أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء الشريف - القداسة !!















المزيد.....

القداسة !!


شيماء الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 3043 - 2010 / 6 / 24 - 14:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


خلقنا الله تعالى جميعًا سواسية، فكلنا لآدم وآدم من تراب، ومن التراب وإلى التراب نعود.
وعندما ضل الإنسان الخاطئ بطبيعته وحَكَمَه هواه، أسبغ الله سبحانه عليه من واسع رحمته، وأرسل لهدايته العشرات من الأنبياء والمرسلين لإعادته إلى الطريق القويم ولتذكرته بعبادة الإله الواحد دون أن يشرك به شيئا، وبدعوته إلى الإيمان المطلق بأنه تعالى سوف يحاسب الناس جميعا في الآخرة على ما فعلوه في الدنيا. وقد اهتدى البعض بالفعل، ولكن وجد البعض الآخر في هذه الهداية خطرا داهما عليه، فما كان من هؤلاء إلا أن حاربوا أنبياء الله وقاتلوهم واضطهدوهم وسخروا منهم حتى اتُّهِم بعضهم بالجنون وبعضهم الآخر بالسحر، وعانى أكثر الأنبياء من صنوف الإيذاء النفسي والبدني وقاسى معظمهم ويلات الهروب في الصحاري ومرارة النفي والحرمان من دفء الأهل والوطن. ولكن الله تعالى أراد – ولا راد لإرادته – أن يتم نورَه دومًا ولو كره الكافرون.
ولكنَّ هذا النور القدسي الطاهر المتدفق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذي يتجلى في فيوضات روحانية ربانية سرمدية أزلية، قد أقضَّ مضاجع الكثيرين من أصحاب المصالح، فاجتهدوا طوال التاريخ الإنساني لحجبه ومنعه وتغطيته، وتفننوا في ابتكار فنون الإظلام والظلمات، وبذلوا أقصى ما في وسعهم للاستحواذ على هذا النور لكي يُهيأ للناس أنهم منبعه الوحيد، وأنهم الطريق الأوحد إليه، وأنه لا خلاص إلا من خلالهم، وأنه لا نعيم إلا بأمرهم، وأن الويل والعذاب لمن يخرج عن طوعهم، وتسربلوا من أجل تحقيق هذه الأغراض بأردية مختلفة وأثواب متنوعة، فأردية حَرفية النص جاهزة جملة وتفصيلا؛ لأن النصوص المقدسة ثابتة لا تتغير، وأثواب الأساطير والحواديت جاهزة أيضا؛ لأن عقول المؤمنين مستعدة لتصديق أي شيء طمعًا في الحصول على البركة والفوز بالجنة، وهكذا، واستغلالا لحاجة الأرواح العطشى والنفوس الظمأى للخلاص الدنيوي والخير الأخروي، وُلد كائنٌ شائهٌ معاقٌ نفسيًّا وجسمانيًّا، وُلد من مطامع البشر في أن يغترفوا من خيرات الدنيا باسم الدين وتضليلا لأتباعه واستيلاءً على عقولهم ثم جيوبهم، هذا الكائن هو: القداسة.
ومما لا شك فيه أن الله تعالى لم يعطِ مجده ولا عظمته لأحد من عباده أبدًا، حتى المعجزات التي منحها سبحانه بقدرته لأنبيائه ورسله عليهم جميعًا الصلاة والسلام كانت بمثابة الدعم السماوي والرعاية الإلهية أمام ضلال أقوامهم، لكن لم يحدث أن منح الله تعالى قدسيةً لأحد، ولا أمر عبادَه أن يقدسوا أحدا، فهو وحده القدوس، لا ولم ولن يساويه في هذه المرتبة أي من عباده الذي خلقهم جميعا من تراب، وإليه تعالى وحده يُرجعون.

نعم، وُلدت القداسة بعد أن امتطى الطمع الدنيوي ظهر الدين بهدف تحقيق مآرب شخصية تتأرجح غالبا بين قطبين: السلطة والمال، وفي هذه الحالة تتقدم السلطة قطعًا على المال لما لها من شهوة تُذهب العقل وتتأصل جنونًا سياديًّا في نفس من يمارسها، وتلتصق بروحه، حتى إنه ليموت لو حَرَمَه أحدٌ منها، وهل هناك أخطر من أن يتحكم فردٌ واحدٌ في عقول ونفوس الملايين من البشر ويحركهم كما يشاء وكأن بيده جهاز تحكم عن بُعد؟ ولأنه لا أحد يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت، فإنه يجب على من ينتهج هذا النهج أن يحيط نفسه دوما بهالات القداسة غير القابلة للمساس، وأن يحيط نفسه أيضا بأفراد يساعدون في تثبيت بريق هذه الهالات وطغيان ضوئها الكاذب على أي ضوء آخر محتمل ظهوره على الساحة، وأن يقفوا جميعًا معا مشهِرين سيوفًا وخناجر من حروف وكلمات النصوص المقدسة استعدادًا لغرسها في صدر كل من يجرؤ على مناقشة أطروحاتهم وأفكارهم، فالقداسة لا تُناقَش، بل السمع والطاعة، وإلا الطرد من الرحمة الأرضية والسماوية !! ولا أعرف من أين أتت كل هذه الثقة لهؤلاء لتصور كونهم سوف يجبرون الله تعالى – حاشا لله – على تنفيذ رغباتهم التي اكتسبوها من قداسة منحوها لأنفسهم أو منحتها لهم جوقاتهم ؟!!!

ورغم أن النصوص المقدسة أساسا جُعلت لرحمة البشر، ورغم أنها – ونظرا لطبيعتها الثابتة – تحتوي على ما لا حصر له من صنوف الرمز وصور المجاز التي يختلف تأويلها حتما من عصر إلى عصر تبعا لتنامي المحصول العلمي والمعرفي للإنسانية، فإنها من هذا المنطلق يجب أن تكون مجالا واسعا للتأويل والتفسير ولتماوج الأفكار وللتعمق الحر والمقارنة، ومن ثمَّ فإن احتكار تفسيرها والتسلط في تأويلها يصيبها بالعجز الكلي والشلل الرباعي لأنها بطبيعتها واسعة فضفاضة تفتح ذراعيها لمن يدرس ويتعمق ثم يفسر وفقا لظروف العصر ومعطياته ووفقا للرغبة المخلِصة في التيسير على الناس وإسباغ الرحمة عليهم والرأفة بأحوالهم، هذا هو باب الرحمة الذي نَلِج منه إلى كل الأديان السماوية.
لكنَّ للقداسة معايير أخرى، فهي بطبيعتها أنانية بإفراط، لا يهمها كثيرا وقع أحكامها على حياة مريديها، ففي الواقع أنه لا يهمها إلا استمرار وجودها، واستمرار وهج الهالات المحيطة بها، واستمرار سلطانها على تابعيها، والاستمرار في حياة البشر خُدعة وأمنية مستحيلة التحقيق؛ وذلك لأن الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير؛ ولأن كل من ادعوا لأنفسهم القداسة عبر آلاف السنين من التاريخ أصبحوا الآن ترابا تذروه الرياح، بل ربما لم يحفظ التاريخ حتى أسماء بعضهم، فخرجوا من الدنيا وكأنهم لم يدخلوها أساسا، فأين ذهبت قداستهم المزعومة؟
لقد تسبب المتسربلون بالقداسة في الكثير من الويلات منذ فجر التاريخ، وقد جمعتهم جميعًا صفات متشابهة على الرغم من اختلاف العقائد التي اعتنقوها، إلا أنهم توحدوا في تطبيق منهجية تقوم على استعباد العقول والنفوس ثم التكسب من الجيوب، فإذا صحت الأولى وجبت الثانية، وإذا حدثت الثانية كانت نتيجة حتمية للأولى. ومن الطرائف التي تُروى لمن يزور بعض المعابد المصرية القديمة هو وجود قُدس الأقداس دومًا في أقصى نقطة من المعبد، وأن يكون في مكان ضيق يُفتَح على مكان فسيح وذلك استغلالا لصدى الصوت الطبيعي الذي سينتج عن هذا الاختلاف في المساحات، إذ يصيح الكاهن بلفظة "آمون" على سبيل المثال بأعلى صوته، فيتردد صدى صوته ليرج أنحاء المعبد باعثًا الوجل في قلوب المؤمنين المجتمعين في البهو الخارجي والذين يعتقدون بسذاجتهم إن هذا هو رجع صوت الإله ذاته، فيسارعون في تقديم القرابين والعطايا على مذبح المعبد طمعًا في اجتناب غضب الإله، فتصب هذه وتلك بطبيعة الحال في جيوب الكهنة الذين تضخمت ثرواتهم تبعًا لاتساع نفوذهم حتى إنه كان لهم في بعض العصور تأثير طاغٍ على أمور الحكم ذاتها. وفي واقع الأمر لم تكن ثورتهم على إخناتون "الفرعون الموحِّد" ثورةً من أجل الدين، ولكنها ثورةٌ بسبب تفكك نفوذهم وتحلل سطوتهم وفقدانهم لمريدي معابدهم وبالتالي فقدانهم لثرواتهم.
وعلى الرغم من التقدم الباهر الذي تعيشه البشرية في القرن الحادي والعشرين، وعلى الرغم من كل المنجزات الإنسانية العظيمة التي تشهد على بديع صنع الله تعالى الذي وهب الإنسان نعمة العقل والإرادة ليجعل حياته أفضل، فإنه ما زالت هناك كتلٌ هائلةٌ من البشر في منطقتنا العربية وعلى أرضنا المصرية تُذعن لأصحاب الفضيلة ولأصحاب القداسة، وتنظر إليهم على أنهم أبواب الخلاص وسبل الجنة وحماة الأسرار وسَدَنة الدين والمدافعين عن الحق، الذين لا يأتيهم الباطل من أمامهم ولا من خلفهم ! وتظل هالات القداسة محيطةً بهم أثناء حياتهم تغلف كل أقوالهم وأفعالهم، وعندما يرحلون، يتحول نصفهم إلى أولياء ونصفهم الآخر إلى قديسين، وتتحول قبورهم - التي صاروا بداخلها ترابًا - إلى أماكن مقدسة وأضرحة مباركة نتمسح بها للحصول على البركة وعلى معجزات الشفاء، ولا أعرف كيف من الممكن أن يشفي أو على الأقل أن يتوسط في الشفاء من لم يعد يملك أن يتوسط لنفسه لكي يعيد لها أنفاس الحياة؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟ ولكن هذه الحواديت الأسطورية جزءٌ ضروري مكمِّل لهالة خلفاء المتسربلين بالقداسة، الذي سوف يتسربلون بدورهم بذات الهالة ليعيشوا الحياة نفسها مستمدين النور الزائف لهالاتهم من هالات من سبقهم، ومقتنعين تمامًا بالاستمرار والخلود مع أنهم يتمسحون دومًا في ذكرى الأموات، ومادام هناك سابقون فلابد وأن يكون هناك لاحقون، لكن للقداسة بهاءٌ يغشي الأبصار، فتتضخم الذات، ويعتقد الإنسان أنه قد أصبح فوق إنسانيته، وأن القداسة قد أكسبته صفات إلهية أقلها القدرة وأقصاها الخلود.
إن تحجيم سلطة الكهنة من دعائم أسباب تقدم الأمم، فهؤلاء إذا ملكوا لا يعرفون عفوًا ولا صفحًا ولا رحمة، ولهذا يجب أن تُحدد أدوارهم بصرامة في إطار الدولة المدنية داخل مقار العبادة الخاصة بكل منهم، ولنا في تاريخنا العربي والإسلامي وفي تاريخ أوروبا دروسٌ وعِبَر، فقد عُذِّب المئات من المسلمين عبر التاريخ الإسلامي أو فقدوا حياتهم نتيجة لمخالفتهم لفقهاء موالين للخليفة أو للسلطان، كما قامت الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش في أوروبا، وحورب العلم بضراوة في العصور الوسطى، كل ذلك كان بإيعاز ومساندة ودعم ومباركة الباباوات والكرادلة والأساقفة، وغير ذلك الكثير مما يخبرنا به التاريخ، فلنتعظ.
إن انطلاق الكهنة بلا ضابط ولا رابط للإدلاء بدلوهم في كل أمور الحياة والاجتراء على سلطات الدولة المدنية والسعي إلى إنشاء دويلات متفرقات داخل حدودها والتفنن في اجتذاب الرعايا حتى ولو ببيع الجنة التي لا يملكونها، لهو عزفٌ نشازٌ على أوتار عواطف المؤمنين، وتحريضٌ مبيَّتُ النية لكي يصطدموا مع المختلفين عنهم من أبناء وطنهم. إن الفُرقة والمشاحنات والفتن الطائفية تغذي القداسة وتزيد بريق هالاتها المزيفة وهجًا، كما أنها تصنع بطولات وهمية لهؤلاء في عيون المؤمنين السُذج الذي لا يعنيهم من الأمر كله إلا الحصول على بركة الطاعة والفوز بالآخرة بعد أن ضنَّت الدنيا التي ابتلعها أصحاب الفضيلة وأصحاب القداسة كاملة دون أن يتركوا لرعاياهم ومريديهم سوى الفتات ليقتاتوا به حالمين بما وعدهم به سادة عقولهم، ولأن هذه الوعود بشرية خالصة ليست منـزَّلة ولا منـزَّهة، فهي إذن منقوصة يحكمها الهوى، ويصح في هذه الحالة على أولئك وهؤلاء مقولة: من لا يملك أعطى لمن لا يستحق !
ولله الأمر من قبل ومن بعد.



#شيماء_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن عطاء الله السكندري - اسكندراني من بلدي!
- معاصينا ...
- حول الفتنة الطائفية ..
- إلى مريم العذراء (عليها السلام)
- أقواس الوهم القزحية
- لا أريد أن أكون ..
- هل بيننا مارتن لوثر؟
- اللصوص (عن بيزنس الدين وسماسرة الفتاوى)
- مجرد ... كلمات
- لا تجلسوا فوق الأعمدة !
- دُرَّةُ الزمان .. مكتبة الإسكندرية القديمة
- التعليم من أجل الإبداع
- ومن مِصر ... أشرقت شمسُ الأخلاق
- سيمافور الإسكندرية أو معزوفات التاريخ الروائية
- إيراتوسثينس القوريني
- تغيُّر الفتوى بين المرونة الدينية والضرورة الدنيوية


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء الشريف - القداسة !!