|
الفرانكفونية: إيديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالية - الاستعمار الثقافي كبديل للاستعمار العسكري
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 3012 - 2010 / 5 / 22 - 19:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
2- الاستعمار الثقافي كبديل للاستعمار العسكري خضعت مجموعة من دول العالم العربي للاستعمار الفرنسي؛ الذي بدأ في اختراق المنطقة المغاربية منذ 1832 من خلال احتلال الجزائر؛ ووصلت السيطرة الاستعمارية ذروتها بعد فرض الحماية على المغرب سنة 1912 . و نفس الوضع عاشته سوريا في المشرق العربي؛ فقد فرض الانتداب الفرنسي عليها بضوء أخضر من عصبة الأمم المتحدة عام 1922؛ و ذلك بادعاء المساعدة في إنشاء مؤسسات للدولة؛ بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. و خلال فترة الانتداب هذه كانت الدولة الخاضعة للانتداب الفرنسي موحدة؛ تجمع سوريا و لبنان؛ و بعد انتهاء فترة الانتداب في أواخر أربعينيات القرن العشرين؛ نشأ كيانان مستقلان هما الجمهورية السورية والجمهورية اللبنانية. و قد تداخلت مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية؛ مكنت فرنسا في الأخير من بسط سيطرتها على جزء من المنطقة العربية؛ بادعاء إدخال الإصلاحات؛ و نقل المنطقة إلى العصر الحديث !!! لكن الهدف –في الحقيقة- كان استعماريا صرفا؛ يدخل ضمن الحركة الاستعمارية التي قادتها أوربا خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ حيث تم تقسيم إفريقيا و جزء من آسيا بين الدول الاستعمارية الكبرى ( بريطانيا- فرنسا – إيطاليا – ألمانيا ...) . و قد استمرت الهيمنة الاستعمارية الفرنسية؛ حتى حدود الستينيات من القرن العشرين (بخصوص المغرب العربي)؛ حيث انسحبت فرنسا على وقع مقاومة شرسة؛ سواء في المغرب أو في الجزائر أو في تونس ... لكن هذا الانسحاب لم يكن تاما؛ لأنه كان من جنس الاستقلال المشوه و الناقص الذي قبل به الانتهازيون؛ خدمة لمصالحهم الخاصة؛ و ضدا على مصلحة أوطانهم. لذلك تمكنت فرنسا من الجمع؛ ما بين الانسحاب الشكلي و الإبقاء على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة؛ و ذلك بالاعتماد على خدامها الأوفياء من المستعمرين (بفتح الميم) الذين سيحملون راية الفرانكفونية عاليا. و يتشكل هؤلاء –في الأغلب- من النخبة السياسية الحاكمة؛ و كذلك من النخبة الثقافية التي دافعت على مصالح فرنسا في المنطقة؛ بادعاء الدفاع عن قيم الحداثة؛ التي لا يمكنها أن تتجسد إلا عبر اللغة الفرنسية !!! إن الحفاظ على مصالح فرنسا؛ يمر عبر ترسيخ استعمار بديل؛ يعوض الانسحاب العسكري؛ و هو أخطر من سابقه. هكذا كان قادة الاستعمار يفكرون منذ البداية؛ لذلك توجهوا إلى إخضاع النفوس و العقول ثقافيا؛ للتمكن من إخضاع الأجساد؛ و حتى إذا توهمت الأجساد التحرر؛ تبقى العقول و النفوس مقيدة و تابعة. هذا بالضبط هو ما وعاه مدير التعليم في المغرب خلال الفترة الاستعمارية (جورج هاردي) الذي يقول: " إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل؛ إن القوة تبني الإمبراطوريات؛ و لكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار و الدوام. إن الرؤوس تنحني أمام المدافع؛ في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد و الرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان. و إذا كانت هذه المهمة أقل صخبا من الأولى؛ فإنها صعبة مثلها؛ و هي تتطلب في الغالب وقتا أطول. " (1) و إذا كان إخضاع النفوس و العقول خلال المرحلة الاستعمارية مرتبطا بإخضاع الأجساد عبر السلاح؛ فإن اضطرار فرنسا إلى الانسحاب على وقع ضربات المقاومة؛ سيبطل الآلية الثانية؛ و في نفس الوقت؛ سيفتح المجال أمام تضخم الآلية الأولى؛ التي تعتمد الثقافة و اللغة كأداة للسيطرة. و لذلك فإنه ليس من الغرابة أن تتأسس الفرانكفونية؛ كآلية استعمارية مباشرة بعد انسحاب فرنسا عسكريا من مستعمراتها؛ و التواريخ التي ترتبط بهذا التأسيس توضح هذا الأمر بجلاء :
ـ 1960 انعقاد المؤتمر الأول لوزراء التربية والتعليم في فرنسا وإفريقيا؛ حيث تبلور مفهوم الفرانكفونية نظرية ومنهجاً. ـ 1961 تأسس اتحاد الجامعات الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية. ـ 1962نشرت مجلة (ESPRIT) الفرنسية عدداًً خاصاً حول محور (اللغة الفرنسية لغة حية) واعتبر محتوى العدد بمثابة البيان الأول للفرانكفونية. ـ 1964تأسست فدرالية الجمعيات للانتشار الفرنسي. ـ 1966 تشكلت اللجنة العليا للدفاع عن اللغة الفرنسية، وأُقِرت بمرسوم جمهوري. ويرأسها رئيس الوزراء الفرنسي، وتتألف من عشرين شخصية تنتمي لعالم السياسية والأدب والفن والعلوم والإعلام والصناعة. وتحددت مهمتها في تطوير العلاقات الثقافية بين الدول الفرانكفونية من المستعمرات وغيرها، ودراسة الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك. ـ 1966في الفترة نفسها تأسس المجلس العالمي للغة الفرنسية، وهو عبارة عن أكاديمية فرنسية دولية للبت في النزاعات اللغوية المتوقعة بين مستعملي اللغة الفرنسية من الدول الفرانكفونية، وسائر المشتغلين بها من أهل الفكر. ـ 1966 أيضاً تأسست المنظمة الدولية للبرلمانيين الناطقين بالفرنسية، بمطالبة من الرئيس السنغالي السابق (ليوبولد سنغور)؛ حيث جعلت مقر إقامتها في بروكسيل، ومقر أمانة سرها في باريس. ثم انبثقت عنها مؤسسة (كوكبة المشاهير) التي بدأت تمنح جوائز أدبية لأفضل الكتاب والشعراء الفرانكفونيين. ـ 1969 تأسست في باريس الفدرالية الدولية لأساتذة اللغة الفرنسية. ـ 1970 تأسست الفرانكفونية بمفهومها الجديد، باسم (وكالة التعاون الثقافي والفني للتبادل الثقافي مع الحكومات)، واعتبر تاريخ تأسيسها الموافق ليوم: (20 مارس) بمثابة اليوم العالمي للفرانكفونية. وقد اجتمع لذلك رؤساء ثلاث دول تحت الرعاية الفرنسية، وهم: الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، والرئيس السنغالي السابق ليوبولد سنغور، والرئيس النيجيري السابق حماني ديوري. فضمت الوكالة الفرانكفونية 12 دولة أصبحت بعد ذلك 50 دولة تمثل القارات الخمس. ـ 1974 تأسست الجمعية الفرانكفونية للاستقبال والاتصال. ـ 1986 انعقد المؤتمر الأول للفرانكفونية بباريس بعدما تم التحضير له سنة 1985 في دكار بالسنغال. وقد ضم بالإضافة إلى المستعمرات القديمة بلداناً أخرى مثل بلجيكا و اللكسمبورغ ومقاطعة الكيبك الكندية. وقد تتابعت المؤتمرات كل سنتين، في كل من كيبك، ودكار، وجزر موريس، وكوتونو، وهانوي... ـ 1997 انعقد مؤتمر الفرانكفونية في هانوي؛ حيث تم إحداث منصب الأمين العام للفرانكفونية الذي يكون بمثابة سكرتير عام لها، وناطق رسمي باسمها، وممثل لها في المحافل الدولية، والمؤتمرات، والهيئات، والمنظمات؛ وقد تم انتخاب السيد بطرس بطرس غالي لشغل ذلك المنصب. ـ 1998 انعقدت المناظرة الوزارية للفرانكفونية في بوخارست؛ حيث تم إقرار مصطلح (المنظمة الدولية للفرنكوفونية) Organisation internationale de la Francophonie للدلالة على مجموع هيئات الفرانكفونية. (2)
إن ما يبدو واضحا من خلال هذا الجرد الكرونولوجي؛ هو أن بداية الفرانكفونية؛ صارت بشكل متواز مع انسحاب فرنسا من مستعمراتها؛ و هذا ليس صدفة البتة؛ بل يجد تفسيره في الاستعمار الجديد؛ الذي أسست له فرنسا بعد دحرها على يد المقاومة المسلحة. ( و للحديث بقية) ...
1- M.g.hardy : le problème scolaire au Maroc – Casablanca – imp. rapide-1920. 2- Site : organisation internationale de la francophonie (www.francophonie.org)
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرانكفونية: إيديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالي
...
-
محمد عابد الجابري .. مات الانسان و ركب المناضل و المربي و ال
...
-
استدراك - تقرير أطروحة الدكتوراه- التأسيس للرواية المغربية:
...
-
تقرير أطروحة الدكتوراه- التأسيس للرواية المغربية: من البنيات
...
-
بعد نجاح شعار التغيير الأوبامي داخليا - هل من أمل في التغيير
...
-
نتنياهو .. و رهان تغيير أوباما
-
الحركة الصهيونية: مشروع استعماري غربي بغطاء يهودي
-
الكيان الصهيوني: منظمات إرهابية تشكل دولة !!!
-
الموساد: منظمة إرهابية بغطاء دولي !!
-
التنين الصيني - هل هي بداية تحطم أسطورة نهاية التاريخ ؟
-
التحقيق مع طوني بلير: هل هي بداية ملاحقة مجرمي الحرب؟
-
السياسة الخارجية الأمريكية وقود تنظيم القاعدة
-
باراك أوباما و حصيلة السنة الأولى- ماذا بقي من شعار التغيير؟
-
اليمن : البوابة الجديدة للسيطرة على الشرق الأوسط
-
خطة أوباما الأمنية الجديدةهل هي بداية انتصار المقاربة الجمهو
...
-
حصيلة القدس سنة 2009 : مزيد من التهويد
-
نهاية سنة أمريكية دامية
-
التقارب السوري-اللبناني: تغليب كفة المصالح المشتركة
-
مذكرة اعتقال تسيبي ليفني: مصداقية القضاء البريطاني على المحك
-
أزمة ديون دبي في نقد المقاربة الإيديولوجية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|