|
الحركة الأدبية النسائية في ليبيا والعالم العربي
الشاب عصام
الحوار المتمدن-العدد: 924 - 2004 / 8 / 13 - 09:49
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المرأة الليبية منذ انطلاقتها على الساحة الأدبية كمشارك حقيقي بدءًا من خمسينيات القرن الماضي على يد زعيمة الباروني وخديجة الجهمي وصولا إلى مجمل النتاج النسوي المتميز لمرضية النعاس ولطفية القبائلي وفوزية شلابي وشريفة القيادي وغيرهن , استطاعت فرض نفسها على ساحة الأدب في ليبيا ، لكن الناظر في مجمل إبداع المرأة الليبية يرى سيطرة واضحة للهموم الاجتماعية ، وهذا راجع للموروث التاريخي والثقافي الذي عاشت فيه المرأة واصطلت بناره حتى إذا فتحت أمامها آفاق الإبداع بفعل التحول الثوري للمجتمع انطلقت بقوة ترسم الواقع المرير الذي عاشته وقاسته ردحا طويلا من الزمن , فنظرة إلى كتابات مرضية النعاس في (غزالة) ولطفية القبائلي في (أماني معلبة) وشريفة القيادي في (هدير الشفاه الرقيقة) ، يجد بوضوح سيطرة الهموم الاجتماعية التي عانت منها المرأة وخاصة من الرجل الذي تعيش الزوجة في كنفه حياة تعيسة مليئة بالسب والشتم (الصراخ – شريفة القيادي) ، وسطوة الزوج وقسوته (الكذبة الأولى – لطفية القبائلي) ، والزوج المهمل شارب الخمر (هذه أنا – شريفة القيادي) و (اللفافة الصفراء – لطفية القبائلي) ، وتفشي أمية المرأة بسبب حرمانها من التعليم (اسألوها ، شيء له معنى – مرضية النعاس) ، وتزويج الفتاة مبكرا بكل قسوة وقهر (قبر الدنيا – لطفية القبائلي) ، وزواج الأب بأخرى (البحث عن الحنان ، أمل لا يموت – مرضية النعاس) و (احتجاج في صمت – شريفة القيادي) . كما ترسم المبدعة الليبية عبر أدبها وخاصة القصصي صورا شتى لمعاناة المرأة اليومية من جراء استخدام الرجل لبعض أسلحته الاجتماعية كالطلاق الذي يجعل من المرأة الضحية الأكثر ألما ، إضافة إلى الوصاية الأبوية أو الأخوية التي تحيط المرأة بأغلال قاسية تؤدي إلى حرمانها من أبسط الحقوق ومنها التعليم أو مواصلة الدراسة المتقدمة بعد أن تصل سن النضج والشباب .. إلى غير ذلك . وهذا لا يعني أن الإبداع النسوي الليبي كان قاصرا فلم يلتفت إلى عوالم أخرى ، كالهم الوطني والقومي بل نجد بوادر واضحة في هذا الاتجاه فعلى سبيل التدليل نذكر "فوزية شلابي عبر مجمل نتاجها الشعري والقصصي وكذا نجد عند مرضية النعاس : (قبو الجحيم ، قصة ضمن مجموعتها : غزالة) . وهذا يدحض الادعاء الذي يوجهه البعض في محاولة لتضييق الدائرة حول اهتمامات أدب المرأة الليبية بشكل خاص ، ليصل في النهــــاية إلى نتائج تقلل من أهمية الإبـــــداع النسوي للمرأة الليبــــية . إن اكتشاف عالم المرأة الليبية يبدو أكثر إثارة من خلال إبداعها الأدبي بشكل عام ، وخاصة في هذا الوقت الذي استيقظ فيه الوعي لدى الشاعرات وكاتبات القصة والرواية بكل ما يدور حولهن ، وأصبحن يدركن أن عملية الكتابة أو الممارسة الإبداعية عملية تحرر من حيث أنها وعي ونضج وكشف لأستار طالما ظلت مسدلة أمام المرأة (1) . المرأة الكاتبة مرتدة جيدة لداخلها ، عاشت من خلال تلك الحدود الضيقة ، تـتـنـفـس إرثـاً صنعته إرادة ذكورية وفي هذه المحدودية دارت عين البصيرة تبحث وتكشف وتقرأ الغد ، فلم يكن من المستـغرب أن تـقرأ الـتبدل في نمو جـسدها وتبدل حالاته ، خاصة إذا وُصمت بالنقص ... تقول ظبية خميس : - نص / لغة (2) . " كلما قرر جسدي مطره الدموي الشهري
والذي يمشي كظلٍ خلف دورة القمر
ويُعبر عن بكائه عبر بوابة جسدي
حزناً على عجزه المخذول عن التوحد بذكورة القمر النزقة " . في هذا التتبع ، وبغض النظر عن شمولية الرصد والتعبير ، تتضح المرجعية من كونها عاجزة إلا بتوحيدها بالذكورة ( وهذا منتج إرث ) ، التي تمشي خلفها كظل رغم نزقها ( أي الذكورة ) ، وهي بهذا التعبير تعطي الحالة وصفها الصحيح في التبدل من وإلى الخصب.. إنها الصورة التي رآها الأقدمون في المرأة ، فكانت ربَّـة الخصب ، القادرة على المنح ، وهي وبذات المرجعية وتأسيساً على ذات الرؤية ، ما كان مقدراً لها أن تقول الـ ( لا ) … لتقول أليس سلوم : - نص/ أفتش عن رجلٍ عربي ( 3 ) . " أفتش عن رجلٍ عربي يحاورني حول فنجان القهوة نكون صديقين أو صاحبٌ ورفيقه شقيقٌ، شقيقه وثالثنا ليس شهوة ! " وتصرخ في نهاية القصيدة : " ألم تسمعوا صرختي ؟ أنا امرأة عربيه أودع عشرين قرنٍ وما زلت... وما زلت... سبية من الجاهلية ! " لقد بينت المشكلة... إنها البحث عن حوار ، المهم الحوار ، وليكن حوار صديقين ، شقيقين ، قضية ما ، أطروحة ما ، إنها تسعى لأن يكون الحوار بين إنسانين ، لا جنسين يكون الطرف الثالث ( الخفي ) الشهوة ... لتحصر المشكلة برمتها في : " سبية من الجاهلية " ... أرث متوارث . هذا الإرث جعل من الرجل - في جنسه - الصور الأمثل ، أو الصورة الكمال ، فكيف لا يكون المخلص ، في الحبيب أو الرفيق أياً كانت صفته .. فتناجيه عائشة إدريس المغربي : نص / وحدك أنت (4) . " حبيبي عيناك نجمتان حين يعتم المساء وشمسٌ حين يتلبد النهار عيناك واحة طيبة آمنة ، حين تكبر غابة الخوف " . وتلخص الحل في ذات النص خاتمة : " حبيبي لو أنك تمد يديك على جدارك الأيسر تأخذني .. أغفو قليلاً وزهرة تسرقني من غابة الخوف نطير بعيداً نختبئ في غيمة المساء نسرق نجمة نغرزها في قلب الليل نـتـناثر مع الصبح مطر اً " إنها وباختصار تبحث عن الأمان ، وترسمه أمنية تبعث بها للحبيب . وكانت القضايا القومية والوطنية ، مثاراً تبدع فيه المرأة بالند ، مناضلة بالسلاح وبالحرف ، ترسم بحروفها وثيقة الكفاح ، لأنها رأت نفسها في هذا المجال إنساناً يحمل همه ، ورأت ذاتها الإنسان بذات الشيء في عين الرجل ، وتعلن فوزية شلابي : نص / نيسان (5) . " زمن كان لقنابل المولوتوف للحجارة أصبح هي ذي صبوة الأولين وإني إذ ألعن الزيت أشرب من الدم المعادي والبحيرات المالحة . " لقد كان المشهد أمامها واضحاً - أي الكاتبة - ذات وقدرة على الإبداع ووقت كاف ، أخرج نصاً أقرب ما يكون للسيرة ، أو البوح حتى في مناجاة للوطن ، هناك همٌ ما يسكنها كونها امرأة من مجتمع يأبى الكثير ويمنع الأكثر ، فماذا يبقى من الوطن ؟ . تجيب فوزية شلابي أيضا ً: نص/ الوطن / الحب (6) . " ماذا يبقى من الوطن إن لم تلوحه شمس الظهيرة لم يحمئه الحب ولم ترشقه القرنفلة بقبلة البنت للولد إن لم تصهل به جياد الرغبة لم تنفلق به حبة القمح ولم نتوحد وإياه في اللون ماذا يبقى مني ؟ ماذا يبقى منك ؟ " لقد نجحت المرأة في التعبير عن ذاتها ، في صورة ولا أروع ، إنها تكتب نفسها ، وما يتماس مع هذه النفس على الورق ، وأعتقد إنها أرادت هذا الواقع ، لتقدر من خلاله التوغل أكثر فأكثر في ذاتها الإنسان ، لأنها عندما انفلتت منه ، أرادته فنادته عائشة إدريس المغربي : نص/ تهالة التي لا تقال (7) . " أريد استعادة طفولة نهدي وعشقي البريء اللعنة عليه كم هو موغل في الوحل سرقني الليل والانتظار وعشت ثلاثين خريفاً من العطش " ضمن فعاليات ندوة ( الكتابة النسائية في ليبيا ) ، علق الأستاذ خليفة التليسي ، بقوله : " رغم ما يدور من أحاديث وكلام عن كتابة المرأة ، يظل الأدب العربي يقدم أديبات أكثر مما يقدم الأدب الغربي " . وهذا نراه واضحاً في كم الكاتبات العربيات عامة ، والشاعرات بصفة خاصة ، ولعل الغلبة للشعر باعتباره الوعاء الجامع أو الأقدر على أن يصوغ الحالة ، أو لأنه الحياة كما تقول الشاعرة مها بيرقدار ، ولقد حركت تجربة الشعر الحديث ، هذه الرغبة في المرأة ، لأنها رأت من خلالها ثورتها على الإرث الذي حملت . وأعتقد ، بل أجزم .. أن ما نراه تمرداً وخروجاً في كتابة المرأة ، هو ثورتها على الحصار المفروض عليها ، تقول الشاعرة رلي صليبا : في إجابتها عن سؤال لماذا لا توجد شاعرات كبيرات ، فأجابت : اسألوا الرجل ؟. لقد فرضت السيطرة الذكورية على المرأة حصاراً من أفكار ومحاذير ، وكان لا بد من كسر هذا الحصار والخروج ، وإثبات الحياة ، والفعل فيها ، بالانقلاب على هذا الإرث الذي لم تساهم فيه ، بقدر ما فرض عليها وكبلها ، لذا فلم يكن من المستغرب أن تكتب المرأة نفسها التي عاشتها أكثر ما عاشت وتعاملت مع الحياة ، ليصير هذا البوح ( حتى لأجيال الكاتبات الشابات ) طوطماً لابد من السير عليه ، أو هكذا تصورن التميز ، ربما وربما كن يرينه الشكل الأكثر احتواء لتجربتهن ، وتأسيساً علـــــــــــــــى ( الشكل ) فإن الفصل بين أن تكون هناك كتابة نسائية ، وكتابة ذكورية أراه مرفوضاً ، لاتساع التجربة الإبداعية على التجزئة . وتقسيمها جنسياً ، إنما نعترف أن هناك شكلاً يميز كتابة المرأة ، إنه البوح والإسرار ( من السر ) ، وإذا اختلط بذات شاعرة كان حلماً شفيفـاً ، ولعل تجربة رواية ( ذاكرة الجسد ) للشاعرة والروائية أحلام مستغانمي ، يفضحها هذا البوح ، ويسقط كل التهم التي تناولت أن تكون هذه الرواية قد كتبت بقلم كاتب . ورغم هذا التحدي ، تظل المرأة تستعذب هذه السيطرة الذكورية ، معتمدة على نظرية ( شهرزاد ) في الترويض والمراوغة ، فهي تعلم أنها المرأة والرجل صنعا هذه الحياة ، تتبع الشاعرة أم الخير الباروني ، هذه العلاقة ، فتقول : نص / خـوف (8) . " البارحة بعدما غادرتني على غير عادتي لم ألمس الماء ولم أشرب خفت .. خفت أن أنطفئ . " (9) ,,,,,,, الهوامش : 1- فوزي عمر الحداد (حروف أثقلها الندى ) مجلة أفق . 2- ظبية خميس ( تلف ) مجموعة شعرية - مركز الحضارة العربية- ط1/1999. 3- أليس سلوم ( أنثى تحت الرمل ) مجموعة شعرية- دار الأفاق الجديدة / المغرب- ط1/1990. 4- عائشة إدريس المغربي ( البوح بسر أنثاي ) مجموعة شعرية- الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان / سرت - ط1/1425 5- فوزية شلابي ( بالبنفسج أنت متهم ) مجموعة شعرية- المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان/ طرابلس - ط1/1985. 6- فوزية شلابي / مصدر سابق . 7- عائشة إدريس المغربي / مصدر سابق . 8- أم الخير الباروني ( من مجموعة نصوص خاصة بالشاعرة ) . 9- رامز رمضان النويصري (من وإلى الذات .. الكتابة النسائية) مجلة أفق .
#الشاب_عصام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|