|
*الاعلام بين نارين : العولمة والانظمة الشمولية
سلام صادق
الحوار المتمدن-العدد: 921 - 2004 / 8 / 10 - 09:12
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
خبر قديم يفيد في استدلالات لاحقة
وكالات الانباء : اعلن مسؤول في سلطة التحالف عن تشكيل لجنة للاعلام تنظم عمل المؤسسات الاعلانية والاتصالات والاذاعة في العراق 0 وقال ان ( اللجنة العراقية للاتصالات والاعلام ) ستكون بمثابة هيئة مستقلة وسيتم تخصيص ميزانية خاصة بها ، وتشمل مسؤولياتها البث الاذاعي والتلفزيون والاتصالات ، واضاف ان مجلس ادارة اللجنة يتكون من تسعة اعضاء يتم تعيينهم من قبل سلطة التحالف بالتشاور مع مجلس الحكم 0 وافاد ان الهدف من تشكيل هذه الهيئة هو المحافظة على ذراع سياسية قوية ، لكنها وفق المسؤول لن تحل محل وزارة الاعلام العراقية السابقة . وستخول اللجنة الاعلامية مسؤولية منح اجازات عمل الاذاعات في البلاد ، واكد المسؤول في سلطة التحالف السعي الى بناء نظام مهني اعلامي وقال : لانرغب في وجود قانون ينظم هذه المهنة 0 وبموجب الامر الذي وقعه بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق قبل فترة سيكون للجنة المسؤولية المطلقة عن منح التراخيص وتنظيم الاتصالات والبث الاذاعي والتلفزيوني وخدمات المعلومات ووسائل الاعلام الاخرى في العراق وقال مستشار سلطة التحالف الذي طلب عدم ذكر اسمه ان مجلس الحكم في العراق المعين من قبل الولايات المتحدة اتفق على ان تكون اللجنة التي لم يعين بعد اعضاء مجلسها التسعة مستقلة عن حكومة مؤقته مستقبلية 0 وقال المستشار ان الامل يكمن في ان تحظى اللجنة بقبول عراقي واسع النطاق يتيح لها البقاء بعد تولي حكومة منتخبة بالكامل زمام السلطة بنهاية العام المقبل 0 ويمكن ان تعمل وسائل الاعلام المطبوعة دون ترخيص ، رغم ان اللجنة ستعمل مع الصحافة العراقية بهدف وضع قانون لاخلاقيات المهنة . وقال المستشار ( نريد تفادي وضع قوانين صحافية قمعية ) مشيرا الى ان الصحافيين يجب الا يتعين حصولهم على ترخيص لمزاولة المهنة والا يخضعوا لقوانين تجعلهم عرضة للمحاكمة . وقال المستشار انه سيعلن خلال الاسابيع القليلة القادمة عن تشكيل مجلس اللجنة ، اضافة الى مجلس هيئة اضافة عامة جديدة سيتم تاسيسها ، ومن بين قائمة تضم 60 مرشحا رفعت لجنة الاعلام في مجلس الحكم 20 مرشحا لان لهم انتماءات سياسية 0 انتهى الخبر
خبر ثان اكثر جدّة
طالبت لجنة حماية الصحفيين ( كوميتي بروتاكت جورنالست) من الحكومة العراقية المؤقتة تقديم ايضاحات حول قانون الهيئة الوطنية للاعلام التي تم تشكيلها اخيرا من قبل رئيس الحكومة اياد علاوي 0 وطالبت آن كوبر، رئيسة اللجنة في رسالة بعثت بها الى علاوي ، ان لاتتجاوز الهيئة الاعلامية الجديدة الحريات الصحافية او تتحول الى هيئة رقابة 0 وارسلت كوبر نسخة من رسالتها الى رئيس الهيئة الوطنية للاعلام ، ابراهيم الجنابي ، مستفسرة عن صلاحيات الهيئة 0 وعبر المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية ، جورج سادة، عن اعتقاده بان هذه الهيئة لن تخترق الحريات الصحافية ، لكنه ابدى في ذات الوقت عدم معرفته بقانون الهيئة الجديدة 0 انتهى الخبر
على المستوى العالمي
لقد صار بوسعنا القول بان الاعلام الدولي وخلال العقد ونصف العقد المنصرمين قد بدأ يتغافل عن المهام الاساسية الملقاة على عاتقه او تلك التي انوجد من اجلها أصلا في مراقبة ومتابعة ما يصدر عن اصحاب القرار ، يوم كان بحق صوت من لا صوت لهم في فترة سابقة وفي بلدان ذات نظم ديمقراطية واخرى اقل ديمقراطية بالطبع او دكتاتورية شمولية كذلك0 وعلى الرغم من ان الاعلام كان سلاحا فعالا في وجه اساءة استخدام السلطة في المجتمعات الديمقراطية ، فلم يكن من المستبعد وقوع اخطاء وتجاوزات بالغة في اداء السلطات التقليدية الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ، فكيف يكون الحال اذن بالنسبة للمجتمعات التي تحكمها انظمة توتاليتارية ودكتاتورية حيث تقع دوما على قمة الهرم السياسي والنخب الضيقة المحيطة به مسؤولية خروقات حقوق الانسان الاساسية والاعتداء على الحريات الشخصية والعامة ومصالح الطبقات الفقيرة والمسحوقة ؟ المهم انه وحتى في اكثر النظم ديمقراطية فان التجاوز واساءة استخدام الصلاحيات يشغل حيزا لاباس به في مرافق الحياة السياسية وينعكس هذا بدوره على المرافق الاخرى ، على الرغم من ان القوانين كانت وليدة تصويت شعبي وعن طريق القنوات الديمقراطية ، وعلى الرغم من ان الحكومة التي تمارس هذه الخروقات احيانا هي حكومة منتخبة من قبل ابناء الشعب ممن لهم حق الانتخاب وبأن النخبة الحاكمة ( نظريا على الاقل ) يجب ان تكون غير منحازة للسلطة التنفيذية او مسيرة بارادتها ورغم هذا كله فقد تم اقتراف تجاوزات واضحة 0 ولذا ففي الاطر الديمقراطية للحكم ينظر للاعلام على ان من اولى مهامه وواجباته تشخيص التجاوزات والاعتداءات على حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، وهذا ما دفع بالصحفي المعروف ادموند بورغيس الى اطلاق مصطلح ( السلطة الرابعة ) على الجهاز الاعلامي في بلد من البلدان ، وكان الفضل الاول في هذا يعود الى مسؤولية المواطنين في تفهم مهمة الاعلام كجهاز للرقابة الشعبية وكذلك بفضل شجاعة بعض الصحفيين اللامعين من الذين دخلوا السجون او ضحوا بحياتهم في هذا السبيل وذلك لان السلطة الرابعة استطاعت من تسليح الشعوب وتوعيتها باهم الآليات الخاصة بالديمقراطية ، وعلى راسها آلية حرية التعبير في الانتقاد والاحتجاج والرفض وثم الضغط باتجاه تغيير القرارات الصادرة ( الغير عادلة والغير شريفة والغير قانونية ، والاجرامية احيانا ) ضد جموع البسطاء من العزل والمسحوقين والبعيدين عن مراكز صناعة القرار ، وبذا كان الاعلام صوتا للذين لايملكون صوتا مسموعا في اروقة الحكم ودهاليزه 0
اعلام عصر العولمة
وخلال العقد والنصف الماضيين ، فان السلطة الرابعة وبعد ان شاع تداول مفهوم العولمة وتكرست بعض مفرزاته على ارض الواقع ، راحت تفقد الكثير من بريقها وقوتها وجاذبيتها وبدأ تأثيرها يضمحل بالتدريج ويبطل فعلها كقوة مضادة تراقب الاداء الحكومي ، ويتضح هذا بشكل جلي فيما لو امعن المرء النظر في النتائج التي تمخضت عنها العولمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ، حيث ان نمطا جديدا من الراسمالية ما فتأ ينمو ويترعرع ، وهذا النمط ليس صناعيا فقط كما كان في السابق وانما ماليا يعتمد على المضاربات في الاسواق المالية والاستثمارات العابرة للقارات ، ولهذا بتنا نشهد ازمات واضحة وعميقة تقع بين عنصر السوق وبين الدولة ذات النزعة التسلطية بطبيعتها بينما الاعلام يقف في كل هذا موقف المتفرج ، وقد تجسد هذا الخلاف على شكل صراع جلي بين القطاع الحكومي ( العام) والقطاع الخاص ، بين الفرد والمجتمع ، بين ماهو فردي وما هو مشترك وتعاوني ، وفي النهاية بين الفردية والانانية من جهة وبين نزعة الايثار والتضامن من جهة اخرى 0 ان العولمة تتضمن على وجه التحديد بان الاعلام وشبكات الاتصال وانظمة المعلومات قد تم عولمتها اي اخضاعها لارادة السوق ومصلحتها ومؤشراتها وليس لارادة الجماهير الغفيرة ومصلحتها اوالمصالح العليا للبلدان، وان الشركات الاعلامية الاخطبوطية اصبح ما يهمها فقط هو النمو والتوسع المضطرد والهيمنة ومن ثم تكديس المزيد من الارباح . وهذا يتضمن ايضا بانها اصبحت ملزمة بالمراهنة على تطوير علاقاتها مع السلطات الحاكمة وبعض مراكز القوى والنخب السياسية التي تحتل مواقع متميزة في المجتمعات ، وبذلك يصبح الاعلام مضطرا للتنازل عن ممارسة دوره السابق وبعض حقوقه كجهاز للمراقبة على اجهزة الدولة والمجتمع واداءها وفضح الخروقات التي تنتهك حرمة الحريات العامة والشخصية وحقوق الانسان ، كل هذا من اجل تجنب الاشكاليات التي قد يسببها له عدم نيله قبول الاجهزة الحاكمة والنخبة السياسية من صناع القرار في البلد المعني وهو ماينعكس اخيرا على شركاته العابرة للقارات بالخسارة ومن ثم الانكماش بدلا من التمدد والتوسع الغير مقنن بسوى شروط السوق وآليته الخاصة التي ليس فيها مكان للقيم الانسانية والاخلاق 0 وهنا تكمن الخطورة اذ راحت هذه السلطة الرابعة وتحت تاثير قوى السوق الفاعلة تتقاعس في ايلاء عناية خاصة من اجل التنبيه الى تقويم الاعوجاجات التي تعتور طريق المسيرة الديمقراطية ، او الدعوة من اجل التحشيد الشعبي لتصحيح المسارات السياسية وتهيئة الظروف والمناخات الديمقراطية الحقيقية لتحسين اداء القرار السياسي ، عن طريق مراقبته وانتقاده للكشف عن عيوبه وثغراته والمساهمة في صناعة بدائل مقبولة له تتماشى ومصلحة الجماهير 0 لقد تنازل الاعلام مع بروز ظاهرة العولمة عن دوره الفاعل كسلطة رابعة ، ولم يعد يمارس دوره المعهود كقوة مضادة تاخذ على عاتقها مراقبة جهاز الدولة وتاشير التجاوزات التي ترتكب في مجالي الحقوق والحريات ، وحتى وان اصرّ البعض على انه مازال يمارس دوره كسلطة رابعة ، فان هذا الدور لايعدو عن ان يكون دورا تابعا او مكملا او تجميليا لدور السلطات السياسية والاقتصادية المسيطرة على المفاصل الاساسية في مجتمع ما ، لابل قد يذهب احيانا وفي بعض الحالات كما سنرى الى ابعد من هذا حيث يمارس دور سلطة اعلامية دعائية تكميلية وذيلية لدور السلطات الحاكمة ويقف مع هذه السلطات علنا او في الخفاء ، وعلى الضد من تطلعات واماني الشعوب كما حصل للسياسات الاعلامية المحلية في بعض البلدان 0 السؤال المطروح الآن هو كيف تكون ردود افعالنا ازاء واقع من هذا القبيل ؟ وكيف يمكن للشعوب الحفاظ على مكتسباتها وصيانتها والدفاع عنها بدون مؤسسات اعلامية تعمل لصالحها وتستفيض في طرح وتناول ما يواجهها من مشكلات ؟ وماذا يتعين عليها عمله في هذا السبيل ؟ كيف يمكننا وقف امتداد هذا الغول والوقوف بوجهه ، بعد ان حاول خذلان قضايا المجتمع العادلة ووقف الى جانب اللاعدالة لانها تمتلك مقومات السلطة المتمثلة بعنصر القوة وبالقوة الاقتصادية للسوق والتي لاتقل اثرا وفاعلية عن القوة العسكرية في اعراف العولمة ، طالما ان ارباب الصناعات الحربية هم من اكبر الممسكين بعصب الحياة الاقتصادية على مستوى العالم والممسكين بعصب صناعة الاعلام ايضا 0 الجواب ببساطة يكمن في ان علينا ان ننشيء سلطة جديدة موازية ، سلطة خامسة اذا جازت التسمية والتي ستكون في جوهرها سلطة شعبية تقوم بمهام الرقابة والمحاسبة وتمارس عملها ضد هذا التحالف المقيت الذي مافتا ينمو ويتكرس بين من يمتلكون سلطة القرار السياسي ومن يديرون دفة الاعلام ، حيث مافتأ الطرفان يبحثان وبدأب عن التكامل بين ادوار هاتين المؤسستين الهامتين دون النظر الى خطورة هذه المحاولات التي ستجهز على اهم ركائز الديمقراطية وتضع مصالح الجماهير الغفيرة على الرف ، وكمثال على ذلك فقد قام بوش الاب بتجنيد 26الف في حقل الاعلام ابان عاصفة الصحراء حسب المحلل السياسي الاسرائيلي شاؤول المنسي من اجل احتكار تدفق الاخبار والصور من جبهات القتال وكانت المحصلة كما نعرف اننا حرمنا طيلة فترة العمليات الحربية من الحصول على اخبار وتقارير تعطي صورة واضحة وصادقة عما يجري ومن جهة محايدة او مهنية مستقلة على الأقل، وهذا مافعله ايضا بوش الابن وبعدد وعديد اكبر في حرب اطاحة صدام الاخيرة حيث كشف الجنرال تومي فرانكس في يومياته الصادرة قبل ايام والمسماة ( كيف كسبت الحرب) بان هنالك جانبا آخر للحرب جرى التعتيم عليه ، وهو القصف الكاسح لمواقع الحرس الجمهوري جنوب بغداد وعلى مدى ثلاث ليال خلال العاصفة الرملية التى عرقلت المراحل الاولى من سير المعركة ، اذ شنت طائرات التحالف واحدة من اعنف حملات القصف واكثرها فاعلية في تاريخ الحروب (( لكن احدا من وسائل الاعلام العالمية لم يدرك ذلك او يعرفه )). ولتلك الاسباب مجتمعة ولاسباب اخرى كذلك فقد تم اقتراح انشاء رقابة عالمية على الاعلام كاحد النتائج المهمة التي تمخض عنها مؤتمر مناهضة العولمة في بورتو الجره في البرازيل وتوصياته المهمة التي تدعو الى وضع هذا السلاح السلمي الفعال بيد الجماهير للوقوف بوجه النمو الاحتكاري المريع للغول الاعلامي وللتعبير عن القلق الذي ينتاب شعوب الارض من جراء الغطرسة والعجرفة التي تمارسها شركات صناعة الاعلام الاحتكارية الكبرى في عدم اعارة اهتمام ما للثقافات المحلية للشعوب ولخصوصياتها الوطنية ، نظرا للضغوط المباشرة التي تمارسها من خلال هيمنتها على السوق في التاثير على السياسات الاعلامية المحلية 0
على المستوى المحلي وللتدليل على خذلان الاعلام لطموحات المواطنين ووقوفه الى جانب من يمتلكون القرار السياسي نأخذ العراق كنموذج ساطع والذي يكاد يتفرد ( ربما اذا استثنينا التجربة النازية) في تسخيره هذا الجهاز الحساس لخدمة الدكتاتورية ابان سنوات حكم البعث البائد 0 فقد كان من الطبيعي ان يتردى مستوى الاعلام وان ينحدر الى ماوصل اليه في تمجيد الطغيان وتجميل قبح الحروب ، كنتيجة حتمية لعدم الايمان بالتعددية السياسية ولمصادرة حقوق الانسان والاعتداء على الحريات الخاصة ، وبشكل مختصر نقول لعدم الايمان بالديمقراطية وحجب ممارستها عن الشعب تحت حجج واهية تقود بالمحصلة الى تفاقم الاضطهاد ومن ثم تأبيد الدكتاتورية والفاشية والانفراد بالسلطة وتسخير الاعلام كاحد الادوات الفعالة للقيام بهذه المهمة 0 ان صدام حسين الذي قفز الى السلطة بطريقة تعسفية ودموية وليس عن الطريق الانتخابي الشرعي والقانوني ، كان من البديهي لديه ان يقطع انفاس كل ما يسمى معارضة له ولنهجه الدموي في ادارة السلطة وكان من جراء هذا ان يعمد اولا الى ( تاميم الاعلام) وجعله صداميا صرفا ، أي اسكات اصوات الاعلاميين والكتاب والادباء من الذين رفعوا اصواتهم عالية ضد انفراده بالسلطة وللمطالبة بالحريات العامة وبصيانة حقوق الانسان ، فكان من اول ماقام به تهجير اعدادا كبيرة منهم وتصفية اعداد اخرى بكواتم الصوت وعتمات السجون او ظلمات القبور اما الجزء الضئيل المتبقي فقد تم شراؤه لتشكيل جوقة من المنشدين تأتمر بأمرة الرئيس وفيلقه الاعلامي وتكون رهن اشارته 0 لقد سيطر هو وحزبه ومنذ اللحظات الاولى لتوليه السلطة المطلقة في العراق على الصحافة والتلفزة والراديو وصناعة الكتاب ، فراحت المؤسسات المعنية بهذا الشان تبث الاكاذيب ليل نهار وتزوق وجه الدكتاتورية وتمجد الحروب وتلهج في كل هذا باسم ( القائد الضرورة ) من خلال عمليات الكذب والتدليس واحتكار الحقيقة والترديد الببغائي الابله وصولا الى عملية غسيل دماغ هائلة للذاكرة الجمعية للعراقيين 0 وكان من حصيلة هذا ان اصبح جهاز الاعلام العراقي فيلقاً تابعاً للجيش العراقي على حد تعبير بعض مسؤوليه ، يقوم بمهمة الحرب الايدلوجية ( التي ترافق اصوات المدافع على الجبهات ) ويتعين عليه الانتصار فيها ايا كان الثمن 0 وبهذا اصبح الاعلام العراقي نموذجا أمثلاً وحياً للاعلام المنحاز كلياً الى جانب السلطات الحاكمة والمبني على قاعدة الامتيازات الخاصة التي تمنحها هذه السلطة من اجل دعم موقفها بتجميل قراراتها السياسية الجائرة وان كانت تضر بمصلحة غالبية الجماهير ، ولهذا نفسه دخل الاعلام ضمن آلية القمع الحكومي واصبح جزءا لايتجزا منها في قمع ومصادرة حقوق العراقيين وكم افواههم والقيام بدور الشرطي او ضابط الامن المنتسب الى وزارة الاعلام 0 ان من المخاطر الاخرى التي يواجهها الاعلام العراقي اليوم ، فيما اذا تحرر من بصمات وانفاس الاعلام الشمولي الذي ساد في العراق لعدة عقود سابقة ، هي خطورة الحاقة بماكنة الاعلام المعولم الذي تديره شركات صناعة الاعلام الكبرى ، الحاقا قد يصيبه بالتسيب والترهل الاعلامي ويجعل منه مفصلا صغيرا في هذه الماكنة العملاقة ، والتاثير عليه وعلى استقلاليته على اقل تقدير ، وبذلك يبتعد عن اداء دوره الوطني المناط به والمطلوب منه في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق. ولذا فمن الضروري ومنذ الان العمل على وضع ضوابط تحد من هذا التغلغل وتضع بوصلة واضحة تؤشر للاعلام وجهته المستقبلية ، خاصة في وضع سياسي وامني متدهور وغير مستقر كالذي ينوء تحت وطأته العراق ، ففي اجواء من هذا النوع يسهل تسخير الاعلام لخدمة اغراض ثانوية وفئوية لاتمت لمصلحة الوطن بصلة فمن المستحسن الآن على الاقل العمل على ايجاد حالة وسط تأخذ الظرف الموضوعي العراقي بنظر الاعتبار ، حالة ترفض الاعلام الرسمي خشية تغوله او انحيازه وكذلك غير الرسمي خوفا من تسيبه وترهله خاصة اذا كان مرتبطا بمراكز صناعة الاعلام الدولي المتصلة والمسيرة بدورها من قبل مراكز صناعة القرار السياسي الواقعة خارج حدود العراق ، وعلى الأخص تلك التي تدار من الشركات الاخطبوطية التي تمثل المصالح الاقتصادية والسياسية لدول وانظمة سياسية بعينها ، فما نحن بحاجة اليه في هذا الظرف اعلام موضوعي متوازن يضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار يفتح ذراعيه للكل ويحتضن جميع التجارب وبدون استثناء 0
حروب ايدلوجية جديدة باسلحة جديدة
كما ان هناك ايضا امثلة اخرى وفي مناطق اخرى من العالم قام بها الاعلام بدور مناقض لرسالته وضمن التوجه العولمي الجديد ، حيث قامت المؤسسات الاعلامية العولمية الكبرى التي تتاثر بحركة السوق اولا ، قامت وبشكل مفضوح على العمل ككلب حراسة في حماية وترويج المصالح والتشريعات الاقتصادية لبعض الانظمة الحاكمة وقامت بدور القوة التي تحمي مصالح هذه الطبقات والنخب - بعد القوة العسكرية طبعا - للوقوف بوجه الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ، لدرجة ان الكارتلات الاعلامية العملاقة التي نشأت خلال العقد والنصف الماضيين لم تعد مهماتها ودائرة اعمالها تنحصر في حقل الاعلام التقليدي بل تجاوزته لكي تصبح سلاحا ايدلوجيا بيد العولمة وصار من واجبها التصدي للمطالب البدهية والضرورية في حياة الناس متى ما اصبحت هذه المطالب تهدد مصالح الحاكمين ، لابل وصل التطرف ببعضها للعمل على الاستحواذ على السلطة السياسية نفسها في بعض البلدان ، حيث تمكن مثلا سلفيو برلسكوني صاحب الامبراطورية الاعلامية في ايطاليا من القفز الى راس السلطة من خلال سيطرته المطلقة على وسائل الاعلام واشد قطاعاتها حساسية في البلد المذكور وتسخيرها لخدمة اغراضه السياسية 0 ان السلطات الاوليغاركية التقليدية والرجعية الكلاسيكية في بعض البلدان ، تنبهت الى خطورة الاعلام مؤخرا فراحت تطلب وده وتضع يدها بيده حيث تنكر بزي البهلوان الذي لايترك مناسبة وعرضا تهريجيا الا وراح يزعق بالدفاع عن حرية التعبير لذر الرماد في العيون ، وتحت هذا الغطاء راح الاعلام تدريجيا يصطف ضد المصالح الاساسية للناس ومطالبهم البدهية في السعادة والحرية من اجل ارضاء السلطات والتواطؤ معها اذا اقتضت الضرورات المتحكمة في السوق الاقتصادية والمالية ذلك ان الوجه الجديد والبشع لاعلام العولمة يكشف وبطريقة مفضوحة عن البعد الايدلوجي - الاقتصادي له بعد انتهاء الحرب الباردة ففي هذه الحرب الايدلوجية التي تم استخدام الاعلام فيها كسلاح ذي حدين ، نشير كنموذج ساطع الى ماحصل من حرب اعلامية طاحنة شنتها وسائل الاعلام المحلية وامتداداتها الغربية خارج البلد ضد الرئيس الشرعي المنتخب في فنزويلا هوجو جافيس والذي تبوأ السلطة على اثر انتخابات شرعية ديمقراطية اجريت في البلاد عام 1998حيث صعدت المعارضة الى دفة الحكم ، وهذا يعني بان كارتل العولمة الاعلامي وقف الى جانب الكارتل النفطي ضد مصالح الاغلبية من المواطنين الفنزوليين مسخرا الشركات التي تمتلك وتدير مؤسسات الصحافة والراديو وشبكات التلفزة ، والتي اخذت على عاتقها القيام بمهمة التحريض وتشويه الحقائق وبث الرعب في صفوف المواطنين بقصد استمالتهم ضد نقاباتهم ومنظماتهم المهنية ، وفعلا فقد تم شراء بعض هذه النقابات والمنظمات وتم ضخ الماء في طاحونتها فراحت تقود التظاهرات ضد الحكومة التي قامت بانتخابها هي نفسها، جنبا الى جنب مع المعارضة التقليدية التي توجهها الشركات الامريكية من وراء الحدود وفقا لمصالحها واحتكاراتها النفطية في هذه الحالة ، وقد كان للشبكات الاعلامية الدولية المسيطرة والموجهة للاعلام المحلي من الخارج الاثر البليغ في حدوث تلك الاضطرابات وتاجيجها ، حيث مافتات تصب الزيت على النار دون ايلاء اهتمام ما لاقتصاد هذا البلد ومستقبل اجياله واستقراره السياسي ، ان هذا يعيد الى الاذهان الدور الذي لعبته شركة التلغراف الامريكية في اسقاط حكومة الوحدة الشعبية في تشيلي بزعامة سلفادور اليندي بالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية والسفارة الامريكية في العاصمة سانتياغو 0
تعدد وتنوع المصادر الخبرية لقد كانت المصادر الخبرية في فترة سابقة من الزمن بضاعة نادرة وما زالت هذه الحالة قائمة في بعض البلدان التي تحكمها الدكتاتوريات كما في الوطن العربي مثلا حيث تشدد الرقابة على تدفق المعلومات من خلال الوسائل التقليدية و الانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة كذلك ، وتنشيء الحكومات اجهزة خاصة للقيام بذلك وترصد لها اموال طائلة ، كما كان يحصل في العراق وحتى الامس القريب حيث حرم النظام البائد على العراقيين حتى اقتناء الساتلايت او الفاكس والالة الطابعة من اجل الامعان في عزل العراقيين واجبارهم على تلقي الاخبار من القنوات الاعلامية للسلطة فقط ، مما ادى الى شحة في المصادر الخبرية وعدم توفير تغطية شاملة ونزيهه وصادقة وحيادية من قبل الشبكات الاعلامية المحلية المسيرة بامر الدولة . ونفس الشيء حصل في وضع اليد على المصادر الخبرية واحتكارها وعدم السماح بالتدفق الحر للمعلومات والاخبار من قبل الولايات المتحدة الامريكية مثلا في حربها الاخيرة على العراق والتي ادت الى اسقاط صدام وكذلك في اماكن اخرى من العالم والتي كان لها فيها تدخل عسكري او مصالح نفطية او غيرها . اما الان فعلى العكس تماما فهناك فيضان كاسح من الاخبار والمعلومات يغرقنا في بيوتنا لدرجة الاختناق ، وقد بدأت الجماهير تحس بان هذا السيل من الاخبار غير حيادي وغير نقي في معظمه وملوث بانفاس القائمين عليه وبزفير مصالحهم الخاصة وهذا يتطلب ايجاد مراكز بحث ايكولوجي خبري جديدة تعمل كمصافٍ ومحطات تنقية من اجل القيام بعملية فرز واضحة بين الاخبار الحقيقية وسيل الاكاذيب والادعاءات والتلفيقات والاختلاقات الرائجة في الاعلام هذا اليوم بسبب من الحرب الايدلوجية الجديدة التي برزت على الساحة ، ولهذا كله يصبح الان من المناسب جدا التاكيد على العمل في سبيل انشاء مراكز بحث خبرية اعلامية مستقلة في ادارتها واساليب عملها عن الشركات الاعلامية الاخطبوطية التي افرزتها حقبة العولمة والتي تكاد تهيمن على الانشطة الاعلامية بمجملها من خلال الادارة المباشرة او التاثير المباشر بحكم قوانين السوق الراسمالية 0 ان حرية الاعلام تعتبر احدى الرافعات الاساسية لاشكال حرية التعبير والتي تشكل بدورها احد اهم المرتكزات التي تقوم عليها الديمقراطية في دولة القانون ، ولهذا فليس من المعقول اطلاق ايدي اصحاب السلطة والجاه والمال من الاغنياء واصحاب الشركات في تقرير شكل وحجم هذه الحريات او تقنينها بما ينسجم مع مصالحهم دون المصالح العليا للمجتمع ، ثم ان ممارسة حرية التعبير سيقودنا بالضرورة الى انتاج مسؤولية اجتماعية عامة وهذا مايجعل من سيطرة المجتمع على الاعلام ضرورة قصوى خاصة في مرحلة البناء حيث تكون موضوعة الحريات العامة غير واضحة المعالم ومشوبة بضبابية كبيرة 0
معايير الدقة والموضوعية والشمول
ان الاصوات التي تدعو الى انشاء اجهزة متابعة ورقابة شعبية لنشاطات هذه الشركات الكونية على المستويين العالمي والمحلي انما تدعو لاعادة الهيبة الى السلطة الرابعة وانتشالها من براثن الاعلام الاستهلاكي الدعائي العابر للقارات والذي لاياخذ بنظر الاعتبار الهويات والمكونات الثقافية المحلية للشعوب . كما ان اصحاب هذه الدعوات والتي تزامنت مع انبثاق العولمة وكرد فعل عليها يؤكدون على العامل الاخلاقي في العمل الاعلامي ومن خلال الحكم على نجاح الاعلام او فشله في مهامه وفق معايير جوهرية تعتبر الدقة والموضوعية والشمولية كأولويات لايمكن التلاعب بها والمساس بجوهريتها ، وهذا يتم من خلال المواظبة على تقديم التقارير والدراسات والتي ستقوم الرقابة العالمية على الاعلام بانتاجها ونشرها وتوزيعها حيث يمكن متابعة مايجري في ( السوق) الاعلامية والتاثير عليه لتصحيح مساره عن طريق التثقيف وزيادة وعي الناس باهمية الاعلام الذي يخدم قضاياهم الاساسية والبدهية على مستوى الدول ومستوى العالم باجمعه ، اضف الى ذلك فان الرقابة العالمية على الاعلام ستكون منظمة ذات طابع دولي من اهدافها ممارسة المسؤولية الجماعية القائمة على المصالح العليا لكل بلد على انفراد ولحقوق مواطنيه في الحصول على المعلومات و تدفق الاخبار الصحيحة بعيدا عن التضليل الاعلامي الذي تمارسه السلطات الشمولية المحلية أوالشركات المتعددة الجنسية وصاحبة الكارتلات في صناعة الاعلام من اجل احتكار العمل الاعلامي والسيطرة على منابعه ومصباته خدمة لاغراضها . لذلك فان من مسؤولية هذه المنظمة العمل كصفارة انذار مبكر تنبه الى الخلل الموجود من خلال متابعتها للسياسات الاعلامية المعتمدة من قبل هذه الشركات ومن خلال مايرد اليها من تقارير للقيام بمعالجته ونشر المطالعات عنه الى الراي العام العالمي لاطلاعه عليه والى سلطات البلدان المعنية ومطالبتها باتخاذ الاجراءات الضرورية والمناسبة 0 ان الرقابة العالمية على الاعلام ستتضمن ثلاثة مستويات من العضوية ولكل مستوى من التمثيل حقوقه الخاصه به فهنالك اولا، الصحفيون المهنيون وثانيا ، الكتاب المؤقتون من المساهمين بنوعيهم الفاعلين والمتواجدين في الظل ومن جميع حقول الاعلام ، والنوع الثالث من الاكاديميين والباحثين من شتى الميادين وخاصة المتخصصين في الاعلام ، ذلك لان من حسن الحظ فان الجامعات لم تزل للان وبشكل نسبي بعيدة عن تاثيرات وطموحات السيطرة والاستحواذ التي يمارسها السوق في كل مفاصل الحياة الانسانية ، وربما سيضاف الى هذه الانواع الثلاثة نوع آخر يشمل مستخدمي الاعلام والمستفيدين منه من الاشخاص العاديين وشخصيات اخرى معروفة على مستوى العالم بما قدمته للانسانية في حقول اختصاصها المختلفة ان الرقابة العالمية على الاعلام ترى بان الحرية المطلقة في حقل الاعلام التي يريدها ويديرها المالكون الكبار لشركات الاعلام سوف تقود بالضرورة الى الحاق اضرار جسيمة بسكان العالم وثقافاتهم ، وقد حان الوقت لكي تعي هذه الشركات واداراتها بان هنالك قوة مضادة مافتات تنمو وتترعرع ومازالت في طور النشوء ، قوة سينظم تحت سقفها كل اولئك المنتمين الى الحركات الاجتماعية الكونية المضادة لهيمنة العولمة وجميع اولئك المكافحين من اجل ان لاتقوم هذه الشركات الاخطبوطية بالعمل على المصادرة التدريجية لحرية التعبير عن طريق احتكار ادواتها . ان الصحفيين والاكاديميين وقراء الصحف والمستمعين الى الراديو ومشاهدي التلفزيون ومستخدمي الانترنيت سيجمعون شتاتهم من كل جهات الارض من اجل خلق آلية للحوار والعمل الديمقراطي الحر البعيد عن روح الاحتكارالتي يدفع باتجاهها السوق الراسمالي من اجل ايقاف هذا المد المتسارع للراسمال للسيطرة على حقول الاعلام بعد ان احكم سيطرته على حقول النفط ومصادر الثروة الاخرى 0 واذا كان المتحمسون للعولمة قد اعلنوا القرن الحادي والعشرين كمئوية مثالية لنشاط السوق الراسمالي والشركات العابرة للقارات ، فان الرقابة العالمية على الاعلام تؤكد بان هذه المئوية ستعيد وسائل الاعلام والاتصال الى يد الشعوب لتعمل على خدمتها 0
المهنية في العمل والشرف المهني ولو عدنا الى الساحة العراقية هذه الايام فاننا نلمس وبشكل جلي حضور امتدادات الاعلام البعثي متمثلا بعودة الكثيرين من( فرسان ) هذا الاعلام لممارسة العمل الاعلامي وبنفس العقلية السابقة ودون ان يتخلصوا او يعيدوا النظر في مسلمات الاعلام اللامهني والمنحاز التي تربوا عليها لعقود، انه نفس اعلامهم المزيف الذي شهدنا فصولا مضحكة منه ايام الحرب الاخيرة على العراق( والذي عكس سذاجته نجمه الكوميدي البارع وزير الاعلام العراقي السابق) يدخل الساحة وان بخطوات خجلة ، وهو يحاول ثانية تسريب اعلام الكذب والدجل والمبالغة وتزييف الحقائق 0 الاشكال الآخر انه وبمجرد سقوط الصنم وتزعزع اركان اعلامه المتحجر ، غزا ساحة الاعلام الهائجة المائجة - هذه المرة - طابور جديد وطويل ممن قدموا لأسمائهم بكلمة اعلامي او صحفي او باحث ومن اللذين لم نعرف عنهم شيئا والى وقت قريب ، ولا نعرف من اين وفدوا الى حقل الاعلام واين اشتغلوا و (بحثوا) ( اسر لي احد الاصدقاء من الصحفيين القدامى بان بعض من يتصدرون الواجهات الاعلامية على صعيد المواقع الخبرية الالكترونية وبعض الصحف الان سبق له ان عمل كصاحب مطعم او كمدرب كرة قدم للناشئين لم ينل اكثر من الشهادة الابتدائية ، او ضابط امن او عسكري سابق !! واكد ان محررا رياضياً يتولى الآن مهمة تحرير صفحة الثقافة في احد الصحف العراقية ،ان هنالك عددا لايحصى من هذه الامثلة نحن في غنى عن ذكرها بالتفصيل وما هذه سوى نماذج عابرة للتدليل على صحة مانقول ، لكن الطامة الكبرى تكمن في ان بعض هؤلاء لايتمكن من اتمام صياغة جملة مفيدة واحدة دون الوقوع في خطأ املائي او لغوي بل انهم يجهلون ادنى شروط ومستلزمات وادوات العمل في حقل الاعلام ، مع العلم باننا لانطالبهم الامساك بناصية اللغة تماما وانما بقدرها الضروري الذي يتيح لنا استيعاب بعض ما يسطرون دون ان نلعن حظنا العاثر ، ناهيك عن الصنف الآخر الذي دخل معترك الاعلام بعد هزيمته الماحقة في ميدان السياسة وراح يتحفنا بنصوص جافة تذكرنا بعصور الخطابة الاولى وبشكل يعكس نقيض ايماناته السابقة ، ان هذا بحد ذاته ما يبعث على الحزن والقلق على مستقبل الاعلام في العراق ، فهل سنعيد المأساة ونكرر اخطاء وحماقات الماضي ونبني مؤسسات اعلامية تقوم على هياكل غير محترفة وغير مهنية وغير تخصصية ، فئوية ومتحيزة وضيقة الافق في احسن الاحوال ، ستنقلب علينا وبالا في القادم من الايام وتعمل لتلبية ضرورات النخب التي تسيرها او المتواطئة معها ضاربة بمصالح الناس عرض الحائط . ان الامكانات الواسعة الفنية وغيرها التي اتاحتها عولمة الاعلام يجب ان لاتتيح للسبخ ان يعلو ويلوث عذرية السواحل التي اردناها نقية وجميلة بعد طول احتكار واهمال وسوء استخدام 0 ان الهم الحزبي الضيق او المذهبي او القومي حين يتغلب على الهم الوطني في العمل الاعلامي سيقوم بتفريخ اجنة اعلامية مشوهه ، يستقتل كلاً منها في العمل على تزيين وجه ليلاه وعرضها بابهى صورها وعلى حساب الحقيقة والمهنية في العمل الاعلامي ، ليخرج علينا اخيرا بما يُسر ويفرح حزبه او طائفته او قوميته ويتماشى مع او يروج لطروحات وافكار ووجهات نظر تلك الجهة الحزبية او المذهبية او القومية في المسائل العقدية التي تهم مصير ابناء الشعب كافة وبلا استثناء 0 ان على العاملين في حقول الاعلام المختلفة وضع المهنية والشرف الاعلامي نصب اعينهم والابتعاد عما ينعته الغربيون بالبربرية الاعلامية او السيرك الاعلامي او دكتاتورية الاعلام المنفلت وغيرها من المصطلحات الرائجة في النقد لان هذا النوع من الاعلام يقود بالمحصلة الى التضليل الاعلامي، وهذا ما تمارسه بعض الفضائيات العربية الان متاثرة بهبوب رياح العولمةعليها ، ضاربة عرض الحائط بمفاهيم ترسخت على مدى طويل كالدقة والموضوعية والشمولية في العمل الاعلامي ، من اجل تلبية اغراضها السياسية المشبوهة 0 ، ولايتم هذا الا باعادة الحياة لمصطلحات كالتخصص والمهنية والشرف الاعلامي والتي تم اغتصابها على مدى عقود طويلة في العراق والوطن العربي وعلى حساب مصالح الناس وتطلعاتهم ، كما ان من اهم ضروريات هذه المرحلة تنوير النخبة الحاكمة بدور الاعلام وسبل التعاطي معه والتعامل معه بانفتاح ونزاهة وجعل هذا المستوى من التعامل يرقى الى مستوى الواجب الوطني الملزم لكل من يشترك في صناعة القرارات التي تهم مصالح الناس ومستقبلهم ، فلا يصح مثلا ان يظهر علينا مسؤول حكومي بدرجة وزير ليناقض اقواله وتصريحاته التي فاه بها بعد مرور اقل من 24 ساعة، ان في هذا استهانه بدور الاعلام في ايصال المعلومة الصادقة وفقدان ثقة الناس به ، واستهانة كذلك بعقول الناس من المتلقين يجر الى فقدانهم الثقة بالسياسيين بشكل خاص وبما يجري حولهم في وطنهم بشكل عام، كما ان وزيرا آخر يهدد ويتوعد جهة ما ، ودون ان يعمد الى استغلال الوسائل الاعلامية المتاحة لديه ليعرض لنا الادلة المتوفرة لديه لادانة تلك الجهة ، لكي نقف معه موقف الادانة ايضا ، رغم كراهيتنا للغة المتشنجة ، لغة التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور ، ذلك لان عهد حجب الحقائق عن عيون واسماع الناس قد ولى وانتهى ويجب الكشف عن كل صغيرة وكبيرة ومصارحة الناس بها لانها تخص مستقبلهم ومستقبل اجيالهم بشكل مباشر 0 او ان عضوا سابقا في مجلس الحكم تبهره اضواء الاعلام وتخلب لبه فيروح يهرف بما لايعرف ثم لايلبث ان يتنازل بعدها بقليل، عما قاله جملة وتفصيلا ، لان ما ادلى به للاعلام لم يكن مؤكدا لديه !! هذا ناهيك عن مسؤول حكومي آخر يسهب في تعداد مزاياه ومزايا جهته السياسية في مناسبة وغير مناسبة ويجند لذلك اقلاما واصواتا من اجل الاشادة بجهوده الفريدة من اجل تحرير العراق ، حتى تظنه انه هو بذاته وبضعة انفار ممن معه يعادلون كل ضحايا القمع والمقابر الجماعية مجتمعين ، ولذلك فقد اصبح من الضروري ايلاء اهتمام لتدريب كوادر المكاتب الاعلامية التابعة للاحزاب والمؤسسات وحتى الشركات على اولويات العمل الاعلامي الموضوعي والغير منحاز لسوى الوطن وابنائه0 ان قسطا لابأس به من عافية الاعلام الذي نريده تقع على عاتق السياسيين انفسهم ومدى فهمهم لمهام الاعلام المسؤول والانفتاح عليه والتعاطي معه بصدق وبمسؤوليه وتزويده بالحقائق بلا تمنن او ارادوية نابعة من رغبات مستبطنة لاعلاقة لها بالحس الانساني والوطني السليم ، واعتبار ذلك من الواجبات الوطنية الملحة في سبيل بناء انسان عراقي جديد معبأ بمزايا تؤهله لتجاوز عهود التسلط والظلام وتغذيه بامل جديد يزوده بالمناعة ضد الخوف من العودة الى تلك العهود وارثها الاسود 0
اعتمدت المادة في مفصل منها والذي يتعلق بالرقابة الدولية على الاعلام ، على فقرات مقتضبة ومكثفة من مقالة سابقة تدور حول ذات المحور ، منشورة في الموند *دبلوماتيك وبقلم رئيس تحريرها اجناثيو رامونيه
#سلام_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ونحن كل هذا وذاك : خيط دم من رئة السياب يمتد على طول الشفق ،
...
-
في تأبين الاديبة السويدية سارة ليدمان
-
قصيدتان
-
التماثيل تتجول ليلاً في حدائق المستشفيات
-
أذكر ان امرأة تمردت على الوحش فتغمدها الاله بالرحمة
-
ذوبانات بفعل شموس قديمة
-
في سلوكية اليمين الامريكي المتطرف - سلالة بوش .. وسياسة الحر
...
-
احتجاجا على مايجري أراك واضحة كامرأة ليست في مرآة
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|