|
مسرحية الحواجز..البداية التي لم تكتمل !
أمير أمين
الحوار المتمدن-العدد: 3026 - 2010 / 6 / 6 - 09:24
المحور:
الادب والفن
المسرح ذلك المكان الساحر والذي لا يعرف الغازه إلاّ من صعد فوق خشبته المقدسة !..فمنذ الصغر وأنا أحب المسرح حد الولع الذي لا يشبهه ولع آخر في حياتي إلاّ صيد الأسماك ، وفي مرحلة الإبتدائية وكانت حينها عائلتنا تعتبر من العوائل متوسطة الحال لذلك فقد تأخرنا كثيراً بشراء جهاز تلفزيون للبيت ! لذلك كنت ونفر من أصدقائي نتجمع خلف ظهور الجالسين في مقهى الطرف لكي نشاهد المسرحيات التي كان تلفزيون بغداد يقوم بعرضها عند المساء ! وكنت أشخص قوة تمثيل الممثلين وأتفاعل معهم وكم تمنيت أن أكون أحدهم وبدأ حلمي يكبر في أن أصعد الى خشبة المسرح وأمثل أمام الجمهور وكنت أخشى فقط من الخجل الذي سينتابني حينما أكون أمامهم وجهاً لوجه لا سيما وأنني أتصف بالخجل الذي حاولت التخلص منه شيئاً فشيئاً عند الكبر ! ومرت السنوات وأصبحت في الصف الأول المتوسط وفي مساء أحد الأيام عاد أخي داود من الصوب الكبير حيث كان يتردد عليه كل يوم لشراء بعض الكتب الجديدة من مكتبة جبر وله سجل خاص في عملية الشراء بالدين ! ...نظر الينا أنا وإخوتي قائلاً : هل تريدون التمثيل معنا !!! ..لم أصدق ما سمعت قائلاً له منو !! وماذا قلت !! أعاد علينا تأكيد ما قاله وهو أننا أنا وأخي سمير يريدوننا بكورس الأطفال لمسرحية تتحدث عن نكبة فلسطين !.. كانت تلك الليلة من أسعد الليالي في حياتي وبدأنا نسأله عن الدور وكل ما يتعلق بالمسرحية وكان يشرح لنا كل الأشياء التي يعرفها ولكنه قال لنا : سوف آخذكم غداً بعد الظهر لكي تلتقوا بالآخرين وتفهموا الأدوار وشخوصها !! وصلنا في اليوم التالي الى ثانوية الجمهورية حيث شاهدنا جمهرة من الشباب يتسامرون وبيد بعضهم أوراق كانوا يقرؤون بها وتبين لاحقاً أنها تضم مشاهد سوف يقومون بأداءها ..لحظات جاء شاب أسمر نحيل جداً تبدوا عليه علامات التعب صافحني وصافح أخي سمير وبدأ يشرح لنا دورنا بكورس الأطفال ، كان هذا الشاب هو المخرج الفقيد مهدي حريز السماوي وكانت مسرحية الحواجز التي سنقوم بتمثيلها من إعداده وإخراجه وتدور أحداثها عن مجموعة من الفلسطينيين الذين يحاولون الوصول الى هدفهم في تحقيق دولتهم المستقلة دون جدوى وكنا نحن أربعة أطفال نرتدي ملابس الفلاحين وكانت من القماش الأبيض البسيط ..كنا ندور في المسرح ونصيح : وصلنا لو بعدنا .. بعد شوية للوعد ..ثم نردد هذه العبارة عدة مرات ونحن ندور وسط المسرح الى أن نكبر ويستلم بعدنا أربعة شباب كبار يرتدون نفس الملابس التي كنا نرتديها ويواصلون الركض فوق خشبة المسرح وهم يصيحون أيضاً : وصلنا لو بعدنا ...بعد شوية للوعد وكان أحدهم أخي داود الذي كان أيضاً له دور رئيسي في نفس المسرحية وقد عرض العمل في ربيع عام 1969 ...ومن خلاله تعرفت على الكثير من الأمور والمصطلحات التي تخص المسرح بشكل عام وأولها خشبة المسرح وكيف نحترمها حينما نصعد لأداء البروفات التي كنا نقوم بها كل يوم تقريباً .. وتعرفت على الكواليس وكانت عبارة عن ستائر سوداء كبيرة كذلك الستارة الحمراء والتي كانت تفتح وتغلق من خلال البكرة والحبال وعند فتحها يتم الأعلان عن موعد بدأ العرض المسرحي .. وتعرفت على المخرج والمؤلف وأهمية كل منهما ، والإنارة وكانت بسيطة يمكن أن يعمل عليها شخص غير مختص في ذلك الوقت كذلك تعرفت على مدير المسرح وغالباً ما يكون أحد الممثلين وكان دوره ضعيف لا يتناسب مع إسمه كدور رفاق لجنة الإعتماد عندنا في المؤتمرات !! ..كان أهم شيء هو الإنضباط بالحضور والجدية في حفظ الدور والإستماع الى إرشادات المخرج لكي ينجح العمل والذي لا يتحقق ذلك دون إنضباط الجمهور داخل القاعة... وأود الإشارة هنا الى أنني قبل ذلك بسنتين إشتريت تذكرة وكل زملائي في الصف لمشاهدة إحدى المسرحيات التي ستعرض في نفس هذه القاعة ..ذهبنا عصراً بعد أن دفعنا درهماً عن كل تذكرة الى المعلم الذي أجبرنا على الشراء ولكني كنت أود المشاهدة الحية لأني لم أكن قد شاهدت مسرحية داخل قاعة المسرح من قبل .... إطفأت الأنوار وكان الأطفال في هرج ومرج ولم يصمت إلا ّ القليل منهم !! مما حدى بأحد الأشخاص أن يخرج ويطلب من الجميع إلتزام الهدوء لغرض البدأ في عرض المسرحية.. كان الأطفال في مختلف المستويات العمرية وخصوصاً من الصفوف الرابع والخامس والسادس الإبتدائي وباءت جهود المسؤولين بالفشل ومع هذا فأنهم قرروا البدأ في العرض آملين بجو هاديْ من قبل الجمهور الذي سيق بشكل إجباري لمشاهدة تلك المسرحية... لحظات وظهر بعدها شاب أسمر طويل القامة وجهه ينم عن الشر وهو أيضاً غير وسيم ووقف كهرقل الجبار في منتصف المسرح فوق الخشبة وقام بفتح حزامه وإزاحته من مكانه والتلويح به الينا وبكلام بذيء قفز من فوق الخشبة وقام بضرب الأطفال بالحزام طارداً الجميع من القاعة .. أصبنا بالفزع وإزداد صياحنا وتدافعنا وفقد بعضنا بعض لوازمه الشخصية وأصيب عدد من الذين كانوا يجلسون في المقاعد الأمامية بلسعات حزامه المؤذية ووصلنا الى أهلنا بسلام ولكننا خسرنا درهماً دون أن نشاهد العرض ودون أن نعمل للمسرح أي ضرر للثأر من ضياع نقودنا والإعتداء علينا من شخص عرفنا فيما بعد أنه مخرج ذلك العمل وهو الفنّان حميد البنّة !!... في مسرحية الحواجز تعرفت على الديكور وكيفية عمله وأهمية المكياج للممثلين وكنت أشاهدهم كيف يصنعوه وأعتقد أنهم كانوا يستخدمون علك ماء مع السبرت ومواد أخرى لتثبيت اللحى والشوارب وغيرها .. وكنا نعمل كهواة ومتطوعين ولا أتذكر أننا تقاضينا أية نقود وكنا أنا وإخوتي داود وسمير نأتي الى المسرح جياع ونذهب جياع ولم يقدموا لنا شيء يذكر ونعود مشياً على أقدامنا من ثانوية الجمهورية الى الإسكان في الصوب الثاني بعد أن نعبر جسر الناصرية !! ولم يكن أي منتج للعمل في ذلك الوقت بحيث يمكنه أن يسعفنا بسندويشة على الأقل !!!... ثم وبعد نجاح هذا العمل جرى إستدعاءنا لعمل آخر جاء بعد تأميم النفط في حزيران عام 1972 وقمنا بتمثيل مسرحية عن العمال وكان معي هذه المرة خالي الأصغر رعد وإخواني سمير وداود وعدد من الأصدقاء منهم أحمد جادر والفقيد سالم حسين الشاطي وأخرين ونجح العمل أيضاً وتم كذلك على مسرح ثانوية الجمهورية... وفي ربيع عام 1973 إشتركت ومعي أخي الأصغر جمال في أضخم عمل ( أوبريت جذور الماء ) مع نخبة من أبناء وبنات الناصرية والذي عرضناه في بغداد وحاز على المرتبة الثانية على العراق ( لأسباب سياسية ! ) حيث أن تقييم الجمهور له هو الأول وبجدارة !! كذلك كان هذا هو رأي الفقيد حقي الشبلي الذي شاهده وقيمه على أساس أنه الأول !! ثم عرضناه أيضاً أمام جمهور أبناء مدينتنا على خشبة مسرح بهو البلدية ....كان أخي داود من الممثلين البارزين في المحافظة وأيضاً على مستوى المنطقة الجنوبية وحاز على جوائز تقديرية قيمة عن عدد من الأدوار الرئيسية التي قام بأداءها..وكنت غالباً ما أرافقه لمشاهدة البروفات وتعرفت على عدد من الممثلين القديرين ومنهم بهجت الجبوري والمخرج المتألق حازم ناجي الذي أخرج أوبريت جذور الماء وعدد من المسرحيات والمخرج المبدع صالح البدري الذي كان يمتعنا بمسرحيته التي أخرجها وإسمها ( شلون ولويش وإلمن ! ) كذلك مسرحيات عالمية عديدة كنت أشاهد بروفاتها ومنها : المسيح يصلب من جديد ومسرحية في إنتظار اليسار وستربتيز وغيرها .. كانت السلطة وأجهزتها الأمنية تراقب العروض المسرحية وتتجسس على النصوص والجمهور والممثلين وبدأت المضايقات تلاحق الجميع وجرى حرماننا من العمل إلاّ إذا إنتمينا الى حزبهم وكما جرى تبعيث التعليم والدخول للكليات وخصوصاً التربية وكلية التربية الرياضية ، جرى أيضاً تبعيث الفنون وفي طليعتها المسرح الذي نعتبره أب الفنون جميعاً وهبط المسرح الى الدرك الأسفل وإنهارت القيم وصعد الى الخشبة الساحرة أناس لا علاقة لهم بالثقافة أو بالمسرح وأنحطت النصوص المختارة للتمثيل وكان أغلبها يمجد الدكتاتور وإنتشر المسرح التجاري الهابط بالذوق العام وأشيعت ظاهرة الأقزام !! وكانت بعض المسرحيات تأتي بالأقزام وتعطيهم بعض الأدوار لتسلية الجمهور وخاصة حينما يقوم بعض الممثلين وضمن النص بالسخرية من أحد الأقزام أو ضربه بالحذاء أو صفعه باليد أو الأرجل !!!..، لما جاءت الحملة الفاشية ضد الحزب الشيوعي والقوى الوطنية كنت في كردستان وكان هنالك نشاط مسرحي محدود ولم أستطع المشاركة فيه لسبب وجودي في المفارز ولأن هكذا نشاط يكون في المواقع الثابتة عادة وإستطعت أن أشاهد عرضاً مسرحياً وبإمكانيات متواضعة من رفاقنا الأنصار .. في عام 1985 وعلى شرف الذكرى الحادية والخمسين لتأسيس الحزب الشيوعي إشتركت في عمل ناجح في مدينة عدن اليمنية وكنت عازف طبلة وأيضاً مثلت دور أحد الفلاحين وكان من إخراج الفنان حميد البصري ومثلت معنا زوجته شوقية وعدد من الشباب والشابات .. وكانت به أغنية تقول بعض كلماتها ( أم الظفيرة ... حلوة ومنيرة ..مهرة كحيلة .. لو بعد ليلة ..تغبش علينة ونلبس تراجي وننسة البواجي ... الخ ) وكان لحنها جميل قام بتلحينه أيضاً الفنان حميد البصري..كنت حينها أدرس في معهد العلوم الإشتراكية التابع للحزب الإشتراكي اليمني.. ولما ذهبت للدوام في اليوم التالي سلّم علي أحد أعضاء اللجنة المركزية وهنئني على نجاح العمل قائلاً : نحن حزب نقود الدولة وعندنا كل الإمكانيات ولكن لا يمكن أن نصل الى مستوى عملكم!! وكان يشير بفخر لعملنا الفني في عيد الحزب... سنوات كثيرة جداً مرت وأنا أرى المسرح من بعيد وأسمع عنه وعن المستوى الرديء الذي وصل اليه بحيث يجري العمل لرواية يقال أن صدام كان قد كتبها إسمها زبيبة والملك ! ويقوم بعض الطارئين على المسرح بتحويلها الى المسرح من خلال رصد مبالغ طائلة لها وتعرض في بغداد وبعض الدول العربية كالأردن مثلاً !! ضاعت حياتنا ونحن بعيدون كل البعد عن هذه الخشبة التي أقول عنها ( عمره خسارة كل من لم يصعد فوقها ! )حينما ينتاب الممثل ذلك الإحساس الجميل بأنه يؤدي رسالة كبيرة في هذه الأثناء !! والمسرح برمته هو تجسيد حي لصور الحياة بكل جوانبها المتنوعة وأنا أعتقد أنه مرتبط بالوضع السياسي العام في البلد والحرية التي يوفرها ذلك النظام للممثلين دون التدخل بما لا يعنيه ! خصوصاً الأنظمة العربية والإسلامية التي يعادي أغلبها رسالة الفن السامية !.. أنا على ثقة من أن المسرح الجاد سيأخذ دوره مجدداً وبدأت بواكير ذلك حينما إستتب قليلاً الوضع الأمني وعاد عدد من الممثلين الرائعين الى صعود الخشبة في بغداد والمدن العراقية الأخرى ...أنه أول الغيث وسيهطل المطر.
#أمير_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية البقرة والضفدعة في قراءة الصف الثاني إبتدائي !
-
ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
-
بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و
...
-
في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !
-
عمي جوعان يحب الحرس القومي !!!
-
الداد ... المهمة الاولى لحكومتنا القادمة !
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|