|
شتان بين كلاب وكلاب
زيد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 3017 - 2010 / 5 / 28 - 09:52
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إحتلت الكلاب مكان الصدارة في الحديث المتشعب مع قريب لي في مدينة تورنتو ، ووصلنا إلى نوع رائع منهم ، وهو من يقود المكفوفين في سيرهم . ذهلت عندما سمعت عن ذكاءه لأول مرة قبل سبعة سنوات في كندا ، فهو دليل المكفوفين في خطاهم ، يقف عند الإشارة الحمراء وينطلق في الخضراء ، يدربونه على أن يفهم بعض الأماكن الذي يحتاجها مالكه ، فإذا ذكر إسم محله المفضّل ، قام لوقته ليوصل صاحبه للمكان الذي يريد ، يعني لو كان في العراق ، لطلب منه صاحبه الذهاب إلى أم اللبن في بسطة بغداد الجديدة ، وسيأخذه هناك وليس لأم القَيمر أو إلى بياع اللبلبي ( الحمص المسلوق ) ، هذا في حالة عدم إعتراضه من قبل أطفال المحلة بالحصى والصوندات ( مربيش ) . إنه مجرد كلب ، إنما تعلّم ماأراد أن يعلّمه أياه المدرب . أثناء خدمتي العسكرية ، كنّا نخرج يطغاتنا ( فرشة النوم والوسادة ) إلى الهواء الطلق صيفاً ، وفي إحدى الليالي التي كنت فيها منهمكاً من التعب ، شاء القدر الأعوج أن ينام بجانبي نعمة الطباخ والذي لم أتذوق طعامه يوماً لأسباب تتعلق بالنظافة العامة ، إذ طالما قرفت من منظره وهو يخرج من دورة المياه وبوجهه إلى المطبخ دون المرور بالمغسلة ، وكلما إقتربت من النوم وإذا به يسألني سؤال بنبرة صوته التي تشبه صافرة الحارس الليلي ، وكنت أجيبه بإختصار شديد هذا إن لم أقل له " لاأعرف " كوني كنت حينها ربع حيل ، لكن في سؤاله الأخير أفقدني صوابي : زيد ( بوضع كسرة تحت حرف الزاء وليس الفتحة مع تطويل الياء بوضع كسرة أيضاً وليس السكون ) هل تصدّق بأن الأرض كروية ؟ عندها ثارت ثائرتي وقلت له شاتماً الجميع ، وماذا عن الحمار ماجلان ، والجحش غاليلو الذي أعدم ، وأبناء الكلاب رواد الفضاء ، ومن ثم طلبت منه بحرقة قلب أن لايسألني مجدداً ، فخسرت تلك الليلة تأملي في نجوم الفضاء وتمتعي بنسيم الهواء العليل الذي ينسيتي وضاعة الحالة التي كنت بها ، وأقصد الثكنة العسكرية والملابس التي بلون التراب . وقد تذكّرته أثناء الحديث عن الكلاب التي تقود المكفوفين ، فقلت لقريبي ، الكلاب تعلّمت وفاقت زميلي نعمة ذكاءً ، فهو مازال يعتقد بأن الأرض مسطحة كسطحية تفكيره ، والمفارقة في إسمه . أما هو ، أي قريبي فله من الأبناء أربعة ، الكبيرة ثمانية سنوات ومن ثم ثلاثة أبناء 6 – 4 – 2 ، ويعاني ألأمرين من شغبهم خصوصاً الصغير المعجون بالخباثة والتي تعلن عيناه على إن صاحبها محتال بإمتياز . فكان له الحديث وأخذ يقصّ مارآه قبل أيام في عيادة الطبيب ، فقال " كنت واقفاً أمام العيادة ومعي إبني الصغير بإنتظار زوجتي ، وإذا إمرأة وبصحبتها كلب من فصيلة البوكسر ، طلبت من كلبها عدم الحراك والإنتظار الصامت أمام مدخل العيادة ، ويكمل الحديث بإسلوبه الذي ينتهي عادةً بسخرية ، خمسة دقائق وعشرة ونصف ساعة تقريباً حتى خرجت المرأة والكلب لم ينبح ولم يتحرك ولم يشاغب ، ثم ينهي بوجهٍ حزين ....... تمنيته إبني !!! " . جاري في كندا يملك كلباً ، وكلما يراني يأتي نحوي مسرعاً ويبدأ باللعب معي أمام مالكيه ، وأنا أتصنع الشجاعة أمامهم وأبدأ بلمسه ولاأحد يعلم خوفي ولم يفضحني بنطالي يوماً ، والكلب المسكين لايعرف تاريخي مع أبناء جنسه . فقد كان لجاري أيضاً في منطقة المشتل ببغداد كلباً أسوداً كثيف الشعر صغير الحجم بعض الشيء ، وقد كان عدائي أنا وصديق طفولتي عبد الرحمن للكلاب والقطط مبالغاً به ، فقد كانت كل الكلاب السائبة تعرفنا ، وكل أهالي المنطقة يعرفون ولعنا بملاحقتهم بالحجار والعصي وكل ماتطاله أيادينا ، وقد كانوا يتهمونا بكل من له علامة فارقة في وجهه وجسمه ويوجهوا أصابع الإتهام لنا ، بأننا السبب وراء كل عرجة كلب وقطع ذيل أو إذن أو قلع عين واحداً منهم ، وقد كان للكلب الأسود الذي يملكه جارنا تاريخ مؤلم معنا إنتهى ببكاء أصحابه لفراقه الأبدي غدراً . فكم تمنى المغدور أن يوجه لي عضةً ، إلا إن خوفي أحيانا كان يقود خطاي بالسرعة القصوى ، وقد علّق على ذلك أحد الأشخاص بأنني لو أشارك في سباق الركض ويطلقواً ورائي ذلك الكلب لحصلت على الجائزة الأولى دون منافس . ثقافتنا مع الكلاب كانت سادية بعض الشيء ، فمن يمتلك كلباً كانت متعته بكلمة ( شوو ) ليخيف من حوله ، بينما الكلاب في دول الغرب لاأعتقد بأنها تعرف تلك الكلمة ، فكلما رأيتها وإذا بها تلعب ، وهي ودودة ومحبوبة ، وهناك مثل إنكليزي يقول " من أحبنى أحب كلبى معي " ، أي كما أنا لطيف فكلبي كذلك ، بينما نحن نستخدمه للعنف ، حتى إن رجال السلطة الذين عرفناهم ، يعاملون حماياتهم كالكلاب ، يوفّرون لهم كل متطلباتهم ويحرمونهم منها متى شاءوا ويستخدمونهم لترهيب الشعب وتخويفهم ، لذا فهم يستعيضون عن الكلاب الحقيقية بكلاب أشرس منها . Dog does not eat dog الكلب لا يأكل ( أو لا يعض ) كلبا إستوقفني هذا المثل الذي وجدته أثناء البحث لتعزيز المقال ، وبالمقارنة مع مايجري في العراق ومايفعله البشر مع أقرانهم المساكين ، وجدت البون الشاسع بين إنسانية الكلاب في الدول المتحضرة وحيونة أشباه البشر من الذين يقومون بعمليات التفجير والخطف وإرسال التهديد للأصلاء من شعب العراق كيما يجبرونهم على الهجرة وترك بلادهم ، فكلب جاري لايعرف سوى اللعب ، بينما كلاب الغدر لاتعرف سوى إراقة الدماء ، لذا أقول لقريبي ، بدل أن يتمنى أن يكون ذلك الكب إبنه ، قل ليتعّلم المجرمين وغالبيتهم يتستّرون تحت إسم مقاومة من ذلك الكلب طيبته ، وليكن للأم العراق أبناء كلاب مثل هذا الكلب اللطيف بدل الكلاب المسعورة التي دمرت أرض العراق وشعبه . فإن سمعنا من يقول بأن الكلب الحي خير من أسد ميّت ، فيمكننا أن نقول ، بأن الكلب في الدول المتحضرة أفضل بكثير من إنسان يتسبب في ألم أخيه الإنسان . عند عودتي من الأجازة وإلتحاقي في البطرية المنتسب لها ، كان وصولي عادةً بين الساعة الثالثة والخامسة صباحاً ، وللوصول لمرقدي الوقتي كما أسميته من الشارع العام يتطلب حوالي نصف ساعة سيراً على الأقدام ، محاطاً في مسيرتي تلك بفوج من الكلاب السائبة وهي تنبح وتهدد وتحلف أغلظ الإيمان بانها ستنهش لحمي ، ولخبرتي الفعّالة مع نوعين من الكلاب ، الكلاب البشرية التي تتجمع حول شخصاً أعزلاً تحاول الإعتداء عليه ، وكما نسميهم ( ولية مخانيث ) إلا إن الكثرة تغلب الشجاعة إلى حدً ما ، فنفس تلك فصيلة الكلاب البشرية ، لو حاولت التلملم حول شخص له من الجرأة مايكفي لردعهم ، فبأول ضربة منه سيتبددون كالنعاج عند رؤية الذئب ، والكلاب السائبة الحقيقية كانت شرسة مادام الإنسان يخافها ، لذا كنت أحمل نطاقي بيدي وأرميهم بالحجر حتى وصولي إلى ثكنتي بسلام لينتهي وعدهم بنهش لحمي بالفشل ، علماً كنت حينها في قمة الخوف إلا إن لطف الله أبعد الجلطات عن قلبي ، وكنت أسجل ذلك بطولة في تاريخي ، وهي في الحقيقة ليست بطولة بل حسن التعامل مع حيوانات خائفة . ولية المخانيث أو الكلاب البشرية التي نوهت عنها أعلاه ، تحوّلوا اليوم إلى ميليشيات مسلحة ، تخطف وتسرق وتنهب وتقتل وتنحر رقاب المخطوفين بحجج واهية وتمتهن التفخيخ ، ومهما زادت من تكالبها ، إلا إنهم يبقون شريحة من الجبناء التي إستباحت شرفها قبل دماء أبناء جلدتهم ، فهم من دنّسوا وزنوا بأمهم الأرض ، ووالوا قبيحي الذكر والوجوه من الناقمين على العراق وأهله منتظرين إحتلال أرضهم من قبل غزاة سيكافئونهم لامحال بإنتهاك أعراضهم أولاً وهي مكافئة عادلة للخونة والمارقين . أما الكلاب الحقيقية والمتدربة على صون نعمتها فهي لاتتوارى أمام الغرباء ساعة الإعتداء ولاتبدل أصحابها بعظمة خنزير ، بل وفية لبيتها حتى وإن كانت كلاب ، أفليسوا أفضل من تلك الكلاب البشرية المسعورة ؟ على الأقل هي واضحة وتتصرف على ماخلقت لأجله ، ولم تستخدم للتهديد كما حصل قبل فترة قليلة ، حيث وجّهَت فصيلة مقرفة من الكلاب الممتلئة بالقروح والأمراض رسائل تهديد إلى أساقة وكهنة الكنائس في بغداد ويطالبوهم بترك العراق هم وكافة المسيحيين دون رجعة وإلا سيعضعضوهم ويفتكون بهم بشراسة واللعاب يسيل من أفواههم الكريهة كرائحة فم البعران ( الجِمال ) . قرأت مختصر لدراسة مؤخراً على إن تربية الكلاب تطيل عمر الإنسان وتُجنّبه أمراض القلب وتآنسه في وحدته ، وتجعله نشطاً لأنه يضطر إلى مرافقتها للسير ، وكم مرة أندهش عنما أرى أصحابها وهم يحملون كيس في يدهم ومحارم ورقية كيما يرفعوا خروجها عن الأرض لو فعلت ويضعونها داخل الكيس كي لاتتسخ الأرض ، وكنت أقرف لهذا المنظر ، لكن في الحقيقة ، هذا دليل إمتنان على إنه وجد الرفيق المناسب الذي لايغدر به . والكلاب عند الغرب مطيعة ووفية ولا فرق بين أنواعها فهي تبقى كلاب مُقَدّرة معززة إن ملكها جورج بوش أو عامل النفايات ، بينما كلابنا أسياد ويملكون قرار ولهم صوت مسموع يخترق الأذان ويحطم طبلاتها لنشازه ، وأينما نسير نرى مخلفاتهم في كل صوب وحدب ، تلحس أرجل أصحابها من الذين أسكنوهم بقصور وأجلسوهم على كراسي ، وتقطع أوصال المساكين دون واعز ضمير . فياقريبي العزيز ، لاتتمنى لكلب أن يكون إبنك ، بل تمنى أن نرسل كلابنا من البشر إلى أصحابها الموالين لهم ، ونستعيض عنهم بكلاب من الحيوانات من الخارج مدرّبين خلقياً ، ليَخدِموا ويمتعوا لاأن يُخدَموا ويتسافلوا ، ويأتي من العراقيين أشخاص يعملون لخير بلدهم . ولمن تسبب ويتسبب بدمار العراق وتهجير شعبه الأصيل ، ينطبق عليهم المثل القائل : " قال ادخل الزريبه نقى لك كلب قال : كلهم كلاب ولاد كلاب " .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=156472 (للإطلاع : صلاة كلب ، في نهاية المقال على هذا الرابط )
#زيد_ميشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمن التصفيق ؟
-
أمل
-
عذراً أيها الحكيم البابلي – لقد كنت صغيراً جداً حينذاك ، ولم
...
-
لاأثق بهم ولاأستلطفهم ، فهل أنا على خطأ ؟
-
الله و الله وأكبر والرب وأودوناي
-
الله حسب الطلب
-
العلم العراقي وعلاقته بقتل المسيحيين
-
نحن كنّا ، وماذا عن الآن ؟
-
سمير إسطيفو شبيلا - يدي بيدك من أجل شعبنا المضطهد
-
رأيي شخصي - الكتابة بإسم مستعار
-
لاس فيغاس عراقي ، كفيل بتقويمه
-
زماننا وزمانكم
-
تعال يا حمار . . ميخالف - روح يا حمار . . ميخالف تعال ( أركب
...
-
حتى آدم وحواء شتمهم حرام !!
-
إسمحوا لي أن أشتم - حلقة أخرة من سلسلة تنفيس
-
بدل أن نطلق صفاة لإله واحد ، فليكن لنا أسماء لعدة آلهة
-
وهناك أنواع أخرى من التنفيس وأنا لاأعرف
-
الاديان والقوميات حافظت عليها البشريه .. ليس حبا بها بل كرها
...
-
يوم الحرية الكوني
-
الصحافة القندرية مكلفة مادياً
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|