجاز ! ويخال الي ان الفرعون الذي دهش لجريان نهر الفرات من الشمال الى الجنوب ووصمة بالخطأ التاريخي الفيزيقي يشبه حالتكم المتأسلمة التي تريد جر العباد الى الماضي الافل، في حين اننا سلمنا جدلا ، منذ- ابن رشد- بوجود العلة والمعلول ، وبالضد منكم لا نماحك بان البديل ات بمجرد ان نغير البناء التحتي وبمباركة ولي او صاحب كرامات يتغير حالنا الى الافضل ! كما اننا نرفض سيادة التصور الراسمالي الديني الهرمي باعتباره تصورا طبقيا له، وهو ما تحدر اليكم من نظرية الفيض الالهي التي تتراتب الامور فيها طبقا لمراتب الشرف والكمال ! انتم الاسلامويون حاربتم السيوف خشية حتى التوجهات الاشتراكية الطوباوية وامنتم بالملكية الزراعية الكبيرة ودافعتم عن القضاء والقدر كما فعل قبلكم الامويون ! وحسبنا ان نذكركم بما فعل الاخوان المسلمون عندنا في العراق وتحديدا في ثغر العراق الباسم ،ممارسة الصلاة الطقوسية وشيكات شركة نفط البصرة تردكم الى المقر الفرعي والشهود ( احدهم شيعي بصري والاخران سنيان تركماني والثاني من مدينة عانه ). وكلهم احياء يرزقون واللقاء الوحيد الذي تم فيه الاتفاق بين السنة والشيعه كان بهدف خنق الحركة الديمقراطيه ... الكل كان يغظ الطرف عن نوري سعيد وهيمنة الانلكليز المستعمرين ! ولو قلبنا صفحات التاريخ لوجدنا رجلا مثل ( مسكويه ) محسوبا على المذهب الشيعي ومتعلقا بال البيت لكنه كان يهدف الى استطالة التعاليم الفلسفية كما اضاء لنا الامر الباحث والناقد التاريخي ( محمد اركون ) في كتاب" نزعة الانسنة في الفكر العربي" ولا مندوحة لنا من رؤية الثورات الدينية في مراحلها النبوية الاولى كبحث عن المعنى الحر والمفتوح لكن ما يفقيء العين هو تدخل الفقهاء والكهنة ووضع الامر الجلل . العدالة الاجتماعية، في قوالب لاهوتية جامدة وقسرية افسدت ارادة القوة الفاعلة لدى الانسان وكبلته بجدلها النازل من السماء ومتناسية ان الوحي نفسه كان الواقع هو جذره الفلسفي وجدله الصاعد ! وثمة ملاحظه ان الاديان تدين العنف اخلاقيا وتباركه في حالة " الدفاع " عن الحقيقة ضد الكفار باصطلاح مدرسي اسمه الجهاد ! ونحن بذكرنا هذه الحقائق التي تصافح العين،لا نريد ان نبخس الطقوس الدينية حقها في اداء وضيفة التقديس والتعالي وربط الانسان بالمطلق بهدف تهدئة روعه الداخلي ازاء ظاهرة الموت .. لكننا نرفض اختزال الدين واطاريحه وخلط الواقعي منه بالغيبي، ونتوجه الى منهج الألسنيات الحديثة لدراسة وتفكيك بنية الخطاب الديني والمذهبي منه على الاخص، لنصل الى لباب المعاني الثانوية بين طيات المجاز والاستعارة والبلاغه ونرمي بالقشور الميته خارج عتبة العقل والمنطق !وقد يصدم احد القراء ويفند جميع ما قد اتيناه على ذكره في اعلاه وياتي باستشهاد من اوربا الليبرالية والعلمانية ويذكرنا بصيحات من قبيل رجوع التقديس او ما سمي بانتقام الله لنفسه من المجتمعات الصناعية المعلمنة ، فهناك ازمة معنى وقيم في مجتمعات ما بعد الحداثة ! وقد تطرقنا الى صيحة نيتشه :- مات الله . فهو لم يقصد ان الله قد اختفى من الساحة الاوربية انثروبولوجياً او الله في المطلق قد مات، فهذا فهم ساذج، لكن الاشارة جاءت لتبين موت صيغة الايمان المسيحي التقليدي الذي كان مسيطرا طيلة العصور الوسطى ! وطبعا نفهم تماما بان اشكالية اللاهوت الاسلامي مخزونة في الضمير الجمعي للمسلمين، ومن الصعوبة بمكان زحزحتها كما يرى-حامد ابو زيد- لكن الفكر النقدي التاريخي بان خلاصة اطاريحه ضد التصور الديني المبني على هيئة العلاقة بين السيد والعبد والحاكم المطلق والرعية ولا ينفك يوسع من حدقته عندما يقرا ( لا يسال عما يفعل وهم يسالون ) ! وجدير بالملاحظه ان افاق علم الكلام ، بالمعنى اللاهوتي السكولائي ، لا زال علما تقليديا لا يفيدالذكي ولا ينتفع به البليد لانه يقوم على النص المفروض ولا يعتد بالعقل الخالص ... والارهابيون لا يقرون بان العقل اساس النقل وهم يقصون في خطا التصور بان الانسان ككائن مقسم بين مدينة الله ومدينة الدنيا ، كما طرح-الفارابي-هذا التصور الفلسفي في عصره، في حين ان القرن الثالث الهجري نظر الى الاجتماع الانساني على انه عملية حياة مدنية وليس عملية استخلاف وعمارة، واذا اراد الارهابيون خصوصا " الوهابيون والتكفيريون " الاصرار على التشبث بمقولاتهم اللاهوتية فنحن سنتصدى لهم بـ : لاهوت التحرير _ كما جاء على لسان-علي عبد الرزاق- وخالد محمد خالد- والدعوة العلمية لدى- اسماعيل مظهر- ... واللاهوت الذي يتطرق الى الانسان وتحرير الارض لا يقارن بلجاجة ذوي اللحى من المماحكين :- ما حكم وصية رجل بين انياب الاسد ؟! وتبقى الطائفية رافدا دائما للارهاب؟!
#خليل_المياح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة التي نريد حداثة مؤنسنة
-
اشكاليات بناء الدولة
-
الايديولوجيا في الميزان
-
الماركسية أفق مستقبلي لكل الثقافات
-
المجاز الابن اللغوي المدلل : لعنة ام نعمة
-
اكواخ الواقع وقصور الدولة ضياعا
-
هاملت هل كان رواقيا
-
المرأة 0 هل تنسج عدمها بيدها؟
-
السلفية ومزالق التأريخ
-
قصص قصيرة جدا
-
لا تصبوا النبيذ الجديد في القرب القديمة
-
الدين.. رؤية برانية عند مفكري الغرب
-
لكي لا نحرث البحر ثانية
-
أشكالية هاملت
-
السياب عبقرية بصرية
-
التميمي برومثيوس آخر
-
خواطر حكائية على حافات الفلسفة
-
ضد إلغاء وزارة حقوق الأنسان
-
الذاتوية تجاهل للشرط الانساني وبحث عن فردوس ضائع
-
لوغوس الحداثة أم اختفاء الثنائيات
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|