سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 924 - 2004 / 8 / 13 - 10:15
المحور:
الادب والفن
(الى حسين وهو يقاتل وحيدا في مقبرة وادي السلام)
نحن أطفال الحرب,
يتامى رغم أنوف آبائنا الأحياء,
ولدنا على دمدمات المدافع,
ورضعنا زئير الراجمات.
كان أبي نجارا, يصنع توابيت الذين يساقون الى انتصارات مؤجلة,
وأمي تخيط رايات سودا, وأعلاما وطنية يرتجف في قلبها الله محاصرا,
حينما انهارت سقوف الحرب
هربنا نحو عراء أسود الضمير,
كان الضباط يرسمون لنا خارطة الوطن ببساطيلهم,
والشعراء المعصومون يمدون ألسنتهم المدببة,
ويلحسون حليب القنابل.
هربنا كقطيع من دبابات معطوبة
واختبأنا خلف التوابيت,
تحيط بنا تلال الحقد والوشاية.
لبثنا عاما بعد عام,
نقتات ديدان الأرض كلما حرثتها المجنزرات,
وحينما يشتد بنا العطش,
نستنشق أثر الماء في مجرى نهر المشّرح, حيث ولدنا,
أو نلم العليّق المنضّب من قاع الكحلاء,
الذي غدا ساقية سوداء, تبول فيها الدبابات وهي واقفة فوق الجسور.
كان الفرات مشطورا بالقنابل,
ودجلة مأسورا, مثل سمكة, في شباك جنود الإعاشة.
كنا خلف التوابيت,
نقيم العزاء على روح الأرض ,
حتى وضعت الحرب رأسها على كتف سيدها,
وأخذت بالتثاؤب.
ركضنا مثل جراء عمي,
تتبعنا الراجمات.
عبرنا حقول خس مسمدة بالخراء,
وحقول ألغام مسمدة بالجثث,
تسللنا بين غابات البنادق والمشانق,
معتمرين خوذ الإخفاء, التي نسيها الموتى في الخنادق,
قبل فرارهم الى الأرض الحلال.
_ لكم هم ماكرون أولئك الموتى!
قلت ذلك لسكينة , ابنة عمي, وهي تركض الى جواري, مثل قطة لها ألف عين.
_ لكم هم ماكرون! تصوري, إنهم يهربون من خدمة العلم, يقطعون أنفاسهم, يوقفون دقات قلوبهم, ثم ينسلون خلسة تحت الأرض, لابدين في حفر مظلمة, ملطخين أنفسهم بالكافور, كي يخدعوا الديدان ومفارز الحرس الفاشي.
لكم هم ماكرون!
خزرتني سكينة بعيونها الألف المشتعلة, فقلت لها ساخرا من نفسي:
_ لا تلتفتي الى الوراء يا سكينة, فلن نعود الى هذه البلاد قبل أن تنزع بسطالها الأبدي!
خرجنا معا من ثقب في جدار الحرب,
تركنا وراءنا سماء معصوبة العينين,
وأرضا مدججة بالمآذن والصواريخ,
أغمضنا عيوننا,
قفزنا فوق خط الحدود المنقط, المرسوم على الخارطة المدرسية,
فاحتضنتنا مخالب المارينز!
# # #
نحن أطفال الحرب,
نصطاد الموت بشواهد القبور.
ونرسم الشهادة على أضرحة مستباحة على مر العصور.
عراق, يا حسين, يا عراق, يا وحيد!
رمحُ أي حزب
يحمل رأسَك الشهيد؟
#سلام_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟