علي عودة
الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 12:59
المحور:
القضية الفلسطينية
يضرب مثل (كالساقط بين الفراشين) لمن يحتار بين أمرين , ويمكن أن يضرب لمن يحيّر الناس في أمره . إذن فهذه الفئة من المثقفين حائرة محيرّة. ولا بد من التنويه إلى أنها ليست فئة متجانسة ومتفقة في أفكارها وهمومها ومواقفها بل هي عبارة عن مجموعات تتفق في أمر واحد فقط وهو الابتعاد عن الهموم والسمات الثقافية الأصيلة , والالتفات إلى المنافع الذاتية والهموم الفردية , ومنهم كتّاب وصحفيون وأكاديميون وفنانون .. وضبابيون تائهون كذلك !!
ويبرز منهم تياران رئيسان :
الأول : تيار المخضرمين وأصحاب تجربة اللعب على الحبال
وقد تميّز هذا التيار – منذ البداية بتبنّي منهج (الإيهام بالموضوعية والنزاهة) ومحاولة تكريس استقلالية مفتعلة بين أطراف الصراع الفلسطيني , وهكذا وجدتهم يتنقلون بين قنوات حركة حماس الإعلامية (ويلعلعون) في قنوات وإعلام السلطة الفلسطينية برام الله , ويصعب على أي حصيف أو متابع أن يضبط لهم موقفاً أو يحدد عندهم رأياً , لأن كتاباتهم وتحليلاتهم تتأرجح كالبوصلة بين المتنافسين , وتعطي كل طرف ما يريد أن يسمعه ويقرأه. .ومن الأوهام التي باعها هذا الفريق (الانتهازي) وسوّقها للبسطاء والمخدوعين ,وهم الوقوف على مسافة واحدة بين (الأخوة الأعداء)..وهي مقولة تتناقض مع الشعارات والمعتقدات الفكرية اليسارية التي يتبناها بعضهم – إنهم يرددون كلام اليسار التقدمي ويحتضنون خطاب اليمين السلفي القمعي !!
وفريق من هذه الفئة حبك لعبة ذكية وماكرة وذات أهداف بعيدة وقد خطط هذا الفريق لأهدافه بعناية مذهلة , حين بدأ في شن حملة شعواء على حركة حماس وهاجمها بضراوة وكأنه يستفزها ويدعوها للقبض عليه ومعاقبته , ليسارع بعد ذلك (بالهرب ) إلى رام الله حيث يُستقبل هناك كالأبطال ويعيّن وزيراً أو مستشاراً . خاصة بعد أن تدنّى مستوى هذه (الوظيفة الوزارية) ووصل إلى الدرك الأسفل , وإلى الطرافة المريرة..
لقد حقق بعض أفراد هذه الفئة مآربهم وتأهلوا واستوزروا وتركوا أقرانهم وزملاءهم في المنهج والخداع بحسرتهم , يلوكون الكلام ويصطفون في الطابور ,من جديد , على أمل في أن ينالوا الحظوة والتقدير في التشكيل الوزاري القادم وأن يتم خطفهم –مثل زملائهم- من بيننا فجأة ووضعهم تحت مظلة اللقب البديع (معالي الوزير)..
وهناك شريحة أخرى من هذه الفئة نبتت – فجأة أيضاً-وأطلّت علينا بألقاب المفكر والسياسي والكاتب والأديب – والمحلل .. ومنهم من أعاد إلى أذهاننا لقب (المفكر الثوري- الملتزم) ورغم أننا لم نسمع بهم من قبل ولم نقرأ لهم حرفاً ولا خرفاً , ورغم أن المشهد الثقافي لا يذكر لهم حضوراً ولا ظهوراً , إلا أنهم أصرّوا على اقتحام الفضائيات (والتخبيص) في الندوات والمحاضرات دون أن يرفّ لهم جفن أو يتصبب من جباههم عرق , وراحوا ينظّرون ويهذرون في جميع القضايا والأمور- وسبحان الله لقد اكتشفوا عبقريتهم فجأة وساعدتهم في ذلك حاجة الفضائيات ووسائل الإعلام التافهة إلى ملء مساحات من الهراء والهذيان !!, فهم في حاجة إلى التعويض وإلى من يغذي فيهم وهم (اللمعان والفهم) .. والفضائيات ووسائل الإعلام المشار إليها في حاجة إلى طبّالين وقرّادين وبهلوانات! وهكذا وافق شن طبقة..(والطنجرة لاقت غطاها)
الثاني: تيار النفعيين والتائهين
ويمكن تقسيم هذه الفئة إلى شريحتين أيضا
شريحة الفنانين النفعيين التي لم تضيّع الوقت أو تهدر الزمن , لأنها ذهبت إلى أهدافها مباشرة فقد عملت على استثمار نوايا المؤسسات الأجنبية وأموالها – المشبوهة وغير المشبوهة – وقد انتشرت هذه المؤسسات وعملت تحت شعارات دعم الثقافة والفنون والآداب الفلسطينية..وتبنّت كذلك أنماطاً معينة من الثقافات والفنون.وأنفقت عليها وعلى مرويجيها .والتقطت هذه الشريحة الثقافية الرغبات (الدولية) فقدمت الأعمال الفنية المرتجلة البعيدة عن همومنا وقضايانا وأقامت الندوات المبتذلة الهابطة واتسم زادها الثقافي بأسوأ ما يمكن أن يقدم من ثقافة أو فكر أو أدب , ليحصلوا في نهاية المطاف على ما تم اصطياده من أموال هذه المؤسسات , ثم تقاسموه , لتتلاشى الفقاقيع الثقافية بعد ذلك وتستقر الدولارات في جيوب وأرصدة هذه الشريحة النفعية الماكرة , ولتذهب الاعتراضات والاحتجاجات التي أصدرها المثقفون إلى الجحيم - والنسيان – وما جرى – بالنسبة لهم - يعني (الشطارة الثقافية) – والغاوي ينقّط بطاقيته !!
وهناك شريحة ثانية من المثقفين التائهين وهم في معظمهم من فئة الشباب الساخطين على كل شيء بما في ذلك السخط على أنفسهم وذواتهم .. واتجهت هذه المجموعة إلى إنشاء التجمعات والمنتديات فكثرت الأسماء والتسميات مما أفقدها رمزيتها ومدلولها .. وبرزت معاناتهم في تحصيل الأموال اللازمة لتمويل مشاريعهم الثقافية الضخمة التي لا تتناسب مع قدراتهم ..
وللحقيقة فإن هذه الشريحة الشبابية أقل الفئات الثقافية التي نوهنا لها خطورة على المشهد الثقافي والأدبي للأسباب التالية :
* أن هذه الشريحة امتداد لظاهرة موجودة في كثير من البلدان العربية والأجنبية وتملك نفس سماتها المتمثلة في التمرد ورفض القديم والدعوة إلى الحداثة والعولمة وترديد كثير من الشعارات والنظريات الفنية والأدبية المدوية (موت المؤلف - موت الأب - السحرية في الأدب - الفضاء الشعري -البوح ومكنون الذات- التناص الوجداني- الحلول الروحي ) وغيرها من مصطلحات ونظريات , دون أن يؤهلوا أنفسهم وأعمالهم لهضم واستيعاب مثل هذه الأطروحات والنظريات الكبيرة ..لكنهم – مع ذلك- لا يشكلون خطرا على الحركة الأدبية والثقافية – بل هم يعملون على إثرائها .وتفعيلها ..
* إن وجود هذه الشريحة يجدد ملمحاً مهماً من ملامح الثقافة والأدب والفن وهو تلاقح الأجيال وتنافسها من أجل تنمية الثقافة والأدب ورقيهما .. ولا يعيب المشهد الثقافي أو الأدبي أو ينقص من قدرهما ذلك التوتر أو (الصخب)الذي تحدثه هذه الشريحة في مداخلاتها ونقاشاتها ,خلال الندوات والمحاضرات .,لأنه من حق هذه الشريحة أن تبحث لنفسها عن دور ومكانة وتعبر عن آرائها وأفكارها , ومن واجب (الكبار) أن يستوعبوا مشاغباتهم – وجلبتهم ..
* الأمر الثالث الايجابي ,أن هذه الشريحة لا تلهث وراء المؤسسات الأجنبية المشبوهة بالقدر الذي لاحظناه عند المثقفين المخضرمين ..وقد تكون قلة الخبرة والافتقار إلى العلاقات سببا ً لهذا , ومع ذلك تبقى هذه الشريحة أكثر نقاء من المثقفين المخضرمين (الشبعانين) .
بقي أن نشير – في ختام هذه الدراسة- إلى تلك الفئة المثقفة المخلصة التي آثرت الترّوي والتمسك بكبرياء المثقف والمحافظة على مكانته.. وإذا كانت الظروف قد أعجزت هذه المجموعة المخلصة المثابرة عن القيام بهذا الدور في بعض الحالات , فإنهم ما زالوا(يجاهدون) بإقامة الندوات والمحاضرات والأنشطة وإصدار المؤلفات , وتأبين فقيد هنا أو الاحتفاء بصدور كتاب هناك – إن مهمة هذه الفئة الصابرة تبدو كما لو كانت سيراً على الأشواك أو مشياً وسط حقل من الألغام ,وهي تحاول اختلاس الظروف والأعين لتحافظ على المشهد الثقافي وأصالته .. ولا تساوم هذه الفئة المثابرة على إخلاصها واستعدادها للتضحية من أجل أهدافها النبيلة ,!! فكان الله في عونها .. وأسمع الله صوتها وصبرها وجهدها وإخلاصها إلى المسئولين الغافلين المترفين!!
اللهم آمين .. آمين ..آمين ....
علي عــودة
أكاديمي وروائي -غزة
#علي_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟