أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - روجيه عوطة - ثنائية لحظة الذروة














المزيد.....


ثنائية لحظة الذروة


روجيه عوطة

الحوار المتمدن-العدد: 3043 - 2010 / 6 / 24 - 19:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عام 1962 صرح إدغار موران قائلا ً:"ان دور المثقف اليوم هو ان يعلن أنه لا يوجد نبأ سعيد"، نقلة نوعية في فهم دور المثقف الذي ظهرت معالم دوره الأولى يوم كانت أوروبا عامة ً، وفرنسا خاصة ً تتخبط بأزمة فكرية أتت بفعل التغير الإجتماعي الحاصل في المجتمعات والبنى التي تشكل نظامها الإقتصادي. يوم اتهم دريفوس، عام 1894، بأنه يتجسس لمصلحة النظام الألماني ضد دولته الفرنسية، انقسم المجتمع الفرنسي الى مؤيد ورافض للمحاكمة، بعضهم أعلن براءة دريفوس، الضابط الفرنسي، والبعض الآخر وقف ضده، في ظل هكذا مشهد تجمع عدد من الكتاب والصحافيون ومن أبرزهم الروائي الفرنسي إميل زولا، وقرروا الدخول في معركة ضد الحكم التي أعلنته السلطة بحق دريفوس.
يومها تبلور أول عمل مضاد يقوم به المثقف ضد السلطة، اذ كان الشعب الفرنسي ينتظر ما يكتبه هؤلاء المقكرون من أجل الخروج بنتيجة تجاه هذه المسألة التي ما فتئت تنكأ جروح فرنسية قديمة تعدت القوميات لتصل الى حدود الدين.
إذا ً المثقف بوجه السلطة، ثنائية قائمة على معيار المعرفة التي تتطال الأمور التي تجري في المجتمع، فإن أخذت السلطة موقف ما يخرج المثقف من أوراقه اليومية ويصرخ ضد ذلك الموقف محاولا ً التفكير والبحث في أسرار الأمور وكشف ما هو غير مكشوف للشعب، كأنه "ضمير الشعب وممثل الكل". هذه الثنائية تختلف عن غيرها من الثنائيات، لانها تحمل استمرارها في جوهر كل واحد من طرفيها. العلاقة بين الطرفين محددة إما بالولاء او العداء، فيدخل المثقف في دائرة الضد والـ"مع"، والسلطة تكون إما نافية أو محتضنة للمثقف، وكأن قانون الثنائية هذه هو قانون ٌ شرعي حتمي يتخذاه الطرفان من أجل قتل الضجر بعملية مد وجذر.
يصل الطرفان الى لحظة لا يمكن لأحد منهما التخلي عن الآخر، فالسلطة تستولد المثقف والأخير يريد سلطة يحارب نظامها ويدحض مفاهيمه، وتخرج العلاقة عن مسارها حينا ً لتصتبغ بالدماء لكن بعد ذلك تعود الى حالة جديدة لكنها شبيهة بالسابقة، لأنها علاقة تشكلها بنى ثقافية هي نفسها نتاج السلطة ومعركتها الممتعة مع المثقف.
لا تنحصر هذه العلاقة بفعل أخلاقي أو بعمل سياسي بل تتجذر في كل ظاهرة إجتماعية ترتبط بكل المسائل الأخرى الذي يضج المجتمع بها. فتتشكل اللحظة الممتعة الشقية التي يرتبط بها المثقف بالسلطة، بوقت لا تتراجع السلطة عن مكاسبها ولا المثقف عن دوره في الشك والنقد والنقض.
كما رأينا تحمل الثنائية هذه بذور تجددها في رحمها، وتعطل بفعل ذلك دور المثقف الحقيقي، ليس كضمير الناس أو كمفكر ينسحب الى أوراقه ويفكر عن المجتمع الذي ينتظره ليصرح بنتاجه، بل كمثقف حقيقي يمانع وينفجر خارج حدود الثنائية التي تربطه بالسلطة. كيف يتم ذلك؟ اولا ً السلطة الداخلة في معركة ضد المثقف ليست مجرد مؤسسة أو نظام سياسي، بل أكثر من ذلك، فهي لا تتحدد بقوة مركزية ولا بفئة معينة من الناس، بل ترتبط بحلقات قوى إذ أن المرء المفتش عن مكمن قوتها يصبح من مشكلينها، وهذا هو امر المثقف، الذي مازال على علاقة بذهنية سياسية معينة هي نتاج العلاقات بين هذه القوى التي تشكل السلطة ومقولاتها من تحريض وحث وتسهيل وتوعية...
لكن على الضفة الثانية من هذه العلاقة، كي لا نقول بعيدا ً عن هذه العلاقة، ينبت العمل المضاد لهذه العلاقة الممتعة التي تجمع مثقف ما وسلطة غير محددة. يبدأ هذا العمل بما يمكن تسميته بفقه الذات، أي أن يحدد المثقف، بيعيدا ً عن حلقة القوى السابقة وثنائيتها، معنى موسع للسلطة مختلفة عن تلك التي تحتويه، أي أنها مالكة للزمن الاجتماعي والسياسي والثقافي، الذي يشكل هو جزء منه، ويعلم انه نتاج تلك الثنائية الدائمة بينه وبين السلطة. وعلى المثقف ان يعلم أنه لا يواجه مثقف مثله، بل أن يواجه سلطة ذات لون رمادي لا يمكن تحديدها بشكل سهل أو بعملية شك، لن تتطال الحالة الديناميكية للسلطة التي لا مكان لها، لأنها زئبق يتحرك بشكل أعمى وبفعل عماه هذا، يحرض المصطدم به على الرؤية.
فقه الذات يبدأ بمرحلة تكون العلاقة بين المثقف والسلطة في لحظة ذروة، تكاد تجاذباتها تفجر العلاقة الظاهرة بين الاثنين، لكنها لحظة خادعة رمادية كالسلطة نفسها، وتتحتفي بالظاهر كالمثقف نفسه، لكن في حال رفع المثقف نظره عنها وابتعد عن طرفه، المحبوب المكروه في آن معا ً، وأعلن، كما قال موران، أن لا مكان للنبأ السعيد ساعتها بالإمكان للمثقف بدء معركته الحقيقية ضد السلطة.
المثقف ليس طرف في ثنائية، لا يفكر عن أحد، ولا يتخصص بعمله الثقافي، بل يترك لمحبطه التفكير بعيدا ً عن "التفكير الرمادي"، وبعيدا ً عن خطاب اتسم بالصحة، بل عليه الحفر في أعماق الحالة الرمادية بشكل ديناميكي أكثر رمادية.



#روجيه_عوطة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفتاح السجن في يد السجين
- الماركسية والدين
- هل من سبب للطائفية في لبنان؟


المزيد.....




- تحليل لـCNN: هل الصين مستعدة لحرب تجارية ضد أمريكا بعد فرض ت ...
- المتمردون يعلنون وقف إطلاق النار في الكونغو الديمقراطية -لأس ...
- الولايات المتحدة تطالب بانتخابات في أوكرانيا
- من سيحصل على القارة القطبية الجنوبية
- سحب القوات الأمريكية من سورية يطلق أيدي تركيا وإسرائيل
- خطوات باشينيان العمياء: صبر موسكو ينفد
- مرئي بالعين المجردة.. -موكب كوكبي- نادر يزين السماء طوال فبر ...
- مواصفات الهاتف الجديد من Asus
- OpenAI تطلق نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي مجانا
- ترامب يعلق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر إثر تو ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - روجيه عوطة - ثنائية لحظة الذروة