|
هل يتجه العراق الى الحداثة في التعامل مع الواقع الجديد ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 21:36
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ليس لدى اي من النخبة و المثقفين بشكل عام ادنى شك في ثراء العراق بالعقول التقدمية و احتوائه على نسبة كبيرة من الامكانيات الثقافية و العقول المنفتحة على التطور و ما يحصل في العالم ، و تاريخه شاهد على غناه في المجالات الحياتية، و هو في طليعة المتقدمين للانتقال من مرحلة لاخرى ، و عبوره في العديد من الاوقات للكلاسيكية في التصرف الى الاتسام بالحداثة في التعامل و عصري التفكير مع المستجدات، و ما يمكن ان نسميه الحداثة في التصرف و السلوك و التفكير و العقلية نسبة الى ظروف كل مرحلة مر بها ، رغم الاردات التي حدثت فيه هنا و هناك من وقت لاخر نتيجة عوامل خارجية . ما يعرف اليوم ، ان الدول تركز على مجموعة من المفاهيم في بنيان كياناتها و دفع مجتمعاتها للتفاعل مع التطورات الحاصلة في العالم عند تماسها معها كي تتوائم و تنتفع منها و تغير من مسيرة حياتها، و ان امكن اضافة ما يمكن ان تضيفه الى صرح الثقافة و التقدم العالمي في اي مجال تقدر ان تركز فيه ، لتفيد الجميع . الاختصاصات المسيطرة في هذه المرحلة من حيث النظرية و التطبيق و يكثف الجميع جهودها في المساهمة في تطويرها هي التكنولوجيا و الادب و الفن و الهندسة بشكل عام و الاتصالات خصوصا، و الثقافة العامة و النقد كاهم دافع لتقييم ما يحصل على ارض الواقع. الحداثة كنظرية تعتمد على مجموعة من المباديء و الاسس المختلفة ، بعد التفكير و التعامل النسبي مع الاحداث و العلوم و التطور الدائم ، و على العكس مما كان العالم يتجه اليه قبل اشاعة هذه النظرية ، و كان هم الجميع هو المحافظة على المقومات و منها التي تحولت الى قيم صعبة التهميش او الازاحة في حينه، و التي لم يكن بالامكان الاستغناء عنها ، فتوجه الانسان في مرحلة الحداثة الى ربط عدد من المفاهيم و تطبيقها في الواقع و توفير الارضية المناسبة لها و ربطها مع ما يهمها كالفن بالجماهيرالواجب الوجود و العلم و الصناعة و المعرفة بالتقدم الدائم، و الحقيقة في اي شيء مع الخيال، و اخيرا وجود الاقتصاد الملائم لكل بقعة مع المتغيرات التي تحصل. فكان العراق في المنطقة هو الاسبق في حمله للدوافع و المشجعات التي تغير مجالات متعددة منها الاقتصاد و العلوم و الفنون، مما غير معهم الكلتور ان بقيت شيء من العادات و التقاليد نتيجة سيطرة الدين و المذهب و ما فيهما من الالتزامات، و ما يمكن ان تتميز به دولة ما هو تقدمها صناعيا و اقتصاديا، كما هو حال الدول الصناعية التي تعتبر من البقع الملائمة للتغيير و المؤمنة بالحداثة و الاصلاح الدائم . ويمكن ان تعتبر الحداثة ضمن المرحلة الوسيطة المتنقلة الى ما بعدها اي الى ماوراء الحداثة و ما تثبت فيها من المميزات التي تزيل الحداثة الى مابعدها بشكل نسبي ، كما هو يقال عما يحصل لحال العالم و ما يُعرف بالقرية الصغيرة لجميع المجتمعات كما يعتقد الكثيرين . فيحصل بعد كل تفاعل تقدما ملحوظا في المجالات الفكرية و الثقافية و عدم السيطرة لاتجاه او نظرة معينة على مسار المعيشة كما حصل كثيرا عبر التاريخ ، بل التعددية تكون هي السائدة و تفرض نفسها، و تقبل الاخر، و زوال الحدود بين العديد من الثقافات و اختلاطها لحد كبير يكون هو الصفة المسيطرة على ثقافات العالم مع بقاء نسبة من الاصالة و الخصوصيات و النوعيات لمدة معينة والتي تقاوم الجديد و لكن دون جدوى . لو قيمنا الواقع و عدنا من خيال الحداثة التي نسجناها كما هو الذي يجب ان يكون على الارض و ما موجودة منها نسبيا في العديد من دول العالم في هذه المرحلة، و قسنا الوضع الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الموجود في الشرق بشكل عام و العراق بشكل خاص ، فهل يصح لنا ان نتكلم اليوم عن الاقتراب من الحداثة و ندعي بتطبيقها هنا ، و هل يمكن لنا ان نكون مرتعا خصبا للاستهزاء و سخرية الاخرين لو تكلمنا عنها فقط ، ام يوصمونا باننا نعيش في بحر من الخيال كما نحس ، و من قبل من لم يكن لديهم الارادة و العزيمة في اي موضوع طوال التاريخ، او من قبل من لا يريد التقدم و التطور في منطقتنا. انني و من منطلق تقيمي الشخصي لتاريخ المنطقة و الابداعات و الاختراعات التي حدثت فيها و نسبتها و مقارنتها مع الاوضاع الاجتماعية في حينه و مقارنة مع بقاع العالم الاخرى في وقته، يمكن ان اشجع على التفاؤل الجميع كثيرا في هذا المضمار و ان اتخذ ذلك وقتا طويلا، و يتحمل الواقع قفزات من كافة النواحي ، و بوجود اسس عديدة و مقومات مختلفة يمكن ان تزاح المعوقات بفعل الارادة، بعد تغيير الاساليب و السلوك و النظرات المتجسدة في المنطقة و منها مستوردة من المناطق البعيدة لاهداف خاصة، ولترسيخ تعامل معين مع الحياة في هذه المنطقة كما يرودنه هم و ليس نحن ،و مدى وجود الثقة بالنفس و الهمة المرادة . ان اعتبرنا ما يجري في المنطقة مرحلة انتقالية مؤقتة، و الحوادث عرضية غير اصيلة و المسببات لم تنبع من المنطقة بذاتها فقط، و انما قضايا و مشاكل العالم و الصراعات و المماحكات و التجاذبات الكثير بين القوى العالمية تجمعت على اراضي هذه المنطقة حصرا، و تحاول كل جهة من الانتصار دون ان تؤثر عليها السلبيات التي تفرزها طبيعة الصراع، فاننا نتاكد بان المنطقة بشكل عام و العراق بشكل خاص مستهدف ، و يحملونه اكثر من طاقته و لابد ان يعاد ما يحصل الى سكته الصحيحة و مكانه السليم الملائم، و اخراج المنطقة من تحت ثقل القوى المتعددة التي يرزح تحتها من كافة النواحي السياسية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية هدف اني . التغيير المنشود في المسيرة العامة لدولة العراق بشكل خاص يحتاج لجهد كبير و قدرة و العقليات المتنورة، و المنطقة ايضا تحتاج لاكثر ، التدخلات ربما قد تؤثر على المنطقة بشكل سلبي و قد تؤخر الوصول الى الهدف ، و لكنها لا يمكنها ان تمنع التحدي الذي يمكن ان يتمتع به، و سيكون العراق في الطليعة للتغيير الشامل في المنطقة . ما استخلصناه من التاريخ ، ان الشعب هو الحامل للراية دائما و ان كانت النخبة هي التي تقود القافلة ، و ما نحن متاكدون منه دائما ان الاكثرية هي التي تسيطر على المسار ، و ما هو المعلوم للجميع دائما ايضا ان الطبقة الكادحة و الفقيرة هي التي تشغل الاكثرية الساحقة من الشعب ، و الاكثر وضوحا ان التغيير يحصل على ايديهم بعد التحولات في مسار حياتهم نتيجة المتغيرات. اذن الحداثة مرهون بايدي الاكثرية التقدمية، و لا يمكن ان تتم و ان تتسلط دون الاصلاح و التغيير في نوعية و شكل حياة الاكثرية، و ان لخصنا ما نحن ذهبنا اليه نظريا على واقع العراق فقط، لابد ان تشهد الاكثرية الانتقالة الفعلية، و يجب ان تنتقل الى مرحلة اخرى في شكل و طبيعة معيشتها كي تتجسد الحداثة في النظام و العمل . و هذا ما يمكن ان ينجح بعد تسوية الحسابات السطحية لما يحصل على الارض من الصراعات و المواجهات و تستقر الاوضاع لتبدا الخطوة الاولى الصحيحة للتغيير، و عندئذ يحس كل منا بما عبرنا اليه و يمكن ان نصفه بالحداثة في الفكر و النظرية و التطبيق على ارض الواقع .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بالامكان توفير فرص العمل لكافة العراقيين ؟
-
تسييس الفعاليات المدنية لمصلحة من ؟
-
ما التيار الفكري المناسب لهذه المرحلة في الشرق الاوسط
-
منع الانتقاد هو الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية
-
لم يدان تطاول تركيا و ايران على اقليم كوردستان!!
-
الاغتيالات ما بين الاخلاق السياسي و التحزب
-
موقف المثقفين من الخروقات لحقوق الانسان في كوردستان
-
قلنا فلتكن كوردستان بوابة للحرية و الديموقراطية!
-
لماذا يُستهدف الصحفيين في اقليم كوردستان ؟
-
المطلوب هو الفعل و ليس الفتاوى والوعاظات و الشعارات
-
انتشار الفقر في اقليم كوردستان رغم الميزانية الهائلة له
-
الفدرالية الحقيقة تنقذ العراق و تحافظ على وحدته
-
من يقدٌر الكتٌاب و الادباء في حياتهم ؟
-
ترسيخ التسامح يضمن التعايش السلمي في العراق
-
في مثل هذه الظروف، من يفكر بالطبقة الكادحة في العراق ؟
-
التحالف الكوردستاني و احتمالات تشكيل الحكومة العراقية المقبل
...
-
ما يعيق النظام العالمي الجديد هو الازدواجية في النظرة و التع
...
-
السيناريوات القابلة التطبيق لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
-
الصحافة الكوردستانية الى اين ؟
-
هل يمتلك العراق ما ينقله الى مصافي الدول المتقدمة ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|