|
القضية المغلقة و الوقوع بين محالين
رأفت عبد الحميد فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 3024 - 2010 / 6 / 4 - 09:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحن نعلم أنه لا وجود ملموس للخير والشر في العالم الخارجي لأنهما فكرتان نسبيتان ترجعان إلى المشاعر الذاتية للإنسان ويتجلى ذلك بالنسبة للظاهرة الواحدة مثل ظاهرة سقوط الأمطار تلك النسبية التي اخترعها الإنسان تمخضت نتيجة إحساسه المهووس بمركزيته في الكون فالأمطار بالنسبة لساكن الصحراء بهجيرها وجفافها وقسوتها هي خير كل الخير لأنها ستروي الوادي غير ذي زرع ونفس الأمطار بالنسبة لساكن ضفاف الأنهار هي شر مستطير إذا فاضت وأغرقت ما حولها من القري . لكن الحضارات القديمة لم تنتبه لتلك النسبية فجعلت مسؤولاً سماوياً بيده الخير يغدقه بغير حساب إذا كان راضياً عن عباده أو يمنع ويحبس الأمطار لأنهم لم يقدموا القرابين الواجبة والفروض المنوطون بأدائها أو شر يكيله على العاصين الجاحدين عبادته إذا كان غاضباً عليهم فيغرقهم كي ما يرتدعوا وينصاعوا مستسلمين للدخول في حظيرة الإيمان لذا فشغلتهم قضية الخير والشر في العالم وتساءلوا ياتري من المسؤول عن الشر في العالم ؟ الله أم الإنسان .هذا التساؤل أثار بينهم الخلاف ولم يدركوا أن هذة المعضلة هي قضية مغلقة من الطرفين و هي قضية لا حل لها وهذا ما أدركه الأولون من علماء علم الكلام من مشكل وتناقض لم تحسمه الأيات بل تركته بلا حل ولأن المؤمنين مهما تصادموا وتنازعوا واختلفوا وعجزوا عن حل التناقض و بذلوا جهد أيمانهم في التأويل وعدم الأخذ بظاهر النص أو الإحالة إلى المجاز لأنهم وقعوا في القضية المغلقة .وهذا ما سينكشف من التحليل التالي لمشكلة الشر في العالم فلو أن الله مسؤولا عن الشر انتفت عنه صفات الرحمة والعدل وهو كاره للظلم ولو أن الإنسان مسؤولا عن الشر بدا الله عاجزاً عن التدخل لإيقاف ومنع الشر المستشري دون تدخل وهذا أيضاً محال لذا قلنا أن تلك المعضلة مغلقة بين محالين وسببها النص القرآني لوجود الأيات التي تؤيد كلا الطرفين .وخير دليل على ذلك مسألة الإضلال والهداية فهل لله أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء كما تصرح به الأيات ولأنه لا يسأل عما يفعل أم أن ذلك لا يمكن أن يكون وإلا كان مما لا يتفق مع عدالته التامة ؟؟ هذا هو موضع الخلاف الشديد بين أهل السنة والمعتزلة رغم أن كل من الفريقين يستوحي دائما القرآن لتأييد مذهبه وموافقة فيما ذهبوا إليه من فهم وتفسير . هنا نلمح صدام كلا الفريقين المتنازعين فقد تساءل المعتزلة كيف أن الله قد يرضى ويريد أن يضل بعض الناس فكيف نثق بمن أرسل من الرسل لهداية العالم واخراجه من ظلمات الحيرة والجهل إلى نور اليقين والمعرفة ؟وتأتي الخطورة هنا من أن العقل يقبل أن ينسب ما يصدر من الإنسان من عمل إلى الإنسان نفسه أو أن ينسب إلى الله بأعتباره السبب الأول الذي قدّر على الإنسان هذا العمل ودفعه إليه ....أما الضلال عن الحق والإنصراف إلى الباطل والكفر فليس من السهل أن تنسب لله الذي من شأنه أن يهدي ويرشد لا أن يضل لذا ثار الخلاف بشدة بين المتنازعين محاولاً كل فريق أن ينصر مذهبه بالقرآن دون أن يفطنوا إلى أن أس النزاع كامن في النص نفسه وليس شيئاً سواه . فقال أهل السنة أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( فاطر -8 ) و من يضلل الله فما له من هاد ( الرعد -33 ) فقال الطبري والرازي : أن التزيين والصد والضلال حتما من الله كما هو صريح في الآيات فهو من ختم على سمع الكافر وجعل على بصره غشاوة وأضله عن الهدى و الحق [ تفسير الرازي 5 / 593 لأيات الكهف 28 و الجاثية 23 والمدثر 31 ] فرد المعتزلة على أهل السنة رغم أن أمامهم حجج لا يملكون إلا أن يصدقوها لكنهم حاولوا هدم حجج خصومهم فقالوا : إن الله لما ترك الضال على ضلاله ولم يمنحه اللطف الذي لا يستحقه صار كأنه أضله [ تفسير الرازي 4/ 45 ] وتكون النتيجة أن الله ليس هو الهادي أو المضل بل الهدى والضلال حالتان يخلقهما العبد لنفسه إذا أعانه الله باللطف أو خذله لعدم استحقاقه له . إذن الخلاف بين ما يؤكده المعتزلة أن الهدى والضلال يخلقهما العبد لنفسه عكس ما يرى أهل السنة أن الضلال يخلقه الله في قلب العبد . إذن التوفيق بين المذهبين محال لأنه كما أوضحنا أن قضية الهداية والإضلال هي قضية مغلقة بين محالين بين إله عاجز وبين إله مستبد فلو جعل أهل السنة لله كامل القدرة والحرية في أن يعمل ما يشاء وإلا لم يكن إلاهاً حقاً ولو جعل المعتزلة لله كمال حريته وقدرته عادل كل العدل وإلا لم يكن إلاهاً حقاً كلاهما سقط في القضية المغلقة بين محالين فإله محدود القدرة مرفوض وإله مطلق القدرة في غير حكمة مرفوض أيضاً. هذة الإشكالية القديمة والتي لم تحل قد آثر الأولون والمعاصرون على ضرورة التوقف عن تبيان حلها لعدم ضروريتها [ القرآن والفلسفة د. محمد يوسف موسى ] ويؤكد المؤلف أنه لولا القرآن ما عرف تاريخ الفكر الإسلامي مذاهب المتكلمين ونزاعاتهم وجدلهم وصراعاتهم وتعسفهم في التأويل .
#رأفت_عبد_الحميد_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغيب المقروء هل يصمد الغيب طويلا
-
اشكالية الصفات الحسنى والأسماء غير الحسنى
-
بين مكة وجرينتش يا قلبي إحزن
-
الأعتداد في أحكام المعتدات
-
عن التصنت والإستماع سألوني
-
دلائل الكشف العميق عن القتل العميق
-
المناظرة العجيبة
-
الطهارة المزعومة
-
آل جحش والظلم المستباح -3-
-
آل جحش والظلم المستباح -2-
-
آل جحش والظلم المستباح
-
السقف الأبستمولوجي للأساطير
-
يسألونك عن مأزق النكاح
-
الله بين الزمان والتصور العقلي
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|