|
مأدبة الكاتب وتهافت القراء
مهدي أبراهيم أحمد حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 15:38
المحور:
الادب والفن
عندما نقرأ في كتب السابقين نستمتع بزمانهم وماتجود به قريحة أفكارهم فحديثهم عن حياتهم تكتنفه الصراحة ويحيطه الجمال عاشوا وما ماتو بل نحس عندما نقرأ في كتبهم بواقعهم وزمانهم ونحدث بحياتهم آخرين ويعيشوا معنا قصصهم بشئ من الأعجاب تراهم يرجعون الي مواقفهم كلما تقاربت المشاهد وتشابهت الأزمنة والأمكنه ولاريب فكل الأمثال التي نستقيها في حياتنا الواقعية مقتبسة من أمثالهم وافقت لحظتنا لحظتهم فنطقت بها ألسنتنا تطابقا وأمعانا. كنا نحرص من خلال دراستنا علي حفظ الجيد من الشعر ومناقشة النظيم من النثر تعجبنا البلاغة والأجوبة المفخمة والمفحمة للخصم ويسطو بعضنا علي بعض بالتورية والكنايات علي شاكلة أن فلان هذا مسكين كلبه وأن فلان هذا كلبه دائم النباح وفي هذا كنايةعن صفة الكرم والبخل ونضحك ونطابق هكذا في جلسة قد تكون هزلية الا أن التعلم والتدرب علي ذلك كفيل بأن يجعلها في مصاف الحلقة الدراسية ، كنا نرتاح عند النثر وأستاذنا يبحر بنا في أدب العرب وذات حصة قال لنا(كانت العرب عندما يتوفي شخص لايقول مات وأنما يستعيرون عليه من الكنايات مايرفع درجة الموت الي درجة الشرف والشهادة مثل فلان أنقضت أيامه، لم تسمح النوائب بالتجافي عن مهجته ،فلان لحق بالسبيل الذي لا أحتراز منها ، وفلان أختار الله عزله بنقله من دار البوار الي دار القرار ونندهش من تلك المفردات التي تجعل مفردة الموت المخيفة مطمئنه ومحسنة في وجه السامع لها والناقل أليها . وللعرب في تحسين القبيح وتجميل القبيح طرائف أنهم يحسنون الحبس والسجن وهل نسمع في زماننا هذا من يمدح السجن ويكره الحريه ولكن لشاعرنا أبيات طريفة في ذلك أننا نسمعه يقول: قالوا حبست وليس بضائري حبسي وأي مهند لايغمد أوما رأيت الليث يألف غيله كبرا وأوباش السباع تردد وابدر يدركه السرار فينجلي أيامه وكأنه متجدد والحبس مالم تغشه لدنيه شنعاء نعم المنزل والمورد بيت يجدد للكريم محله ويزار فيه ولايزور فيحمد ونضحك لظرافة المحبوس ومنزله المورد والناس بطبعها عندما تقنع بما فيه يطيب لها المقام ولاتري الا بمنظارها ولها في ذلك مذاهب وشئون قد يطيب لأحدنا وكثيرون سمعتهم أن وافق السجن هواهم وكان متنفسهم فمن كان كاتبا ألف الكثير من الكتب في حبسه وكذا من كان شاعرا وفي زماننا هذا من كان سياسيا أنهم يرون في السجن وسيلة لجرد حساب الماضي والتفكير فيما هو آت بتأني بعيدا عن ضوضاء الأهل وزيارات المعارف والأرهاق بالسؤال والطلبات وكثيرون كان السجن لهم وسيله للخروج الي فضاءات السلطان وأعتلاء سلالم الشرف الي بوابات المجد الفسيحة .وهولاء المحبوسون في سبيل القضية التي تكون قاسما مشتركا مابين المناضل وجماهيره ومابين الشيخ وتلاميذه فلناس جبلت علي رد الفضل لمن ضحي بالحرية في سبيل نصرها وأرتضي أن يقبع بالسجن لسنوات طوال من أجل رفع الظلم وأعادة الحقوق كان سيدنا يوسف وهو أحب السجن علي حياة القصر ونعيمه (ربي السجن أحب الي ) وقد كان وخرج من السجن الي حيث المراتب العلية (أجعلني علي خزائن الأرض) والتاريخ يحكي الكثير . والأستاذ يبحر بنا في شواطي تحسين القبيح وتقبيح الجميل والأستاذ يلقي السؤال هل تحبون مجالسة الثقيل والأجابة ترتفع بصوت واحد وكأنما أتحدت صفاتنا وقيمنا جميعا في كراهته وبغضه والأستاذ كذلك يبغض الثقيل ويتمني لو أن الأرض أنشقت وأبتلعته من مجالسة الثقيل ومحاولة التقرب عليه والشخص الثقيل كثير في مجتمعاتنا يعرف من سيماه وتجمع قلوب الناس جميعا في بغضه وعدم مجالسته ولكن الأستاذ يقول أن العرب كانوا يستحسنون جلوس الثقيل ليس حبا في مقاربته والتودد اليه ولكنه أبتلاء يستلزم الصبر ومصيبة تستوجب دواعي التسليم بالقضاء والرضاء بالقدر والشاعر يقولها أبياتا جميلة يستحسن فيها جلوس الثقيل : أتانا ثقيل فقلت أصـــبروا يخف الثقيل علي من صبر فطيب الجلوس بثقل الثقيل كطيب الهريس بلحم البقر ونضحك من جديد وتنعدل أفكار بعضنا عن مجالسة الثقيل ويحبون مجالسته وسمره أنهم يعشقون الرائحة وفتة لحم البقر عند بعضنا تبقي جميلة في رأئحتها والتلذذ بأكلها الا أنها عند آخرين ثقيلة كثقل المشبه به رأئحة ومذاقا. ويترك لنا الأستاذ الفرصة ليسمع منا الطرائف وأجمل المعاني التي سمعناها لنعكسها عليه وعلينا علما ومعرفة وحفظا وأحدنا يبادر ليقول(قرأت أن واصل بن عطاء كانت لديه لثغة قبيحة في حرف الراء ومع ذلك كان يقول الخطب الطوال بعيدا عن حرف الراء حتي أنه في آخر سورة مريم عرض له حرف الراء في قوله تعالي (فهل تسمع لهم ركزا) فنطق (فهل تسمع لهم نبسا وتخلص من الراء بكثرة أطلاعه علي مرادفات الكلامات التي تخلو من حرف الراء وقد أجتهد ووفق فكان يستعيض عن الفرس بالصافن والجواد وهكذا ويظهر البشر علي محيأ الأستاذ وعلي وجوههنا الفاغرة فاها فنضحك ويعطي الأستاذ الفرصة لآخر قيقول كانت العرب في أصبح الصباح معاني كثيرة وكلها تصيب الهدف فمنها عطس أنف الصباح ولاح داعي الفلاح وآخر يقول لاح أبن زكاء وألحف الجو الضياء وثالث يقول أطل التنوير وحسر الصبح المنير ورابع يقول بلغ الليل غايته ورفع الصبح رايته وخامس يقول اذا لألأ الأفق ذنب السرحان وآن أنبلاج الفجر وحان والبشر وعلامات الرضا تظهر علي وجه الأستاذ ويطالبنا بالمزيد علي أن لأحدنا كان حكاية كان يدرجها في باب التحسين والتقبيح فالسيدة عائشة كانت تستدين من غير حاجة وضرورة فلما سئلت عن ذلك وبصرت بمضار الدين قالت سمعت رسول الله (ص) يقول(من كان عليه دين وفي نيته قضاؤه كان الله معه حتي يقضيهه) وأنا أحب أن يكون الله معي ونضحك لتأصيل تحبيب الدين ودفاتر التاجر لاتنام ونضحك لحديثه والجلسة يتواصل ألقها ويعم خيرها علي الجالسين والأستاذ يشير لمن رفع أصبعه يريد فرصة الحديث ويبتدر طالما كان النقاش عن التحسين والتحسينات فيستحسن أن نزكر أمر تحسين البنات فلقد روي أن عمر بن العاص دخل علي معاوية بن أبي سفيان وعنده بنته فقال له من تكون قال تفاحة القلب قال أنبذها عنك قال ولم ؟ قال لأنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن ومعاويه يقول له :لاتقل ذلك فوالله مامرض المرضي ولاندب الموت ولا أعان علي الأحزان منهن ورب أبن أخت نفع خاله وعمر يحبهن بعد سماع ذلك وآخر يبتدر أبنته المولودة حديثا بعد نداء الأذان في أذنها بخطبة جميلة(أهلا وسهلا بعقيلة النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار ووالدة الأطهار المبشرة بأخوة يتناسقون ونجباء لاحقون)ثم أردف منشدا: ولو كانت النساء كمثل هــــذي لفضلت النساء علي الرجال وما التأنيث لأسم الشمس عيب ولا التزكير فخر للهلال والجلسة في ختامها والأستاذ علي وشك أن يغادر مع وعد بزيادة الزمن في حصص أخريات أذا به يلمح أصبعا مرفوعا يلح صاحبها في فضيلة المشاركة وما أكثر الأصابع ساعتها فالجلسة كانت مغرية جعلتنا نخرج مكنونات مانحفظ ودرر ماسمعنا من أفواه المتحدثين والأستاذ يستجيب ونفرح للتلبية فهي تعني لنا سماع الجديد والطالب يستقبح علمنا بأول كلامه ونندهش كما الأستاذ ويقول له مابالك يافتي وتقبيح العلم والطالب يلوذ بأبيات الشعر : المال يستر كل عيب في الفتي ويرفع كل نذل ساقط فعليك بالأموال فأقصد جمعها وأضرب بكتب العلم عرض الحائط ونضحك ضحكا نكاد نسقط فيه أرضا علي جلوسنا جراء ماقاله زميلنا والأستاذ يقول هذا الفصل وذاك السوق والأختيار يبقي لكم في التحسين وفي التقبيح وخرج علي أمل اللقيا بجلسة أخري ننثر فيها كنانتنوماأحتوته شبكة عقولنا من طيب الكلام وطرائفه.
#مهدي_أبراهيم_أحمد_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|