أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - سلام على آل هيلين














المزيد.....

سلام على آل هيلين


بدرالدين حسن قربي

الحوار المتمدن-العدد: 3036 - 2010 / 6 / 16 - 21:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أبت السيدة التسعينية هيلين توماس Helen Thomas أن تأوي إلى الظل من مسيرة مهنية ممتدّة، كانت فيها عميدة صحفيي البيت الأبيض، عايشت خلالها عشراً من الرؤساء كانت فيها صوتاً لاذعاً في سنّيها الأخيرة ضد السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل وضد حربي العراق وأفغانستان، أبت الخروج من المسرح قبل أن تدعوا الإسرائيلين في جلسة خاصة إلى مغادرة فلسطين والعودة إلى ديارهم من حيث جاؤوا، لأن الفلسطينين شعب محتل وهذه أرضه، وهو ما أدّى إلى خروجها من البيت الأبيض وإقالتها أو استقالتها من عملها، ولم يشفع لها تاريخها وخبرتها وأخاديد الزمن على وجناتها وطلّتها، ولا اعتذارها عما كان.
قالت السيدة هيلين الكثير من الكلام الثقيل وإنما المباح، انتقدت فيه السياسة الأمريكية في سنواتها الأخيرة لاسيما أيام الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي بلغ الأمر به حد تجاهله أسئلتها المحرجة والقوية التي تتعدى بها الخطوط الحمراء، وحين مازحها وهي التي اعتبرته أسوأ الرؤساء في تاريخ أمريكا على الإطلاق لأنه أدخل العالم في مرحلة من الحروب الأبدية المستديمة، بأن طلب منها في حفل خاص توجيه سؤال، ردت ستندم على طلبك، ثم سألته عن جدوى الحرب على العراق. وهي أيضاً التي أحرجت الرئيس أوباما مراراً بأسئلةٍ لو أجاب عليها لمسّ خطوطاً لايجوز المساس بها عن الوضع الإسرائيلي. ولا أدلّ على سخونة أسئلتها وإحراجها من رد الرئيس الكوبي فيدل كاسترو على سؤال لأحد الصحافيين عن الفرق بين الديمقراطية في أمريكا وفي كوبا بقوله: لست مضطراً للإجابة عن أسئلةٍ من هيلين توماس في إشارة إلى جرأة السؤال.
كل من سمع الكلمات المعدودة للسيدة العجوز مع إسدال ستارة النهاية في فيلم حياتها الصحفية يعلم يقيناً أنها تجاوزت كل الخطوط والألوان، واخترقت المقدّس الصهيوني وارتكبت الخطيئة التي لاتغتفر، بما قالت من محرّم الكلام عند من يسوّقون لأحقيتهم في أرض فلسطين، ويتفهم بعضاً من توصيفات الحملة الشرسة عليها بالصهيوأمريكية لأنها قالت بالحق المرّ وأباحت بالحقيقة الأشد مرارة، التي كان منها كلام روبرت غيبس المتحدث باسم البيت الأبيض: إن تصريحات توماس كريهة وتستحق التوبيخ، وقول رابطة مراسلي البيت الابيض عنها: إن تصريحات توماس لا يمكن الدفاع عنها. أما الكلام الأوقع والأبلغ فكان للرئيس أوباما عن استقالتها هو أنها اتخذت القرار الصائب لأن تصريحاتها جارحة وخارجة عن النص، وإنه لأمر مؤسف أن تنتهي مسيرتها إلى هذه النهاية المخجلة.
قالوا بأن ماقالته هيلين قيل عشرات المرات في مجالس النخب الأمريكية الخاصة ولكن ليس في مثل هذه الظروف الضاغطة على إسرائيل. وعليه، فقد أراد أهل الحملة من حملتهم تضخيماً إعلامياً ونفخوا على طريقتهم بما قالته السيدة هيلين ليجعلوا منها عبرةً للمعتبرين وآيةً للمتدبرين، ولتكون رسالة المواجهة والتأديب زماناً ومكاناً لمن يهمه الأمر ليرى بأم عينه ويشهد أن مصيره الاحتراق، فيما لو خطر بباله أن يمارس ولو بلهو الحديث مثل هذا الاختراق. لقد قالت أيقونة البيت الأبيض ماقالت، وتجاوزت على المقدس الصهيوأمريكي ومابقي من العمر إلا القليل، ومضت إلى قدرها، صرفاً من زينة العمل والكتابة وانصرافاً من زخرف المكان والمكانة، بعد أن أفنت دهرها عملاً وكدحاً، دون حفلة وداع تكون بمثابة لمسة مودة أو بسمة عرفان أو حتى كلمات ثلاثة تقال لها من مثل عساكِ على القوة أو الله يعطيكِ العافية.
ولقد أراد الكثير من عربنا وعجمنا أن يجعلوا مما لحق بالتسعينية العجوز بكائيةً على ديمقراطية أمريكا، وعويلاً على حرية التعبير فيها، ونواحاً على علمانيتها وعدالتها. ونحن مع عربنا وأعرابنا وكل الخيرين في هذا العالم نحيي امرأة شجاعةً قالت كلمة حق في زمن عزّ فيه الرجال، وإنما من دون البكاء والعويل والنواح لأن أكثر الناس بكاءً وعويلاً وصراخاً هم الذين يستقوون علينا مع أجهزة قمعهم ومافيات فسادهم بما عليه ينوحون ويلطمون، وهم فيها وبها ومع استبدادهم وطوارئهم علينا قادرون ومقتدرون، ويريدون أن يجعلوا مما قالته هيلين توماس قنبلة دخانية يطلقونها أمام أعيننا تعمية وتغشية عن سوآتهم وقباحاتهم وبجاحاتهم، وكأن الديمقراطية وحرية التعبير هم أهلها وناسها.
هيلين توماس سقتنا بكلماتها الرطيبة جرعة ماء في صحراء لاهبة تمور بظلم الغريب وقمع القريب واختلاف الإخوة وتناكر الناس وتباعد الديار وهجرة الأحباب، وتموج بدجل الشعارات وقهر العباد واستبداد الزعامات وانتشار المافيات، ثم تولّت إلى الظل تغفو على ذكريات حياة جميلة وتصحو على ألم الرحيل وقسوته، تمضغ الفرحة حيناً والحزن أحياناً مرتاحة الضمير بما أفضت، فسلام على هيلين وآل هيلين من القائلين بالحق وأنصاره في الأولين والآخرِين.



#بدرالدين_حسن_قربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أو تعجبون من جرائم ضحاياها هم السبب...!!؟
- كلام يبحث عن عنوان مناسب
- الطارق والمطروق في أنظمة الطواريء 2/2
- الطارق والمطروق في أنظمة الطواريء 1/2
- الباشاوات الجدد
- لفتة حضارية ولفتات غير ذلك
- حرية وكرامة ووطن
- ابن الثمانين عاماً إذ يضعف نفسية الأمة...!!!
- هيثم المالح ابن الثمانين يوهن نفسية الأمة...!!!
- الطريقة الكوكية في الحوار
- انفلونزا التوريث الجمهورلكي
- تفجيرات بغداد والأزمة السورية العراقية
- إمارة رفح الإسلامية ودولة غزة
- هذي الكويت، صلِّ على النبي
- الأمل والإحباط في كلام السيد جنبلاط
- ياحبيبي... كل شيءٍ بقضاء
- المحكمة الجنائية السورية والدولية
- حكاية من زمن الحرب السورية
- هلوسات نرفعها إلى مقام من يهمه الأمر
- مساعدات إعمار غزة والاختلاف عليها


المزيد.....




- مصر والصومال.. اتفاق للدفاع المشترك
- ترامب يحذر من عواقب فوز هاريس في الانتخابات الرئاسية
- أربعة أسئلة حول مفاوضات الخميس لوقف إطلاق النار في غزة
- بايدن وهاريس يتلقيان إحاطة بشأن التطورات في الشرق الأوسط
- عزيز الشافعي يدعم شيرين ويوضح موقفه من إصدار أغنيتها الجديدت ...
- أمريكا تجدد دعوتها لسوريا للإفراج عن الصحفي -المختطف- أوستن ...
- قصف مدفعي إسرائيلي من العيار الثقيل يستهدف مجرى نهر الليطاني ...
- متهم بالعمالة للحكومة المصرية يتوصل لصفقة مع السلطات الأميرك ...
- في ختام اليوم 313 للحرب على غزة.. آحدث تفاصيل الوضع الميداني ...
- مصراتة الليبية تعلن إعادة تفعيل المجلس العسكري ردا على نقل ص ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدرالدين حسن قربي - سلام على آل هيلين