أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - البولشفية وضرورة إحيائها















المزيد.....

البولشفية وضرورة إحيائها


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3040 - 2010 / 6 / 21 - 12:22
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


البولشفية وضرورة إحيائها
فيما كان البلاشفة السوفيات يقودون شعوب الإتحاد السوفياتي لتفتدي بأرواحها وأرزاقها ليس حرية وطنها فقط، الإتحاد السوفياتي، بل وحرية بريطانيا وأرواح البريطانيين في مواجهة ذئاب النازية المسعورة، كان بنفس الوقت مجندون بريطانيون فيما وراء خطوط جبهات الحرب يغمدون خناجرهم، خناجر الخيانة، في ظهور البلاشفة. لبعض من يستهجن هذا نشير إلى محادثات إتفاقية عدم الإعتداء(مولوتوف ــ روبنتروب) في أغسطس 1939 حين أبدى هتلر إعجابه الشديد بستالين وطلب من مولوتوف أن ينقل إليه إقتراحه القاضي باحتلال بريطانيا وتقسيمها مع مستعمراتها مناصفة بين الطرفين غير أن البولشفي ستالين أهمل الإقتراح وكأنه لم يكن. إزاء ذلك قرر هتلر في يونيو 1941 أن يرجئ احتلال بريطانيا ريثما يحتل الإتحاد السوفياتي وقد هيّأ له خياله المريض أنه يستطيع ذلك بحملة (البربروسا) الجهنمية خلال أسابيع قليلة. الملحمة التي سطّرها السوفييت دفاعاً عن حرية الأمم وفي مقدمتها الأمة البريطانية لم ولن يشهد لها التاريخ مثيلا. تقدم السوفييت الصفوف وتلقوا سعار النازية المسلحة بأنياب فولاذية بصدورهم شبه العارية بداية وتأخر الإنجليز إلى ما وراء الخطوط الخلفية يتفرجون على ملحمة المعارك البولشفية ــ النازية. طيلة ثلاث سنوات يونيو 1941 ــ يونيو 44 لم يواجه الإنجليز النازي سوى في مناوشة صغيرة في شمال أفريقيا (العلمين) في يوليو 42 بعيداً عن سوح المعارك الرئيسية الكبرى ولم يتجاوز مجموع أعداد القتلى في الطرفين بضعة آلاف. من هنا يدرك المرء مدى انحطاط وسفالة البورجوازية الإنجليزية إذ يرى زعيم بريطانيا الأعظم ونستون تشرتشل وبحضور الرئيس الأميركي روزفلت يقدم بانحناءة السيف الملكي المرصع بالجواهر للرفيق ستالين في طهران ديسمبر 1943 وقد نقش عليه العبارة التالية . . " إلى مواطني ستالينجراد ذوي القلوب الفولاذية. هدية من ملك بريطانيا جورج السادس. عربون حب وتقدير من شعب بريطانيا" ، ويمسك روزفلت بالسيف ملوحاً به في الهواء ويشهد .." إنهم حقاً ذوو قلوب فولاذية". هذا يحدث في مقدمة الصفوف المحاربة، بين قادة الحرب، أما في المؤخرة، فيما وراء الخطوط الخلفية، فكانت المخابرات البريطانية تنشط، وخاصة بين الشعوب العربية والإسلامية، في نشر الأكاذيب التى تقول أن البلشفية إنما هي الإنحلال الجنسي دون تحريم الأم أو الأخت. حققت جيوش البلاشفة انتصارات يعجز مؤرخو الحرب عن وصفها ونحن العرب والمسلمين لا نعرف في تلك الأثناء عن البلشفية سوى الإنحلال الجنسي !! لهذا فقط فإن العار سيجلل جباه البورجوازية البريطانية لآجال طويلة.
ليس جواسيس بريطانيا والإمبريالية وحدهم من أساءوا عامدين تفسير البولشفية، بل أيضاً أدعياء الإشتراكية غير العلمية، الاشتراكية في توزيع الثروة وليس في إنتاجها، المتصفون باليسارية، يسيئون، عامدين في الغالب، تفسير البولشفية باعتبارها بلا قيم إنسانية وأولها حقوق الإنسان، بل إن قطاعاً عريضاً من الشيوعيين يقولون اليوم بهذا دون وعي منهم؛ إذ يرددون شعاراً في غاية الغباء ينادي ب"إشتراكية ذات وجه إنساني" لكأنما هناك اشتراكية بغير وجه إنساني !! الإشتراكية هي الإشتراكية إذ ليس هناك اشتراكيتان، وهي دون شك قفزة كبرى في تقدم الإنسان على طريق الأنسنة. اليساريون الأفّاقون إنما يغمزون بهذا اللغو من قناة الاشتراكية السوفياتية وهي الأكثر حفظاً لكرامة الإنسان بين مختلف الأنظمة التي عرفتها البشرية.

إذاً ما هي حقيقة ظاهرة البولشفية التي اقترنت بظهور وتطور الحزب الشيوعي (البولشفي) في الإتحاد السوفياتي!؟ هذا سؤال هام، وهام جدا،ً حيث الإجابة الصحيحة والكاملة عليه لها تداعيات خطيرة وعظيمة الشأن ذات أثر فعال وحاسم في مواجهة الأزمة الكبرى التي يتخبط بها عالم اليوم. إحياء البولشفية، تلك الطريق التي اختطها لينين وسار خلفه قادة البروليتاريا الخلّص النجباء في العالم، يغدو اليوم ضرورة ملحة تتقدم كل الضرورات الأخرى في مواجهة الأزمة الماثلة التي تتهدد مصير البشرية جمعاء خلافاً لاحتسابات جمهرة السياسيين.

من عيوب الحركة الشيوعية المتفرعة أصلاً من الأممية الثالثة هو أنها لم تكن تلقي بالاً لكل العمق الذي أضافه لينين مؤسس الأممية الثالثة، إلى الماركسية، وأهم هذه الإضافات هو تيار البولشفية. بالرغم من أن ما عرف بالستالينية لم يكن، بداية ونهاية، إلا تأكيداً وتعميداً للنهج اللينيني البولشفي، فإن كل ما كنا نعرفه عن فكرة البولشفية هو ما تعلق بالخلاف بين لينين من جهة وبليخانوف ومارتوف من جهة أخرى في مؤتمر حزب العمال الإشتراكي الديوقراطي الروسي في لندن 1903 حول عضوية الحزب قبل كل شيء آخر، فالمناشفة وعلى رأسهم بليخانوف ومارتوف أرادوها عضوية مفتوحة لكل راغب في الاشتراكية دون أية إلتزامات أخرى، بينما أصر لينين على أن تكون عضوية الحزب مغلقة وبشروط والتزامات محددة مسبقاً. والخلاف الآخر تعلق بمحتوى الديموقراطية المطلوبة آنذاك في روسيا حيث أكد المناشفة تأييدهم المطلق للديموقراطية البورجوازية على عكس البلاشفة الذين وضعوا أكثر من شرط الزمن المحدود لقبولهم بمثل هذه الديموقراطية البورجوازية. وأضيف إلى ذلك فيما بعد الخلاف حول طبقة الفلاحين الفقراء فيما إذا كانت من القوى الأساسية للثورة الإشتراكية في روسيا تحديداً كما نادى البلاشفة أم لا، كما اعتقد المناشفة وتروتسكي في طليعتهم بهذا الخصوص. الواقع أن هذا الفهم للبولشفية هو فهم سطحي ومحدود كان من شأنه أن ينعكس على العمل الشيوعي بالقصور. إذ ليس ثمة من شك في أن قصور الأممية الثالثة في هذا المنحى تحديداً ساهم فيما وصلت إليه الحركة الشيوعية من انهيار كلّي أورث العالم كوارث لا حصر لها.

الخلاف بين بليخانوف ومارتوف من جهة وبين لينين من جهة مقابلة كان بالطبع أحد تجليّات البولشفية الكثيرة والمتعددة الجوانب؛ ولا يمكن أن تكون عوامل ذلك التجليّ وليدة الساعة. لقد كانت عوامل ذات تاريخ حيث كانت قد ولدت مترافقة مع ولادة "حزب العمال الإشتراكي الديموقراطي في روسيا". لقد ولد هذا الحزب ولادة قيصرية وليس كولادة عامة الأحزاب الأخرى. ولد هذا الحزب الذي غدا طيلة القرن العشرين أهم وأكبر تيار سياسي في العالم من خلال اجتماع سرّي عقد في مدينة منسك عاصمة بلروسيا في ابريل من العام 1898، ضم حلقات روسية ماركسية متباعدة ومتباينة؛ وأهم هذه الحلقات كانت مجموعة حزب البوند اليهودي. ظل هذا التشكل الكتلوي لحزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي والذي أصبح فيما بعد الحزب الشيوعي السوفييتي (البولشفي)، ظل مرضاً ينخر في جسم الحزب حتى النهاية. وكان الشاب القوقازي الثوري عضو الحزب يوسف ستالين قد وصف حزبه في مقالة نشرها في جريدة جيورجية في العام 1901 بأنه حزب المثقفين وليس حزب البروليتاريا أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة الإشتراكية دون سواهم.

تنبّه لينين بالطبع لخطورة هذا المرض ومضاعفاته الخطيرة على مصير حزب العمال الاشتراكي الديوقراطي حديث الولادة فكان أن ركز جهودة في شرح الماركسية وقراءتها قراءة بكامل أعماقها وفضح ابتذال الماركسية (vulgarisation) ، فكتب في العام 1898 مع بداية تشكيل الحزب في مقالة بعنوان " حديث مع الإقتصادويين " ــ وهم الذين يعزلون التنمية الإقتصادية عن السياسة ــ كتب يقول . . " تأخر القادة الواعون وراء الجماهير بوعيها العفوي خاصة وأنهم يتفننون في ابتذال الماركسية ويخرسون أمام النقد الحديث تعبيراً عن انتهازيتهم، كما يجهدون لإبقاء التحريض والنضال السياسي نشاطاً هامشياً دون أن يدركوا أن الإشتراكيين الديوقراطيين ما لم يأخذوا قيادة الحركة الديوقراطية بأيديهم لن يستطيعوا الإطاحة بالسلطة الأوتوقراطية؛ وقصور هؤلاء في منحى التنظيم والتاكتيك في الإدراك بأن إلتزاماتنا تجاه الجماهير العريضة تزيد من مسؤولياتنا التنظيمية من حيث تنظيم منظمة مركزية قادرة على قيادة الإستعدادات للمعركة الأخيرة الحاسمة وكل الانتفاضات الجانبية " ــ لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 5، ص 217 ــ في هذه الفقرة يشرع لينين بافتتاح طريق البلشفية بجانبيها المتوازيين. الجانب الأول ويتمثل بتفسير ماركس بكل المعاني التي عناها ماركس نفسه مستهدفاً توحيد القراءة لماركس لدى جميع أعضاء الحزب، وجانبها الثاني هو التاكتيك المناسب وما يتوجب إجراؤه كي يتواصل افتتاح الطريق، الطريق الماركسية نحو الثورة الإشتراكية وحتى عبور البرزخ الاشتراكي نحو الشيوعية. إذاً طريق البولشفية التي غدت المرشد الوحيد للماركسية يرسمها جانبان متوازيان على الدوام وهما: قراءة الماركسية بكل العمق الماثل فيها وفي موازاة ذلك استنباط التاكتيكات التي تستجيب لتلك القراءة. القراءة البولشفية للماركسية تختلف اختلافاً نوعياً عن قراءة كارل كاوتسكي قائد الأممية الثانية بعد إنجلز وحتى عن قراءة بليخانوف الموصوف بأنه أبو الماركسية في روسيا فكان أن بدأ لينين قراءته الخاصة للماركسية بمشروع الثورة الاشتراكية العالمية في روسيا القيصرية، وفي جانب التاكتيك كان أن عقد تحالفاً وثيقاً مع طبقة فقراء الفلاحين عكس ما يرى المناشفة وتروتسكي أولهم الذين رأوا في الفلاحين عدواً طبقياً منذ البداية. وبكلمة فإن البولشفية هي اللينينية نفسها التي عرّفها ستالين بأنها " ماركسية مرحلة الإمبريالية ".

مرحلة الإمبريالية بمعناها العلمي والعملاني انتهت في سبعينيات القرن الماضي وقبل أن تنتهي الطبقة الوسطى السوفياتية من ردم مشروع لينين حتى الأساس. البولشفية التي اختطها لينين تبعاً لقراءة ماركس القراءة الصحيحة بما في ذلك تاكتيكاتها المرافقة كانت قد رحلت مع رحيل الرأسمالية الإمبريالية، فغدا من واجب البلاشفة القدامى الذين اعتادوا استخدام البولشفية كسلاح ذي قدرة خاصة في الصراع الطبقي، غدا من واجبهم استنباط البولشفية الخاصة بمرحلة ما بعد الرأسمالية الإمبريالية التي يصر بعضهم على تسميتها بالعولمة مع اختلافنا التام في تفسير فعل العولمة وفحواها. لا بد من قراءة ماركس من جديد قراءة خاصة بكل العمق التأسيسي.

ألفباء الماركسية تقول أن أدوات الإنتاج السائدة هي التي تقرر علاقات الإنتاج التي تتجسد في شكل وطبيعة الهرم الطبقي للمجتمع. أدوات الإنتاج في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين غيرها اليوم السائدة في المجتعات الأوروبية وفي الولايات المتحدة التي كانت تقرر الشؤون الدولية ومسار التطور للنظام العالمي. لم تعد أدوات الإنتاج الصناعي التي تبني المجتمعات الرأسمالية هي السائدة في المجتمعات الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية. ما بين 75ــ 80% من مجمل إنتاج هذه الدول حسب تقديرات ثمانينيات القرن الماضي هو من الخدمات التي ينتجها أفراد ليسوا من البروليتاريا. وسائل إنتاج الخدمات تعتمد في جميع الأحوال على أدوات بسيطة يشغلها أفراد بعينهم وبذلك يتحقق تقسيم العمل ويتم الإنتاج بصورة فردية. في مثل هذه التربة تموت كل جذور الفكر الإشتراكي. إن من يدعون إلى الإشتراكية في مثل هذا المجتمع، مجتمع الطبقة الوسطى، إنما هم مخادعون إن لم يكونوا من الأغبياء.

الداعون للحرية وللديموقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان ليسوا أقل خداعاً وغباء من الأدعياء الحاليون للإشتراكية. لا يتمتع هؤلاء الأغبياء ببعد نظر. المجتمعات الرأسمالية سابقاً التي تتماثل فيها اليوم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ليست مجتمعات مستقرة وقائمة على الذات. مثل هذه المجتمعات تقوم على السرقة واللصوصية. المجتعات الرأسمالية الإمبريالية كانت تقوم على استغلال الإنسان للإنسان أما المجتعات الحالية، الرأسمالية سابقاً، فتقوم على ما هو أسوأ من الإستغلال وهو اللصوصية، تسرق الإنسان دون أن تشغله. لقد وجد طلائعيو البورجوازية الوضيعة في هذه الدول أنها تستطيع أن تسرق الشعوب جهاراً نهاراً دونما الحاجة إلى أي تبادل بضاعي كان يقتضيه استغلالها عن طريق الإميريالية. الدول الرأسمالية سابقاً تسرق اليوم ثروات الدول المستعمرة والتابعة سابقاً عن طريقين، الأولى وهي تزييف العملة وطباعة ما تحتاجه من النقد دونما أدنى غطاء يسنده فالولايات المتحدة الأميركية وهي (علي بابا) قائد الحرامية طبعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة ما قدرته مجموعة من الاقتصاديين المتخصصين بستمائة تريليون من الدولارات باعتها بقيمتها في الأسواق الدولية، بينما قيمتها الحقيقية هي أقل من الصفر بمقدار الجهد اللازم لإتلافها. أما الطريق الثانية فهي الإستدانة حيث أن كافة الدول التي كانت ثريّة بإنتاجها الرأسمالي تحيا اليوم حياة الطفيليات وتؤمن رفاه شعوبها بالاستدانة؛ فهي دون استثناء مدينة بديون فلكية لا تقوى على خدمتها فالولايات المتحدة تعلن رسمياً أنها مدينة بسبعة عشر تريليوناً من الدولارات بينما هي في حقيقة الأمر مدينة بما يزيد عن خمسين تريليوناً. جميع الدول الغربية تنحو ذات المنحى ولعل دولة كرتونية كإسرائيل تزيد ديونها الدولية عن أربعمائة أو خمسمائة ملياراً من الدولارات دون أن تعلن عن ذلك، وتحتفظ به سرّاً في العمق.

الحقيقة الكبرى التي يجهلها أو يتجاهلها الليبراليون اليوم هي أن مظاهر الحرية والديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان إنما هي مظاهر مرافقة للوفرة في وسائل العيش. في المجتمعات الفقيرة هناك عدة أيدي تتنازع رغيف الخبز الواحد وفي حالة كهذه يغدو الحديث عن الحرية والديوقراطية ضرباً من الأوهام ولزوم ما لا يلزم. الرفاه في الدول الغربية الرأسمالية سابقاً إنما هو رفاه زائف لا يؤمن استمراره إلا المزيد من اللصوصية وسرقة الشعوب الأخرى. الإنهيار الكارثي يكمن قريباً جداً على طريق هذه الدول وإذّاك ستكون الحرية والديوقراطية فيها أثراً بعد عين. ما أكثر الكتاب اليوم الذين يدعون لللبرلة متسائلين بطوية سليمة حول العائق الذي يحول دون اللبرلة ومعتبرين أن الحكام هم العائق الوحيد. هؤلاء الكتاب إنما يبيعون الأفيون على شعوبهم. العائق الحقيقي والرئيسي إنما هو الفقر. على دعاة الليبرالية ومندرجاتها المتعددة أن يمتنعوا عن بيع الأفيون لشعوبهم وينصرفوا بدلاً عن ذلك إلى البحث عن سبل تعظيم الثروة في المجتمع، عن التنمية الفعلية والوصول إلى تحويل قوى العمل المتاحة في شعوبهم إلى بضاعة. ذلك هو البولشفية. على هؤلاء أن يتبلشفوا لا أن يتلبرلوا.

البولشفية هي ظاهرة لينينية. مؤسس وباني البولشفية، فلاديمير لينين، وقد رأى الرأسمالية تصير إلى أعلى مراحلها، نادى في اكتوبر 1917 لأن تبدأ شرارة الثورة الإشتراكية في أضعف حلقات السلسلة الرأسمالية، في روسيا القيصرية، تماماً كما كان كارل ماركس قد تنبأ في مقدمته للترجمة الأولى للبيان الشيوعي إلى الروسية 1872. ليس بغير البولشفية اللينينية تغيّر العالم خلال القرن العشرين وصار إلى ما نحن فيه اليوم بعد أن نجحت البورجوازية الوضيعة السوفياتية، وقد تخلقت في رحم المشروع اللينيني، لكن، نمت وترعرعت برعاية الإمبريالية والنازية، نجحت بقيادة المرتد والخائن نيكيتا خروشتشوف في أن تمنع البولشفية من تحقيق كل أهدافها حتى بات العالم يعاني جرّاء ذلك من أخطار عديدة بعضها يهدده بالفناء.

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما الشفاء الوحيد لأزمة الولايات المتحدة هو العودة للإنتاج البضاعي. والإنتاج البضاعي الكثيف هو الهدف الأول للبلشفية، لا بلشفية بدون إنتاج بضاعي كثيف، وكان هذا السمة الأبرز للمشروع اللينيني البولشفي ما بين 1922 حين أعلن لينين السياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) و 1952 حين أقر المؤتمر العام التاسع عشر للحزب خطة التنمية الخماسية الهادفة إلى مضاعفة إنتاج البضائع المدنية الإستهلاكية، وعطلها خروشتشوف وعصابة الجنرالات حوله في سبتمبر 1953 بعد رحيل ستالين بستة أشهر.

كانت الظروف الدولية والأوضاع الاجتماعية والسياسية داخل روسيا في مطلع القرن العشرين تساعد على ظهور بلشفية لينين وتوطيدها إلى الحد الذي نجح فيه ستالين أيما نجاح. أما الظروف الدولية القائمة حالياً فهي استثنائية وخاصة جداً لا مثيل لها في التاريخ. لم يحدث قط في التاريخ أن طبقة اجتماعية ليست طرفاً رئيساً في الإنتاج الحيوي للمجتمع هي الطبقة الحاكمة. الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، التي تحكم اليوم في شتى الدول لا تنتج إلا الخدمات التي ليست من الإنتاج الحيوي للمجتمع. في مثل هذا المأزق البالغ الصعوبة لن تعبره البشرية جمعاء إلا ببلشفية صعبة ومعقدة يجترحها لينين آخر لا يقل عبقرية عن لينين الأول. بلشفية تستطيع قراءة النظام العالمي القائم حالياً قراءة صحيحة ودقيقة وتبتدع التاكتيكات اللازمة لتسهيل العبور.



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسيون ليسوا يساريين
- سفر الخروج / 3
- ما بين الرأسمالية والإستهلاكية
- أزمة اليونان مرة أخرى
- ما تفسير الأزمة في اليونان؟
- سفر الخروج 2
- سفر الخروج
- حول أطروحة المحطة المنحطة مسدودة المنافذ
- حميد كشكولي ضد الإشتراكية
- محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم
- تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
- تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
- هل الرأسمالية متقدمة على الإشتراكية !؟
- من يفتح ملف الإشتراكية !؟
- ليس شيوعياً من يغطي على الأعداء الفعليين للشيوعية
- القانون العام للحركة في الطبيعة (الديالكتيك)
- الوحدة العضوية للثورة في عصر الإمبريالية
- البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة ..
- نحو فهم أوضح للماركسية (3)
- نحو فهم أوضح للماركسية (2)


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - البولشفية وضرورة إحيائها