نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 02:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
صيدنايا القديمة، التي سميتها في مقالٍ سابق لي(وادي القديسين)،محاطة بالمرتفعات الصخرية من كل جهاتها، ما عدا جانبها الشرقي فهي تنفتح على سهل مشترك مع قرية معرة صيدنايا. في محيط قريتنا المرتفع وبين كرومها وسهولها ووديانها كانت هنالك ذرىً صخرية جميلة، سمَّاها أباؤنا وأجدادنا بالقُرَنِ(جمع قرنة). في محيطها الغربي كانت قرنة (حَسْنا) و في جنوبها (نُقر الزيت) أو قرنة (مار جريس)، ومن شمالها صخور (القلعة) ومن جنوبها (القرنة الصغيرة) وقرنة (شيرْ نَطْبة) و(قرنة غِرا)، وصخرة (الأووز) التي كانت تبدو لمارة الطريق الجنوبي كتمثالٍ منحوت على ظهر هضبة ترابية. و في الكروم الشمالية الشرقية قرنة (حِصبْنًيَّة) و قرنة (رْحوبيث) وفي كرومها الغربية قرنة (الغرب). وهنالك قرن أخرى أكثر بعدا ...مأساة قريتنا القديمة جاءت مع الغزو الاسمنتي والناظم المعماري الفالت من عقاله، واكتمل المشهد بأن معظم هذه القُرَن الجميلة لم يعد على قيد الحياة . فإحداها شوهت بالمداجن وأخرى شوهت بالسجن، وبعضها مُسِح من على وجه الأرض بفضل أصحاب المرامل والكسارات وداعميهم، وبعضها الآخر سرقه وطُوِّبَه المدعومون ليتحول إلى غابات من الأبنية الرمادية االشاهقة.. ولم يبق من هذه القُرَن التي كانت تشكل جزءاً من جغرافية القرية وتاريخها وحكاياها غيرُ أسمائها. فيبدو أن أسماء الأمكنة لا تموت وهي أطول عمراً من مسمياتها، وتبقى في ذاكرة الناس ولكن هذه الذكريات حزينة في أغلب الأحيان، وخاصة أن هذه القُرَنَ التي تم اغتيالها لم يرتفع فوقها بناء جميل واحد يسر العيون... والمفارقة أن قبل ألف وخمسمائة عاماً أقيم على مرتفع صخري يقع شمال شرقي القرية دير جميل يشبه سفينة راسية على جبلٍ لا يزال قائماً بكهوفه وتضاريسه الجانبية، وهو عامر حتى الآن برونقه وجماله ويزوره الناس من كل أنحاء المعمورة... كم كنت أتمنى أن يبنى على سفح القرنة المقابلة (نقر الزيت) قصر بلدي يليق بقريتنا التاريخية... كتبت هذه المقالة القصيرة بينما كنت أقرأ عن أول قرية أيطالية قد بنت قصرها البلدي في عام 1350. فيبدو أن لديهم المستوى المعماري للقصر البلدي يعتبر مقياساً لتقدم ومدنية أي مدينة أوقرية....
دمشق في 25/5/2010
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟