عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 3023 - 2010 / 6 / 3 - 22:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل الإله في التوراة هو نفس الإله في الإنجيل؟
اعتدنا أن نرى التوراة والإنجيل معا في كتاب واحد اسمه الكتاب المقدس بجزأيه العهد القديم الذي يدل على التوراة والعهد الجديد الذي يدل على الإنجيل...
وقد بُرر دمج الكتابين معا, بأن في التوراة نبوءات تشير إلى قدوم المسيح مولودا من عذراء. وهذا فيه نظر, ولكن القارئ للكتابين يُصدم بالفارق الكبير بينهما من حيث اختلاف الشرائع والعبادات والقيم الأخلاقية المتناقضة فيهما..
والمدافعون عن هذا الدمج يذهبون إلى أن التوراة كانت تعبر عن مرحلة الشريعة والإنجيل يعبر عن مرحلة النعمة. ولكن المشكلة تكمن في أن الكتابين مقدسان وموحى بهما من الله وليسا مكتوبين في لوح محفوظ. بل موحى بهما ,أي كل الأفكار والقيم والأخلاقيات هي من الله....ولكن هل الله في التوراة هو نفسه الله في الإنجيل؟؟
وحتى نقترب من الجواب لابد من بعض التساؤلات الضرورية حول قصة خلق الإنسانالتوراتية, لأنها من ضمن مسيرة العقيدة منها:
- لماذا سمح الله بالشر وهو خالق كل شيء. فهو يعلم أن الشيطان ومعه جمع من الشياطين سيفعلون الشرور. ألم يخلق الله الشيطان؟ وملائكة الشيطان؟ ألم يكن يعلم بغواية الشيطان لآدم وحواء؟ ثم لماذا لم يأت الشيطان مباشرة كملاك إلى حواء وتحدث معها محاولا إغواءها وتقديم خدماته المنافسة لما أعطاهما الله؟ لماذا كلمها عن طريق الحية التي وصفت بأنها أحيل الحيوانات؟..
وبما أن الشيطان قادر أن يكلمنا عن طريق الحيوانات أو بلسانها فهو ذو سلطان فلماذا لم يتكلم بشكل مباشر مع حواء؟.....
الله هنا سمح بالشر ولم يوقفه أو ينهيه نهائيا...علما بأن الشرّ الأول المرتكب من الإنسان كان فقط في المخالفة بالأكل من الثمرة المحرمة عليه أن يأكلها...أي أن جريمة الإنسان الأول كانت أنه أكل ما منع عليه أكله فقط...
ولكن الشرّ استمر وقتل قابيل أخاه هابيل. وتطور الشرّ وكبر وعمّ, والسؤال الآخر لو أن الله قيد أو قتل الشيطان وملائكته منذ البدء وبمجرد أن وجده عاصيا لأوامره ماذا كانت النتيجة؟ عندها لم يكن حاجة للأديان كلها ولا لقدوم الله إلى الأرض ليفدي ويتألم....
ألم يكن هذا هو الخيار الأفضل والأسهل؟
ومادام الله خالق وعارف وعالم. ألم يكن يعلم أن المخلوق المسمى الشيطان سيكون متمردا وسيئا وسيجلب الويل والمصائب وسيغير ترتيب الله في الكون؟ ألم يصنع الله ترتيبا لحياة الإنسان عندما خلقه؟ وهذا الترتيب تبدل بغواية الشيطان للإنسان الأول. وهذا التبدل كان مكلفا جدا...استوجب من الله أن يرافق البشر ويكتب لهم الشرائع والفرائض ويتكلم معهم يوميا ويبارك بعض نسلهم وليس كله ليصل على العذراء مريم التي تجسد في أحشائها....
لم يقبل الله أن تكون مريم من نسل قابيل لأنه قتل أخاه. بل أعطى آدم ابنا آخر هو شيث....وصولا إلى نوح....إبراهيم....يعقوب.....موسى...سليمان...داود...
وطبعا كل هذه التساؤلات يجاب عليها من قبل المؤمنين بأن إرادة الله أرادت ذلك ولا يمكن لنا أن نفهم كيف يفكر الله ولذلك عليك بالقبول بما هو مكتوب والتصديق والإيمان...وهنا تظهر إشكالية أخرى وهي تعارض النصوص في مختلف الأديان، فأي نص هو الصحيح الموحى به أو المدون من قبل الله مادام الجميع يدعي امتلاك الحقيقة.كيف نصل إلى الطريق..إن كان هناك طريق؟....
أنا شخصيا لم أستطع أن أتقبل أن الله الخالق الحقيقي يفعل ذلك لأنه في نظري لم يكن ليخلق الشيطان أصلا. ولفعل كل شيء بحساب وعناية ودراية ومعرفة. وحتى لو حدث وتمرد بعض مخلوقاته لأنهى التمرد في لحظتها ولمنع هذا المتمرد من أن يعبث بما صنع الله ولن يتركه يصول ويجول ويخرب ويفسد وهو يتفرج عليه ويتوعده في يوم ما بأنه سيقيده لمدة ألف سنة ثم يطلقه لفترة قصيرة وبعدها يقيده للأبد...لماذا لم يقيده من اللحظة الأولى؟؟
الله في التوراة اختار شعبا معينا له ( تثنية 6:7 أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخصّ من جميع الشعوب الذين على الأرض.). وكان معهم يقهر أعداءهم إن هم عبدوه وقدموا له القرابين التي يريد ونفذوا وصاياه وإلا كان يسلط عليهم أعداءهم ويشردهم ويشتتهم. لماذا اختار الله شعبا معينا ولم يحمهم من الشيطان بل ترك الشيطان يغويهم ويحرفهم عن مقاصدهم؟؟؟....الشعب الذي اختاره الله تصفه التوراة بأنه شعب صلف وضال لم يصنع الاستقامة في عيني الربّ...هذا الشعب الذي رأى كيف كان الله يتكلم مع موسى من خلال السحابة التي كانت تغطي خيمة الاجتماع. وسمع صوت الله يكلم موسى, كان ينحرف بلمح البصر عن الله، بينما كان الله مع موسى في الجبل يعطيه لوحي الوصايا...كان الكاهن هارون يسبك عجلا من الذهب الذي جمعه من شعب الله ليعبدوا العجل، نزل موسى ومعه الألواح فهاله ما رأى فكسر الألواح التي كتبها الله بيده. والله لم يؤنبه. بل طلب منه أن يعد ألواحا أخرى ليكتب الله عليها من جديد. وفرض الله على شعبه طقوسا معقدة جدا وكلها فيها دم- كل القرابين فيها دم- لماذا هذا الدم؟لماذا يحب الله قرابين الدم كثيرا؟ فهو قبل قربان هابيل لأنه من سمان ماشيته. ولم يقبل قربان قابيل لأنه من نتاج أرضه وأثمارها...
لماذا لم يؤنب الله أنبياءه وكل من تكلم معهم لتعدد زيجاتهم ودخولهم على الجاريات؟ لم يكن بعيدا عنهم بل كان بينهم...
الله في التوراة غير مقنع بأنه الخالق العادل والعارف..
الله يأمر بقتل رجل لأنه يحتطب يوم السبت..
الله يأمر بالرجم حتى الموت لمن يدعوا يهوديا لعبادة إله آخر..
في التوراة القاتل يقتل وولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه, أي الله يدعو للثأر..
في التوراة مكانة المرأة وضيعة جداً بالنسبة للرجل فإن نذرت نذراً للرب وأبوها أو زوجها رفضا ذلك النذر فلا حرج عليها عند الله لأن السلطة عند الذكر وليس عندها...في التوراة المرأة نجسة....
الله في التوراة عاقب شعبه وعاقب أحيانا أعداءهم.علما أن العقوبات الإلهية تكون في الآخرة.فالأمر الإلهي غير ثابت. مرة يعاقب في الطوفان ومرة في سدوم وعمورة. ومرات كثيرة عاقب المصريين بضربات مختلفة لأن فرعون مصر رفض إخراج شعبه من مصر.عشر ضربات وجهها الله لمصر ولم يؤمن فرعون بالله وكلها حسب النصّ المقدّس ضربات حسية وملموسة. لماذا لم يقتنع فرعون مصر وشعب مصر بهذا الإله الذي يريهم أعماله وعجائبه الخارقة؟؟.ففي كل مرة يرفض الفرعون كان يضرب ضربته..وعندما يقبل الفرعون يوقف الضربة. وهكذا.... وكانت الضربات للشعب الذي لا علاقة له بقرار الفرعون. لماذا لم يضرب الله الفرعون شخصيا ليحمله على القبول بخروج شعبه؟ ولماذا لم يجعل قلبه يلين ويقبل؟ وهو الله؟...
في التوراة ملاك الله لا يستطيع أن يرى ما في البيوت فقد طلب الله من شعبه في مصر أن يدهنوا عتبات منازلهم بالدم حتى يستطيع ملاك الله تمييز بيوت شعبه عن بيوت المصريين الذين سيضربهم الله ليلاً. هل يحتاج الله هذه الإشارات ولا يستطيع أن رؤية من يسكن البيت؟؟؟
أما في الإنجيل فنرى الله مختلفا...
- الله لا يعاقب الآن بل يوم الدينونة..يترك البشر يفعلون ما يشاؤون اليوم وفي الآخرة هناك حساب كل حسب عمله.
- الله لا يطلب قرابين وذبائح ولا عادات ولا عبادات محددة بل يركز على عمل الخير مع الإنسان الآخر..
- الله لا يطلب منا ماذا نأكل وكيف ولا ماذا نلبس وكيف. بل ركز على الجوهر الداخلي.
- الله يطلب التسامح المطلق والمحبة المطلقة ويرفض البغض والكره نهائيا..
- الله يمنع تعدد الزوجات وزواج الجواري والإماء..الزواج من امرأة واحدة فقط.
- الله يفصل بالمفهوم الحديث الدين عن الدولة "أعطوا مال قيصر لقيصر ومال الله لله..
- الله يطلب الزهد في الحياة وعمل الخير مع الجميع.
- الله لم يعد يتكلم مع البشر ويأتي إليهم يوميا كما في التوراة.
- الله نقض معظم ما جاء في الشريعة التوراتية وقال اخلعوا القديم والبسوا الجديد وقد ساوى بين القاتل وبين من يقول لأخيه يا أحمق...أي أن الكلمة السيئة تساوي فعل القتل...
منع القتل نهائيا. منع عقوبات الرجم كلها ووضع العقوبة بيد الله يوم الدينونة.
- في الإنجيل الله خالق متسامي أعطى الحرية للبشر في أن يختاروا أعمالهم وأفعالهم وعاداتهم وسلوكهم ولكن بما لا يلحق ضررا بالآخر.
- في الإنجيل الله صار لجميع البشر بدلا من كونه لشعبه المختار.
- في التوراة عمل على بناء الهيكل لتقدمة القرابين والصلوات له, بينما في الإنجيل قال أين ما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون بينهم...
- في الإنجيل تجد الله منسجما مع الآيات المذكورة. تجده محبا للجميع يطلب النقاء والطهارة الفعلية القلبية. بينما تجده في التوراة إلها قائدا يتصرف مثل تصرف البشر ويفكر بطريقتهم ويغضب مثلهم ويندم مثلهم.
- في الإنجيل قيل إن أردت أن تصلي- إن أردت أن تصوم. فأنت مخير في صلاتك وصيامك وكل عباداتك. بينما في التوراة كانت فروض شديدة لا تهاون فيها...حتى أن راحة الإنسان الأسبوعية فرضها الله يوم السبت. وفيه لا يجوز العمل نهائيا.
- فرض الختان كعهد له مع شعبه والنفس التي لا تختن تقطع من شعبها...
في الناموس التوراتي كل شيء مفروض ولا خيار ولا اختيار..أما في الإنجيل فلا فروض ,بل فقط الاختيار. أليس هذا إلغاءً للقديم...
يقول بعض المؤمنين أن المسيح قال ما أتيت لأنقض بل لأكمل.. ولكن هذا القول جاء ليمنع الاصطدام المباشر مع اليهود الذين رفضوه.مع الذين قال عنهم أنتم قساة القلوب..أنتم من أب وهو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تفعلوا...أتيت لخاصتي وخاصتي لم تقبلني...
لكن في الحقيقة هو نقض الناموس وهدم الهيكل وحطم ألواح الشريعة كاملة ولم يترك منها بندا واحدا لم يغيره، فهو لم يكمل شريعة الناموس الناقصة بل مسحها كاملة وبشكل صريح ودون مواربة...وهنا هل الإله الذي في التوراة هو نفسه الإله الذي في الإنجيل....
هل يتطابقان؟ هل هما واحد؟ أم إلهين مختلفين جاءا في سياق النص الديني مختلفين ولكن إرادة البشر أرادت توحيد الإلهين بإله واحد لمنع تناحر النصوص واقتتالها وبالتالي حفظها من أن تتأثر سلبا من هذا الاقتتال.........
معظم الانتقادات الموجهة للمسيحية اليوم تتناول نصوصاً من التوراة ولا يستطيع المسيحي مهما أوتي من المعرفة والعلم أن يقنع الآخرين بدفاعه عن نصوص هي ليست نصوصه مملوءة بقصص مشينة ومعيبة ... في شريعة التوراة عقوبة كل خطأ القتل رجماً. ما أسهل القتل في التوراة !!وهو مستحيل في شريعة المسيح......لماذا يقبل المسيحيون ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟..............
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟