|
سيد طنطاوي:من كراهية -بني إسرائيل- إلى الدفاع عن -السلام مع إسرائيل-
ياسين تملالي
الحوار المتمدن-العدد: 3043 - 2010 / 6 / 24 - 14:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت جريدةُ "المصري اليوم" بين 10 و17 يونيو 2010 عرضاً طويلا لما أسمته "أشهرَ رسالة دكتوراه عن بني إسرائيل"، كشف فيها محمد سيد طنطاوي، حسب قولها، "جذورَ العنف في التاريخ اليهودي". وكما خمن ذلك بالتأكيد بعضُ القراء، يتعلق الأمر بـ "بحث" أنجزَه شيخُ الأزهر الر احلُ سنة 1969 بعنوان "بنو إسرائيل في الكتاب والسنة"وقامت بإصداره حديثا دارُ الشروق المصرية. ولا ندري ما دفع كاتبَ العرض، أحمد رجب، إلى اعتبار هذا النسيج من الأقوال غير المحققة والتأويلات المتجنية على الأحداث التاريخية "أشهرَ رسالة دكتوراه" في موضوعها. ويزيد وصفَه هذا غرابةً أن صاحبَ الرسالة نفسَه لم يكن يلح كثيرا على وجودها بعد أن أصبحت مهمتُه البرهنةَ على تسامح الإسلام، لا بالمشاركة في مؤتمرات "حوار الأديان" فحسب بل أيضا بمصافحة شيمون بيريز (الحاضر دائما فيها وكأنه حاخام جليلٌ لا رئيسُ دولة إسرائيل). ويعبر الشيخُ الراحل (في رسالته) وصحفيُ "المصري اليوم" (في تلخيصه لها) عن عدائهما لا للدولة الصهيونية ككيان سياسي لكن لليهود كيهود منذ أن وجدوا على وجه الأرض، لا فرقَ بين ضحايا المحرقة وجلادي الشعب الفلسطيني إسحاق شامير وأرييل شارون، بين حلفاء الامبريالية من أمثال تيودور هرتزل وخصومها من أمثال نعوم تشومسكي، بين الساعين إلى طرد الفلسطينيين مما تبقى لهم من أراض كأفيجدور ليبرمان والمدافعين عن حقوقهم التاريخية على كل بلادهم من أمثال ميشال فارشافكي، الذي دفع وغيرَه ثمنَ دعوتهم إلى "تدمير الدولة الصهيونية" سنوات طويلةً من السجن. وتتضح غايةُ الكتاب "العلمية" في مقدمته التي نقرأ فيها: "كان مقصدي الأول أن أكشفَ للشباب المسلم، بصفة خاصة، وللعقلاء والمنصفين، بصفة عامة، عن أحوال بني إسرائيل وتاريخهم وأخلاقهم وأكاذيبهم وقبائحهم." تكفي هذه السطورُ لتنزعَ صفةَ العمل الجاد عن هذه "الدكتوراه" وتكشفَ أنها محضُ استيراد لميراث اللاسامية الأوروبية الذي لم تكن مجتمعاتُ المشرق والمغرب تعرفُه قبل القرن العشرين. وبطبيعة الحال، إذا فكرنا بمنطق المؤلف اللاتاريخي، لن يكونَ سببُ مناوأة أحبار اليهود للدولة الإسلامية الوليدة خوفَهم من اختلال ميزان الأحلاف القبلية في الجزيرة العربية لغير صالحهم، بل "طبيعتُهم" المجبولة على "الإمعان في التمرد، والغدر والإساءة". وبنفس المنطق، لن ننظرَ إلى استعمار فلسطين كحدث سياسي كان لانتشار اللاسامية في أوروبا أثر بالغ فيه بقدر ما سننظر إليه كآخر تجل شبه خرافي لشخصية جماعية عابرة للزمان والمكان هي "بنو إسرائيل" (لا داعي هنا للتذكير بأن هذا التصور "المؤامراتي" للعالم يهون من مسؤولية القوى العظمى في نكبة 1948 وما تلاها من نكبات). هذا عن "دسائس بني إسرائيل"، أما ما قاسوه من قتل ونفي فليس فظائعَ بينةً على رأي الشيخ (وملخص رسالته في "المصري اليوم") بل عقوبةً ربانية لهم. يقول : "وفى عهد الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا وصلت موجة السخط على اليهود أقصاها، لتغلغلهم في الحياة الإسبانية، واستيلائهم على اقتصادها وإشعالهم نار الخلافات الدينية بين الطوائف، فرأى الملكُ وزوجتُه أن خيرَ وسيلة لوقاية البلاد من شرورهم هي طردُهم من إسبانيا طردا نهائيا." هل نُسيَ أن مصيرَ المسلمين بعد سقوط غرناطة كان نفسَ الطرد والتشريد وأنهم أبحروا في نفس السفن مع "بني إسرائيل" هاربين من بطش الملوك الكاثوليك؟ وكما يبرر اضطهادَ محاكم التفتيش لليهود، يعتبرُ شيخُ الأزهر السابق المحرقةَ النازية جزاء وفاقا لهم فهي، يقول، "آخرُ ما لاقوه من عذاب وتقتيل" منذ أن "دخلوا ألمانيا في القرن الثامن الميلادي (...) واستغلوا الشعبَ الألماني أسوأ استغلال، حتى كادوا يستولون على أمواله عن طريق الربا الفاحش واستخدام الوسائل المختلفة لجمع المال الحرام". ولم يقلل من اقتناع سيد طنطاوي بما كتَبه في "رسالته" (ومن تأمين محرر"المصري اليوم" عليه) أن ضحايا النازية لم يكونوا من اليهود فقط (استغلالُ المحرقة من قبل الدعاية الصهيونية كاد أن يطوي صفحةَ قضاء النازيين على مئات الآلاف من الغجر وإعدامَهم عشرات الآلاف من المعاقين ذهنيا) و لا حتى احتمالُ أن العربً، لو كانوا أكثر عددا في أوروبا آنذاك، لكانوا أولَ رواد المحتشدات وأول ضحايا أفران الغاز بوصفهم جنساً سامياً متخلفاً حسب النظرية العرقية الهتلرية. ما الهدفُ من إصدار "بنو إسرائيل في الكتاب والسنة" ونشر ملخصات طويلة له في جرائدَ كـ"المصري اليوم"؟ يبدو أن الهدفَ منهما، بالإضافة إلى المكسب المادي طبعا، هو إعادةُ الاعتبار لكاتبه الذي لم يمنعه مقتُه الشديد لليهود من اتخاذ مواقف مهادنة للكيان الإسرائيلي. وتبدو محاولةُ إعادة الاعتبار هذه خرقاءَ إلى أقصى حد لأسباب عديدة. الأولُ أنه لم يعرف عن الراحل منذ أن تولى مشيخةَ الأزهر افتخارُه بهذا الكتاب الذي خطه أكثر أربعين سنة قبل وفاته، والثاني أن تبيانَ عمق كراهيته لليهود لن ينسي منتقديه بسهولة مساهمتَه الرمزيةَ في التطبيع مع الدولة الصهيونية، والثالثُ والأهمُ، أن كثيرا من اليهود يقدمون للفلسطينيين من الدعم ما لا يقدمه لهم بعض العرب الممتنين لهتلر على محاولته تخليصَ العالم من "بني إسرائيل". لنتساءل عمن ساند حقاً الفلسطينيين : سيد طنطاوي أم اليهوديةُ جيزيل حليمي، محامية مروان البرغوثي، بعد أن كانت محاميةَ مناضلات الاستقلال الجزائريات في الخمسينيات ؟ الذين أفتوا بجواز بناء حائط يفصل مصرَ عن غزة أم أعضاءُ "تحالف اليهود من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط" الذي سيرسلُ سفناً لكسر الحصار المضروب على الغزاويين ؟ الذين يبررون المحرقةَ النازية أم ستيفان هيسيل، الناجي من هذه المحرقة، الذي يقود حملةً عالمية لمقاطعة إسرائيل ؟ من ساند حقاً الفلسطينيين ؟ رواة تاريخ "بني إسرائيل" المتخيَل أم المؤرخُ الإسرائيلي أيلان بابي الذي قوضت أبحاثه عن النكبة صرحَ أسطورة "العودة إلى أرض الميعاد" ؟ كان أجدرَ بسيد طنطاوي، بدلَ الحديث عن مآسي اليهود (التي لا ذنب فيها للفلسطينينن) كعقوبة لهم عن "جرائمهم" أن يمتنعَ عن مصافحة مجرم حقيقي هو شيمون بيريز. وكانَ أجدر بصحفي "المصري اليوم"، أحمد رجب، بدلَ التصديق على كلامه، أن يتساءلَ: كيف حجبت "شرور بني إسرائيل" عن حكمة الراحل كل شرور إسرائيل ؟ (*) صحفي وكاتب جزائري
#ياسين_تملالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعم إسرائيل في قلب خطاب اليمين الراديكالي الأوروبي الجديد
-
قمة نيس -الفرنكوإفريقية- : الثابت والمتحول في علاقات فرنسا و
...
-
هل الرقابة على الأفلام -المزعجة- اختصاص فرنسي ؟
-
برنارد هنري ليفي : بؤس الفلسفة في خدمة بنيامين نيتانياهو
-
تعليق على مقال -الأمازيغ أو الدولة المجهولة من مرسى مطروح إل
...
-
الجزائر : -حكومة- فرحات مهني وأسطورة -الشعب القبائلي-
-
-على الجبهة المصرية-، شهادة جزائرية على حرب الاستنزاف
-
النقابات المستقلة الجزائرية : حدود تجربة واعدة
-
قراءة في -على الجبهة المصرية- مذكرات الجنرال الجزائري خالد ن
...
-
عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار
-
الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين
-
مسيحيو البلدان الإسلامية : حوار مع القرضاوي وهويدي عن المساو
...
-
عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة
-
الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
-
عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
-
الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
-
الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
-
هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
-
بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
-
اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
المزيد.....
-
سوريا.. فيديو حراسة موكب أمير قطر بدمشق ولقطة مع أحمد الشرع
...
-
-سيفعلان ذلك-.. تصريح جديد لترامب عن مصر والأردن وخطة استقبا
...
-
الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
-
بعد الدمار.. نازحون فلسطينيون يعودون إلى شمال غزة وينصبون خ
...
-
تحذير لمكاتب الكونغرس الأمريكي بعدم استخدام تطبيق -ديب سيك-
...
-
اليونان.. قرار بإزالة طوابق فندقية مخالفة قرب معبد الأكروبول
...
-
الصليب الأحمر يدعو إلى عمليات نقل -آمنة وكريمة- للرهائن
-
قنبلة نووية في متناول اليد!
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|