|
متى نقطع دابر الانحناء امام الكاريزما
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 22:43
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الثقافة السائدة في المجتمع، اي مجتمع كان، و بالاخص المجتمعات الشرقية بما فيها من السمات المغايرة للاخرى في العالم، و هي تحوي على مختلف المستويات الاجتماعية من حيث العقليات و التفكير و الحالة الاقتصادية و الموقع و النظرة الى القضايا و المواضيع العامة وما الى ذلك من الامور ذات الصلة ببناء الشخصيات الكاريزمية، و ما موجود من الايمان بالفلسفات و الافكار و العقائد و الطقوس السائدة و المتوارثة من حقبات التاريخ الغابرة و ما تسير عليه الحياة بشكل عام، و ما تحتويه من المنحنيات المتفاوتة من المستويات المعيشية و الكم الهائل المتنوع من العلاقات الاجتماعية و الروابط و مدى تاثيرات رواسب التاريخ و الاساطير و الاديان و المذاهب و الطرق على الاخلاقيات ، وعدم القدرة على تحمل التغييراو دفعه، وفقدان دور الانتقادات و الانتقالات من المرحلة لاخرى، هذه العوامل مجتمعة تدع المجتمع ان يتسم بالصفات التي يمكن ان نقيمها بانها مشجعة لبناء الكاريزما و تحتل مكانتها المرموقة من المواقع التي يحسب الفرد حسابا خاصا لها في تعامله مع المحيط . عندما تنشا شخصية ما في اي مجال، سوى كان اجتماعيا او سياسيا او صاحب قدرة اقتصادية او ثقافية معينة تميزه عن الاخرين ويكون له نتاج في اختصاص معين كالادباء و الشعراء و الكتاب و المصلحين الاجتماعيين و حواشي الملوك و الشخصيات عدا المناصب الادارية في العصور السابقة على الاكثر ، فتصبحت لهم هالة لا يمكن الاقتراب منها بشكل ما يمكن ان يُحس بانهم ملامون او تلوح اليهم الافراد بالاتقاد ولو ضمنيا، اصبحوا رموزا معصومين عن الخطا في نظر العامة و هم اعلى مكانة من افكار و سمات و عقليات و اخلاقيات الانسان الاعتيادي، و هذه هي سمات المجتمع الشرقي لحد اليوم. و كم من ابناء الشعب تجرئوا و اشاروا الى صفة ما لاحد الشخصيات اصحاب الكاريزما و دفعوا الثمن و الضريبة غاليا و بكافة الاشكال، و كم منهم قدموا حياتهم او نفيوا او سجنوا و تعذبوا، و ان كانت ارائهم و مواقفهم حقيقية صحيحة و لصالح المجتمع، ولكن لم تؤمن بها الاكثرية لاسباب متعددة و منها الفقر في الثقافة العامة و ما يتميز به المجتمع المؤمن بالكاريزما من الخصائص، لا بل تحججوا لتلك الشخصيات بكل السبل لتغطية اخطائها و سلبياتها مهما اضرت بالمجتمع و مستقبله. لو تفحصنا التاريخ بكل دقة و ما فيه و سعته، و القينا نظرات مختلفة الى مضمونه و درسنا الشخصيات العامة التي تركت اثارا مختلفة على مسيرة المجتمعات و كل حسب قدرته و امكانياته ، و من ثم جردنا انفسنا من اي فكر و خلفية فكرية مسبقا كي نبرز الجوانب الايجابية و السلبية لاصحاب الكاريزما المعلومين و كيفية نشوئهم او انبثاقهم و من ثم استمراريتهم و كيفية اعتلاء شانهم، و من منهم استغل بساطة الثقافة العامة لعموم المجتمع و سذاجتهم ام لا، ومدى تغيير النظرات العامة للمجتمع لشخصية ما بتغيير الوسط و الوضع العام. كم من الشخصيات الكاريزمية المجحفة بحق الشعب اُكتشف فيما بعد ازدواجيتهم في الفعل و الفكر و العمل و الموقف و النظرة الى الامور العامة، و كذلك الى شؤونه الخاصة. تتوضح لدينا في كل مرحلة ان هناك اسباب و عوامل تخص المرحلة بذاتها لبناء الشخصية و الكاريزما لفرد معين، سوى كانت هذه العوامل سياسية او اقتصادية او ثقافية، و ربما اجتمعت هذه العوامل معا في نشوء هذه الصفة و خصائصها، و حسب السمات او المميزات الخاصة بكل مرحلة و اشكالها و مستوى الوعي العام و الثقافة السائدة فيها. اي، مراحل تقدم المجتمع و مميزاته و اولويات اهتمام الفئات المختلفة فيه هي من اهم الاسباب المحددة لبيان درجة الكاريزما لدى الشخصيات، فان مرحلة التحرر للشعوب و في خضم نضالات الحركات التحررية تكون ذات المتطلبات الخاصة بكيفية التحرر و الخلاص و تحقيق الاهداف، وهنا القادة العسكريون و السياسيون الدهاة من اولى الشخصيات التي يمكن ان تكسب الكاريزما امام الشعب، و في مرحلة التحرر و الحرية و وجود دولة مستقرة سيصبح الوضع الاجتماعي العام و القدرة الاقتصادية و المستوى الثقافي و المكانة الاجتماعية للفرد و على اختلاف نسبتهم هي من العوامل المثبتة للشخصية الكاريزمية . لابد ان نذكر هنا، ان المجتمعات التي تعيش في ظروف سياسية و اقتصادية و ثقافية و اجتماعية منخفضة المستوى سيلتف الشعب فيه حول الكاريزما المعينة و يصلها لحد التأليه، ويمكن ذلك ايضا في عصر يجب ان تكون الضرورات هي التي تفرض ان الفرد و المجتمع بشكل عام ان يتوجه نحو الايمان بمنبر الكاريزما و وعاظه و سلطانه. اما ان كان المجتمع يعيش في دولة تقدمية مؤسساتية لا حاجة له بشخص ما كي يوفرله، و يؤمن انه ينجزما يريد ان كان لديه الارادة و يوفر كل متطلبات حياته، بل الدولة هي الكفيلة له وهي التي تحل محل الكاريزما و الشخصية دون اي عائق امامه للحصول على الاحتياجات .، و لم تتجسد الشخصية الكاريزمية الامرة الناهية في مجتمع لم تسيطرعليه عقلية المحاباة و المحسوبية و المنسوبية ، و في واقع تتوفر فيه نسبة مرضية من العدالة الاجتماعية ، فان الفرد و المجتمع ككل حتما لا يحتاج الى التقوقع و الانحناء لاي شخصية كانت، سوى كانت فردا صاحب المنصب او الشخصية المعنوية لمنصب و موقع معين لتسيير اموره ، اذن فلا حاجة له في ان يتوجه لهذا الاتجاه في ضمان حاجاته ، و لذلك لا ينظر الى الاخر على انه الاعلى من نفسه من كافة الجوانب . و من اجل انهاء و قطع دابر هذه الصفة و الثقافة المتدنية لابد من التحول في المستوى المعيشي للمجتمع مع رفع المستوى الثقافي و سيادة القانون و ضمان المساواة ، عندئذ يمكن مسح ما يوفر الارضية لمثل هكذا صفات لاحد دون غيره ، فيكون الشعب بجميع افراده اصحاب الشخصيات و الثقافة و المعرفة التي تمنع ان تنبت الاحساس بالنقص في البنية الاخلاقية العقلانية لاي فرد. كلما تحرر المجتمع و التزم بالمباديء الاساسية للديموقراطية الحقيقية و المساواة و سيادة القانون و سموه و ان ترسخت الحرية و حقوق النسان ،فان مثل هذا المجتمع لم يسنح فرصة امام تكوين مثل هذه الصفات في اية شخصة كانت . اما ما نراه اليوم في منظقتنا بشكل عام هو استمرار خصوبة الارضية اللازمة لبناء هذه السمات و جميع العوامل المثبتة لها متوفرة فينا و ما يجسدها هو الوضع السياسي و ادارة البلد و دور الاحزاب المحبط و فقدان الحياة المدنية و عدم الوصول الى مرحلة الحداثة. فالجهد المطلوب لمحاربة العوامل المساعدة لترسيخ هذه الصفة و دعم العوامل المعرقلة لانبثاقها من مهمات النخبة و من اهداف الاحزاب و التيارات التقدمية و منظمات المجتمع المدني .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يقف ضد تأليه القيادات الجديدة في العراق؟
-
لم نلمس الردود الفعل الاقوى ازاء ما تعرضت اليه كوردستان ايرا
...
-
اين وصلت حركة الخضر الايرانية؟
-
هل من المعقول ان تبدا و تنتهي الاحتجاجات العفوية بامر خاص
-
هل حقا لا يريد الشعب الكوردستاني ممارسة حقه في تقرير المصير
-
اسرع انجاز سياسي في تاريخ العراق الحديث !!
-
مقومات بقاء فاعلية الايديولوجيا او استنفاذها
-
هل يتجه العراق الى الحداثة في التعامل مع الواقع الجديد ؟
-
هل بالامكان توفير فرص العمل لكافة العراقيين ؟
-
تسييس الفعاليات المدنية لمصلحة من ؟
-
ما التيار الفكري المناسب لهذه المرحلة في الشرق الاوسط
-
منع الانتقاد هو الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية
-
لم يدان تطاول تركيا و ايران على اقليم كوردستان!!
-
الاغتيالات ما بين الاخلاق السياسي و التحزب
-
موقف المثقفين من الخروقات لحقوق الانسان في كوردستان
-
قلنا فلتكن كوردستان بوابة للحرية و الديموقراطية!
-
لماذا يُستهدف الصحفيين في اقليم كوردستان ؟
-
المطلوب هو الفعل و ليس الفتاوى والوعاظات و الشعارات
-
انتشار الفقر في اقليم كوردستان رغم الميزانية الهائلة له
-
الفدرالية الحقيقة تنقذ العراق و تحافظ على وحدته
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|