بؤس الأماني ... في دولة اللادولة ....!!!!!

عامر الدلوي

الحوار المتمدن-العدد: 3012 - 2010 / 5 / 22 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كـنـت قـد عـدت للتـو مـن زيـارة ٍ لبروكسـل ضمـن وفـد إعـلامي وأنا في طريقـي إلـى مقر عملـي توقفت لأتصفـح صحـف الصـباح الصـادرة في بغـداد العزيـزة أسـتفزني واحـدا ً من العناويـن الكثيـرة والمثيـرة التي تميـز بهـا السـيد ( سـتار جبـار ) في كتابـة إفتتاحيـته لأعـداد جريـدته الموسـومة ( البينـة الجديـدة ) والتـي أعتـاد الرجـل فيهـا إنصـاف حـزب عـريـق لـه ماض ٍ مشـهود بحـقه مـن قبـل الأعـداء قبـل الأصـدقاء في الدفـاع عـن قضـايا الشـعب والوطـن وقد كـان العنـوان :
" الشـيوعيون ... والسـلطة ودكاكيـن السـاسـة الجـدد "
في عـدد الجـريدة المرقـم ( 1053 ) والصـادر بتاريـخ 12 / 5 / 2010 المصـادف الأربعــاء .
تصفحتهـا يومهـا و ركنتهــا جانبـا ً بسـبب مشـاغل ِ عمـل ٍ كبيـرة وكثيـرة بعـد إنقطـاع عنـه دام عشـرة أيـام .. لـم يتسـنى لي قرائتهـا بتمعـن ٍ سـوى اليـوم .. وهـذا عيـب قـد ألام عليـه .. ولكـن الزحمـة التي لا ترحـم هي من يجـد لي عـذرا ً في ذلـك .
بعـد أن قرأت موضوعـة السـيد " سـتار " وفـرغـت منهـا .. لفـت نظـري مسـتطيل صغيـر في أقصـى يميـن الصفحـة الأولـى .. حمل عنـوان .. " سـؤال لوجـه الله " .. بـدا بل كـان خاليـا ً من التوقيـع أود أن أنقـل محتـوياته هنـا .. لنبـدأ بعـدها سـفرا ً جميــلا ً مـع محـاولة الأجـابة علـى السـؤال .. ولكـن بالطـريقة التي نفهمـها نحـن وليـس التي عناها وطالـب بها الأخ الكاتـب .
" مـن يبنـي مسـاكن واطئـة الكلفـة للفقـراء و ذوي الدخـل المحـدود ليغادروا بيـوت الطيـن أو التنـك .. ومـن يوزع قطـع أراض ٍ سـكنيـة ويمنـح قروضـا ً لمسـاعدة النـاس في البنـاء ومـن يبنـي مجمعـات سـكنية فورا ً لتخليـص عبـاد الله من سـياط أصحـاب الأمـلاك و إيجاراتهـم الناريـة ؟ إنها مجـرد أسـئلة لوجـه الله " .
فـي بلـد ً يتحـدثون فيـه عـن ميزانيـة ٍ سـنوية ٍ تعـدت في معظـم السـنوات السـبع ( التي تلـت إنهيـار النظـام السـابق ) الـ 60 مليـار ما يجعلنـا أمـام رقـم فلكـي مقداره 420 مليـار دولار الـذي أصبـح وأمسـى شـغل الناس الشـاغل لا بـل أنهم يتحـدثون عـن 311 مليار دولار هي مدخولات العراق خـلال أربـع سـنوات من عمـر دولـة " القانـون " .. أبتلعتهـا " صـولـة الفرسـان " وأخـواتها من صـولات شـيوخ العشـائر على قاعات فنـدق الرشـيد .. عنـدما أبتـدأ تشـكيل مجالـس أسـناد العشـائر .. وأبتـدأت معهـا هبـات الأميـر الـذي لا يملـك ممـا يهـب شـيئا ً .
في بلـد ٍ تسـمع ُ فيـه عـن مثـل هـذه الأرقـام الفلكيـة .. التي لـو صـنع منهـا سـلما ًدولاريا ً لأمكـن بـه الوصـول حتـى السـماء السـابعة والحديـث مـع الله من تحـت عرشـه عـن مدى الظلـم الـذي يحيـق بأبنـاء الشـعب العراقـي والـذي أمتـد ( رغـم زوال أبشـع نظـام ديكتاتوري عرفـه التاريخ طيلـة 35 عاما ً ) لتشـهد السـنوات السـبع التي أعقبت الغزو الأميركـي للعراق ظلمـا ً أبشـع وأشـد هـولا ً ( وعلـى يـد من ؟ الأدعيـاء الـذين أصبحـوا مناضليـن بعـد ربـع قرن من التسـكـع وعـدم السـماع حتى بأسـمائهم من قبل أبنـاء شـعبنا ) ولكـن تحـت مسـميات الحريـة والديمقراطيـة وما أبعـد هـذه المسـميات عمـا جـرى في بلـدنا سـواء على جنود الأحـتلال أو المتسـكعين في عواصم اللجـوء .
فـي بلـد مثـل هـذا ( أغنـى بلـد في العالـم ) أكـاد أتميـز من الغيـظ كما تتميـز جهنـم في الأسـطورة القرآنية كلما أسـمع سـؤالا ً أو طلبـا ً كهـذا موجـه للخالـق الكريـم أو عبيـده من الدجاليـن والمنافقيـن واللصـوص ... !!!! .
لمـاذا بيـوتا ً واطئـة الكلفـة للعراقييـن ؟ .. وهـم من يسـتحقون ( على صبـرهم كل هـذه المـدة على ظلـم بنـي جلدتهـم .. مـن قائـد ٍ ضـرورة .. إلى معارضيـن ..!!!! لـه .. صـاروا قادة ً علينـا بنعمـة أبنـاء خالاتهم وعماتهـم .. لكـن السـوط والهـراوة اللتان كانتا بيد الضرورة لـم يذهبا معه إلى حيـث قـُبـِـرْ .. بـل إنتقـلا إلى أيـدي دعـاة النضـال علـى ضـفاف وحافـات الضـياع في " سـوهـو " و " بيجــال " .
لمـاذا بيـوتا ً واطئـة الكلفـة وليسـت بيـوتا ًفخمـة ً تتوفـر فيهـا كل متطلبـات الحيـاة العصـرية .. لمـاذا لا يتسـاوى العراقيـون مـع أقرانهم مـن بنـي البشـر في دول الركـب الحضـاري المتقـدم .
مالـذي يملكـه أولئـك ليتنعمـوا بخيرات الجنات التي تجري من تحتهـا الأنهـار هنـا ونقـدا ً في هـذه الدنيـا وقطـوفهـا عليهـم دانيـة وناظـرة ٌ للمتسـكعين في غاباتها مهـرولين للحفاظ على لياقتهـم البدنيـة .. وليـس بالآجـل ... كـن عبـدا ً ذليـلا ً هنـا وأقنـع بما يتصـدق به عليـك السـيد صاحـب السـطوة والمـال وسـيجعلك الله في الآخـرة هناك جنبـه في علييـن ... هل إن ميـزانيـات بلـدانهم تحـوي أرقامـا ً كالتـي تحـويها كعكـة المهنـدس باربا الشـاطر .. أعظـم سـاحر .
لمـاذا يسـكن أولئـك في مجمـعات سـكنية وعمارات متسـاوية في الحجـم وطريقة البنـاء وتوحـدت واجهاتهـا زودت بحـدائق وسـطية تزهـو بالورود ومسـابح ومـلاعب كـرة وسـاحات لعـب للصـغار ... ولمـاذا نسـأل في دعائنا أن تتوفر للعراقيين مسـاكن واطئة الكلفة ؟
لمـاذا أولئـك تقلهـم قطـارات الأنفـاق والترام الكهـربائي والقطـارات المعلقة .. وباصـات النقـل العام بتذكـرة ٍ موحـدة ٍ مـن منـاطق سـكناهـم وإلى مقـرات عملهـم وبالعكـس , دون أن يعـرفوا للزحـام تسـمية ... لمـاذا يقطـع قطـار اليوروسـتار ( بيـن المدن ) المسـافة الفاصـلة بين بـون وبرلين بثـلاث سـاعات ( وبين باريس وبروكسـل في سـاعة وعشـرين دقيقة .. ناهيـك عما هـو حاصل ٌ في اليابان والصيـن من نقل بواسطة القطارات ذوات المسـميات العجيبة .. الرصاصة مثلا ً ) وهي نفس المسـافة بين بغـداد والبصـرة بينما يقطعها قطـار الديزل الذي ركـن في المتاحـف هناك بأكثر من 15 سـاعة في مرات كثيرة .
لمـاذا هـم يصـلون إلى مقرات عملهـم بدقائق محسـوبة ومعـدودة بينما نقضـي كعراقسسن ثـلاثة أرباع عمرنـا و وقتنا وسـط الزحامـات القاتلـة التـي كان للحـواجـز الكونكريتيـة و مواكـب السـادة وسـيارات العبيـد وإختنـاق شـوراع بغـداد المصممـة أصـلا ً لأسـتيعاب أعداد السـيارات المسـوردة لحـد سـنة ألفيـن .. أثـرا ً كبيـرا ً في نشـوئها .. ولمـاذا يصـرف المواطـن الأوربـي ثـلاثة أربـاع وقـت التنقـل في المترو أو القطـار أو الباص في قراءة كتـاب أو مجلـة وسـط هـدوء تام لا يمـزقه سـوى هدير عجـلاتها على السـكـة .. بينمـا يصـرف المواطـن البغـدادي ثـلاثة أربـاع وقـت التنقـل في باصـات كوسـتر عفا عليهـا الزمـن يلعـن فيه الزمـن الأسـود الـذي كتـب فيه عليـه أن يكـون عراقيـا ً تمـزق سـرواله أو قميصـه نتيجـة تهالـك مقاعـد تلـك الباصـات وبروز أسـلاك التنجيـد من بين الأسـفنج .. لتفعـل فعلهـا العجيـب ذاك مـع الملابـس .
ناهـيك عـن إن كـل وسـائك النقل حتى الحديثة منهـا سـتظل مغطـاة بالأتربـة حتـى بعـد أسـبوع من مرور العاصفة الترابيـة.
لمـاذا يعيـش المواطـن الأوربـي في شـقة حسـب المزاج ( سـواء مملـوكـة أو مسـتأجرة ) وسـط توافـر ممـل ومقـرف أحيـانا ً للخـدمـات .. و وسـط تنـوع مذهـل لحـاويات جمـع القمـامة وطرائـق تجميعها و توقيتهـا .. وفـي أحـدى البلـديـات ( عاصمة ) يحـق لعمالهـا جامعـي القمـامة تسـجيل رقـم الدار الـذي لـم يخـرج القمـامة على وقتها .. ليقدموه إلى شـرطة المدينـة .. التي تذهـب إلى العنوان المذكـور لأسـتحصال الغرامـة المتحققـة قانونـا ً على صـاحب العقـار .
لمـاذا هـم يعيشـون هـكذا .. بينمـا تغـرق بغــداد وسـط أكـداس من القمــامة كـل صبـاح وطفـح في المجـاري ... إلـخ .
لمـاذا هـذه الإسـتماتة في الدعـوة اللأبئـس لتوزيـع قطـ‘ أراضٍ سـكنيـة في بغـداد سـواء من قبـل الصحفـي أو عشـرات آلاف المواطنيـن اللذين تخرجهم الفضائيات وهم يصـرخون .. نحـن لا نملـك سـكنا ً لماذا لا يوزعـون علينا قطـع أراض ؟.. أمـا كفانا هـذا الإمتـداد الأفقـي لبغـداد الـذي جعـل منها قريـة كبيـرة من خـلال البنـاء العشـوائي المتروكـة هنـدسـته لأمزجـة المواطنيـن فتعـددت أشـكال العمارة في المحلـة الواحـدة وليـس في الحي بحـد ذاتـه ؟.. بينمـا نرى كمثـال في أشـد البلدان العربية فقـرا ً ولربمـا أكثـرها تخلفا ً وأعنـي بذلـك اليمـن (الـذي كان سـعيدا ًفي يومٍ ما من التاريـخ) إن البلـديـة تلزم المواطـن الذي يروم بنـاء مسـكن لـه بالواجهـة الموحـدة للحـي والتي يسـتلم تصميمها من البلـدية نفسها , ناهيـك عما هو معمول ٌ بـه في الدول المتقدمـة .. لمـاذا لا نشـدد الدعـوة لأنقاذ بغـداد من هـذه الفوضـي ؟... لمـاذا لا نطالـب بأخراج معارض السـيارات من الأزقـة والمحـلات ونقلهـا خارج حـدود أمانـة العاصمـة؟ .. لمـاذا لا نطالـب بأخراج محـلات التصليح والإدامـة للسـيارات (الشـيخ عمـر مثـلا ً) خارج حـدود الأمانـة وإقامـة مجمعـات نموذجية لها هنـاك ؟.. لمـاذا لا نسـتخدم تشـريعات قوية علـى مربـي الحيـوانات والماشـية داخـل البيـوت بأجبـارهم على الرحيـل خارج حـدود الأمانـة بدلا ً من ترك العاصمـة وكـأنها إسـطبـل ٌ كبيـر ؟... لمـاذا لا يشـرع قانـون يضـرب بيـد من حـديد أولئـك الموظفيـن وكبار مسـؤوليهم الذين صاروا يغيـرون عقـود إيجـار وإسـتغلال أراض الملكيـة العامـة مقابـل رشـاو ٍ سـيجعل الخالق الكريـم منها نارا ً في بطونهم .. ولكن الحكومات يجـب أن لا تفقـه وتسـتسلم لهـذا المنطـق بـل تضـع لـه الرادع القوي .. كما هو حاصل اليـوم إذ تحـولت العـديد من المشـاتل في الأعظميـة وشـارع فلسـطين إلى معارض للسـيارات .
لمـاذا ؟ ... لمـاذا ..؟ لمـاذا ..؟ أسـئلة كثيـرة سـوف لاتنتهـي ..!!! ولـكن لو توفـرت حكومـة تنتبـه لمـا هو حاصـل على أرض الواقـع وعملـت على الحـد منـه .. فإنهـا سـتجـد نفسها موفرةً لأراض ٍتصـلح لبنـاء مجمعات ٍعمـودية ٍ يمكـن أن تضـم بين جنباتها نصـف سـكان بغـداد حاليـا ً والذيـن أعتـدنا على رؤيتهـم وهـم يصـرخـون مطالبيـن بقطـع الأراضـي .. التي سـوف يبنوهـا ( هـذا إن بنـوها ولم يسـتثمروها في البيع مسـتقبلا ً للحصـول على مردود مادي مقابلها ) على غرار مجمـع الصدرين السـكني ( الشـعب ) القائـم على أراض ِملكية ٍعامـة ٍمتجاوزٌ عليها بأسـتخدام أرخص مواد بنـاء وبدرجـة عالية من التشـويه الحضـاري للهندسـة والعمران .. والمعروضـة حاليـا ً معظـم قطعه وبيوته للبيـع وكـأنها ملـك توارثوه أبا ً عـن جـد .. وسـط محاباة وسـكوت ٌ مطبـق من قبل المسـؤولين لأسـتغلالهم كأصـوات إنتخابية .. وهـذا هو السـم القاتـل الذي تتجرعـه بغـداد كل يـوم .. حتى صـرنا نشـاهد علامـات المرض والشـيخوخة والهرم .. والمـوت القريـب على وجههـا .. الـذي تغزل بـه الشـعراء والكتـاب منـذ آمـاد بعيـدة .
لتـكن دعواتنـا بمسـتوى الطمـوح المشـروع والـذي يلـزم الحكومـات على العمل وفق معاييـره .. بـدلا ً من تركـها قائمـة على سـرقة الأموال الخيـالية الأرقام وترك هـذا الشـعب الأثـرى بين الشـعوب كمـا يزعم المحتـل وشـلة المتعاونيـن معه ماض ٍ من فقـر ٍ مدقـع إلى ماهو أشـد منـه .. وأعنـي بذلـك الأميـة والجهـل اللذان صـارا هوية لـه وعنـوان ( أكثـر من 6 مليـون أمي في بلـد كانت نسبة الأمية فيه صفرا ً حسب تقارير اليونسـيف) بعد سـبع ٍ من سـنوات التحـول نحـو ( واحـة الديمقراطية ) في الشـرق الأوسـط الكبيـر .

#عامر_الدلوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات