اسلام احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3045 - 2010 / 6 / 26 - 23:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم اكن انوى الكتابة فى هذا الموضوع لأن الامر برمته لا يعنينى فهو شأن خاص بالاقباط فضلا عن حساسية الموضوع الا ان استفحال الازمة الى جانب ضغط بعض الاصدقاء لمعرفة رأيى هو ما دفعنى الى الكتابة
بدأت الازمة عندما أصدر القضاء الإدارى حكما يلزم الكنيسة القبطية الارثوذكسية بإعطاء الحاصلين على حكم بالطلاق تصريح بالزواج الثانى , الامر الذى رفضته الكنيسة لأنه مخالف لتعاليم الدين المسيحى التى تحظر الزواج الثانى , وقد تنوعت ردود فعل الرأى العام من مسلمين ومسيحيين تجاه الازمة ما بين مؤيد لموقف الكنيسة ومناهض لها وذلك على النحو التالى :
_الموقف الاول المؤيد للكنيسة وهم الغالبية العظمى من المسيحيين اذ يرون انه لا يجوز معارضة النص الدينى _استنادا للاية " من جمعه الله لا يفرقه انسان" _ كما ان هذا الأمر شأن خاصا بالكنيسة وسر من أسرارها , وقد قاموا بمظاهرات كبرى تأييدا لموقف الكنيسة والبابا شنودة أعلنوا خلالها ان حكم المحكمة غير ملزم لهم، لأنهم لا يستطيعون مخالفة الإنجيل مهما كانت الأسباب
_الموقف الثانى المناهض للكنيسة (موقف العلمانيين) حيث يرون ان تحريم الطلاق والزواج الثانى امر منافى للعقل والمنطق فضلا عن منافاته لابسط حقوق الانسان وهى حقه فى تكوين اسرة جديدة كما ان اللائحة 38 التى صدرت عن الكنيسة تقضى بجواز الطلاق بشروط فضلا عن وجود حالات زواج ثانى وقعت بعلم من الكنيسة وكثير من المسيحيين يقرون بذلك الا ان الكنيسة تتعمد اخفاءها منعا للفضيحة
وقد قام هؤلاء بمظاهرة سلمية امام وزارة العدل نددوا خلالها بموقف الكنيسة مطالبين بحق الاقباط فى الطلاق والزواج الثانى كما اصدروا بيانا اشاروا فيه الى ان الحل الذى يراه المطالبون بالطلاق هو أن يعامل جميع المواطنين أمام القانون سواء، مع ترك حرية الاعتقاد ليقررها الشخص وحده، وأن الطلاق هو حق لكل مواطن، وهو حر فى أن يقرر التمسك به أو التنازل عنه، إذا كان ذلك يتعارض مع عقيدته
بشكل عام فان معارضة العلمانيين للكنيسة من منطلق انسانى بحت, الا ان بعض متطرفي العلمانية يعارضونها كجزء من محاربة كل ما هو دينى
بيد ان الازمة قد كشفت النقاب عن مفاجأة مذهلة لم تكن لتخطر ببال احد ذلك ان بعض المسيحيين الذين قاموا بتأييد الكنيسة بشدة محسوبون على التيار العلمانى ومع اندلاع الازمة انشكف وجههم المتطرف القبيح حيث اتضح انهم انما يتخذون من العلمانية ستارا لاخفاء تطرفهم الدينى من جانب وللطعن فى الاسلام من جانب اخر
على الجانب الاخر فقد انخرط بعض الاخوة الاسلاميين فى الازمة اما بالشماتة او بالتحريض ضد الكنيسة وهو امر مشين لا يليق , فكما انه من غير المقبول ان يتدخل الاخرون فى شئون ديننا فانه يتعين علينا كذلك الا نتدخل فى امور دينهم , لذا ادعو الجميع الى احترام الاديان والكف عن الاصطياد فى المياه العكرة
بعض المحللين يرون ان الازمة انما هى تجسيد لصراع خفى بين السلطة الدينية ممثلة فى الكنيسة وسطلة الدولة ممثلة فى القضاء وتلك حقيقة لا شك فيها ذلك ان اهم اسباب اندلاع الازمة فى اعتقادى هو تأخير الحكومة فى اصدار قانون الاحوال الشخصية الخاص بالاقباط بالاضافة الى قانون بناء دور العبادة الموحد وذلك لمواءمات سياسية فضلا عن غياب اى معايير واضحة تنظم العلاقة بين المؤسسة الدينية والدولة , باختصار فان الازمة ما هى الا نتاج لترهل الدولة المصرية وامتداد للفشل الرسمى العام
وبعيدا عن ازمة الطلاق بالكنيسة فقد بدا لى ان ابين الحكمة من مشروعية الطلاق فى الاسلام يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق ردا على سؤال عن الحكمة من مشروعية الطلاق : " الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان في الشرائع الوضعية والأديان السماوية؛ لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه، وهو السكَن والمودَّة ورعاية النسل، وكل شركة لا تُوفَّق في تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تَنْحَلَّ، ويسعى أصحابها للبحث عن شُرَكاء آخرين صالحين لإنتاج الخير. وجاء الإسلام، وهو خاتمة الرسالات، فأبقى على هذا المبدأ ونظَّمه.
ومن وُجوه الحِكْمة في تقرير مبدأ الطلاق:
1ـ قد تكون الزوجة عقيمًا والرجل يريد نسلًا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج، ولا تَرْضَى الزوجة بأن يَضُمَّ إليها أخرى. أو لا يستطيع هو أن يُنْفِق على زوجتين، وبالمِثْل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وُجود النسل، وهي تتَوَقَّ لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق.
2ـ وقد يكون بأحدهما مرَض مُعدٍ يُحِيل الحياة إلى متاعب وآلام، فيكون العلاج بالطلاق.
3ـ وقد يكون الزوج سيئ العِشْرة خَشِن المعاملة لا يُجدي معه النصح، وقد تكون هي كذلك فلا مَفَرَّ من الفراق.
وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرًا لابد منه "
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ردا على ذات السؤال : " الحكمة من اباحة الطلاق فهى من اوضح الواضحات لأن الزوج قد لا تناسبه المرأة وقد يبغضها كثيرا لاسباب متعددة كضعف العقل وضعف الدين وسوء الادب ونحو ذلك فجعل الله له فرجا فى طلاقها واخراجها من عصمته حيث قال سبحانه : " وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته "
ويقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله : " الطلاق فراق الزوجة باللفظ أو الكتابة أو الإشارة والأصل في الطلاق أنه مكروه إذ إنّه يحصل به تفويت مصالح النكاح السابقة، وتشتيت الأسرة، وفي الحديث: ( أبغض الحلال عند الله الطلاق ).
ولكن لما كان الطلاق لا بد منه أحيانا أما لتأذي المرأة ببقائها مع الرجل، أو لتأذي الرجل منها، أو لغير ذلك من المقاصد، كان من رحمة الله أن أباحه لعباده، ولم يحجر عليهم بالتضييق والمشقة , فإذا كره الرجل زوجته ولم يتحمل الصبر فلا باس أن يطلقها "
لقد اشتهدت على الحكمة من مشروعية الطلاق فى الاسلام بكلام الشيخ جاد الحق باعتباره يمثل الوسطية الاسلامية الى جانب كلام الشيخ ابن باز وابن عثيمين باعتبارهما يمثلان السلفية الاسلامية وكلا الطرفين اتفقا على الحكمة من مشروعية الطلاق فى الاسلام
فى تقديرى لا سبيل للخروج من تلك الازمة الا بمراجعة منظومة التشريعات والقوانين المنظمة للعلاقة بين الكنيسة والدولة او بين المؤسسة الدينية ونظيرتها المدنية لمعالجة ذلك الشرخ التشريعى
#اسلام_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟