|
لوجهها لون الحريق .. والعدس
حافظ عليوي
(Hafiz Ileawi)
الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 09:56
المحور:
الادب والفن
أرى ما أريد على صفحة وجهها .. عشرون سطرا وأكثر بتعبير آخر يقولون حفر الزمان أيام سنواته على صفحة الوجه ولصفحة وجهها لون الحريق القديم .. هناك لون للزمن .. وهناك لون للألم .. صارت أبنة الأربعة عشر ربيعا أما وعلى وجه الأم أرى ما أريد من لون ذلك
اليوم : الثاني عشر من آب لعام ألف وتسعمائة وستة وسبعون لأبنة مخيم تل الزعتر هوية خضراء في نابلس وعليها عمل يومي شبه رتيب تؤديه في هذه السلطة الوطنية الفلسطينية .. وأما ذلك المخيم الأسطوري فلن يخلع زيّ لجوئه من مخيم كالح للاجئين والمقاتلين .. فإلى زيّ اسطورة لاتحول ولاتزول
لدير ياسين .. أسطورة السقوط في فلسطين .. ولتل الزعتر أسطورة سقوط آخر في المنفى .. وللمنفى وبعد 12 آب 1976 صار شعارنا التعبوي كسيفا " القدس عروس عروبتكم " كيف ينجدون القدس وقد انتهكوا حرمة المخيم في المنفى ؟
قبل ذلك اليوم كانت قذائف المدفعية تقدم من بيروت الغربية .. الإسناد الناري للمخيم الفلسطيني المحاصر في أقصى أطراف بيروت الشرقية جولة حصار تلتها جولات من حصار أشد إحكاما .. وبطولة أشد بأسا .. ويأسا
بين حصار وحصار : أعاد مكتب الرئيس " مكتب ال 17 " نسخة من جريدة " فلسطين الثورة " اليومية مذيلة بتوبيخ من القائد العام أبو عمار وبالقلم الأحمر " من الخطأ المطلق التركيز المطلق على الصمود المطلق " .. وكان مانشيت الجريدة " تل الزعتر لن يسقط "
ظهيرة ذلك اليوم : 12 آب 1976 مرّت الشاحنات محملة بالأطفال والنساء .. العجائز .. والكهول .. ومحملة بالعويل .. سقط تل الزعتر الذي لا .. ولن يسقط وأما أبطال المخيم فقد شقوا الحصار ببنادقهم ودمهم .. أرى ما أريد على صفحة وجهها وكان لأطفال التل يوم عبروا تحت نوافذ مكاتبهم في منطقة الجامعة العربية كل ألوان الخوف والجوع .. وربما لون العدس
أكتشف المحاصرون في التل الأسطوري أن حساء العدس أفضل ممكن عن الحليب .. كان العدس وفيرا في مخازن الوكالة " الأنروا " وكان الماء شحيحا جدا .. وكانت مصادر الماء على حدود المخيم .. سقط الكثيرون من خيرة المقاتلين وأصلبهم وهم يريدون الماء .. يشقون الحصار ببنادقهم .. وفي أيديهم كل وعاء يصلح لنقل الماء .. " كل كوب ماء كان ثمنه كوبا من الدم .. أحيانا " ؟
تلك المعادلة بين الماء العربي والدم الفلسطيني .. ستكون أقصى على النفس من كل معادلات التحالف .. وبعد سقوط تل الزعتر ستذهب معظم القيادة الفلسطينية إلى دمشق في محاولة أخيرة للتنسيق الثنائي لأن مصر خرجت من المعركة .. ودخلت كمين كـــأمب ديـفـيــد لم تصدق كذبة التحالف الإستراتيجي .. لم تضع فاطمة خبر توقيع التحالف عنوانا رئيسيا .. بل رفضته خبرا صغيرا .. مع ذلك تلقت التوبيخ الثاني القاسي من مكتب " ال17" كان عليها أن تتجاهل الخبر تماما
كان سقوط تل الزعتر إشارة سقوط واضحة .. هذا مخيم إمتحن إلتزام سوريا بالنضال الفلسطيني فسقطت في ذلك الإمتحان .. المخيم الفلسطيني في اللجوء العربي .. هو فلسطين في المنفى .. ثم سقط صبرا وشاتيلا مرتين زز مرة بأيدي الكتائب وإسرائيل في أيلول 1982 .. ومرة ثانية بأيدي حركو أمل وسورية بعد ذلك بأربعة أعوام .. وإلى أسطورة السقوط العظيم للتل .. الذي لا يسقط !!! أضيفت أسطورة السقوط الأعظم للمخيم الذي كان عاصمة الثورة واللجور الفلسطيني بأسره ..!!! بل عاصمة بيروت .. وأحيانا عاصمة لبنان
بعد سقوط تل الزعتر .. امتلأت بيروت الغربية بالمتطوعين من طلبة فلسطين الدارسين في جامعات العالم من مانديلا في الفلبين إلى كندا .. قال القائد العام يومها في زفرة الأسى " ها أنا أطعم المدافع لحم خيرة شباب شعبي " بعد سقوط تل الزعتر ذهبت إلى بلدة الدامور التي أحتلتها القوات المشتركة اليسارية في عملية ثأرية لسقوط تل الزعتر .. رفض اللاجئون من مخيم التل إصلاح نافذة واحدة .. قالوا : هذه البيوت ليست لنا ورفضوا جناية محاصيل الموز الداموري .. أو العناية بحقول هي إحدى أخصب حقول لبنان .. قالوا : هذه ليست أرضنا .. اليهود أخذوا أرضنا ونحن لا نأخذ أرض أحد ..!! كانوا على حق مزدوج .. أخلاقي وعملي .. فمالبثوا أن رفضوا فرصة التوطين وعادوا إلى مخيم صبرا وشاتيلا .. عادوا إلى صنع أسطورة سقوط عظيم آخر .. تحت قيادة أبو طوق .. أسطورة القائد والشهيد
بعد ثلاثة وعشرون عاما من سقوط تل الزعتر يبدأ الفلسطينيون في بلادهم تسجيل التاريخ الشفوي للنكبة .. كمقدمة لا بد منها لتسجيل التاريخ الشفوي للمنفى هناك كتاب " العمل والعمال في تل الزعتر " صدر قبل السقوط عن مركز الأبحاث الفلسطيني لأبن تل الزعتر الباحث هاني مندس .. وهناك كتاب وثائقي عن سقوط التل صدر عن مركز الأبحاث أيضا .. وهناك أيضا .. لون العدس ولون الحريق على صفحة وجهها أبنة الأربعة عشر ربيعا التي عاشت أيام البطولة والكارثة في تل الزعتر .. إنها ست بيت الآن .. ومواطنة .. وأم .. وعندما تقدم لي القهوة في نابلس ورام الله وجنين وكل مكان أتواجد به أنظر إلى صفحة وجهها .. وأرى ما أريد
#حافظ_عليوي (هاشتاغ)
Hafiz_Ileawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|