أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد البدري - العرب بين الاساطير والعقلانية















المزيد.....

العرب بين الاساطير والعقلانية


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 3024 - 2010 / 6 / 4 - 01:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم تحدث نقلة نوعية في عقول البشر عند الانتقال من زمن الاساطير الي زمن الاديان، بقدر ما حدث من انتقال من زمن الاديان الي زمن المعرفة العلمية الحديثة. فكل ما جاء في الاساطير تم تأطيره واعاده تضمينه بمصداقية مقدسة ضمن الافكار المصاغة لغويا للكتب المقدسة الثلاث. وربما كان هذا هو السبب في العراك والخصام بل والحرب فيما بين هذه الكتب علي اصل الاسطورة ولمن كانت تهدف اثناء خدمتها لاهدافها.

ولخلو زمن الاساطير وزمن الاديان من العقلانية فان فكرة التراكم غابت وظل الامر محصورا في سطو كل دين علي قدر استطاعته من التراث الاسطوري والسحري السابق له بعكس عصر العلم الحديث حيث الابداع العقلي والكشف المعرفي نظريا او تجريبيا الذي اتخذ التراكم واعاده بناء النموذج ليكون اكثر تماسكا ومتفقا مع شواهد الواقع مع القطيعة التامة للنماذج السابقة. وهذا هو الفارق الجوهري في بنية العقل الانساني بين الاسطورة والدين وبين عصر العلم.
فهل هناك مشترك بينهم ام انه تناقض اساسي لا مجال للتوحيد بينهما مثلما يفعل الاسلاميين الان بتفسير الخرافات الدينية واعطائها بعدا علميا.
المشترك بين العصرين هو العقل البشري وله منهج واحد ويعمل بوظيفة محدده ذكرها جان بياجية في ابستمولجيته الارتقائية باكتشافه ان العقل عند الطفل مقارنة بالعقل عند البالغ هو ذاته الفرق بين الطفولة البشرية في قدم تاريخيتها وبين حالها اليوم. لم يشذ بياجية في نتائجه عن سيجموند فرويد في علم النفس وعن كثيرين من كتاب التاريخ ومؤرخي الحضارات. ما يلفت النظر بوضوح تام ان العقل الانساني في زمن الاساطير والاديان كان يلوك تراثه لاعاده انتاجه لاعاده الاقناع معرفيا او الاخضاع سياسيا للبشر. فنبي اليهودية ونبي الاسلام كلاهما اهتما بالاخضاع السياسي بجذب الشعب خارج مناطق العراك الاسطوري الجغرافية واعاده تاهيله ليكون شعب الله المختار او خير امة اخرجت للناس. ظل العراك بين الاسلام واليهودية (زمن الاسطورة والدين) قائما لمن ينتسب الشعب واي بركة او حبل يخص المقدس هم به متمسكون.

فمن مصر اخرج موسي قومه ومن مكة اخرج محمد تابعية. فرغم المغادرة الجغرافية فإن ما جري بعد ذلك من وقائع ليس سوي استدعاء لاساطير ما قبل التأسيس من البلاد التي غادروها لاعادة استخدامها لخدمة مشروعاتهم الايمانية الجديدة التي هي سياسية وبدون اي نظرية سياسية. ولن نخوض في قصص التابوت التوراتية او الملائكة المسومة قرآنيا في اثبات الطرح السابق حيث إعادة الاستخدام لكل ما رسب في العقل الجمعي الغريزي من اساطير وبشكل خام دون اي اضافة او نقد.
أما في عصور العلم فان النقلة النوعية في بناء العقل جعلت كل تراكم سابق قابل لاعادة البحث والتحليل واستخلاص ما يمكن ان يكون مفيدا في النموذج الجديد. ففي الاسطير و الاديان لا نماذج جديدة، فالله واحد ومنهجه ثابت حيث النبوات وارسال الكتب حتي ولو حرفت او ضاعت فهي وكما تقول آخر المراحل العمرية في زمن الاديان (الاسلام) ان الاسلام هو الاصل منذ القدم وان ما اتاه بني اسرائيل هو ذاته ما لدي رسول الاسلام ومصدرهما واحد ومن مشكاة واحده بل ان نبي الاسلام هو ما كان علي بني اسرائيل اتباعه لانه مكتوب عنده منذ اكثر من الفي عام. حتي الزمن لم يعد له اضطراد او تتابع مثلما هو الطفل الفاقد لمعني الوقت.
بتحليل الاسطورة سنكتشف ادوات عمل العقل الانساني في ذلك الزمن المناظر لفترة الطفولة الحضارية كما شرحه فرويد في نظرية الاحلام او جان بياجية واخرين. فالعقل الاسطوري يعتمد كتلة معرفية ثابتة ترثها الكهانة حيث يجري استطلاع المستقبل والغيب عبر العراف الذي منحته الالهه قدرات خارقة ترضي العقل الجمعي الطفولي لدي الشعب أملا في ايهامه بان النصر قريب او الطعام سيكون وفيرا او الامن سيكون متاحا الي آخر الاحتياجات الملحة للشعب الجائع او الذي يسعي الي أمن. جاء بالقرآن في سورة قريش وهي سورة الشعب لو قارناه بشعب بني اسرائيل في اليهودية : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ. فمغادرة مكة لم تمنع الاسلام من استدعاء الكعبة (حيث كان مجمعا للاوثان من داخلها وعلي سطحها) منها وجعله هو المامن مجددا لكن بشروط سياسية جديدة. ومغادرة مصر لم تمنع العراف من الابتهال لاطعام الشعب لضمان ولائه لانه القدير علي توفير الحاجات الاساسية.

استدعي الاسلام قصة الخضر الذي يعلم الغيب ولا يستطيع معه موسي الصبر علي معارفه الفائقة ويمكنه تامين ما لا يمكن لموسي تامينه. كان استحضار هذه الشخصية بشكل خام لمهمة وظيفية هي ضمان تماسك الشعب حول قائده باعتباره قريبا من العارفين. تم توظيف الخضر العارف لموسي الكليم ولم يسال العقل الديني لماذا لم يستطع موسي اخذ معارف زميله لحل مشاكل شعبه. فالسؤال والتحليل ليسا من ادوات العقل الطفولي عند بياجية حيث يقوم الطفل بالمحاولة والخطا حتي يصل الي حل. هكذا ظل الاستدعاء لنفس التجربة حتي زمن الاسلام بل ان المعرفة انتقلت لما هو اكثر اسطورية حيث اصبح الجن يسترق السمع حتي وجدت السماء شهبا رصدا له لمنعه من المعرفة عبر التجسس علي السماء لان هناك قرآنا لم يفرط في شئ بات في متناول اهل الارض وعليهم الايمان بتلك الرسالة فهي الخاتم، واثبت النص قدرتهم علي التمييز بقولهم " فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً" بداية سورة الجن. بهذا امتدت الكهانة الي الجن بعد ان كانت حكرا علي بشر زمن السحر والاساطير. في هذه المرحلة الاخيرة من توظيف الكهانة اصبح من الممكن حلول الجن في الاصنام وهو استدعاء جديد لكل ما هو قيم من زمن ما قبل الانبياء!!! فالوظيفية لا يهمها اين تضع وقودها من رموز الاسطورة او الدين طالما ظل الشعب علي قناعة بقائده وخاضع لاوامره. بل تعدي الامر الي استخدام الاحجار باعتبارها جنودا حيث سيتحدث الحجر عمن يختبئ وراءه لدعم عمليات الابادة لمن يمانع الولاء او نشر الدعوة. بل ان الاصنام نشدت الشعر ايضا. جاء في كتاب تاريخ التمدن الاسلامي لجورجي زيدان أن مرداس كان له وثن يعبده وهو حجر يقال له ضمار. فلما حضرت مرداس الوفاه قال لابنه العباس يا بني اعبد ضمار فانه ينفعك ولا يضرك. فبينما العباس كان عند ضمار سمع جوف الصنم مناديا يقول:
قل للقبائل من سليم كلها ... اودي ضمار وعاش اهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدي ... بعد ابن مريم من قريش مهتد.

استدعاء الكهانة والكاهن أو الساحر من زمن الوثنيات الي زمن الدين شئ طبيعي في ظل عقل لا طرائق جديدة لديه في التفكير. فهو الثروة الوحيده الموروثه للنفث في العقد علي سبيل المثال او كشف المستور بالاحتكام الي المتخاصمين بالاستخارة او ضرب القرعة. فللكهانة طقوس تبدأ بتمتمات لفظية وصوتية لا معني لها ولا يفهمها سوي الكاهن والارواح التي تساعده علي اداء المهمة. لهذا ذهب بعض البحاث في تاريخ العرب باعتبار ان فواتح السور التي هي حروف حيث احتار المسلمين في تفسيرها ليست سوي بقايا الكهانة القرشية القديمة.

كتب عبد العزيز موافي في جريده الحياه اللندنية (العدد 14037 بتاريخ 21 اغسطس 2001 بالصفحة 14) مقال هو عرض لكتاب "الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم" لمؤلفه سعد عبد العال حيث كشف الباحث ان فواتح السور هي مختصرات حرفية لقصص اسطورة او ترانيم كهنوتية قديمة من بلاد الطرد كانت تستخدم لفك طلاسم زمن السحر وانتقلت عبر التجاور الحضاري للسكان والتماس اللغوي بين الاصل والفرع الي فقدان كثير من معانيها لاختلاف البيئة المنتجه لها عن البيئة المنقولة اليها. فما اكثر الخلط زمن الاساطير حيث الاحلال للرموز والشخوص مع المكان والزمان. فـ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ) في مصر حسب الاثاريات المصرية لكنها فجأة اصبحت ببابل في ثقافة الشفاهية العربية الاسلامية.

تمتد قواعد الاستدعاء بالشكل الخام والبدائين مع الخلط زمانا ومكانا، لاداء مهام وظيفية دون اي نقلة نوعية في كثير من المجالات الاجتماعية والحربية والجنس والزواج وربما يطول المقال لو استعرضناها فالاستدعاء شمل كل شئ ولم يترك مجالا الا للاستفاده من استدعائاته من الوثنية القديمة. ربما نتعرض لنقطة وحيدة كمثال وليس حصرا علي نظرية الاستدعاء والاستخدام دون اي تحول نوعي بعكس طبيعة العقل العلمي الحديث الذي اقام قطيعة تامة مع هذا الاسلوب والمنهج.
فالعبودية في المجتمع الاسطوري هي ذاتها في مجتمع الجاهلية قبل ظهور الاسلام مباشرة، حيث بلغ عدد العبيد الاكثرية الساحقة. وعندما جاء الاسلام ظهر صراع علي عتق من يدخله بل واصبح من يفر من سادة قريش قمين باكتساب حريته لدخولة في الجماعة الجديدة. ولنلاحظ عدم وجود نص صريح لا لبس فيه بتحريم الرق كنقلة نوعية فيما بين الاسلام والجاهلية مثلما حدث في التاكيد امور لا اهمية لها كالخمر او الصوم او اكل لحم الخنزير. لهذا فلن نفاجا لو مددنا الزمن الي استقامته بوجود العبودبة ذاتها التي في الجاهلية بمصادرها وتمويلها للبشر وقد اصبحت جزءا من الاسلام حيث اصبحت الغزوات مصدرا للعبيد مثلما كانت الجاهلية في الحروب. واصبحت اسواق النخاسة تملأ عالم المسلمين وحتي العصر العباسي. بعدها سيطر العبيد المماليك علي مقاليد الامور في نهاية الامر. وهنا تم تخليق وعي جديد يخالف الاستدعاء الجاهلي او التنظيم الاسلامي للصحابة في تقنينهم الرق. فمن ناحية اختفت الطبقة الاجتماعية العربية الحاكمة والممتدة منذ زمن النبوة والراشدين والامويين والتي كانت حريصة علي ارث الجاهلية باستدعاء ادواتها .حيث كان اسلوب قمعها لكل تمرد او اختلاف لا يقل عن اساليب البربريات القديمة. بإختفائها بدات الثورات بالمعني الحديث قائمة علي مفهوم العمل والاستغلال مثلما حدث في ثورات الزنج والقرامطة وكثيرين نجد سردا مستفيضا لهم في كتب د. محمود اسماعيل و حسين مروة وبرهان الدين غليون وكثيرين من المستشرقين في دراستهم للواقع الاجتماعي السياسي في الزمن الاسلامي الذي لم يرتقي الي مصاف العقل العلمي لتحرير نفسه من الاسطورة او من الدين لحل مشكلة المعرفة او الاجتماع أو السياسة الا بالاستدعاءات الوثنية كما يجري الي الان فيما يسمي إعادة الاسلمة او الصحوة الاسلامية.



#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع د. طارق حجي
- أهل السنة أهل المشاكل
- جاء بمجلة الايكونومست
- ويسألونك عن الروح
- البديهيات التي لم تكن كذلك
- عَمَّ يَتَسَاءلُونَ
- الكفيل من سوءات العرب
- تشريح المجتمع هو فضح لنصوصه
- في ذكري عيد عمال مصر
- هل الصدق من قيم الاسلام؟
- نجاسة الطائفية في الجامعة
- رد علي عبد المنعم سعيد
- القطيعة مع اهل الهولوكوست
- مكاسبنا الانترنتية
- نظامنا في القرن الجديد
- ذَلِك عبد الناصر ... أنا تؤفكون
- ثقافة ال -تحت-
- لماذا رضي الله عنهم
- قرار منعه تحت جزمته
- الشريعة ومرجعية الجاهلية


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد البدري - العرب بين الاساطير والعقلانية