|
ملاعق الجنة متساوية الطول
فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3030 - 2010 / 6 / 10 - 22:28
المحور:
كتابات ساخرة
ملاعق الجنة متساوية الطول... نعيش هذه الأيام في عصر "الإسهال" الإبداعي المتجدد لشيوخ علماء الإفتاء، والذي يدور أكثره حول نون النسوة وتاء التأنيث الساكنة والمُسكَّنة وكل شيء مؤنث، وحتى اللعب البلاستيكية المؤنثة لم تسلم من "علماء" غزة ومناضليها "الفيتكونغ"! وقد تبين في مخابر معهد الزبيب للقائد الزهّار الحبيب، أن تلك اللعب تُثير الفتنة وتسيء للأخلاق الزبيبية ذات الحساسية المفرطة تجاه البلاستيك، باستثناء الشحاطات! ولها علاقة بالنكسة البالاستيكية! ولهذا من الضروري توسيع ثقافة الزبيب كوسيلة تحرير وتُحرّر الأوطان. ويبقى الأمل بإعادة تصنيع البلاستيك حماية للبيئة الحية!. وربما كان اختراع الخلية الحية قبل أسابيع خلف بحر الظلمات يستند إلى فقه "التعميم" والتبصيم!. ولهذا ازدهر النضال "الفتوي"التحرري ضد "توم وجري" الكرتوني لعنهما الله أيضاً. والـ"سوبر ستار فتوى الهُبل التي تستحق نوبل الجَمَل" والأحب إلى الصدر والفم، هي فتوى إرضاع العمّة للعم، وبناءً على نشرة عبيكان للاستعلام تكون بحليب كامل الدسم!. وبعد أن قرأ صديقٌ مجري عن هذه الفتوى، رفع الشهادة بسعادة وفرح طفل شبع رضاعة، وأضاف "أنا مسلمٌ منذ زمان وما كنت أعرف ذلك، وأنه يجب تسجيلها في مكتب الاختراعات وحفظ حقوق التأليف. وتحدث عن أكياس التغليف السوداء لسكان المريخ المتحركة بيننا، وعن فائدة الحليب الطازج، والتحذير من عمليات التجميل والسيليكون ...إلخ. ومقابل تلك الإبداعات "الفرويدية" أحاول تقديم قصة تستند إلى ثقافة دينية غيبية أيضاً، لكنها تعكس معرفة يمكن تسخيرها من أجل التفكير وتفعيل العقل. "حكايا" لا تشدنا للخلف بل تضيء شمعة ضمن دورها التنويري وليس التجهيلي. ورغم أنني لست متديناً إلاّ أنني أحترم أيّ فكرٍ يساهم في تفعيل العقل –على الأقل لا يعمل على إعدامه-.. وعودة إلى صديقي المجري والذي ينحدر من منطقة ترانسلفانيا التابعة اليوم لرومانيا والتي كانت قديماً جزء من دولة المجر، صديقي هذا يعرف جيداً معنى "تشاوشيسكو" كما يعرفه سكان وسط أوربا وسوريا أيضاً، قلت له أن بعض السوريين المقيمين في المجر وبالتعاون مع السفارة السورية يقومون في كل عام بإحياء ذكرى وفاة "تشاوشيسكو سوريا" والد الوريث الحالي، وبعد أن قال بجدية وقرف: أنه صار شيءٌ مُخجلٌ في هذا العصر أن يُعلن شخصٌ عاقلاً عن تأييده لأي ديكتاتور كان، وإن في ذلك مدعاة للسخرية السياسية، ثمّ أردف ساخراً: أن ظاهرة القصور العقلي هي ظاهرة فردية وليست جماعية، لكن لكل قاعدة استثناء!. ولكون نكتة الاحتفال بذكرى وفاة تشاوشيسكينا أعجبته، تابع يقول: ربما اللطم والندب يُسرّع بظهوره وقيامته "كنبي" منتظر. أو ربما ظلمنا البعض بسخرياتنا تلك وهم أرادوا فقط التأكد والتيقن وإقناع النفس أن الطاغية مات –حقاً مات والحمد لله!. وأقدم هذه الطرفة طالما حديثنا هو عن المشايخ والرؤساء والورثاء البلاستيكيين الذين يُعاد تصنيعهم حفاظاً على البيئة الإسرائيلية.. يلتقي لبناني وسوري وأمريكي، ويقول اللبناني: عندنا كل شيء متنوع، لكن بعد تدخلات الأشقاء نتفق ونقول الشكر لله! ويرد السوري متلفتاً يمنة ويسرة: عندنا كل شيء من عطاء الأسد والشكر للأسد! وهنا يسأل الأمريكي: وعندما يموت الأسد ماذا تقولون؟ ويرد السوري فوراً: الحمد والشكر لله!.. وعودة لواحدة من القصص المجرية البعيدة عن كل أنواع البلاستيك والمتعلقة بتراث الكنيسة، مثلها مثل الكثير من "الحكايا" الجميلة والتي تداخلت مع تراث الشعوب، تحمل حِكمة وفيها بعض الشجاعة الذكية والتي لا تبتعد عن المعرفة. المعرفة التي نحتاجها اليوم هي المستندة إلى العصر والعلم.. وحتى "تتعركج" فينا تلك المعرفة نبقى نَسبَح ونُسبّح بين الحكايا القديمة ودخان السيارات وخطابات شيوخ الباصات وفتاوى المراهقين الذين سيرفع فرويد يديه مستسلماً أمام علمهم وغزواتهم التنويرية الرضعية الماصّة.!. يذهب خوري (راعي) كنيسة صغيرة في قرية تقع على ضواحي بودابست، يذهب إلى الملك ماتياس المشهور بعدله وحكمته. يقف بين يدي الملك العادل في القصر الملكي ويتقدم برجاءٍ كبيرٍ إلى جلالته، وهو أن كنيسة الخوري ورعيته في القرية صغيرة متواضعة وفقيرة، وأنه يرغب أن يكون راعياً وناشراً لكلمة الرب في كنيسة أكبر، خصوصاً أن تلك الكنيسة كانت ديراً قديماً، وحبذا لو أمر جلالته بإعادة تقييم مكانتها وتطويرها كما كانت ديراً، وكم هو جميلٌ ذلك أمام الرب.. وكان جواب الملك: - لقد استمعت إلى طلبك حضرة أبونا، وسأعمل بما يناسب لتحويل وتطوير الكنيسة الصغيرة إلى دير. وهذا يتعلق بإجابتك على ثلاثة أسئلة أطرحها عليك. – وما هي تلك الأسئلة جلالة الملك؟ سأل الخوري. – سأطرحها فوراً عليك. سؤالي الأول هو: بماذا يُفكّر الملك؟ والسؤال الثاني: أين تُشرق الشمس؟ أما السؤال الثالث فهو: كم هي قيمة الملك؟. لقد طلب الخوري من الملك إنشاء دير. وفي أندر الحالات لا يمكن أخذ أي شيء في حضرة جلالته من باب الطرفة، بل في منتهى الجدية والوقار، حتى لو ظهر لنا بساطة الأسئلة ودماثة الملك، لكن الأجوبة يجب أن تكون في منتهى الجدية والتمحيص. والحقيقة أن هدف "الامتحان" هو مقاربة درجتين هامتين للحياة الروحية والمادية. وهي أن رجال الدين على قدر من المكانة الروحية والمادية لتمثيل واقعنا وحياتنا الفكرية، وأن الأسئلة الثلاثة المطروحة تحتضن ثلاث طبقات للجسم والروح والفكر وانسجامهم في وحدة متكاملة واحدة. معرفة الحقيقة لا تكون من خلال السؤال والجواب والأجزاء الملحقة به فقط، بل من خلال العلاقات المعرفية التي تربط تلك الأجزاء، وهي التي توّضح الجواهر المختلفة لأسئلتنا ومعرفتها. وبلغة أخرى، لا يوجد جزء منفصل وحده في هذه الحياة، بل أن كل جزء هو قسمٌ من الكل أو المجموع. والمعرفة العامة عن المجموع ليست جمع عددي للمعارف الجزئية، بل هي معرفة القوانين المحرّكة لتلك الأجزاء التي تشكل الكل أو المجموع. وحسب هذا المفهوم المعرفي يكون السؤال الأول (بماذا أفكر؟) وهو متعلق بالجانب الروحي. إن القدرة على قراءة التفكير ليست أعجوبة، وأحياناً نقول "إنني أقرأ ما يدور في رأسك"، أو ما يمكن قوله: إن ربط بعض المؤشرات مع بعضها يعطينا القدرة على التفكير والانتباه إلى سلوك هذا أو ذاك الفرد.. ولنرى أجوبة الخوري: - أسْمِعنا أجوبتك الذكية حضرة أبونا. بماذا أفكّر أنا؟ قال الملك. – جلالتكم يفكّر –ردّ الخوري-، بأنه تقف أمامكم كامل رعية القرية المؤمنة، والحقيقة أنه يقف أمامكم أصغر خادم فيها، ويحيّكم بكل لطفٍ ومحبة. ينظر الملك ماتياس بإعجاب، ويشير بوجهه علامة الإيجاب، ويقول: هذا الجواب مقبول. وتعرف أيضاً أين تُشرق الشمس؟ - طبعاً أعرف! –قالها الخوري فوراً. لجلالتكم تُشرق الشمس في قلعة بودا، ولي تُشرق الشمس في القرية! - هذا أيضاً جواب صحيح –قال الملك، وتابع: كم هي قيمتي أنا الملك؟ - كم هي قيمة ملكنا؟ ردد الخوري السؤال وقال: مكانة جلالتكم أضعها بعد مكانة ابن الرب السيد المسيح. وبما أنهم ثمنوا قيمة ابن الرب بثلاثين فضية، أعتقد أن قيمة جلالتكم تساوي تسعة وعشرين فضية! ابتسم الملك على هذا الجواب المستحق، وفوراً لبّى طلب الخوري واقترح عليه أن يكون راعي الدير وأعطى الأمر الخطي بذلك!. ما هي القيمة الشخصية للإنسان، إذا كان في الأسطورة التاريخية ثمن الخيانة ثلاثون فضية؟! لكن لنفكر قليلاً عن ثمن الخيانة للكلمة التي تُقال علانية وبوضوح أو مواربة!.
ولنذهب أخيراً وفيرتوالياً لقراءة صورة "جنية"-من الجنة- فيها إطعام الكبير وليس إرضاعه! وقد تُذكّر بالعلاقة بين ملاعق أردوغان ونتنياهو وبين زبيبنا الفلسطيني وحليبنا خالي الدسم، وملاعق علماءنا وإطعام طلابهم!.. طلب أحد الأفراد المستقيمين النزيهين والفارغة جيوبه من الزبيب، والناشف ريقه من قلة الرضاعة والحليب، طلب من أحد الملائكة الذي يزوره أحياناً أن يُطلعه على الفرق بين النار والجنة! ويأخذ الملاك بيد صاحبنا هذا إلى بابين، ويفتح له الباب الأول. في وسط القاعة طاولة مستديرة كبيرة وعليها وعاء كبير مليء بكل ما لذّ وطاب من الطعام، وحول الطاولة جلس أشخاصٌ ضعيفي البنية تظهر عليهم آثار الجوع، وثُبّتت إلى يدِ كل واحدٍ ملعقة ذات ساعد طويل جداً، واستطاع كل واحدٍ أن يُوصل ملعقته إلى وعاء الطعام لكنه لم يستطع تناول أي شيء منه بسبب أن طول ساعد الملعقة كان أطول من اليد. منظرٌ مؤلمٌ، وقعه حزين على الإنسان "المقدس". ثم يقول الملاك: هذه هي النار! بعد ذلك يتجها إلى الباب الثاني وينظر صاحبنا ليرى في وسط القاعة طاولة مستديرة أيضاً وحولها أشخاصٌ فرحين ومظاهر السعادة بادية على محيّاهم، ونفس الشيء على الطاولة وعاء الطعام والملاعق ذات السواعد الطويلة المثبتة على الأيادي. شيء غريبٌ وغير مفهوم –قالها متوجهاً للملاك بسؤاله- كل شيء متشابه، ورغم ذلك هنا مظاهر الشبع والصحة والسعادة بادية على عكس ما رأيناه في القاعة الأولى!. وكان ردّ الملاك: الفرق الوحيد هو أن الناس في هذه القاعة يستطيعون تناول الطعام بإطعام بعضهم البعض!.
يبدو أنه لم تكن هناك حوريات! ويبدو أيضاً أن شكل وطول ملعقة المرأة والرجل كان واحد!...
بودابست، 10 / 6 / 2010. فاضل الخطيب.
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قاسيون أُطِلُّ يا وطني...
-
المعرفة والاعتراف بها...
-
غزوة قلم الحبر الناشف...
-
ثقافة السباحة والتسبيح...
-
الطبقة العاملة عائدة من الجنة!..
-
شطارة ملء الفراغات بفراغات أكثر!...
-
بانتظار الجلاء.!..
-
وارسو توّدع ونحن نبتهل!..
-
خبز الرئيس وملح النائب!..
-
الماضي والمستقبل وعِلم جهاد بينهما.!.
-
أن تذهب متأخراً خيرٌ من ألاّ تذهب.!.
-
هل يعتذر الوليد من الوالد بلا -تخلّ-؟!..
-
متى يعتذر الأكراد؟!..
-
وجوه المرأة: الحُبّ ثم الحُبّ ثم الحُبّ.!.
-
المأساة والملهاة والكامخ بينهما.!.
-
وفاء -الاصدقاء-.!.
-
مقاربة للوطن والمواطنة.!.
-
الجولان بين الأسد وليبرمان.!.
-
بصراحة واضحة. حوار ساخن مع الأمل.!.
-
3 جي في1(جبهة الجهاد الجديدة للحزب).!.
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|