|
أيهما أهم الأخلاق أم الأفكار؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 12:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفكر ليس معياراً لأخلاق البشر، فليس كل حامل فكر هو حامل أخلاق. والفكر لا يوحد بني البشر، لكن الأخلاق توحد الجميع. فهناك ناس أخلاقيون ونبلاء من مختلف الأفكار والأديان والقوميات والأعراق. وأعتقد أن موقف نعوم تشومسكي وإينشتاين وكثير من اليهود من إسرائيل هو أفضل من كثير من عربان الصحوة النفطية المطروحة في بورصات التداول السياسي، والذين يساومون على حقوق هذه الشعوب كما يساومون وأكرمكم الله على (....)، في مواخير تايلاند.
لم يكن الفكر ولا الأفكار في حياتي كلها معياراً لعلاقتي بالناس بقدر ما كانت الأخلاق هي المعيار الأول والأخير في تقييمي وعلاقتي بالناس. ولا يهمني من أي شخص أفكاره بقدر ما تهمني أخلاقه. فحين يكون لدى المرء أخلاق لا أخشاه عادة، وقد أخشى وأتوجس كثيراً، ودائماً من أصحاب الأفكار. ومن هنا لدي أصدقاء من أصحاب الخلق الكريم من كافة المشارب الفكرية وحملة مختلف الأفكار، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ولا أركز في علاقاتي مع أي شخص على أفكاره لعلمي اليقين بأنها قابلة للتحول والتغيير، لكن أركز دائماً على الأخلاق، فمن كانت لديه أخلاق فهو كنز ثمين للصداقة.
لقد صادفت في حياتي الكثيرين ممن يقولون بأنهم أصحاب الأفكار، ولكن بكل أسف لم يكن لدى بعضهم أية أخلاق ومن هنا اندثورا وغابوا في عالم النسيان، وهناك من كانوا من أصحاب الأفكار البسيطة فسطعوا ولمعوا وتألقوا في عالم النجومية. فمرة ترى بعض أصحاب في أقصى اليسار ومرة في أقصى اليمين، مرة على يمين تروتسكي، وأخرى على يسار ماركس، مرة بجلباب وعمامة، وأخرى بـ"ببيونة"، وجاكيت لون زهري، مرة مع العولمة، وأخرى مع الحداثة، وثالثة مع السلفية، ورابعة ضد البداوة، وخامسة يهلل لدولة الخلافة، وسادسة مع ماكدونالدز، وسابعة مع صدام، وثامنة مع السادات، ثم تراه في منتدى خليجي في دبي يستلم "جائزة" تقديرية من طويل العمر الهمام. وحين كان الاتحاد السوفيتي في أوجه وعزه كان يضبط ساعته على دقات "مآذن" الكرملين، ثم تحول ليضبطها على آذان الظهر، ويشتغل بتوقيت مكة المكرمة، وكل هذا بعد انتصار المجاهدين وانهيار الإمبراطورية الحمراء، ومرة مع 14 آذار، وأخرى مع 8 آذار. هذه كلها أفكار وليست أخلاق، وما يوحدهم هو انعدام الأخلاق رغم وجود الأفكار؟
وفي الحقيقة أن تطور فكر الإنسان وتغيره وارتقاءه أو سقوطه برأيي هي محض عملية وتجربة شخصية لا علاقة لها بالأخلاق، رغم أن تطور فكر المرء أمر ضروري أحياناً لكن منظومة القيم والأخلاق لا يجب أن تتطورأو تتغير ولا تكون مرة فوق، وأخرى تحت. ولا علاقة واضحة بين الفكر والأخلاق فليس كل من لديه فكر يجب أن يكون لديه أخلاق، ولكن من لديه أخلاق قد لا يكون لديه أي فكر على الإطلاق. فقد ترى ماركسياً، أو ناصرياً، وشيوعياً، وسلفياً، وحتى قومياً عربياً، والعياذ بالله، يتمتع بأخلاق عالية، ونبيلة، وذا سمعة طيبة بين الناس، والعكس صحيح على أية حال. ومن منح التجارب الفكرية العظيمة ، قدسيتها ورمزيتها وأسطوريتها، وبصرف النظر عن نوعية الأفكار، هم أصحاب الأخلاق النبيلة وليس الأفكار العظيمة. فهناك شيوعيون كثر، وسلفيون كثر، وقوميون، وكتاب كثر، ذوو أخلاق عالية أعطوا تجربتهم الفكرية بعداً إيجابياً خاصاً، والعكس صحيح. وهنا تحضرنا أسماء كبيرة من مثل غيفارا، وأبي ذر الغفاري، وبسمارك، وماركس مثلاً، فما ميز هؤلاء جميعاً هو الموقف والخلق، وليس الفكر رغم أن كثيرين شاطروا أصحاب هذه الأفكار نفس الأفكار ولكنهم لم يشاطرونهم نفس الأخلاق. وسمعنا كثيراً عن سقوط كتاب ومفكرين، وصحفيين، ورؤساء أحزاب، والناظم الوحيد في سقوطهم هو انعدام القيم والأخلاق، رغم توفر الأفكار.
فالناظم الوحيد بين هؤلاء جميعاً هو الأخلاق وليس الأفكار. فإذا كان صاحب الفكر أخلاقياً، وصادقاً، فإن تجربته الفكرية ستكون مؤثرة وناجحة بالتأكيد، وما يعززها ويكرسها هو الخلق وليس الفكر. ففي تجربتنا في المنطقة يتم الحديث كثيراً عن ولاة وخلفاء الإسلام رغم أنهم جميعاً حملة لنفس الفكر والعقيدة، لكن ما ميز عمر بن عبد العزيز، مثلاً، عن كثيرين، والمكنى بالخليفة الراشدي الخامس لاستقامة خلقه، وعزز سمعته بين الناس هو خلقه الرفيع، وليس أفكاره ولا عقيدته، وترك سيرة طيبة بين الناس. وهنك الكثير من الأمثلة على النقيض والضد من هذا المثال.
والصدق دائماً هو أهم عوامل النجاح. فقد كان أحد الحكماء العظام من المحيطين بي، والذين أثروا على حياتي بشكل كبير يوصيني، بالصدق والتمتع بالأخلاق. وكان يقول لي ألا تكذب فمن يكذب يفعل كل شيء، والكذب هو بوابة الانحراف الأولى، فمن يكذب سيفعل كل شيء. وكان يقول لا يهم ماذا تفعل، وما هو عملك، المهم أن تكون صادقاً في عملك، وتعشق هذا العمل وتكون مخلصاً له. فلو كنت تبيع على "بسطة بطاطا" فاعشق عملك وأحبه واخلص له، فستنجح به وستصبح هذه "البسطة" البسيطة متحفاً للأجيال..
كن شيوعياً، وناصرياً، وبعثياً، ويسارياً، وسلفياً، يمينياً، أو يسارياً، صوفياً، سنياً، أم شيعياً، أم "رافضاً" و"ضلالياً"، وانتقي ما شئت من الأفكار لكن يجب أن تكون أولاً وأخيراً صاحب قيم وأخلاق، فالأخلاق تكسب الأفكار قيمتها وترفع منها، وليس العكس، وعند ذلك سيكتب لك النجاح في مسعاك. ومن يصل دائماً إلى القمم هم أصحاب المواقف والأخلاق، وليس أصحاب الأفكار. وعليـّة القوم هم على الغالب، وفي السياقات الطبيعية، وليست الشاذة والطارئة، هم أولاًً من أصحاب الأخلاق.
وأختم بالقول الذي أردده دائماً، لا تهمني أفكارك، وما تؤمن به من معتقدات، بقدر ما يهمني ما لديك من قيم وأخلاق. وما يخيفني فعلاً هو ليس وجود أو لا وجود فكر لدى المرء، بقدر ما يرعبني، ويقلقني انعدام الأخلاق، فعندها كل شيء سيصبح ممكناً ومباح.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأساطير الدينية تحت الاختبار: إنتاج أول خلية حية والإنسان ا
...
-
هل يعتذر البدو الغزاة ويدفعون تعويضات لضحاياهم؟
-
من أين ستأتي الخليجيات باللبن الكافي لإرضاع هنود الخليج؟
-
متى ينسحب البدو العرب الغزاة كما انسحبوا من إسبانيا؟
-
هل يمازحنا فضيلة الشيخ القرضاوي؟
-
زحف المغول الثقافي: هل يقضي المهاجرون على الحضارة الأوروبية؟
-
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين فقط!!
-
هل كان لدى البدو حمّامات في الصحراء؟
-
التعليم الديني للصغار كنمط للإكراه في الدين
-
لماذا لا نستبدل حصص التربية الدينية بحصص الموسيقى والفن والب
...
-
البورنو الديني في مدن الظلام: وثقافة الجن والعفاريت
-
ثقافة الوأد وافتراس الأحياء والصغيرات: آباء أم ذئاب؟
-
لا حضارة من غير بشر حضاريين
-
طلاق الصغيرات
-
هزيمة النقاب ومشروع بدونة أوروبا
-
لول: وأعداء الضحك والابتسام
-
أجب عن الأسئلة التالية: امتحان كتابي لإرهابي
-
الله يستر: مقال يزلزل كيان أكاديمي عروبي
-
زلزال الكلمة الحرة يصيب أكاديمياً سورياً !!!!
-
أيهما أفضل استعمار البدو أم استعمار الرومان؟
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|