|
لماذا أصبح الارهاب خبز العرب؟!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 10:06
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
-1-
العرب من أكثر شعوب الأرض حباً وأكلاً وتقديساً وتبجيلاً للرغيف. فلا تخلو مائدة عربية فقيرة أو غنية منه. والعرب يُقسمون بالرغيف، ويقولون عن العمل وطلب الرزق (أكل العيش)، والعيش هو الخبز، والعيش من الحياة والاعاشة.. الخ. والعربي عندما يجد قطعه خبز في الشارع أو في الطريق يلتقطها ويبوسها ويضعها على جبينه تقديساً واجلالاً، ثم يضعها في شق جدار أو على حافة نافذة ليأتي الطير ويلتقطها.
فهل أصبح الارهاب في الثلث الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين هو خبز العرب على كل مائدة عربية قومية كانت أم دينية؟!
-2-
لو كان لدى العرب مرآة مجلوّة ليروا فيها صورتهم اليوم، وامتلكوا الشجاعة الكافية للنظر في هذه المرآة لأصابهم الفزع والفجيعة، وانتابهم الهول لصورة وجههم في هذه المرآة.
انها صورة أننا أصبحنا اكثر أمم الأرض ارهاباً وسفكاً للدماء في العالم في هذا الزمان من التاريخ الذي توصلت فيه الأمم إلى حلّ مشاكلها المختلفة بالحوار وباللجوء إلى الديبلوماسية، وعقد الندوات ومخاطبة عقل العالم ورأيه العام ومثقفيه وفكره بدلاً من تهديده بسفك دمه إذ لم يستجب لهذا الطلب أو ذاك، آخذين بالاعتبار أن كافة مطالب الارهابين سواء الذين يرهبون العرب والمسلمين أو الذين يرهبون الغرب هي مطالب طفولية سخيفة، لا تمت إلى ارض الواقع بصلة، ولا يستطيع عاقل واحد في الشرق أو في الغرب أن يأخذ بها أو يقيم لها أي اعتبار.
انها صورة أننا أصبحنا أمة بلا عقل!
-3-
ما الذي حصل للعرب في مصر والجزائر والسعودية والعراق وفلسطين والمغرب واليمن وغيرها؟
ما الذي أفقد العرب عقلهم الذي قادوا به العالم في القرن العاشر الميلادي؟
لماذ جُنَّ جنون العرب على هذا النحو؟
أهو انقطاع الأمل من الاصلاح العام؟
أهو فقدان الأمل في فلاح العالم العربي؟
أهو نتيجة للفواراق الطبقية الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون؟
أهو نتيجة للفقر المدقع الذي يدفع كثير من العرب إلى التقاط طعامهم من براميل الزبالة؟
أهو نتيجة للفساد العام الذي يعمُّ أنظمة الحكم، والتي لا تستجيب لأي اصلاح ولا تريد أي اصلاح يسبب سحب خيط واحد من السجادة الفاخرة التي ترقد عليها، لأنها مدعومة بأجهزة بوليسية قادرة على احباط كل مطالِبة بالاصلاح الذي يعني حتماً نهاية بعض الأنظمة القائمة؟
أهو سيطرة التعليم الديني الظلامي الذي يحرّض على محاربة الحداثة والديمقراطية والليبرالية الجديدة، ويهدر دماء دعاتها وروادها ومريديها؟
أهو تخلي النخب المثقفة عن دورها السياسي مما أفسح المجال أمام رجال الدين من أصحاب العمائم البيضاء والخضراء والسوداء لقيادة العمل السياسي في العالم العربي، بحيث أصبحنا لا نفرّق بين ما هو سياسي وما هو ديني، واختلط المُدنّس بالمُقدّس، وأصبحت المساجد ساحات لمعارك سياسية مسلحة، وشاعت الفوضى، وأصبح في العالم العربي ألف دين ودين كلها ينتمي إلى الإسلام المسروق، والمُغتصب، والمُستعمَل، والمُستغَل، والمُشترى، والمُباع، والمُزوّر، والمُأوّل، والمُقوّل؟
أهو نتيجة لاحباط كبير ومخيف اصيبت به فئات كبيرة من الشعب العربي، ولم تجد خلاصها وذاتها وتحقيق وجودها إلا باشهار السلاح في جميع الوجوه الغربية والعربية والأسيوية والافريقية والبوذية؟
أهو نتيجة لتزوير المثقفين للحقيقة، وعدم امتلاكهم الشجاعة لقولها وابلاغها لطلابها؟
أهو نتيجة لانتشار الأمية الابجدية والثقافية المخيف في العالم العربي، والتي تجعل السواد الأعظم لا يقرأ، ولا يعلم، ولا يفكر؟
أهو نتيجة لتراكمات الظلم السياسي والاجتماعي الذي عاني منه الشعب العربي طيلة خمسة عشر قرناً ماضية؟
أهو نتيجة لكثرة المقدسات والطواطم في الحياة العربية، بحيث افقدت الأكثرية الايمان بجداوها، فاخترعت هذه الأكثرية طوطمها ومعبودها الخاص الذي تمثل في الطوطم القومي كعبد الناصر وصدام حسين، وفي الطوطم الديني المزيف كابن لادن، ومقتدى الصدر، والزرقاوي، والحوثي وغيرهم كثير؟
أهو نتيجة لتوفر دخل هائل للجماعات الارهابية من الزكوات والصدقات التي تتدفق كل يوم من المحسنين المسلمين من كافة أنحاء العالم. ففي تقرير صدر منذ مدة يقول أن ثروة الشيخ القرضاوي أحد دعاة الارهاب في العالم العربي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وأنه خسر في "بنك التقوى" وحده مبلغ ثلاثة ملايين دولار نتيجة لاغلاقه بمساع امريكية، وهذا هو سرّ حملة القرضاوي الضارية على امريكا؟
أهو نتيجة للأموال الطائلة التي يحصل عليها الارهابيون نتيجة لزراعة الحشيش والأفيون على الحدود الافغانية- الباكستانية. ففي تقرير للبنك الدولي إن أكثر من نصف اقتصاد افغانستان مرتبط بالمخدرات، وأن الدخل الإجمالي للفلاحين والمهربين داخل البلاد وصل إلى 2.23 مليار دولار في العام الماضي بينما كان الدخل 1.3 مليار دولار في عام 2002. وتشير التوقعات التي نشرها مؤخراً تيم ماكغريك ( كيف تستفيد "القاعدة" من تجارة الإفيون، مجلة تايم، 30/7/2004 ) هذا العام إلى أن حصاد الأفيون في أفغانستان وصل إلى 3600 طن ويعد الإنتاج الأكبر منذ عام 1999 ويكفي لإنتاج هيروين تقدر قيمته التسويقية بـ36 مليار دولار.
-4-
لقد امّحت من ذاكرة العرب كل آية، وكل حديث نبوي، وكل قول حكيم، وكل قول شاعر، وكل قول مثقف يحضُّ على التفكير وإعمال العقل.
استسلم العرب للثقافة الدينية المزوّرة، وأصبحت خُطب الجمعة الهائجة والبرامج الدينية والكتب الدينية والعمائم الدينية هي القول الفصل في العسل والبصل، وفي الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والتربية والثقافة.
استسلم العرب للإعلام الغوغائي المتشنج والمثير، وطفقوا يبحثون في نشرات الاخبار عن دماء تُهدر، ورؤوس تُقطع، وجثث تُسحل، وجلود تُسلخ، وبيوت تُهدم. وكانت أجمل المناظر الخلابة في عيون العرب هذا العام المقابر الجماعية العراقية.
كل من يفكر في العالم العربي ويستعمل عقله، منبوذ، ومسبوب، وملعون، ومن أولاد الأفاعي والعلقمي، ومن عملاء الاستعمار الأمريكي الجديد، ومن كُتّاب المارينز، ومن جواسيس المخابرات الأجنبية.
الإسلامويون الذين خطفوا الاسلام وسرقوه وزوّره وأسقطوا آياته التي جاءت تنبيء بما حدث قبل خمسة عشر قرناً ويزيد على أحداث الوقت الحاضر، هم الذين يقودون الآن قطعان العرب إلى محرقة التاريخ الانساني والى لعنة هذا التاريخ، لا بالعقل، ولكن بالعواطف المتشنجة وبالوعود الغيبية، وبقلة الايمان النقي البسيط بالله.
نعم، لقد فقد العرب ايمانهم النقي بالله، وأصبحوا عبيد الطواطم الدينية الدموية وليسوا عبيد الله. وعندما كانوا عبيد الله كانوا يُحكَمون بالعقل ويَحكُمون، ويحتكِمون اليه. واغتالوا العقل عندما أصبحوا عبيد الطواطم الدينية الدموية، فسهُل على الطواطم الدينية سوقهم سوق الشياه إلى مذبحة الارهاب، وبصكوك غيبية أشبه بصكوك غفران الكنيسة في القرون الوسطى.
ألم نقل لكم في مقال سابق ( هل يعيش العرب الآن في ظلام القرون الوسطى؟ 7/7/2004) بأن حال العرب الآن تنبيء بأنهم يعيشون في القرون الوسطى ولكن بطريقة اليكترونية!
أي أنهم يفكرون تفكير القرون الوسطى في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية والتعليم، ولكن بأساليب اليكترونية حديثة، مُستعملين في مأكلهم ومشربهم وتنقلهم أحدث ما توصل اليه العلم الغربي والتكنولوجيا الحديثة في شتى المجالات، ولكنهم في الوقت ذاته يفكرون تفكير القرون الوسطى، ويتصرفون في حياتهم وكأنهم ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى. وهم كذلك ما زالوا عبيداً لفكر ومفكري القرون الوسطى.
-5-
ما هو الحل؟
هل يحتاج العالم العربي إلى ضربه ضرباً موجعاً بقنبلة نووية تفني مليوناً أو بعض مليون كما حصل لليابان في العام 1945، لكي يفيق من غفوته واستهباله وتماديه بحق الإنسانية والبشرية عموماً، ويعود إلى عقله، كما عاد اليابانيون إلى عقلهم بعد أن تم ضربهم تلك الضربة العنيفة المُهلكة؟
لقد كانت هذه الفكرة واردة بعد الحادي عشر من سبتمبر. فلقد تم ضرب اليابان بقنبلة نووية مقابل 2600 جندي قتلوا في بيرل هاربر في 1941، بينما فقدت أمريكا في 11/9/2001 ثلاثة آلاف عقل اقتصادي هم جزء كبير ومهم من الماكينة الاقتصادية الأمريكية والعالمية، ومن العقل الاقتصادي الأمريكي والعالمي، وهي خسارة أفدح بكثير من خسارة بيرل هاربر.
إن الذي جعل هذه الفكرة مستهجنة وغير قابلة للتنفيذ أن القيم السياسية الإنسانية قد اختلفت وارتقت الآن، وهي تحول دون تكرار ما فعله الرئيس هاري ترومان في اليابان، رغم أن اليابان قد ضُربت وكانت هناك قوة عظمى أخرى في العالم. أما الآن فلا قوة عظمى في العالم غير واحدة.
ولكن هل تغير العرب، وهل تغيرت قيمهم السياسية الإنسانية تبعاً لذلك، وعما كانت عليه في النصف الأول من القرن العشرين؟
للأسف، فلقد ازداد العرب حمقاً ودموية وابتعاداً عن العقل، وانحطت قيمهم السياسية الإنسانية، وأصبحوا يخاطبون العالم بالسيف والبلطة وبجيوش من الملثمين من قطّاع الطريق واللصوص والقتلة.
فهل ينسى الغرب قيمه السياسية الإنسانية، ويواجه العرب بالسلاح نفسه الذي استعمله في 1945، وبالأسلوب نفسه، حماية للانسان ومستقبله على هذه الأرض؟!
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قدَمُ عمرو ورأسًُ عرفات!
-
طريق الثورة الملكية الأردنية
-
أيها الخليجيون: احتضنوا العراق!
-
ما هي الثورة الملكية التي يحتاجها الأردن الآن؟
-
إلى متى سيبلعُ الفلسطينيون سكاكين الديكتاتورية نكايةً بإسرائ
...
-
لماذا أصبحَ العربُ عَصْيين على التطبيع؟
-
المهزلةُ الفلسطينيةُ: شَعبٌ كبيرٌ، و-مُختارٌ- صغيرٌ!
-
لماذا يسعى الإخوان المسلمون إلى تغيير الجلود والعهود؟!
-
قرضاويّان، لا قرضاوي واحد!
-
هل حقاً أنَّ القرضاوي يُعتبرُ داعيةً وسطياً معتدلاً ؟
-
هل حقاً أنَّ العربَ يعيشوا الآن في ظلامِ القرونِ الوسطى؟!
-
محاكمةُ صدام حسين محاكمةٌ للنظام العربي عامة
-
اليومُ المشهودْ، ووفاءُ العهودْ، وفتحُ الطريقِ المسدودْ!
-
وجه العرب الأمريكي القبيح!
-
من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟
-
المحافظون الجدد والليبرالون الجدد بين الواقع ومهاترات الغوغا
...
-
ديمقراطية القرضاوي الإسلاموية الزائفة
-
العالمُ الحرُ يَمْهُرُ العراقَ الجديدَ بخاتم الشرعية الدولية
-
يا لهذا العراق الجديد ما أقواه!
-
دعوة لعدم التضامن مع نوال السعداوي!
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|