|
الرواية : مَطهر 8
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 15:16
المحور:
الادب والفن
بينَ قبضتيْ العزيز والباب العالي ، كانَ مجلسُ العمومية قد وَجدَ نفسَهُ مَحصوراً ـ كمَن يَنسَحِقُ رويداً بين حَجَرَيْن ، ثقيليْن ، في دَوران الرّحى . وإذ لم يكن لمجلسنا تصريفٌ في ذلكَ المَقدور ، فإنه آلَ إلى التلاشي والاضمحلال ، خصوصاً بعدما بدأ عددُ أركانِهِ بالتناقص : فما أن عادَ أحمد بك المصري من عكا ، مُتأخراً عني ببضعة أيام ، حتى اُبلِغَ بقرار إبعادِهِ عن عضويّة المجلس جنباً لجنب مع جنابنا. إذاك بدا من ملامح القاروط ، التي كانت خاليَة من تعبير الإنزعاج ، أنه لم يُفاجأ بالقرار ذاك وكأنما كانَ يتوقعه سَلفاً. أمّا عني ، فلم يكن صعباً عليّ تمثيل دَور الشخص المَصدوم ، المُهان الكرامَة ـ كما كانَ قد رُسِمَ لي ، قبلاً ، في خطة الشاملي . ولكنّ البك ، الماكر ، كانَ عليه أولاً تسليم رسالة سيّده ، المُوجّهَة إلى أعيان الشام عن طريق المجلس ؛ عليه كانَ ، مُتبسّماً بخبث ، أن يُخرجَ من قمْقمِهِ ذلك الجنيّ، المارد، الذي سيُبلبل بشدّة خاطرَ الآخرين ، المُجتمعين في صالون قصرهِ ، الباذخ . حَصَلَ ذلكَ عشيّة يوم وصول القاروط من السفر ، وما كانَ من إرساله لططر من لدنه ، لكلّ منا ؛ نحنُ أركان المجلس . بدوري ، كنتُ قد رَجَعتُ لمدينتي الحبيبة ، بعدما قضيتُ بضعة أيام في دارَة عبد اللطيف أفندي في الزبداني ، صُحبة كبير المجلس . هذا الأخير ، شاءَ أن يركبَ الكرّوسة مع حميه ذاك ، حينما توجّه إلى قصر القاروط . وكانت مفاجأة لنا ، جميعاً ، أن يُعلنَ الوصيفُ حضورَ الزعيم برفقة الأفندي . " هذا الأمرُ ، المُستغرَب ، لم يَكن ليتورّط فيه كلا الضيفيْن ، الرفيعَيْ المَقام ، لولا أنّ ثمة تدبيراً ما في خلفيّته " ، هكذا فكّرتُ عندئذٍ . " دَع صَديقيْنا ، المُبجَليْن ، يدخلان على الفور " ، أمَرَ المُضيف حاجبَه بنبرَة مُحتفيَة . وما لبثَ أن قامَ بنفسه لإستقبالهما ، مُتقدّماً إياهما عبرَ الفناء المَسقوف بالخشب المُزخرف . إنّ الداخلَ إلى كبرى قاعات القصر هذه ، لا غرو أن يُفتنَ نظرُهُ بعجائبها ؛ سواءً بالعمارة البرّانية المُتناسقة ، المُتواشج فيها الطابعَيْن الغربيّ والمَشرقيّ ، أو بالتلبيس الجوّاني ذي التزيينات الجصيّة والخشبيّة ، الملوّنة. وكانت القاعة من السِعَة ، أنها قسّمَتْ إلى طزراتٍ ثلاث ، مفصولة عن بعضها البعض بوساطة أعمدَة مُرخمة ، تحملُ بدورها عقوداً أو أقواس حجرية.
" إنّ القاروط ، ولا ريب ، يَسعى إلى تأثل وَجاهة أبيه ، الكنج الكردي ، بعدما ورَثَ ثروته وأملاكه " قلتُ في سرّي ، فيما كانَ بصري يرتقي منزلة ً فمنزلة من أرضيّة قاعة الإستقبال المرمرية ، المَكسوّة بتشكيلاتٍ هندسيّة ، مُتنوّعة ، وصولاً إلى سقفها الخشبيّ ، المُرقش بنقوش زاهيَةٍ ـ كأنه سجادة ٌ أعجميّة ، ثمينة ونادرة. إتفاقاً ربما ، كنتُ قد وصلتُ إلى قصر القاروط هذا ، المُعرّف من قبل الخلق باسم أبيه بالتبني ؛ والذي لحظ مَحاسِنَهُ بعضُ الرحّالة الإفرنج ، فأطنبوا بها لاحقاً في التذكرات المُدوّنة بلغاتِهم : فيما بعد ، مَزهوّاً وفخوراً ، سَيَعرض صاحبُ القصر على عياني نسخاً مطبوعة من هذه التذكرات ، حينما تكرّم باستضافتي لديه رَدحاً من الزمن . ولكن ، من الأفضل ألا أستبق ذكر الوقائع الآتية وأن أبقى في سيرة تلك الأمسية ، الأولى ، التي رأيتني فيها ثمة ؛ في منزل البك المصري . " ما هذا الهراء ، المَكتوب هنا ؟ " ، هتفَ كبيرُ المجلس ساخطاً . ثمّ أضافَ قائلاً وهوَ يُلوّح الرقّ بيده " إنّ ما سِجّلَ في رسالة العزيز ، أقولها بصراحة ، لا يليقُ أبداً بمَقام سعادَتِهِ : إنه تهديدٌ ووَعيدٌ ، سافرَيْن ، لا يُمكن أن يَتقبّله بحال أعيانُ وأشرافُ الشام الشريف ". فما أن أنهى الزعيمُ نطقَ جملته هذه ، الأخيرة ، حتى أحدَقتْ فيّ عيونُ الآخرين من الحضور ، المَشفوعَة بهمهماتهم المُتسائلة . إذاك ، وأمامَ إلحاح أولئك الحاضرين ، الفاقدين شيمَة الصّبر، راحَ الشاملي يَقرأ بصوت عال ما جاء في رسالة عزيز مصر تلك . في وقتٍ آخر ، تال ، سأعلمُ يقيناً أنّ السَرْدار عَسْكر ، إبراهيم باشا ، هوَ من تولّى كتابة الخطاب نيابة ً عن أبيه الوالي : لأنه هوَ ، بنفسه ، من سيكون عليه أن يقودَ الحملة العسكرية ، الكبرى ، المُوجّهة للبلاد الشاميّة والهادِفة إلى ضمّها للولاية المصريّة . بيْد أني ، كما ذكرتُ تواً ، وعدتُ نفسي ألا أستبق رواية الأحداث القادمة.
جوّ عَكِرٌ ، مُكفهرّ ، كانَ عليه أن يتليَ تلاوة الزعيم لرسالة عزيز مصر . ولكن ، بمَ كانَ يُفكّرُ هؤلاء الرجالُ ، الوجهاء ، الذين قدّرَ عليهم أن يَتنكّبوا قدَرَ مدينتهم المُقدّسَة ، المَنكوبَة بالفوضى والاضطراب والموعودَة فوق ذلك بغضبِ قادِم ، عليّ . المفردة الأخيرة ، وجدتها على لساني ، إتفاقا ؛ إلا أنها تحيلُ إلى صفة الباب العالي واسم العزيز على السواء . الإحباط ؛ هيَ المفردة الأخرى ، المُناسبة لوصف مشاعر كلّ من المجتمعين ؛ باستثناء البك ، المصري . هذا الداهيَة ، هوَ من بادرَ على كلّ حال بمحاولة التهوين من شأن لهجة خطاب سيّده : " أيها الأخوة ، الأكارم . اسمحوا لي ، أنا من حمَلَ لحضراتكم هذه الرسالة ، أن أبدي رأيي بمراميها وملابساتها " ، بدأ القاروط كلمته مُتوجّهاً ببصره نحوَ كبير المجلس . ثمّ استأنفَ القولَ بنبرَته الوديّة : " ليسَ من شيمة العاقل ، الحكيم ، أن يُترّسَ مصاريع باب الخلاص لمُجرّد التأثر والإنفعال . إني لا أضعُ نفسي ، هنا ، مُنافِحاً عن موقف سعادة العزيز ، بقدَر ما أضعها في تصرّف مجلس العمومية ، الموقر ، الذي مَنحني شرَفَ الثقة " " إنها ثقة ، مُضيّعَة . لتعذرني ، أيها المحترم ، إذا قلتها لكَ صراحة ً " ، قاطعه الآغا العريان. ثمّ أضافَ كبيرُ العمارة بقوّة ودونما هوادة " وإلا ، فبمَ تبرّر مضيّكَ إلى مصر ، صُحبَة الآغا العطار ، بدون أذن المجلس ؟ ". القاروط ، من جهته ، إلتزمَ بهدوئه المأثور ، خصوصاً وقد لاحظ من أنظار الجماعة أنها آذنته بوخزات الريبة والتوجّس . على ذلك ، ردّ على مُحدّثه قائلاً بتسامح : " إني مُقدّرٌ أسبابَ سخطكَ ، يا آغا . وربما أنّ بقية الأخوة يُشاركونكَ ، أيضاً ، في رأيكَ . ولن أسعى ، الآنَ ، لتبرئة تصرّفي ذاك ، بل لتوضيح الحقيقة أمامَ حضراتكم : فكما أنكم لم تجدوا إلا شخصي ، المتواضع ، ليكونَ أهلاً لشرح وضعنا قدّام المير بشير ، كذلك الأمر بالنسبة له ؛ فإنه بدوره لم يرَ سوايَ قادراً على حمل رسالته للعزيز " . وقالَ له العريانُ ساخراً ، باتراً من جديد سبيلَ حديثه : " أكانت تلك رسالة َ توسّط لشخصكم ، أم لشخص مجلس العمومية ؟ ". فأجابه البك بالنبرة عينها ، المُتسامحة : " لعلمكَ يا عزيزي ، أنا لم أكن ، يوماً ، بحاجةٍ لمن يتوسّط لأموري مع سعادة العزيز . إنّ توكيله إيايَ لمصالحه في ولاية الشام ، موضوعٌ آخر ، غير مُرتبط بالمرّة مع موضوع رسالة المير بشير لسعادته ".
" فيما بعد ، سنأتي إلى بحث موضوع توكيل حضرتكم ، يا بك " تدخلَ كبيرُ المجلس في المُجادلة مُخاطباً المُضيفَ ، ثمّ أضافَ قائلاً " فما يَهمّنا اللحظة ، هوَ معرفة خبيئة رسالة والي مصر هذه ؛ المحمولة من قبلكم إلى أعيان بلدنا ". إنّ تشديد الكبير على الجمع ، في المفردة المُختتِمَة جملته ، ربما لم تفُت البك ، المصري . وإذاً ، ردّ هذا مُتبسّماً بشيء من الخبث : " رسالة سعادته لأعيان بلدي ، سآتي على تفصيلها لاحقا . ولكن بدءاً يتوجّب عليّ التنويه ، بأنّ العزيز أصرّ على أن يتسلّمَ رسالة المير بشير من يَد أخينا ، الآغا العطار . لأنه في المرّة الأولى ، التي اجتمعتُ فيها مع سعادته لوحدي ، كانَ قد فجأني باقتراحِهِ أن أشغلَ وظيفة التوكيل تلك " " كيفَ ذلك ، يا بك ؟ وأخونا الآغا ، بنفسه ، عيّنه العزيزُ مُساعداً لكَ ـ كما جاءتْ صِفتهُ في هذه الرسالة ؟ " ، تساءلَ الشاملي مُستغرباً . لبثَ البكُ مُتردداً لحظة ، ثمّ ما عتمَ أن أجابَ مُحرَجاً نوعاً : " إنّ ذلك التعيين ، الموسوم ، كما يَشهد أخونا الآغا ، تمّ في وقتٍ آخر ، تلا تسلّم العزيز لرسالة صديقه ، المير بشير " " مهما يَكن الأمر ، كانَ عليكما أن ترفضا عرضَ العزيز ذاك ؛ بما أنكما عضوان في أركان مجلس العمومية " ، قالها الزعيمُ بقوّة ثمّ أردفَ من فوره " أما الآن ، فإنّ الوقتَ قد فاتَ ولا غرو . إنّ وكيل والي مصر ، السابق ، قد نشرَ الخبرَ بين معارفه هنا ، في الشام . وأعتقدُ أنه ، الخبر، أضحى حالياً شائعاً على ألسنة الخاص والعام ". الصمتُ ، ظلّل على الأثر جوّ المكان ، المُنار بالمقابل بمَسرَجَة عظيمة ، مُتدلّية من منتصف سقف القاعة . وبسبب إشكالات هذه الأمسية ، رأيتُ فناجين القهوة المُرّة ، ما بَرحَتْ في أماكنها راكدة لم تمَسّ بعد . نكهة القهوة ، المُهيّلة ، تبدّدتْ أيضاً بمشام رائحة الريَبِ والظنون ؛ التي اشتعلتْ في هواء القاعة وكأنما هيَ جذوات ندّ الجنّ ، الموجودين في مساريب الكثافة والعتمة. وما أدهَشني ، بوجهٍ خاص ، أنّ صَديقيْ القاروط ـ زعيم الصالحية وآمر الدالاتية ـ لم يَنبسا بنأمةٍ ما ، طوال الفترة المُنقضية . كانَ واضحاً ، إذاً ، أنّ خطيّة البك على جانب كبير من الفداحَة ، طالما أنّ نتيجتها صارتْ بمتناول العيان : وضعُ مصير الشام الشريف ( مدينة الله ، المَحميّة بسلطة خليفة المسلمين ، المُهيبة ) في مَهَبّ أطماع عزيز مصر ، غير المَعلومة حدودها أو مراميها .
" الجهادُ في سبيل الله ، الجهاد في سبيل خليفة رسول الله " هكذا كانَ يتصايحُ الناسُ في دروب وأسواق المدينة ، وهم يَصفون عزيز مصر بـ " المارق " ؛ بصفة الوزير السابق ، المقتول جَهلاً وغدراً. لقد كانَ حَدَسُ الزعيم في مَحَلّه ، حقا . فلم يَنتشر خبرُ تعيين العزيزللقاروط وكيلاً له في الشام حَسْب ، بل وأيضاً رسالته لأعيانها ، الشديدة اللهجة ، والمُطالبَة إياهم بوضع مفاتيح أبواب المدينة بين يَدَيه وحالما يَحين الوقتُ السانِحُ ، المُقرر من لدنه. إذاك ، كنتُ وصديقي الجديد ، ميخائيل ، نتمشى ثمة في ربض البَحْصَة البرانيّة ، في طريقنا إلى القنوات . هذا الرجلُ، الوديعُ الطبع ، المَنعوت بـ " الدكتور " ، كانَ يقيمُ آنذاك بضيافة القاروط مع شخص من ملّته ، النصرانية ، اسمه حنا بحري . إنّ ميخائيل أكثرَ شباباً من ذلك الضيف الآخر ؛ فهوَ كانَ في مُستهلّ الثلاثين ، فيُماثلني إذاً في العمر . ولا ريب أنّ نعته ، الموسوم ، كانَ من وارد مهنته في الطبابة ؛ التي تحصّلَ على علومها في إمارة جبل لبنان أولاً ، وتالياً في القصر العَيني بالقاهرة. " يا للجَهل والتخبط ، عندَ أولئكَ العوام " ، قالَ لي الدكتورُ بأسى وهوَ يوميءُ برأسه إلى الناحيَة الأخرى من الأسوار ؛ أين كانَ الخلقُ مُتجمهرينَ ويرفع بعضهم بيارق الدولة ، العليّة . ثمّ ما لبثَ أن عقبَ على مَشهَدِهِم ذاك ، قائلاً : " بينما نحنُ نهلّلُ لمُستعبدنا ، فإنّ اليونانيين في بلاد المورة يثورون على سلطته ويَفلحون بنيل حرّيتهم ". وكانَ ميخائيل بنفسه ، كما أعلمني قبلاً ، من مَناحِتِ ذلكَ الأصل ، الروميّ : إنّ جدّ أجداده ، الوجيه العامل في التجارة البحرية ، كانَ يَنحدرُ من جزيرة كرفو اليونانية ، المَحكومة في زمنه من لدن البنادقة ، قبلَ أن يفتحها أسلافُ سلطاننا ، المُعظم . ويبدو أنّ أسلافَ ميخائيل ، من جهتهم ، قد تاهوا في قفار الأرض المُحيطة بالبحر المتوسط ، قبل أن يَحط أحدهم رَحْلهُ في الاسكندرية. ثمة إذاً، نشأ والدُ حكيمنا ، وما عتمَ أن بدأ يؤوب رويداً إلى مهنة أجداده ، البحرية . إلى أن عيّنه والي مصر ، محمد علي باشا ـ الجديد آنئذٍ ـ كمسؤول عن سفنه التجارية ، العاملة بين طرابلس وبيروت وصيدا والاسكندرية. حتى إذا تعرّفَ الوالدُ على المير بشير ، الذي كانَ مُلتجئاً في ذلك الحين إلى حِمَى العزيز ، فإنه ما لبثَ أن رَجَعَ معه إلى جبل لبنان ؛ أين استقرّ مُرتاحاً ، أخيراً ، مع أسرتِهِ المُكوّنة من عدّة ذكور واناث.
" إنه الخوفُ ، يا عزيزي ، من يَدفعَ هؤلاء إلى نشدان حماية من يَستعبدهم " قلتُ لميخائيل ، مُجيباً على ملاحظته تلك. ثمّ أضفتُ " في البدء ، عندما ضاقتْ عليهم سبل النجاة ، راحوا يلوذون بمُعتقد القيامة ، القريبة ، وفي نيّتهم التطهّر من الآثام قبل ميقات الأجل ، الحَتم ـ كما كانوا يظنون آنذاك . أما اليوم ، وإذ راحَ مبعوث السلطان ، الجديد ، يَعِدُ هؤلاء الناس بعفو مولاه ، السامي ، فإنهم نسوا أمرَ الآخرة وعادوا لحقيقة الحياة ، الأولى . إنّ تعبيرهم ، العلنيّ ، عن مُساندة الباب العالي ضدّ والي مصر ، الطامِح لضمّ ولايتهم لملكه ؛ هذا التعبيرُ ، فيه ما فيه من نفاق لا يمكن ان يَخفى عن بصيرة المبعوث ذاك ، السلطاني ". فوافقني صديقي على الرأي ، مُعلقاً : " أجل ، ولا شك. ولعمري ، فإنها شيمَة الدهماء في كلّ مكان وزمن . فما بالكَ هنا ، في بلادنا السوريّة ؛ في بلادٍ رَزَحَتْ قروناً مديدة ، مُمِضة ، في أرزاءِ الإستبداد والتخلف والظلم والقهر والفقر والفاقة ". الحق ، فإنها كانت المرّة الآولى ربما ، التي يُطرَقُ فيها سَمعي بكلمة " السوريّة " تلك ؛ التي عنى بها الدكتورُ صِفة ولايتنا ، الشاميّة. " حتى خصوم الأمس القريب ، من اليرلية والقول والأورطات ، فإنهم اجتمعوا اليومَ على كلمة واحدةٍ ، سَواءُ : الجهاد " ، ندّتْ عني بنبرَة حزينة. فردّ الدكتورُ ساخراً وهوَ يُداعبُ ذقنه ، الحليقة : " لا تستغربنّ تغيّرهم ، الداهِم . إنهم كانوا متآلفين طوال تلك القرون ، المُنقضية ، على الشدّ والجذب مع الباب العالي . وإنّ وَجاهتهم ، في كلتا الحالتيْن هاتيْن ، كانت مَحفوظة ومُعترفاً بها . ومن ألِفَ شيئاً فإنه يَعتادُ عليه ، مهما كانَ ضاراً لمصلحته في آخر المطاف ". هذه الكلمات ، أظنني سَمِعتُ ما يُشابهها على لسان مُضيفنا ؛ البك المصري. بيْدَ أني ، أقولها على ذمّة ذاكرتي ، كنتُ موافقا على هذا الرأي ومُتحمّساً له ، أيضاً : أكتبُ ذلك ، مُنوّهاً كعادتي بوجودي في منأى جزيرة الأروام هذه ، مُسَرغناً . نعم . وياما كررتْ هنا ، في أمسيات منفانا ، مثل تلك الكلمات المؤسيَة ، المُتحسّرة على حال الأوطان ، البعيدة ، الما فتأتْ رازحة ً تحتَ وطأة الاستبداد العثماني ، الساحقة. فحينما تركتُ القلمَ يَسقط مني ، مُهملاً شأنَ تجفيف الورقة بالنشافة ، فإني رحتُ أتفكّر بجارتي المسكينة ، رَحْمَة ، والتي لا بدّ أنها أخلدتْ للنوم مذ نحو الساعة : إنها تشاركني ، حالمَة ًعلى الأرجح ، في تذكّر هيئة ميخائيل البهيّة ، الودودة ؛ هيَ التي ما زالت تنتظره ، عُمراً ، مُتأملة بلقائه بعد مضيّ تلك الأعوام الطويلة ، الفائتة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرواية : مَطهر 7
-
الرواية : مَطهر 6
-
الرواية : مَطهر 5
-
الرواية : مَطهر 4
-
الرواية : مَطهر 3
-
الرواية : مَطهر 2
-
الرواية : مَطهر
-
الأولى والآخرة : صراط 7
-
الأولى والآخرة : صراط 6
-
الأولى والآخرة : صراط 5
-
الأولى والآخرة : صراط 4
-
الأولى والآخرة : صراط 3
-
الأولى والآخرة : صراط 2
-
الأولى والآخرة : صراط
-
الفصل الثالث : مَنأى 9
-
الفصل الثالث : مَنأى 8
-
الفصل الثالث : مَنأى 7
-
الفصل الثالث : مَنأى 6
-
الفصل الثالث : مَنأى 5
-
الفصل الثالث : مَنأى 4
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|