أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلمان ع الحبيب - فتوى الإرضاع ومسرح الفتاوى !















المزيد.....

فتوى الإرضاع ومسرح الفتاوى !


سلمان ع الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3045 - 2010 / 6 / 26 - 04:52
المحور: حقوق الانسان
    


إننا نعيش الآن في زمن مليء بالغرائب التي تضاهي عجائب الدنيا السبع ، فنرى الهرج والمرج من خلال تلك الزوابع الفكريةفي عالمنا العربي والإسلامي عبر الصحف والمجلات والتلفاز وكافة وسائل الإعلام التي يطالعها كل الناس بسرعة البرق إذ أصبحنا قرية صغيرة وأصبح الحصول على المعلومات والأخبار سريعاً .
ومن هنا فقدسمع وطالع جميع الناس صغيرهم وكبيرهم تلك الفتاوى التي تدهشهم أكثر مما تدهشهم المسرحيات و البرامج الرياضية وأصبحت من طرائف العصر الحديث التي يتسلى الناس بمتابعتها والحديث عنها في مجالسهم ، فذلك يصدر فتوى بتحريم ممارسة الفتاة للرياضة في المدرسة لأنه لا ينبغي لها ذلك ، وذلك يحرّم بيع المرأة في محلات نسائية ، وآخر يحرّم عليها استخدام الشبكة الحاسوبية إلا بمحرم خوفاً عليها من الانحراف ، وآخر يدعو لغلق تلك الشبكات في أوقات الصلاة ، وهنالك فتوى تمنع الاختلاط بإعادة بناء الحرم المكي وفصل النساء عن الرجال في الحرم كيلا تحدث الفتنة والفساد ، وهنالك الفتوى التي تناولتها وسائل الإعلام الغربية والتي تحرض على قتل الفأر ( ميكي) ،وأخرى تحرّض على قتل أصحاب القنوات الفضائية التي تروّج للأفكار المنافية للإسلام ، وفتوى تحرّم جلب الورد للمريض لأنها عادة غربية دخيلة ، وهنالك فتاوى تكفيرية وأخرى تحرّض على الإرهاب ، ولا تنتهي سلسلة الفتاوى التي تعمّق إحساسنا بالخزي والعار والفشل ، لنكون كما قال الشاعر :
( يا أمة ضحكت من جهلها الأممُ ) .
إننا نشاهد بين الحين والحين مسرحية تضحكنا بمقدار ما تبكينا ، وتؤلمنا بمقدار ما تسلينا ، إنها مسرحيات لا تنتمي إلى الفن المسرحي بأصوله المعروفة في الأدب ولكنها قد تكون بداية لإضافة فن جديد في المسرح يمكن أن يطلق عليه مسرح الفتاوى .
ومن أكثر المسرحيات التي أثارت حفيظة المجتمعات العربية والإسلامية مسرحية بعنوان ( إرضاع الكبير ) التي احتلت الصدارة في وسائل الإعلام وفي حديث المجالس لتكون الطرفة المضحكة المبكية .
جاءت الفتوى بإباحة إرضاع الكبير كي يستطيع ذلك الكبير أن يجد حيلة شرعية للاختلاط التي تحرمه الشريعة بإرضاعه ما لايقل عن خمس رضعات وبذلك تحل إشكالية الحرمة . وجاء من يفصّل في حقيقة الإرضاع فمنهم وهم الغالبية من ذهب إلى أن الإرضاع يجب أن يكون مباشراً دون حائل أو واسطة ، وقليل منهم ممن لا يعتد برأيهم ذهب إلى أن الإرضاع يجب ان يكون بواسطة ، وهنالك فئة حاولت بصوت مبحوح محاربة هذه الفتوى المخجلة لكنهم لم يفلحوا ، حيث تثور هذه القضية كلما حوربت لتثبت وجودها وقوتها في مجتمع يحتاج لرخصة شرعية ليذوق فيها طعم الجنس دون أن يشعر بوخز الضمير أو عقدة الذنب ، إنه مجتمع محافظ فيما يتعلّق بالطقوس الدينية والشكليات إلا أنه يضعف أمام سطوة الجنس وبهذا يبدأ التخبط في هذا المجال ، فمن زواج (مسيار ) إلى ( مصياف ) إلى ( مسياح ) إلى نهاية القائمة الجنسية الشرعية ليضاف ( إرضاع الكبير ) إلى تلك القائمة التي تحفّز البعض وتثير شهيته وتعطيه الدافعية للإنتاج من خلال الإرضاع من ( زميلة حلوب ) يأخذ من حليبها ما يكفيه ليقوى على أداء وظيفته كما يجب ، ومن لم ينل الرضاعة صغيراً من ثدي أمه فسينالها كبيراً من زميلته وهو في أحضانها ، وهنالك بون شاسع بين المصدرين دون شك، بل هنالك بون شاسع بين الراضعَين أيضاً ، فالصغير لم يكن يدرك بما يكفي ولم يكن الإرضاع بالنسبة له سوى نيل تغذية يعيش من خلالها أما الكبير فهو يدرك ما يفعل ومعنى الإرضاع عنده يختلف تماماً عن الصغير لذا فهو سيمتنع عن كل أنواع الحليب المصنّعة كي يذوق طعم الحليب الطبيعي الذي له معنى آخر .
ويعيد التاريخ نفسه حينما نجد توظيف سلطة الغريزة الجنسية في المجنمع الديني وذلك باستغلال الشباب وحديثي السن في عمليات التفجير والإرهاب من خلال إغرائهم بلقاء الحور العين في الجنة فيقدم الشاب المغرّر به على تفجير نفسه بحزام ناسف يدمر به زهرة شبابه ليحظى بنساء لا كنساء الدنيا فهو لم يحارب من أجل نصرة الدين ولكن من أجل إشباع غريزي سيطر على فكره وملأ أرجاء روحه بغسيل الدماغ الذي تفنّن فيه بعض رجال الدين الذين لم يعرفوا للإنسانية سبيلاً من قريب أو من بعيد .
وإذا خرجنا عن موضوع ( الجنس ) باعتباره سبباً رئيساً في مثل هذه الفتوى ، فإننا نستطيع أن ندرك أن هنالك أسباباً أخرى لهذا التخبط الذي جعلنا أمة تسير إلى الوراء ، فبعض رجال الدين حينما يأخذ بعض المعطيات الدينية المشوهة التي لا تتماشى مع روح العصر ويجد صعوبة في إنزالها أرض الواقع مع عدم شكه في صدقها وصلاحيتها فإنه يجتهد بما أوتي من قوةبابتكار وسائل مختلفة لينزل تلك المفاهيم الدينية المشوهة إلى ساحة الواقع ولكنه – للأسف – لا يتصالح معه بل يجعل منه مسرحية مشوهة لأفكار مغلوطة لا تختلف عن تلك الأفكار الإرهابية والتكفيرية والأفكار الضالة التي جعلت المجتمع مضطرباً لا يشعر بالأمن والاستقرار وجعلت من الدين سلاحاً تشهره في وجه الإنسانية .
إن تلك المحاولة التي لا تغربل الأفكار والتي تنزل معطيات مشوهة مغلوطة لن تجني سوى الخراب بتدميرها الواقع وتشويهه ، لنشاهد مسرحية مكشوفة بلا ستار يشاهدها جميع الناس ومؤلفوها ومخرجوها رجال الدين الذين حاولوا أن يتصالحوا مع الواقع بمعطياتهم التي لم تفلح فكانوا صورة مشوهة في تاريخنا لا يمكن لنا أن نذعن له أو نرضى به .
ومن الأسباب أيضاً لمثل هذه الفتاوى هو أن المجتمع أعطى (رجل الدين ) السلطة المطلقة التي تجعله مستشاراً في كل صغيرة وكبيرة ، وأعطاه الصلاحية التامة ليقرر له مصيره وكل ما يمكن أن يفكر به أو أن يهم بفعله لأنه يعتقد أنه هو الأقدر على اتخاذ القرار الصحيح وهو الأعلم بأمور الدنيا والدين، مما جعله يتصرف كما يشاء دون حساب أو رقابة باعتباره ممثلاً للإله .
إن تلك الثقافة التي تعتمد في كل تحركاتها على الفتوى الشرعية ، ولا تخطو خطوة واحدة في أمور الدنيا إلا برخصة يمكن أن يُعثر على مفردة منها في الكتب الدينية ، جعلت رجال الدين – دون تعميم - يتفنّنون في إصدار الفتوى بل يتخبطون خبط عشواء في إصدار فتاواهم ،وسيجد الواحد منهم مبرراً لخطئه بذريعة أنه إذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران ، وبهذه الثقافة سنجد ما كان يرجمه المسلمون في الفكر المسيحي من سلطة الكنيسة في تاريخها القديم حيث كانت محجّرة للعقل الذي يجب أن ينطلق منها ، وجعلت من نفسها وصية على المجتمع الذي لا يخطو خطوة إلا من خلالها ، فما الفرق ؟ ألسنا نرتكب الخطأ نفسه ؟ أم هنالك تبرير آخر ؟! أليس مصير من يفكر خارج المؤسسة الدينية هو التنكيل والعذاب والاتهام بالكفر والهرطقة ؟ أليس هو نفس المصير الذي ذاقه ( جاليليو ) حين أجبرته الكنيسة على أن يتنازل عن رأيه القائل بكروية الأرض وبدورانها حول الشمس و ( كوبرنيكوس ) الذي أحرقته الكنيسة لتلك الآراء التي سبق بها غاليليو ؟ ألن يكون مصير كل فكرة تنطلق خارج إطار المؤسسة الدينية النفي في ظلمات بعضها فوق بعض ؛ لأن المؤسسة الدينية تفترض أنها الموصلة إلى الله بالإضافة إلى أنها الموصلة إلى كل العلوم فهي وحدها التي تمتلك الحقيقة المطلقة لأنها منبثقة من الذات الإلهية، وبذلك فهي معصومة من الخطأ ومن يفكر خارج أسوارها وإطارها فقد تعدّى حدود الله مما يوجب عقوبته ؟! ومع أن رجل الدين يقول للناس بأنهم أعرف بأمور دنياهم فلماذا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ليقرر لهم حقيقة يجزم بواقعيتها وبوجوب تطبيقها ؟
ولا يمكن لي بعد كل ذلك أن أغفل سبباً مهماً في ظهور مثل تلك الفتاوى وهو غياب العقلية التحليلية النقدية أو تغييبها كيلا تكون عرضة لإهدار الدم الذي أصبح رخيصاً باسم الدين ، فتلك الموجة من الفتاوى التضليلية لا يمكن أن تنتهي إلا بفكر بتصدى لها بالنقد والتحليل معتمداً على تنوير المجتمع والحوار الهادف المبني على العقلانية مع من يختلفون معه دون تشنج أو شخصنة أو تصنيف في دائرة الإيمان والكفر ،ويجب أن يفسح المجال لهذا الصوت النقدي بالظهور من قبل السياسة ووسائل الإعلام كي يكون المجتمع قادراً على أن يزن الأمور ويضعها في موضعها الصحيح دون أن يتحكم فيه ثلة من الناس بادعائهم امتلاك الحقيقة المطلقة والعصمة من الخطأ،بل يجب أن يعرف أفراد المجتمع الرأي والرأي الآخر ولا يكون ذلك إلا بإظهار الصوت الذي يرد ويجادل بالتي هي أحسن ويتصدى بنقده الموضوعي البنّاء الذي يهدف إلى وحدة الوطن وبنائه بناء صحيحاً دون استئثار أحد بالحقيقة المطلقة التي يؤمن بها وينفي الآخر من خلالها .
وفي النهاية أقول : ( فتوى الإرضاع ) ليست البداية ولن تكون النهاية إلا إذا فُتِح المجال للنقد والرد بموضوعية وحرية تامة بهدف التنوير دون التجريح لأحد ، وقبل كل هذا يجب أن يكون المجتمع قادراً على إدارة أموره دون حاجة للتبعية والانقياد في أتفه أمور الحياة وبهذا لن يكون هناك فتوى إخضاع أو فتوى إرضاع .



#سلمان_ع_الحبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبض الفؤاد!
- أمة تسكنها الأحزان !
- انهيار سلطة المثقف وبروز المهمشين !
- بسملة الياسمين !!
- المرأة حبيسة الوأد الاجتماعي !
- امرأة على ضفاف أحلامي !
- لا تقولي !!
- لماذا نخشى النقد ؟!
- من وحي الغربة !
- غربة التحديث في مجتمع جامد !
- صوت يخترق العتمة !
- يوم في السنة للذكرى فلا تحاربوه !
- حكم المنفى !
- أحمر بالخط العريض وإعلامنا العربي !
- سجين الأشواق !
- ملاحقة حلم !
- يوتوبيا التعايش ( نظرة تحليلية في الموقف من الآخر ) !
- لعلّ الحب يواسيني!!
- الإبداع وصراع الذات
- الإبداع وصراع الزمن


المزيد.....




- ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ ...
- أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال ...
- الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق ...
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال ...
- البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن ...
- اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
- البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا ...
- جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س ...
- حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلمان ع الحبيب - فتوى الإرضاع ومسرح الفتاوى !