|
نيرمانا كهوية شعرية .. قراءة في ديوان البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية ل شريف الشافعي
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 3013 - 2010 / 5 / 23 - 13:19
المحور:
الادب والفن
في ديوانه " البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية " – الصادر عن دار سندباد للنشر بالقاهرة 2010 - ينشئ شريف الشافعي حالات شعرية ، و نصية ، و إنسانية ، و كونية تتطور من خلال اتحاد الصوت المتكلم بنيرمانا ؛ و كل منهما يعاد إنتاجه في أخيلة النص ، و إحالاته المتغيرة ؛ و لهذا يظل الشاعر في حالة بحث عن الذات ، و عن التحقق الافتراضي – التاريخي لنيرمانا دون نهاية ؛ لأنه في تلك الفسحة من البحث الآلي ، أو الداخلي يتداعى النص في مقاطع توليدية لدوال الذات ، و الوعي ، و الأنثى في اتحادها المادي ، و الخيالي بالكون ، و الثقافة ، و الأشياء الصغيرة . ثمة انتشار خيالي في الديوان يؤجل نقطة الوصول لنيرمانا ، أو المتكلم من داخل عملية البحث نفسها ، و كأن انفتاح النص على الأنا ، و الآخر ، و العناصر الكونية مشروط بهذه الاحتمالية التي تتطور ، و تتشابك ؛ لتؤول الدال ، دون أن تكشفه . و بهذا الصدد يرى رولان بارت في لذة النص أن النص يتخذ شكل النسيج في خاصيته التوليدية ، و من ثم تنحل فيه الذات مثل العنكبوت ( راجع / رولان بارت / لذة النص / ترجمة د منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بحلب مع سوي بباريس / ط 1 / 1992 / ص 109 ) . هكذا يعيد شريف الشافعي قراءة الذات من خلال الانتشار اللانهائي لدال الأنثى نيرمانا ، و تعدد السياقات المادية التي يتوحد فيها كل منهما بالآخر بدرجات متفاوتة . إننا هنا نعاين التجربة الشعرية في تطورها خارج الأصول ، و المرجعيات الأولى ، و كأن تلك المرجعيات في حالة لعب ، و تغير دائم يمنح الأصالة للخيال ، و الآلية الزائفة التي يفجرها النص في سياق صوفي مضاد للسيطرة الميكانيكية من داخلها . و يمكننا تحليل ديوان البحث عن نيرمانا من خلال ثلاث تيمات هي : أولا : التوحد بنيرمانا داخل الذات ، و خارجها . ثانيا : تعدد صور نيرمانا . ثالثا : البحث المستمر عن الكينونة . أولا : التوحد بنيرمانا : تلج نيرمانا الصوت المتكلم ، أو هي هويته الشعرية الأخرى . هل نبعت نيرمانا من الوعي ؟ أم أنها فاعلية إبداعية غير مرئية تعيد تشكيل الذات من منظور شعري ؟ نستطيع القبض على دال نيرمانا في الديوان في تلك اللحظة التي يسخر فيها الشعر من حتميات الواقع ، أو المرجع الشخصي . يقول : " كانت نيرمانا جالسة في المقعد الخلفي / رغم عدم حصولي على الرخصة / شعرت بسعادة لا توصف / لأنني تمرنت على قيادة ذاتي / في المشاوير الاستثنائية " . تتخذ نيرمانا موقع الأصل هنا رغم هامشيتها ؛ فهي الوجود الشعري للمتكلم ، أو حالة الاستثناء التي نعاينها في الديوان كأنها أصل متغير . نيرمانا تؤول العالم الداخلي في سياق الشاعرية الخارجية ؛ فالفضاء / السيارة - اكتسب طاقتها المجازية ، و من ثم بزغ الصوت في حضور آخر . و قد يتحد الشاعر بطاقة نيرمانا حتى يتوقف وجوده على الاتحاد العضوي ، و الخيالي بها ؛ و من ثم تتشكل هويته المجازية في عملية الانتشار النصي – الكوني المقترنة بها . يقول : " و ظهرت نيرمانا ستة ملايين مرة / لأنها – ببساطة – الأعداد الطبيعية كلها / و غير الطبيعية / باستثناء الصفر / الذي هو أنا بدونها " . يكتشف الشاعر هنا خاصية التضاعف اللعبي / الشعري المميزة لنيرمانا ؛ فهي الرقم ، و الدال ، و المرجع في حالته الاستعارية ، و هي طاقة تحول الذات / الصفر إلى موجود مضاف لهذا التراكم المجازي ، أو أي مرجع محتمل لها . ثانيا : تعدد صور نيرمانا : تتعدد المجالات التكوينية ، أو الفضاءات التي توجد بها نيرمانا ، أو تهيمن عليها ، أو تنبثق منها ؛ فدال نيرمانا في حالة انحراف عن اكتمال الحضور دائما ؛ و لهذا اختار الشاعر لها أسماء عديدة ؛ مثل نيرمانا ، و نونا ، و نيرفانا ، و نيرميتا و غيرها . إننا نعاين صور نيرمانا ، و دلالاتها في السياقات الإنسانية ، و الكونية ، و النصية من خلال تجليات إبداعية فريدة ، تؤكد شاعرية الوجود . و يستعيد شريف الشافعي نيرمانا كثيرا في سياق تكنولوجي ؛ إذ يعيد اكتشاف وعي المتكلم من في سياق استبدال دوال الكمبيوتر ، و آليته ، و ارتباطاته الشرطية لمكونات الذاكرة ، و الانفعالات ، بحيث تبدو الدوال الآلية في حالة لعب من جهة ، و يبرز المتكلم كتابع لفاعلية نيرمانا الإبداعية في السياق التكنولوجي من جهة أخرى . يقول : " لم تكتف نيرميتا بتنشيط الملفات المرئية / في أقراصي الصلبة و المرنة / لكنها نشطت أيضا الملفات المخفاة / و الملفات الملقاة منذ زمن في سلة المهملات / نشطت أيضا غددي العرقية " نيرمانا هنا هي طاقة الحياة في الجسد ، و الخلايا ، أو هي وهج الذاكرة ؛ فهي تتوحد بصوت المتكلم ، و ماديته ، و كذلك تقوم بمحاكاة إبداعية للتنشيط الآلي في الكمبيوتر ؛ إذ تفجر حضور الملف / الشعور ، أو الإدراك ، وتنتجه كقراءة متجددة لصوت الشاعر ، و هويته . و قد تنقلب الآلية على حتميات البرمجة عندما تختلط بالتوحد المتعالي بنيرمانا ؛ فيصير مدلول التبعية إغواء مجازيا لانهائيا باتجاه تكرار الحضور الإبداعي المتغير لتكوين الشاعر ، و الأنثى . يقول : " القانون صفر الذي وضعته لي نيرفانا / ووافقت عليه غير مضطر ... / لا يجوز للشخص الوحيد الذي يؤمن بنيرفانا إيذاؤها ... / يجب على هذا الشخص إطاعة أوامر نيرفانا " . القانون يؤسس لارتباط ، و حتمية مضادة لفكرة الهيمنة ؛ فهي تفاعل إبداعي يبدأ من طاقة غير محددة تلج العالم الداخلي للمتكلم ، ثم تعيد إنتاجه كموضوع جمالي مؤجل دائما مثل الحضور الأول لنيرمانا . إن الحتمية في النص تبدو كوسيط مادي لقوة الارتباط الطيفي بين الدوال المجازية ، و صيرورتها اللاحتمية . و قد تأتي نيرمانا في سياق كوني ، أو تتوحد بأخيلة الماء ؛ لتؤكد فكرة الاتساع في وعي ، و لا وعي المتكلم . إنها لحظة الاندماج الأولى بالعناصر ، و ما تحمله من مرح يتجاوز الاستسلام للحدود ، و الحتميات . يقول : " لا أزال بحاجة إلى ارتياد نونا / و الغوص في أنسجتها ببذلة الفضاء / ... علمتني الرقص الإيقاعي مع الأسماك / في قاع البحيرة / و قذف الصيادين بالقواقع الملغومة " . هل هي نشوة العناصر قبل انفصالها عن الاتساع اللاواعي للتكوين ؟ أم أن الصوت الشعري يقيم احتفالية كونية بالرحابة الاستثنائية التي اقترنت بتعدد مجالات نيرمانا في الزمان ، و المكان ؟ إن نيرمانا تحاكي العناصر ، و الحالات الاستعارية ، و الغريزية ؛ لتبقى دون حدود من جهة ، و تؤول المتكلم في بكارة التكرار الشعري لتلك الحالات ؛ فهي تندمج بحالة الاختلاط بين الإيروس ، و العدوان كما يصفها فرويد ؛ فيلتبس التوحد بالغياب ، و الحب بأخيلة الموت ، و كأن هذا الاختلاط الغريزي يقع بشكل دائري دون نهاية للأنثى ، أو الشاعر . يقول : " ثورة مؤكدة سوف يقوم بها الجياع / عندما ألتهم نيرمانا / و لا يتبقى منها شيء / ثورة مؤكدة سوف تقوم بها السباع / عندما تلتهمني نيرمانا / و لا يتبقى مني شيء " . و يشير دال الالتهام هنا إلى قوة الحب ، و اختلاطها الأصلي بالتلاشي ، و الغياب ، و لكن الحدث يبدو متواترا ، و يرتبط شرطيا بالعناصر الطبيعية ، و الثقافية في العالم ؛ فهو جزء من دورات كونية تتعالى على الصوت الواحد . هل انفجرت الاستعارة الغريزية ؟ أم تؤجل مثل التكوينات الجزئية حين تتخذ مظهر القصيدة ؟
و يتناص دال نيرفانا مع حالة النرفانا التي ارتبطت بفكر بوذا ؛ فنيرمانا هنا ترتبط بالغياب الروحي ، و الذوبان في المتكلم ، و العناصر الكونية . إنها الامتداد الطيفي للغياب بوصفه حضورا مستمرا ، و تأويلا للمتكلم ، و العالم . يقول : " بعد أن ترحل نيرفانا خلف الغيوم / ستبدأ – كما أتصور – غيبوبة الصباح و المساء / و ربما أفيق أنا من غيبوبتي " . الاندماج الروحي بالعنصر الكوني ، أو بوعي المتكلم هو الأصل في تجليات نيرمانا ، و انحرافاتها ؛ فهي طاقة التلاشي لا التلاشي نفسه ؛ إذ تتجسد فيها مادة جديدة للغياب . و قد تصير نيرمانا محاكاة للعمل الفني Artwork ، و ما يتجاوزه من تشبيهات تقع في نسيج الواقع ، أو السير الشخصية ؛ فهي القصيدة ، و القدرة التوليدية للمجاز خارجها في آن . يقول : " في اليوم التالي / ذهبت إلى المسرح اليوناني الروماني / نيرمانا هي بطلة العرض وحدها كما علمت / الغزو المباح هو عنوان المسرحية / لم تكتف نيرمانا باحتلال خلايا جسدي / بل تمكنت أيضا من سلب خبايا الروح " . تقع نيرمانا في المقطع السابق بين الذات المتكلمة كفضاء إبداعي ، و المكان / المسرح ، و العمل الفني / المسرحية ، و كأنها تتجاوز الأبنية ، و تحاكيها ؛ لتعيد تكوينها خارج الاكتمال الذاتي ؛ و من ثم أشار عنوان العمل الفني إلى الغزو ؛ ليفكك أي تطابق ممكن مع نيرمانا . ثالثا : البحث المستمر عن الكينونة : ثمة رغبة سرية لدى المتكلم في الإمساك بالكينونة المجازية ، و علاقتها المعقدة بالأنثى في الديوان ، و في الوقت نفسه ينفلت الوعي دائما من الهوية الخاصة باتجاه الانتشار النصي – الكوني للدوال ، و السياقات التي تجمعه بنيرمانا . يقول : " أنا اليوم تمنيت أن أنقسم ثنائيا كالأميبا آلاف المرات .. / أنا أكون بوجودك ، هكذا أفهم ، و لا تعنيني المسميات " . إن الكينونة الإبداعية هي انشطار نيرمانا ، و الصوت وفق صيرورة التشبيهات ، و المجالات المولدة من التوحد المتغير بالآخر خارج الحتميات الانفصالية بين الدوال ، و الأصوات . إن شريف الشافعي يطور الوعي من داخل التمرد ، و رفض الآلية المطلقة ، و من ثم تظل نيرمانا دالا للخروج ، و تفكيكا للعلاقات الآلية ، و تأويلا مجازيا لها . يقول : " صرت لا أقبل أن أوصف بالآلة / ربما لأن أهم تعليمات نيرمانا / التي أحرص على اتباعها / ألا أحرص على اتباع أي تعليمات " . لقد برز ضمير المتكلم في المقطع السابق ؛ ليؤكد تواتر بحثه عن الهوية ، و كأن البحث الإبداعي عن نيرمانا ، أو الكينونة المؤجلة هو بحد ذاته الممثل للصوت الشعري . محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السجن ، و الولادة الإبداعية .. قراءة في رواية الجوفار ل مروة
...
-
الوفرة الإبداعية للشخصية .. قراءة في رواية لم تكتب بعد ل فرج
...
-
دائرية الإيماءات ، و الصور .. قراءة في تجربة علاء عبد الهادي
-
الحكي ، و تجدد الحياة .. قراءة في مجموعة نصف ضوء ل عزة رشاد
-
الإيماءات الإبداعية للحكي .. قراءة في نوافذ صغيرة ل محمد الب
...
-
لعب التشبيهات ، و الأصوات .. قراءة في كأنها نهاية الأرض ل رف
...
-
نقطة الخروج في مسرح أوجين يونسكو
-
نحو فضاء آخر .. قراءة في ديوان هوامش في القلب للدكتور عز الد
...
-
الوعي المبدع يتجدد .. قراءة في كتاب المغني ، و الحكاء ل فاطم
...
-
انطلاق القوى اللاواعية .. قراءة في دموع الإبل ل محمد إبراهيم
...
-
الإكمال الثقافي في فكر أرنولد توينبي
-
الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل
...
-
سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة
-
امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس
-
سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
-
تأملات جمالية في الأنا الأعلى
-
تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل
...
-
العولمة ، و الاختلاف
-
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا
...
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
المزيد.....
-
متحف هيروشيما للفن يوثّق 35 عاماً من التعبير البصري الياباني
...
-
-الذي لا يحب جمال عبد الناصر- وأبرز الإصدارات للقاهرة للكتاب
...
-
7 كتب عن تاريخ الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال والإرهاب الصهيون
...
-
لأول مرة في موريتانيا معرض دولي للكتاب مطلع 2025
-
فتح باب التقدم لجوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 56
...
-
وردة الطائف إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي
-
بعد الحادثة المروعة في مباراة غينيا ومقتل 135 شخصا.. جماعات
...
-
-عاوزه.. خلوه يتواصل معي-.. آل الشيخ يعلن عزمه دعم موهبة مصر
...
-
هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
-
رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|