بقعة ضوء

مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 922 - 2004 / 8 / 11 - 10:48
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

دولة بأكملها البارحة تعيش ساعة ونصف في ظلام سببه خلل في مولد الكهرباء الرئيسي في الأردن في مدينة العقبة.

الحقيقة لم أتخيل للحظة ما يحدث والشعب يغرق في الظلام , ومئات من الهواتف من الدول المجاورة تدق على من له أقارب أو أصدقاء للاطمئنان عليه,
هل انتم بخير ؟؟؟
نعم بخير !!!
كيف تعيشون بدون كهرباء ؟؟؟؟
كيف تبدو عمان بدون كهرباء ؟؟؟
ساعة ونصف أفقدت الشعب الأردني بأكمله صوابه , بل وأفقدت بقية الشعوب العربية صوابها جراء هذا الانقطاع للكهرباء.
يقول أحد كبار السن : لقد تخيلت عمان قبل خمسين عاما بدون كهرباء .... عمان غارقة في الظلام , تشبه عمان الأربعينات والخمسينات.
لكن من افضل حالا ؟؟ الحقيقة إن عمان واربد ومعان الخمسينات أفضل آلف مرة من عمان اليوم الغارقة مدنها الصناعية بالشركات الإسرائيلية , والمصانع الإسرائيلية, فقد كانت عمان تحمل نفسا قوميا , ورائحة عربية,
كانوا يتجولون من العقبة حتى الرمثا فلا تجد فيها لا صينيا ولا هنديا ولا أربعة عشر سيارة شرطة تقف على باب فندق لحماية أصحاب المصانع الإسرائيلية النزلاء فيه.

كان انقطاع الكهرباء عن المدن الأردنية الرئيسية عنوانا بارزا في الصحف والمجلات والفضائيات العربية التي لا تزال منذ مائة عام تعيش في الظلام دون أن تشعر. .
لقد غير عصر العولمة من مفاهيم العصر , فغدى الظلام هو انقطاع الكهرباء وليس انقطاع الحرية
المئات من المواطنين تذمروا من انقطاع الكهرباء ليس لانهم لم يستطيعوا إكمال قراءة كتاب كانوا في ذرة اللذة في قراءته.
ولا لان مصانعهم الوطنية توقفت عن العمل.
ولا لأنهم يخشون على المفاعل النووي أن يحدث فيه خلل جراء انقطاع التيار الكهربائي ( أعوذ بالله من إغضاب البرادعي)
ولكن لانهم لم يستطيعوا استكمال حديث عابر عبر شبكة الإنترنت مع هاوية أمريكية أو بريطانية ..... الخ
ولان أخر حرمته الكهرباء من استكمال اللعبة التي كان بصددها ....
لم يجرؤ أحد على الخوف من خطر الحرب ولا من غارة جوية في ظل الظلام الحقير, فهذه الشعوب لم تشعر ولو للحظة بالأيام والشهور التي عاشتها نابلس دون ماء وكهرباء وهاتف.
لم يكن بإمكان أحدهم لبرهة واحد أن يتخيل رفح وهي غارقة بالظلام تمهيدا لقصفها بطائرات أف 16 الأمريكية الصنع, التي طورتها إسرائيل لتبحث عن هدفها حتى في اصعب ظروف الظلام الذي تعيشه المدينة.
.
كل شعوبنا العربية تعيش الظلام , ظلام الأنظمة والحكومات وأجهزة المخابرات .... لكنهم أدمنوا ظلام الحكومات.
أدمنوا ضوء التلفاز ... ولم يستطيعوا أن يشعروا للحظة بما تبثه نشرة الأخبار عن مقتل 350 مقاتل في النجف.
أدمنوا الجلوس ساعات أمام شبكة الإنترنت .... ولم يستطيعون أن يشعروا أن أمريكا التي أهدتهم هذه الشبكة العالمية , لم تكن لتهديهم إياها عبثا, فكانوا جزءا من ثقافة العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة بيد أمريكا...
لقد أدمنوا ضوء الكشافات الساطعة في ملاعب كرة القدم .... لكن لم يجرؤ أحد على الوقوف أمام ظاهرة شغب الملاعب المسيس حكوميا لإيجاد النعرات الطائفية بين صفوف الشعب الواحد عبر لعبة كرة قدم لينسوا الضريبة المضافة وضريبة المبيعات وضريبة الضريبة وضريبة جمع الضرائب , أو برنامج سوبر ستار , أو ربما برنامج مسابقات تلفزيوني..
لقد انقطع التيار الكهربائي عن مدننا الجميلة .... وعاد بعد ساعة ونصف بفضل جهود رجال شركة الكهرباء التي تمت خصخصتها في الأردن .. وانتشرت بعدها ثقافة الخصخصة.
فمتى سيستطيع المواطن الأردني والعربي أن يستفيق قبل أن يجد الكهرباء والماء والصحة والتعليم قد غدت شركات خاصة تمت خصخصتها ... ويغدو المواطن الأردني ذات صباح مجرد عامل يسدد فواتير الشركات,
شركة الكهرباء الخاصة قطعت عنا الكهرباء وكبدتنا ملايين الدنانير من الخسائر دون أن تجد من يقول لها لماذا ؟؟؟
وغدا ستغلق المستشفيات أبوابها في وجوه المرضى لانهم لا يملكون سعر فاتورة الدكتور, لان المستشفى الحكومي (سابقا) صار تابعا لشركة الأطباء المساهمة المحدودة بعد خصخصته..
وبعد غد سنبحث عبر الوطن الكبير عن حامل لشهادة بكالوريوس في اللغة العربية فلا نجد, لان الجامعة الحكومية( سابقا) صارت شركة خاصة ورفعت رسوم الجامعة لأنها تريد نخبة من الطلبة في كلياتها والفقراء ليس لهم مكان ... ربما
غدا دولنا العربية ستغدو مجرد منظِمة سير للشركات الرأسمالية المساهمة المحدودة فيها. ...
قبل كل هذا وفي ظل ظلام هذه المدينة ابحث عن بقعة ضوء تصدر من فانوس يضيء من نفط عربي لم يتم تكريره في شركة أمريكية..... ولم يأتيني من بئر نفط تستغله أمريكا.....
جاء إلى بيتي دون أن تنقله ناقلة نفط أمريكية عبر الخليج العربي
أريد بقعة ضوء عربية لم تنتجها الشركات الرأسمالية

بالفعل ما أحوج المدينة لبقعة ضوء لم تأتينا من أمريكا

#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات