|
ذاكرة المكان الخالي(*)
صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)
الحوار المتمدن-العدد: 3038 - 2010 / 6 / 18 - 19:56
المحور:
الادب والفن
يعد (المكان الخالي) أحد فرضيات العرض المسرحي الحديث ، وفقاً للمنطلقات التي دعا إليها (بيتر بروك) ومن تلاه من المخرجين المسرحيين، اذ لايمكن لأي متتبع لحركة المسرح الحديث ان يغض النظر عن فرضية المكان الخالي وإسهامات بروك في المسرح . ان المكان الخالي ، مصطلح وضعه ( بروك) في كتاب يحمل الاسم نفسه ويعد واحداً من منجزاته المهمة على مستوى التنظير المسرحي ، ويرصد فيه تطور حركة المسرح من خلال تصنيفه الى مسميات عدة هي "المسرح المميت ، المسرح المقدس ، المسرح الخشن، المسرح المباشر" وقد وضح في كل قسم من أقسام كتابته هذا الاساليب المسرحية التي تنطوي تحت هذا القسم من خلال العرض والتحليل كاشفاً عن أهم مقومات النجاح والفشل فيها. لقد ورد في القسم المتعلق بالمسرح المميت عبارة تحتاج الى مناقشة بوصفها من المقولات البديهية التي كنا نسمعها ونسلم بها ذلك أنها تعد من اكثرمقولات (بروك) وضوحاً ولكنها في (المكان الخالي) بدت غامضة وعصية على الفهم ، ويعود السبب الى استخدامنا للفكرة التي يدعو (بيتر بروك) اليها في استخدام المكان الخالي ولأننا تعودنا اقتطاع النصوص واخذ مايلائم تفكيرنا فقد كانت المقولة " أي مكان خالي ويقف فيه رجل وينظر اليه رجل أخر أعتبره مسرحاً " هذه المقولة كانت كافية لنا لنفهم معنى المكان الخالي الذي يبحث عنه (بروك) الاأن ماكان يريده ويؤكده في كتابته هذا كان أكثر توسعاً وأعمق تفكيراً ، ويتضح لنا ذلك من خلال استعراض المقولة كاملة كما جاءت في (المكان الخالي) يقول بروك " يمكنني ان أتناول اي مكان خالٍ فأسميه مسرحاً وكل مايقتضيه الفعل المسرحي هو أن يمشي شخص عبر تلك الفسحة في حين يراقبه شخص آخر،ومع هذا فإننا عندما نتحدث عن المسرح فلا نقصد ذلك المعنى على الإطلاق". ان ذلك الفهم الخاطئ الذي اصبح قاعدة لانحيد عنها ولا يختلف فيها احد من متتبعي المسرح والتي اصبحت من المصادر الاساسية في فهم مسرح (بروك) ورؤيته حول المكان ، الانها في حقيقة الامر لا تصف بشكل دقيق ما اراد (بروك) ان يعبر عنه في فكرته هذه . ان تعبير (المسرح المميت) الذي اطلقه (بروك) على نوع مسرحي سائد في المسرح الأوربي بوصفه " ذلك النوع من المسرح الذي نراه دائماً والذي يرتبط كثيراً بالمسرح التجاري الذي نحتقره ونذمه كثيراً ". ان تسمية المسرح التجاري المتداولة في فضاءنا المسرحي هي ذاتها التي يعبر عنها (بروك) وهو ذلك المسرح نفسه الذي يثير استهجان العديد من المسرحيين ألا أن (بروك) أكثر قسوة في تعبيره عن هذا المسرح " وغالباً ما يوصف المسرح بأنه (مومس) بمعنى ان فنه ليس نقياً" . ويأخذنا (بروك) في رحلة عبر مسارح لندن واميركا وغيرها من الدول الاوروبية، ليدون ملاحظاته حول المسارح هناك ليصل الى حقيقة " ان الفن الذي يخلو من النقاد فن محفوف بالمخاطر،وغالباً ما يخدم الناقد المسرح عندما يرصد كل ما هو سلبي، واذا قضى معظم وقته متذمراً فهو في ذلك مصيب" . ان التعبير عن اهمية النقد انما يعطي فرصة كبيرة للناقد ليكون عنصرأ فاعلاً في تطوير العملية المسرحية برمتها، ولايجعل الناقد بعيدا عن العمل الفني، اذ كلما كان للناقد عدد من الاراء السلبية والتي تقف على الضد من العرض المسرحي كلما وجب على القائمين عليه اعادة النظر فيه ، ويفضل (بروك) أن يكون الناقد قريباً من فريق العمل "كلما كان الناقد من داخل الوسط كان الحال احسن ، والخير كل الخير في وجود الناقد بيننا، يلتقي بالممثلين ويتحدث معهم ويناقشهم ويراقب اعمالهم ويدخل وسيطا بينهم وبين الآخرين". ان هذه الرغبة في تطوير العلاقة بين الناقد من جهة وفريق العمل من جهة اخرى تأتي في النهاية لمصلحة العرض المسرحي من خلال تعرف الناقد على كافة التفاصيل التي يقوم عليها الفعل المسرحي وكيف يتكون داخل التمارين وما ينتج عنه من متغيرات . ان التصور الذي وضعه (بروك) لما يسميه بـ (المسرح المقدس) ويقصد به ذلك النوع المسرحي الذي يقترب من المشاهد عبر اثارة الطقوس بكل أشكالها وأنواعها وقد وصفه (بروك) بقوله "هذا هو الحلم الحقيقي الذي يكمن خلف مثاليات المسرح الميت الحقيرة " . ان الاقتراب من منطقة الطقس يساعد على بث اهم الافكار لأن ذلك وبشكل لاشعوري يعود بالمشاهد الى مايعرف بـ (التطهير) وقد اثار بروك مدى أهمية هذا النوع المسرحي، خاصة في تجربة المخرج البولوني (غروتوفسكي) ومسرحه الفقير ، من خلال تطويره لمثل هذا النوع من المسارح اذ يقول عنه (بروك) أن" غروتوفسكي ذلك المنظّر الحالم الذي يسعى لتحقيق هدف مقدس من خلال المسرح، ويعتقد غروتوفسكي ان المسرح لايمكن ان يكون هدفاً بحد ذاته كما هو الحال مع الرقص والموسيقى في بعض محافل التصوف، المسرح واسطة لاحدود لأمكانياتها واسطة لدراسة النفس واكتشافها، امكانية للخلاص ". ان وجهة النظر التي يتبناها (غروتوفسكي) عبر تطويره لمهارات الممثل والعمل على جسده واثارة كل قدراته التعبيرية والاعتماد عليها والابتعاد عن اي تفصيل آخر من اكسسوارات وادوات ، انما هي عودةالى ذلك الانسان البدائي الذي لم يكن يعرف غير جسده وطريقة التعبير من خلاله " لقد جعل غروتوفسكي من الفقر عملا نموذجياً اذ يعطل الممثلون كل شيء عدا اجسادهم " . ان تفاعل الجسد في فضاء المسرح يخلق نوعاً من التوحد الخاص بطقوس التعبد كما في توحد الصلاة "وهكذا تصبح مهمة العرض المسرحي نوعاً من انواع التضحية وهي الهدية التي يقدمها للمتفرج ، وهنا نجد تشابهاً في العلاقة بين الممثل والمتفرج وبين القس والمصلي". ان هذه الرؤية للمسرح المقدس إنما تقترب من الشكل الكهنوتي للمسرح الاغريقي اكثر من اقترابها من العرض المسرحي الاستهلاكي .
(*) المكان الخالي ، بيتر بروك ، ترجمة سامي عبد الحميد ، جامعة بغداد ، كلية الفنون الجميلة ، 1983 . جميع النصوص الواردة في الموضوع هي من المصدر نفسه .
#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)
Samem_Hassaballa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلم (أبن بابل) العراقي : قراءة في وحشة الموت
-
حامد خضر .. صورة للروح الحية
-
سيمياء براغ المسرحية ... ونظرية العرض المسرحي(*)
-
رحلة الانثربولوجيا في مسرح ايوجينيو باربا(*)
-
المحنة العراقية في نص مسرحي من أميركا اللاتينية ..اين العذرا
...
-
الدراماتورج .. وتعدد المفاهيم !!(*)
-
رؤى كلكامش ....خدعة الحلم !!
-
بعد الطوفان 2003 .. حرية في الحركة.. هروب من المعنى !!
-
تحت فوق / فوق تحت .. المسرح واللامسرح ؟
-
الكتابة ودلالات المعنى واللامعنى؟
-
ساعات الصفر….التجريب – التخريب ؟
-
العراق مسرحاً للأحداث !
-
ذاكرة الابرياء ؟
-
ورشة كاليكولا.. محاولة للبحث عن المدهش !!
-
غرفة الإنعاش .. بين الموت والضحك !
-
مسرحية : -نساء في الحرب-
-
-كاسبار- حلم بالموت
-
أضغاث أحلام تعود بالمسرح الي الواقعية
-
مقال للنشر
-
الحداد لا يليق بالطغاة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|