|
إسلام واحد وقراءات مختلفة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 00:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يمكن القول إن التفسير والتأويل للنص الإسلامي المقدس بقراءة منفتحة أو منغلقة، بإغراض أو من دونه، يوصلنا إلى نتائج مختلفة وأحياناً متناقضة، لفهم الكثير من القضايا والإشكاليات، لدرجة لا نستطيع القول بوجود مشتركات بين قراءة وأخرى حتى وإن كان النص واحداً، فما بالك بالنصوص والقوانين الوضعية . ولعل الموقف من حقوق الإنسان يشكل مثالاً مهماً جديراً بالدراسة، فهناك الكثير من نقاط الخلاف والتقاطع مع التطور الكوني أو ما نطلق عليه “الشرعة الدولية”، وتبرز في هذا الشأن عدة قراءات أو مفاهيم، أهمها:
* أولاً: المفهوم الإنكاري “الرافض”:
يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن فكرة حقوق الإنسان هي “بدعة غربية” لتحقيق مآرب سياسية بضمنها التصدي لتيار الإسلام السياسي . ويقيسون على ذلك بتطبيقات سلبية وازدواجية في المعايير سائدة في السياسة الدولية، وبخاصة مواقف القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مثل الموقف من فلسطين واحتلال العراق وأفغانستان، والموقف مما حصل في البوسنة والهرسك والصومال وغيرها .
إن هذا المفهوم يرفض وجود رافد إسلامي لفكرة حقوق الإنسان المعاصرة، وهو لا يريد تأكيد دور الحضارة العربية الإسلامية في مقاربتها التاريخية لفكرة حقوق الإنسان العالمية، إلاّ أن قراءة متأنية للقيم التي أوردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام ،1948 تؤكد أنها لا تخص الغرب وحده وليس من العدل إنسابها إليه، بل هي بما تشكّل من أنساق وأطياف عبارة عن تزاوج وتفاعل الحضارات والثقافات المختلفة بما تمثّله من قيم إنسانية مشتركة، بما فيها الثقافة العربية الإسلامية . ولعلي هنا لا أبالغ إذا قلت إن فكرة “حلف الفضول” العربي نشأ في أواخر القرن السادس الميلادي بين 590م و595م الذي شهدته الجاهلية، كان أول رابطة لحقوق الإنسان في العالم .
فقد اجتمع فضلاء مكة في دار عبدالله بن جدعان وتعاهدوا على أن “لا يدعوا ببطن مكة مظلوماً من أهلها، أو من دخلها من غيرها من سائر الناس إلاّ وكانوا معه على ظالمه حتى ترد مظلمته” . وقد اتخذ الإسلام موقفاً إيجابياً من حلف الفضول “الجاهلي”، إذ ألغى النبي محمد (ص) كل أحلاف الجاهلية باستثناء حلف الفضول، ويوم سئل عنه، أجاب “شهدت مع أعمامي في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو أنني دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت” .
إن العرب والمسلمين قاربوا فكرة حقوق الإنسان منذ ما يزيد على 1400 سنة، لاسيما ما تضمّنه القرآن الكريم من مُثل وقيم إنسانية، والتاريخ العربي الإسلامي أسوة بتاريخ الكثير من الحضارات، يمثل إرثاً ثقافياً وتاريخياً هو رد على بعض الاتجاهات السائدة في الغرب التي تدعي أن العرب والمسلمين مجبولون على معاداة فكرة حقوق الإنسان بالفطرة، ومتصادمون مع مبادئها ثقافياً، ويدعمون ذلك بسجلهم الحالي بخصوص حقوق الإنسان، وهو غير مشجع بالطبع، ووفقاً لذلك يجري العزف على إرهاب وعنف العرب والمسلمين وثقافتهم المتعصبة والمتطرفة وحياتهم المنغلقة والمتخلفة .
* ثانياً: المفهوم الريادي
ولعل هذا المفهوم يختلف ويشترك مع المفهوم الأول الإنكاري، إذ إنه يشترك في إنكار الفكرة المعاصرة (الغربية)، لكنه من جهة أخرى يُرجع وجودها إلى الشريعة، ففيها حسب وجهة النظر هذه الإجابة عن كل شيء ولكل زمان ومكان، فالإسلام يمثل الريادة والأفضلية والتميّز على جميع القوانين الوضعية وهو سابق عليها .
* ثالثاً: المفهوم الانتقائي أو “التوفيقي”
وهذا المفهوم يحاول التوليف بين مفاهيم حقوق الإنسان المعاصرة والتراث، وذلك بإهمال النقاط الحساسة والساخنة، والبحث عما هو مقنع ويعطي إجابات للحاضر، على رغم بعض التعارضات والتناقضات الصارخة .
مثل هذه المحاولات التوليفية والانتقائية باختيار ما هو مناسب، سبق أن وجدت طريقها إلى العالم العربي والإسلامي في الخمسينات في إطار توليف الفكر القومي المعاصر مع الإسلام، أو في الستينات في محاولة إزالة التعارض والتناقض بين الإسلام والفكر الاشتراكي أو الماركسي، “بمركسة الإسلام” أو “أسلمة الماركسية” في إطار المصالحة الفكرية . ولكن تلك المحاولات جميعها برغم نواياها الإيجابية، مُنيت بالفشل بخصوص عدد من المواقف والقضايا التي يجري فيها الاحتكاك والتماس مثل: نظام العقوبات الإسلامي، والموقف من حرية التعبير، والموقف من مبادئ المساواة، لاسيما إزاء المرأة والأقليات القومية والإثنية والدينية وغيرها .
* رابعاً: المفهوم الاغترابي
وينطلق هذا المفهوم من زاوية مناقضة للمفهوم الإنكاري بتأكيده أن مفاهيم حقوق الإنسان لا علاقة لها بالتراث، بل هي مفاهيم عصرية، وهي جزء من المنظومة الحداثية التي تقوم على العقلانية والليبرالية والمدنية والمساواة، أما البحث في التراث فهو ليس سوى محاولة عقيمة وعبثية، لأن حقوق الإنسان هي منظومة حداثية للدولة العصرية .
وحسب هذا المفهوم فإن على العرب والمسلمين إنْ أرادوا السير في سلّم التطور، الإقرار كلياً بالمفاهيم الحداثية لحقوق الإنسان من دون زيادة أو نقصان، كما وردت في الاتفاقيات الدولية، وبخاصة الشرعة الدولية، بل يزيدون على ذلك بقطع الصلة بالماضي والذوبان في الحداثة إلى حد التغريب، ولعل مثل هذا المفهوم لا يأخذ الخصوصية العربية والإسلامية بنظر الاعتبار، ناهيكم عن الواقع الثقافي والاجتماعي والديني .
* خامساً: المفهوم الحضاري
إن المفهوم الحضاري يختلف عن تلك الدعوات الإنكارية من جهة والتغريبية من جهة أخرى، فهو يعتقد أن الإسلام يمثل حضارة كاملة ولا يمكن تجاهل تأثيره السابق والحالي والمستقبلي في الحضارة الإنسانية والفكر البشري، بما في ذلك فكرة حقوق الإنسان، وبهذا المعنى بالقدر الذي يمكن أن يسهم الرافد الإسلامي في منظومة حقوق الإنسان الكونية بإثرائها وتعميقها، فإنه يحتفظ بخصوصيته التي لا تعني التنصل من الشرعة الدولية، بقدر احترام هذه “العالمية”، الخصوصية الثقافية والدينية والتاريخية، ومراعاة الخصوصية للقيم العالمية .
باحث ومفكر عربي
صحيفة الخليج الاماراتية الاربعاء 26/5/2010
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العروبة والمواطنة
-
المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
-
العروبة والأيديولوجيا
-
المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا
...
-
التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
-
الإعلام وحق الحصول على المعرفة
-
العراق ومعركة المياه -مصححة-
-
حقيقة السجون السرية في العراق
-
حلم وردي مرعب!
-
الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
-
ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
-
الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
-
العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
-
الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
-
أرمينيا وسيمفونية المبارز!
-
كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*
-
العالم الثالث وسلة المهملات
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
-
فضاء الثقافة القانونية وحكم القانون
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (23) الاشتراكية والإيمان الديني
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|